الجيــــــوش العربيــــــــــــــــة
ضمـانــات أمـــــن
لإسرائيــــــل… ولوكـــلاء الإدارة الأمريكيــــة
من الحكـــــام العــــــــــرب
بقلــــــــم : د. محمد فــؤاد المغازي
[ هذا المقال ليس بأثر رجعى نشر قبل ثورة 25 يناير 2011 بتاريخ 2006-07-24 ]
لم تعد تجدي المكابرة .. ولم تعد تصلح حيل التخفي .. ولم تعد صياغة الألفاظ بقادرة عن حجب الحقيقة.
فالجيوش العربية بما هي عليه الآن، وما وصلت إليه، تمثل ضمانات أمن لإسرائيل .. وللحكام العرب .. يدفع تكاليف وجودها وتكاليف دورها أمة العرب من أموالهم ومن وضياع أمنهم ومن كرامتهم وعزتهم.
نعم .. فقد كشف الرد الإسرائيلي على المقترحات التي تقدمت بها مجموعة حلفاء إسرائيل لإصدار قرار دولي يجيز إحلال قوات دولية على الحدود اللبنانية في الجنوب .. إلا أن إسرائيل رفضت هذا المقترح .
وقد يكون من وراء رفض إسرائيل أسبابا كخشيتها من أن يطالب اللبنانيون بتواجد قوات دولية على الحدود من جهة شمال فلسطين، وإذا احتجت إسرائيل بصغر مساحتها فإن لبنان مساحته لا تزيد عن ثلث فلسطين المحتلة . أو أن يتحول وجود قوات دولية إلي عبئ يحرج ويحد من حركة إسرائيل إذا ما أرادت أن تقوم بعمليات إرهابية وعسكرية في لبنان.
الملفت للنظر هو أن إسرائيل طالبت وقبلت عودة الجيش اللبناني إلي الجنوب بديلا عن استيراد قوات دولية .. لكن بعد أن تقضي على حزب الله عسكريا .. وسياسيا. والملفت للنظر أيضا أنها تلقت دعما يؤيد مطلبها من المجموعة الأوروبية جاء على لسان خفير سولانا فقد أيد بدوره عودة الجيش اللبناني إلي الجنوب بإعتباره الحل المقبول والأمثل !!!!!
والسؤال : لماذا تصر إسرائيل على أن يكون الجيش اللبناني بديلا عن القوات الدولية؟
إن مرجعية تفسير الرؤى الإسرائيلية وإصرارها على تواجد الجيش اللبناني في الجنوب ليست رؤية خاصة تتعلق بالجيش اللبناني ولبنان، وإنما هذا المطلب وتلك الموافقة تعكس رؤية عامة إسرائيلية تجاه النخب العسكرية العربية ودورها في إطار الأمن الوطني والأمن القومي. فهي تدرك تماما أن الجيوش العربية أصبحت بغير واجب وطني أو قومي .
ومصدر هذا الإطمئنان هو أن إسرائيل كانت تتابع التغيير النوعي الذي لحق بتركيبة قيادات تلك الجيوش ونوعية التسليح، والترهل والتراخي الذي أصاب تلك الجيوش بدعوي ترويج رؤية للسلام مزيفة، ومعرفة إسرائيلية دقيقة لحالة التدريب والجهوزية القتالية لتلك الجيوش وتدرك أن خوضها لأي معركة عسكرية تقليدية مع إسرائيل سوف تخسرها مجتمعة .. إلخ.
يضاف إلي ذلك أن إسرائيل قد تمكنت بالتأكيد للوصول لعدد من تلك القيادات وأفسدتهم بالمال من خلال ما تحصل عليه تلك القيادات من عمولات شراء سلاح، أو من خلال التجنيد مقابل دفع اموال.
كذلك اطمئنت إسرائيل للعبة التي تتعلق بصناعة قرار الحرب والسلم في المنطقة العربية … فالتلاعب كان ومازال يجري على قاعدة العلاقات التبادلية بين النخبة العسكرية والفرد الواحد الذي يمتلك اصدار القرار السياسي بالنيابة ( عن الإدارة الأمريكية ) والمتعلق بالسلم والحرب .. بحيث ينتهي الأمر إلي خلق حالة من الشلل تصل في النهاية إلي استحالة إصدار قرار من شأنه أن يتخذ موقفا معاديا لإسرائيل .. فالجيوش وقيادتها العسكرية سوف تحتج بأنها جيوش ليس لها علاقة بالسياسة وأن دورها وواجبها ينحصر في تنفيذ القرار السياسي فتتملص بذلك من المسئولية تجاه قضية الحرب والسلم .. على الجانب الآخر فإن صاحب القرار السياسي سواء كان ملكا أو رئيسا سوف يعلن بدوره أنه لا يستطيع إتخاذ قرار بالحرب أو بالمواجهة مع إسرائيل .. وذلك استنادا إلي تقارير القيادات العسكرية والتي يرد فيها بكل وضوح أن القوات المسلحة لا تملك القدرة القتالية لمواجهة إسرائيل وذلك نتيجة للخلل الفاضح في موازين القوة العسكرية.
