
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 26 أكتوبر 1973.. قصف إسرائيلى على السويس المحاصرة وعلاء الخولى يقود معركة توزيع التموين على المحاصرين
الخميس، 26 أكتوبر 2017 10:00 ص

كان اليوم هو أول أيام عيد الفطر المبارك 26 أكتوبر «مثل هذا اليوم» من عام 1973، والثالث من حصار القوات الإسرائيلية لمدينة السويس أثناء الحرب التى بدأت يوم 6 أكتوبر ضد إسرائيل على الجبهتين المصرية والسورية، وحسب المؤرخ السويسى حسين العيشى فى كتابه «حصار السويس- 100 مجهولة فى حرب أكتوبر» عن «دار الحرية- القاهرة»: «كان أفراد الكمائن «أبطال المقاومة» على أطراف المدينة لوقف محاولة دخول العدو إليها، وبدأ العدو القصف بالطائرات، واشتركت المدفعية أثناء صلاة العيد، واستمر قصف الطيران حتى الخامسة مساء، والمدفعية حتى السابعة مساء».
فى الساعة التاسعة وخمس دقائق وحسب «العشى»: «اقتحم العدو مقر شركة السويس لتصنيع البترول وجمع العمال وعددهم حوالى 150 عاملا، وأجبرهم على ركوب بعض سيارات الشركة، وساد اعتقاد بأن هذه السيارات ستتقدم فى قول من الدبابات فى محاولة لاقتحام المدينة، واجتمعت القيادات المسؤولة عن المدينة عسكريا ومدنيا لبحث الإجراء الذى يتم اتخاذه، وهل يتم ترك العدو يحتمى بالمدنيين ويدخل السويس بهذه الطريقة أم يتم التضحية بهم فى سبيل عدم تمكين العدو من تحقيق أهدافه؟ وكان القرار الذى أجمعت عليه كل القيادات المسؤولة: «منع أى محاولة لتقدم العدو مهما كان الثمن»، وتم إذاعة بيان على المواطنين بهذا، وتوزيع تعليمات إلى جميع أفراد الكمائن باحتمال قيام العدو بدفع بعض السيارات المدنية أمام مجنزراته ودباباته فى محاولة جديدة لاحتلال المدينة، وكانت التعليمات صريحة ومباشرة: «عدم الاستسلام لهذه الخدعة وفتح النار فورا».
فى حوالى الساعة العاشرة، دق جرس التليفون فى مكتب العقيد أمين الحسينى، مدير مباحث أمن الدولة فى المحافظة، ووفقا لشهادة الحسينى إلى العشى: «كان المتصل قائد القوات الإسرائيلية، وكانت تغلب عليه اللهجة المصرية، قال: صباح الخير. رد الحسينى: انت عايز إيه؟ رد الضابط: إذا ماكنتوش هتسلموا حنقتلكم، حنطخكم. يؤكد الحسينى: لم أحس بنفسى وسيل الشتائم يتدفق من فمى، وبعد قليل طلبنى، رفعت السماعة، وكانت هذه المحادثة عبارة عن شتائم منى وضحكات من جانبه، وقفلت السماعة، وعاود الاتصال مرة أخرى، لكننى قفلت الخط».
ينقل «العشى» صورة من أجواء الحياة داخل المدينة، وفيها بطولة غير بطولات السلاح، لكنها لا تقل أهمية: «استمر القصف بالطيران والمدفعية بصورة وحشية، وبعد أن أدى الناس صلاة العيد ذهب عدد كبير منهم إلى مخزن الدقيق للمشاركة فى إنقاذه، كانت الحرائق لاتزال مستمرة، فى نفس الوقت بدأت مشكلة التموين والطعام تظهر بشكل ملح، وكان الناس خلال اليومين يعيشون على فتات الخبز المتبقى، وكان الموقف يوجب أن يحدث تنظيم لعملية التموين فى المدينة.. كانت المحال التجارية استنفدت الموجود فيها وكذلك محلات الخضر والفاكهة، وكان لابد من حل».
