
سعيد الشحات يكتب:

قامت الدبابات الإسرائيلية المتمركزة على محور الزيتية بالسويس صباح يوم 25 أكتوبر «مثل هذا اليوم» 1973، باقتحام مبنى شركة السويس لتصنيع البترول الذى كان بداخله 300 شخص من العاملين المدنيين بالشركة، وأبلغوا «سعد الهاكع» المدير المناوب بأنهم يريدون الاتصال بمحافظ السويس، حسبما يؤكد المؤرخ السويس «حسين العشى» فى كتابه «خفايا حصار السويس»، مضيفا: «رد الهاكع بأنه لا يعرف مكانه، هددوه باتخاذ إجراءات عنيفة مع العاملين المدنيين إذا لم يتصل بأى مسؤول فى المدينة، وأجبروه على الاتصال بغرفة عمليات الدفاع المدنى بالأربعين، وبالصدفة وحدها رفع المحافظ بدوى الخولى سماعة التليفون».
كانت الأحلام ما تزال تداعب القادة الإسرائيليين باحتلال المدينة، بعد ساعات من الدرس العظيم الذى لقنته المقاومة للقوات الإسرائيلية التى حاولت اقتحامها يوم 24 أكتوبر 1973، وفشلت فشلا ذريعا.يروى «المحافظ» القصة فى شهادته لـ«العشى» قائلا: «كلمنى ضابط يهودى وقال: «أين المحافظ؟.. كان يتكلم بلهجة شامية، فقلت له: إن المحافظ غير موجود، فطلب منى أن أبلغه – أى المحافظ – ليسلم المدينة فورا.فقلت له: المحافظ لن يسلم المدينة وانتابنى شعور مثير، لكن، رحمه الله، كانت معنا فى فيض، لأننى قلت للموجودين حولى: اليهود يطلبون منى تسليم المدينة. كيف هذا؟. كيف أنهى حياتى بالتسليم؟. هل يمكننى بتاريخى الذى مضى أن أنهى حياتى بالتسلم ؟. كيف هذا؟. إذا كنت سأسلم المدينة ما هو موقف أولادنا فى سيناء؟».
لم يكن هذا الاتصال هو الوحيد، ووفقا لبدوى: بعد هذا تم اتصال آخر، وطلب منى المتحدث أن أبلغ المحافظ بالحضور ومعه مدير الأمن والقائد العسكرى فى سيارة ومعنا علم أبيض إلى الاستاد، ومعنا كل المدنيين، وقال لى، إنهم سيؤموننا، وإلا سنضرب السويس فى ظرف نصف ساعة عن آخرها، وسيبيدون كل الموجودين، وأعطانى معلومات كاملة عن موقفنا داخل البلد. قال: ليست لديكم مياه، ليست فى أيديكم السيطرة على القوات، الدقيق لديكم يحترق، لا كهرباء، وليس أمامكم غير التسليم».. يؤكد بدوى: رددت عليه: المحافظ لن يسلم البلد، وأنا لست مسؤولا عن هذا الموضوع، وقلت: وعلى كل حال الصليب الأحمر وصل.
لم يرد اليهودى علىّ، وقال: ما فيه صليب أحمر، أنت بتغشنى فقلت له: وحتى هيئة الأمم وصلت الآن.. قلت هذا ووضعت سماعة التليفون، أعطيت القاهرة إشارة نصها: «اليهود أنذرونى بالتسليم فى ظرف نصف ساعة، وإلا سنضرب بالطيران وليس عندى مياه ولا ذخيرة، ولا أسيطر على أى قوات، ودقيقى يحترق. أوامركم».
كان الملازم أول عبدالرحمن غنيمة من وحدة الدورية اللاسلكية التى بعثت برسالة المحافظ إلى القاهرة، وحسب شهادته للعشى: «ردت علينا القاهرة بإشارة فى الساعة التاسعة وخمسين دقيقة تحمل توجيهات الرئيس السادات شخصيا: «لا تسليم – المقاومة حتى آخر فرد، الله معكم»، فأعاد المحافظ الاتصال للاستفسار عن الموقف بالنسبة له، وأين يعمل فجاء الرد: «القيادات تنتشر بين الجماهير».. بعد ذلك اتصل بنا المحافظ وطلب تبليغ الرئيس السادات الإشارة التالية: «سنستمر فى المقاومة وأن دماءنا الطاهرة ستروى أرض السويس العزيزة فداء لمصر»، وكان ذلك فى حوالى الساعة العاشرة والربع صباحا.