وأنا لا أستبعد أن يكون فيما أعلنه السادات بأن حرب 1973 كانت آخر الحروب مخرجا لحل معضلة المسئولية وتناقضاتها ويزيحها من على كاهل القادة العسكريين وأصحاب القرار السياسي بالوكالة .. وقد تكشف الأيام أنها كانت مقترحا من هنري كيسنجر. فإعلان السادات رغم غرابته وشذوذه لأنه بغير سابقة لكنه يمثل بالفعل غطاءا لحل مشكلة المسئولية والتورط وتبادل الاتهامات.
ملحوظة: إسرائيل على استعداد أن لا تحرج المؤسسات العسكرية في البلدان العربية خاصة المحيطة بفلسطين ( مصر ، سوريا ، الأردن ، لبنان ). وعلينا أن نراجع موقف إسرائيل من قضية ضبط الأمن في فلسطين بعد (أسلوا) فلم يكن عندها أي مانع أن يتولي مسئوليته واحدا من رجالاتها مثل دحلان.
وهكذا أصبحت الجيوش العربية لا تمثل بالفعل أي خطر حقيقي على أمن إسرائيل. وينحصر الخطر القادم والمتبقي من وجهة نظر قادة الكيان العنصري هو الخطر القادم من الشارع العربي .. فالشارع العربي والكراهية العامة المتجددة بفعل السلوك النازي للكيان العنصري الصهيوني تجعل هناك استحالة أن يتقبل الشارع العربي وجود إسرائيل أو العيش معها في سلام لأنه يدرك أن مصطلح السلام هو مصطلح فارغ من مضمونه.
ويعود تحديد الخطر الماثل والقادم لشارون نفسه حيث أعلن أن أسرائيل استطاعت أن تنجز حالة تعايش مع النظام العربي بأكمله ولم يعد يشكل خطرا عليها .. لكن يتبقي العدو الحقيقي لإسرائيل والمتمثل في الشارع العربي .. وهذا على حد قول شارون يتطلب العمل بخطط طويلة الأمد.
وما يشهده الشارع السياسي من تراكمات سياسية وإجتماعية تنبئ بوشوك وقوع تغيير نوعي في نظام الحكم في المنطقة العربية وبالتأكيد فإن البديل القادم لا يمكن إلا أن يكون معاديا للكيان العنصري الصهيوني.
إذن فالشارع العربي هو الطرف المتبقي الذي لم يخضع لمعادلة التسليم التاريخية، رغم ضيق صدور الكثيرين منا بأنه لا يتحرك بما فيه الكفاية، ولا بالسرعة المطلوبة، لكن لا أحد يستطيع القول أن النظام العربي، وحلفائه أجمعين تمكنوا من تطويع أمة العرب .. هذه الحالة قد تشجع قيادات وطنية في الجيش العربي ( أتمني أن تكون البداية في مصر ) من القيام بانقلاب على النظام العربي المتورط في الخيانة الوطنية والقومية .. وقد تنجح تلك القيادات من تكرر نموذج ثورة 23 يوليو .. ساعتها ستلقي كل التأييد والدعم من كل الناس.
فالتوجه السياسي لأنظمة الحكم العربية الملوثة بارتكاب جرم الخيانة العظمي قد ألقي بظلاله الداكنة على المؤسسات العسكرية وجعلها مؤسسات مشكوك في ولائها لشعوبها مما رسخ عدم الثقة في تلك النخب العسكرية فأصبحت النظرة إليها أنها مؤسسات بلا وظيفة اللهم وظيفة قمع الشعوب العربية
المطلوب الآن هو إعادة بنــاء جيش عربي جديد … بقيادة عسكرية جديدة … وهذا لا يتحقق إلا بالإنقلاب الشامل على ما هـــو قائـــــــــــــــــــم.