كان على رأس جهاز التموين فى السويس شاب اسمه علاء الخولى، وأدار المعركة بكفاءة وطنية حسب «العشى»، مضيفا: «جاء الخولى من طنطا إلى السويس فى عام 1967، عاش الاعتداءات والأيام الحالكة السوداء، وأصبح واحدا من أبناء المدينة الباسلة، كان الموقف أمامه لا يحتاج إلى روتين أو تعقيدات أو إمضاءات، فالسلع التموينية فى المخازن، والناس فى المدينة عددهم خمسة آلاف مدنى و15 ألف جندى دون مقررات تموينية ثابتة، قام الخولى بحصر المعلبات الموجودة فى مخازن الجمعيات الاستهلاكية يوم 26 أكتوبر، وقرر أن يصرف على مسؤوليته لكل من فى المدينة دفعة منها مجانا». كان لسان حاله: «لا يهم الحسابات الآن، وفيما بعد يتم التحميل على أى بند»، يضيف العشى: «اختار ثلاثة مراكز للتوزيع، قال له المحافظ بدوى الخولى: «الصرف يكون للعاملين فى الشركات والهيئات فقط ليمكن محاسبتهم بعد ذلك»، لكنه قرر أن يصرف على مسؤوليته الشخصية لكل الناس».

قام «الخولى» وغارات الطيران مستمرة بحصر الكميات بدقة وفقا لـ«العشى»، مضيفا: «وجد أنه يمكن صرف علبة خضار باللحم وعلبة سردين وعلبة أسماك محفوظة، ونصف كيلو سكر لكل فرد على أساس أن تكون هذه الكمية لاستهلاك 15 يوما، كانت المشكلة الأخرى هى الخبز، فالدقيق الذى يجرى إنقاذه متوفر فى المخابز، لكن التيار الكهربائى متعطل وطلمبات ضخ السولار فى الأفران ضعفت طاقتها، ثم كيف يمكن تنظيم الآلاف التى احتشدت أمام المخابز للحصول على رغيف العيش؟ ظل «الخولى» ساهرا ليلة 26 أكتوبر يفكر ويخطط ويتصل بالقيادات المدنية والعسكرية بالمدينة لحل هذه المشكلة، وقد كان».
____________________________________________
عن دور المقاومة الشعبية خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ المدينة
في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1973، قال نصًا: «لقد خسر العدو في محاولته احتلال السويس 100 قتيل وحوالي 500 جريح، رغم أنه استخدم فرقة مدرعة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلي، فقد صد هجومه سكان السويس ومجموعة من الجنود الشاردين».
ويضيف الفريق الشاذلي في مذكراته: «إن ملحمة السويس هي شهادة أخرى للمواطن المصري ومدى قدرته على التحمل والتحدي وقت الشدائد».
إلى جانب ذلك هناك ما ذكره اللواء محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة في خلال حرب أكتوبر فيقول نصا كتابه مذكرات حرب أكتوبر: «لقد فشلت القوات الإسرائيلية في اتجاه مدينة السويس أمام المقاومة الشعبية بالتعاون مع القوة العسكرية المحدودة التي كانت بها».
استخدم رئيس الأركان، لفظ «الجنود الشاردين»، ووضع اللواء الجمسي كلمة «المحدودة» كدلالة كافية على أن القوات المسلحة لم يكن لها تواجد مكثف، في السويس فهم جنود قليلي العدد ممن وصل إلى السويس بعد الثغرة، وكان دورهم مساندة المقاومة وليس العكس.
وفي كلمة محمد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس الراحل محمد السادات تتضح الحقيقة الجلية، فيقول: «تعجز الكلمات عن وصف القتال الذي دار بين المدرعات والعربات المدرعة من ناحية، والرجال والأطفال المسلحين بالإيمان والحماس، بأسلحة خفيفة لا ترقى إلى مستوى تسليح الوحدات المهاجمة، في قتال امتد إلى الشوارع وبين المباني وداخلها، حيث تشبث الإسرائيليين بمواقعهم».