طلب المحافظ من مدير الأمن إذاعة ما حدث بين الناس، وحسب تأكيده، كلف قائد الدفاع المدنى بأخذ ميكروفون ليذيع، أن اليهود أنذروا المحافظ بالتسليم، وأنهم سيضربون البلد بالطائرات، وأننا سنقاوم وعلى كل فرد أن يأخذ لنفسه ساترا، ويقول: «طلبت منه أن يشارك أحد أبنائنا من رجال الاتحاد الاشتراكى ليشارك فى هذه المهمة»، يضيف، أنه فى الساعة العاشرة والنصف لم تضرب إسرائيل بالطيران كما هددت، وفى ميدان الأربعين كان المقدم فتحى غنيم، فى سيارة يذيع البيان الذى طلبناه، وكان يجلس إلى جواره صبحى السيد، عضو لجنة الاتحاد الاشتراكى.
كان مسجد الشهداء غاصا بالناس، ووفقا لشهادة الشيخ حافظ سلامة للعشى: «نزلت إلى المسجد، أبلغتهم أننا سنقاوم حتى آخر قطرة من دمائنا، وإذ بى أسمع أن اليهود استغلوا الفرصة وبدأوا يذيعون من مكبرات الصوت نداء بالذهاب إلى الاستاد الرياضى ليسلم المواطنون أنفسهم، فبدأت أحبط هذه المؤامرات، وأذيع ردا عليها بتوجيهات إلى أفراد المقاومة بأن يستمروا فى المقاومة إلى آخر قطرة من دمائهم، فإما حياة شريفة بعزة وإما شهادة فى سبيل الله ولن نسلم أبدا».. يضيف سلامة: «أرسلت إلى الإسرائيليين إنذارا فقلت لهم، إننا سنستمر بإذن الله فى المقاومة، وإذا كان لديكم قوة تمكنكم من دخول السويس مرة أخرى فنحن فى انتظاركم، وأرض السويس الطاهرة فى حاجة إلى أن تروى مرة أخرى من دمائكم القذرة، فأهلا وسهلا بكم ونحن فى انتظاركم».
فى مساء يوم 25 أكتوبر، اضطرت القيادة الإسرائيلية إلى الاعتراف بفشلها فى دخول السويس بعد برقية كاذبة أذاعتها مساء 24 أكتوبر عن أن قواتها داخل السويس.
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 24أكتوبر 1973.. المقاومة الشعبية تجبر إسرائيل على الخروج من السويس بعد محاولة فاشلة لاحتلالها
السبت، 24 أكتوبر 2020 10:00 ص

«جرى الشهيد أشرف عبدالدايم خلف دبابة، وتعلق فى مدفعها الساخن جدا، ثم وضع قنبلة داخل ماسورة هذا المدفع، وقاتل معنا نقيب فى الجيش يرتدى الترنج، واسمه عبدالمهيمن ، واستشهد عند قسم الأربعين، وأعطينا للأخ إبراهيم محمد يوسف السلاح فى التاسعة صباحا، واستشهد فى الثانية ظهرا، وقاتلنا جميعا بينما كنا صائمين»، هكذا تحدث البطل محمود عواد، ابن مدينة السويس، عن مشهد واحد ضمن مئات المشاهد التى تزينت بها مدنية السويس الباسلة، وهى تقاوم العدوان الإسرائيلى عليها، أثناء محاولة احتلالها فى مثل هذا اليوم، 24 أكتوبر 1973.
يذكر أيضا: «قبل المغرب، طلب الشهيد إبراهيم سليمان أن نقتحم القسم، وكان أحد أبطال الجمهورية فى الجمباز، وكانت خطته أن يقفز فوق سور القسم على أن يدخل الشهيد فايز حافظ أمين من الباب الخلفى، ويدخل الشهيد أشرف عبدالدايم من الباب الأمامى، ليتم اقتحام القسم من جميع الجهات، وكنا نحن نسترهم بالنيران، ولكن الله كتب لهم الثلاثة الشهادة، فكثفنا النيران على القسم، وقتلنا الكثير من اليهود، واستطعنا القبض على قائد المجموعة، وكان برتبة عقيد، وقتل الناس فى الشارع، وخاض الشهيد أحمد أبوهاشم معركة شرسة هو وزملاؤه مع اليهود عند مزلقان البراجيل، وقتل منهم الكثير، حتى استشهد».