وهناك الكثير من الشهادات العسكرية وأخرى لشهود عيان من أبناء المدينة تضمها العديد من الكتب التي تؤرخ لهذه المرحلة، لكن المساحة لا تتسع لذكرها كلها، وكانت الأولية لشهادات ثلاث رجال كانوا قادة في التخطيط والإعداد ومتابعة تقدم القوات المصرية، وما حدث في الثغرة الذي نفذت من خلالها القوات الإسرائيلية إلى السويس، ومنعتهم المقاومة الشعبية من استكمال المسير الى القاهرة إذا ما كانوا استولوا عليها.
في مثل هذا اليوم 26 أكتوبر عام 1973، الموافق الأول من شوال، بينما كان المصريون في ربوع الوطن، يحتفلون بأول أيام عيد الفطر المبارك، كانت السويس تبدأ أول أيام الحصار، الذي استمر 101 يوم.
في مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1973، قال نصًا: «لقد خسر العدو في محاولته احتلال السويس 100 قتيل وحوالي 500 جريح، رغم أنه استخدم فرقة مدرعة من ثلاثة ألوية مدرعة ولواء مظلي، فقد صد هجومه سكان السويس ومجموعة من الجنود الشاردين».
ويضيف الفريق الشاذلي في مذكراته: «إن ملحمة السويس هي شهادة أخرى للمواطن المصري ومدى قدرته على التحمل والتحدي وقت الشدائد».
إلى جانب ذلك هناك ما ذكره اللواء محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة في خلال حرب أكتوبر فيقول نصا كتابه مذكرات حرب أكتوبر: «لقد فشلت القوات الإسرائيلية في اتجاه مدينة السويس أمام المقاومة الشعبية بالتعاون مع القوة العسكرية المحدودة التي كانت بها».
استخدم رئيس الأركان، لفظ «الجنود الشاردين»، ووضع اللواء الجمسي كلمة «المحدودة» كدلالة كافية على أن القوات المسلحة لم يكن لها تواجد مكثف، في السويس فهم جنود قليلي العدد ممن وصل إلى السويس بعد الثغرة، وكان دورهم مساندة المقاومة وليس العكس.
وفي كلمة محمد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس الراحل محمد السادات تتضح الحقيقة الجلية، فيقول: «تعجز الكلمات عن وصف القتال الذي دار بين المدرعات والعربات المدرعة من ناحية، والرجال والأطفال المسلحين بالإيمان والحماس، بأسلحة خفيفة لا ترقى إلى مستوى تسليح الوحدات المهاجمة، في قتال امتد إلى الشوارع وبين المباني وداخلها، حيث تشبث الإسرائيليين بمواقعهم».
وهناك الكثير من الشهادات العسكرية وأخرى لشهود عيان من أبناء المدينة تضمها العديد من الكتب التي تؤرخ لهذه المرحلة، لكن المساحة لا تتسع لذكرها كلها، وكانت الأولية لشهادات ثلاث رجال كانوا قادة في التخطيط والإعداد ومتابعة تقدم القوات المصرية، وما حدث في الثغرة الذي نفذت من خلالها القوات الإسرائيلية إلى السويس، ومنعتهم المقاومة الشعبية من استكمال المسير الى القاهرة إذا ما كانوا استولوا عليها.
في مثل هذا اليوم 26 أكتوبر عام 1973، الموافق الأول من شوال، بينما كان المصريون في ربوع الوطن، يحتفلون بأول أيام عيد الفطر المبارك، كانت السويس تبدأ أول أيام الحصار، الذي استمر 101 يوم.
عن الحصار يتحدث الفدائي محمود طه منسق جمعية المجاهدين بمنظمة سيناء العربية، ويشير الى أن الرئيس محمد أنور السادات كان يعلم أن السويس إذا سلمت ورفعت رايتها البيضاء لشارون، فلن يتوقف في زحفه غربا إلا بعد دخول القاهرة، واحتلالها، وكان السادات واثقا في بسالة الفدائيين بالسويس.