حديث البطل محمود عواد، يأتى ضمن شهادات كثيرة جمعها الكاتب الصحفى محمد الشافعى، من أبطال المقاومة الشعبية فى مدن القناة، فى كتابه «شموس فى سماء الوطن»، والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة، ومن خلاله يتأكد الدور الوطنى العظيم الذى لعبه أبناء السويس، و«منظمة سيناء العربية» فى المقاومة الشعبية التى تعاظمت بعد نكسة 5 يونيو 1967، وحتى انتصار الجيش المصرى على إسرائيل فى 6 أكتوبر 1973، وكان يوم 24 أكتوبر هو نموذج المقاومة الشعبية التى أذلت إسرائيل وجعلت من احتلالها للسويس أمرا مستحيلا، ويذكر المشير محمد عبدالغنى الجمسى فى مذكراته الصادرة عن «مكتبة الأسرة – القاهرة»، أنه بالرغم من موافقة مصر وإسرائيل على قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، إلا أن إسرائيل تركت لجيشها حرية العمل العسكرى، على أمل احتلال مدينة السويس، فتكون بذلك حققت هدفا سياسيا له تأثيره السياسى والعسكرى والإعلامى الكبير، ويضيف «الجمسى»: «حاول لواءان من فرقة آدان المدرعة، اقتحام المدنية من الشمال والغرب، بعد قصف بالمدفعية والطيران مدة طويلة لتحطيم الروح المعنوية للمقاتلين داخل المدينة، ودارت معركة السويس اعتبارا من 24 أكتوبر بمقاومة شعبية من أبناء السويس مع قوة عسكرية من الفرقة 19 مشاة داخل المدينة، ويصعب على المرء أن يصف القتال الذى دار بين الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية من جهة أخرى، وهو القتال الذى دار فى بعض الشوارع وداخل المبانى».
فى ذكر هذا اليوم العظيم فى تاريخ السويس، يقفز إلى صدارته الشيخ حافظ سلامة، الذى كان قائدا شعبيا لمدينة السويس أثناء محاولة احتلالها يوم 24 أكتوبر، وطوال فترة الحصار الذى أعقب هذا اليوم، وفى شهادته لمحمد الشافعى، يتذكر: «فى السادسة صباحا بدأ الطيران الإسرائيلى يدك المدينة، وفى العاشرة بدأت الدبابات تدخل السويس، وتصدى لها محمود عواد، وإبراهيم سليمان، ومحمود طه، وميمى سرحان، وأحمد عطيفى، وكانوا فى كمينين عند سينما رويال، وعند أجزاخانة هلال استطاع الشهيد إبراهيم سليمان تدمير أول دبابة، ثم دمر السيارة المصفحة «طوباز»، فأدرك اليهود أنهم أمام مقاومة شرسة، فتركوا الدبابات وفروا إلى قسم شرطة الأربعين، وحاول بعض الأخوة اقتحام القسم فاستشهد كل من إبراهيم سليمان، وفايز حافظ أمين، وأشرف عبدالدايم، والسيد أحمد أبوهاشم، وإبراهيم محمد يوسف، وأثناء كل ذلك، كنت فى المسجد أوزع الأسلحة والذخائر، وراحت دبابات ومصفحات العدو تحاصر مسجد الشهداء ومبنى المحافظة، ووقفت دبابة أمام المسجد وبها ستة جنود يهود يغنون: آلو آلو إحنا هنا، وكانت فى المسجد قنابل وأسلحة ومن الممكن التعامل معهم، ولكن حرصا على المئات من المدنيين فى المسجد فقد تركناهم، وكان معنا ملازم أول، اسمه صفوت، وجندى اسمه شوقى، وكل منهما معه آر بى جى، فاقتحما الحصار وكل منهما دمر دبابة، واستشهد الملازم أول صفوت، وجاء الليل وجنود العدو فى قسم الأربعين تحت وابل من النيران الكثيفة، لكنهم تحت جنح الظلام انسحبوا على ضوء بعض الإشارات الفوسفورية، وخرج بذلك اليهود من السويس».