60عاما على حلم الوحدة بين مصر وسوريا.. قراءة تاريخية وشهادات حية| صور
22-2-2018 | 19:02
الرئيس جمال عبدالناصر يحيي الجماهير المحتفلة بالوحدة بين مصر و سوريا
محمود سعد دياب
في مثل هذا اليوم منذ 60 عامًا وضع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، أول نواة للدولة العربية الموحدة، بإعلان الوحدة بين مصر وسوريا ، حيث وقع مرسومًا في 22 فبراير ١٩٥٨ مع الرئيس السوري شكري القواتلي ميثاق الجمهورية العربية المتحدة.
وتم اختيار عبدالناصر رئيساً والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وفى عام ١٩٦٠ تم توحيد برلمانى البلدين بمجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضاً.
وأنهيت الوحدة بانقلاب عسكرى في دمشق يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٦١، وأعلنت سوريا (الجمهورية العربية السورية)، بينما احتفظت مصر باسم (الجمهورية العربية المتحدة) حتى عام ١٩٧١ عندما سميت باسمها الحالى جمهورية مصر العربية.
واتفقت مصر وسوريا على إنشاء قيادة عسكرية موحدة يكون مركزها في دمشق، وكانت العوامل الخارجية لعبت دورها الأول في تعزيز هذا التقارب، حيث بدأ الاتحاد السوفييتي عام 1956، بحملة دبلوماسية واسعة لاكتساب دول الشرق الأوسط، وقبلت سوريا ومصر صفقات السلاح السوفييتي.
وفي عام 1957، اجتمع مجلس النواب السوري ومجلس النواب المصري في جلسة مشتركة وأصدرا بالإجماع بيانًا وجها فيه دعوة إلى حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين، واجتمع رئيسا البلدين وأركان حكومتيهما وأصدروا بيانًا آخر أعلنوا فيه توحيد القطرين في دولة واحدة تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”.
جمال عبدالناصر خلال اجتماع مباحثات الوحدة .
وقرر البلدان نظامًا رئاسيًا ديمقراطيًا، وبالفعل جرى استفتاء شعبي على الوحدة وتم انتخاب عبدالناصر رئيسًا، ووضع دستور جديد لها، وحكومة مركزية، ومجلسين تنفيذيين إقليميين وهما، المجلس التنفيذي المصري، والمجلس التنفيذي السوري اللذان يرأس كل منهما وزير مركزي.
أما السلطة التشريعية فقد تولاها مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية، والنصف الآخر يختاره من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر، وقد منح مجلس الأمة حق طرح الثقة بالوزراء.
ويرى كثيرون أن الدعوة جاءت تلبية لرغبات الشعبين المصري والسوري، في إطار الجو الدولي الضاغط، والأحداث التي شهدها الوطن العربي من تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والحشود التركية على الحدود السورية وصولًا إلى قيام حلف بغداد بالمؤامرات والدسائس.
وعقب توقيع ميثاق الاتحاد، ألقى “عبدالناصر” خطابًا شهيرًا له قال فيه: “أيها المواطنون، السلام عليكم ورحمة الله.. إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتي، فقد كنت دائمًا أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا وأترقب اليوم الذي أقابلكم فيه، والنهارده، أزور سوريا قلب العروبة النابض”.
بعض اعضاء المؤتمر العام للاتحاد القومى بين مصر وسوريا .
وتابع: “سوريا اللي حملت دائمًا راية القومية العربية، سوريا اللي كانت دائمًا تنادي بالقومية العربية، سوريا اللي كانت دائمًا تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان، واليوم أيها الإخوة المواطنون حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم في هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة”.
وكشفت الوحدة بين سوريا ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة بشكل فجائي وصاعق عن جوهر المشروع النهضوي العربي الساعي لتحقيق الوحدة العربية، وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع الخارجيين والمحليين، فخلال السنة الثانية مباشرة من الوحدة بدت الفرصة أكبر أمام دعاة الرأسمالية الغربية وملاك الأراضي في الانقضاض على الوحدة ومشروعها في التأميم والإصلاح الزراعي، لذا كان ضروريًا القضاء على ذلك المشروع قبل تعميمه وتوسيعه على المستوى العربي.
دور المخابرات الأمريكية في ضرب الوحدة العربية
المخابرات الأمريكية بالتعاون مع نظيرتها البريطانية والإسرائيلية كان لها الدور الأكبر في إنهاء الجمهورية العربية المتحدة، والقضاء على مشروع الوحدة تأسيسًا على خسارة معركة العدوان الثلاثي عام 1956 التي تم دحر الدول الثلاثة فيها بفضل التعاون العسكري بين مصر وسوريا.
دوافع المخابرات بالدول الثلاث كانت متعددة، حيث اعتبرت أن وجود السيطرة على مسارات نقل بترول الشرق الأوسط إلى أوروبا سواء عن طريق قناة السويس، أو عن طريق أنابيب البترول المتجهة إلى البحر الأبيض عبر الأراضي السورية تحت السيطرة الفعلية للقاهرة، يعرض المصالح الأمريكية فى المنطقة لخطر أكيد، فإن ذلك يجعل الجمهورية العربية المتحدة فى وضع يمكنها من ممارسة ضغط على الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، وهذا الاحتمال يمكن أن يتحول إلى سلاح مخيف فى يد الرئيس ناصر.
الحاضرون فى المؤتمر العام للاتحاد القومى بين مصر وسوريا .
الانفصال بداية الطريق إلى النكسة
كان الانفصال بداية المؤامرة لتصفية حركة التحرر الوطنى العربى، وكان الخطوة الأولى فى الطريق إلى النكسة عام 1967، فالرئيس عبد الناصر الذى ألمته ضربة الانفصال شخصيا وبعدما تكشف له حجم التآمر العربى والغربى على مشروع الوحدة العربية، أصبح أكثر حذرا وراديكالية داخليا وخارجيا، فالميثاق يصدر عام 1962 وفيه يشدد الرئيس عبد الناصر على وحدة الهدف بدلا من وحدة الصف بين النظم العربية، وتسير مصر بخطى واسعة فى الخطة الخمسية الأولى وبدا واضحا تصميم الرئيس عبد الناصر على انتهاج نظام اقتصادى اشتراكى بعيدا عن الاحتكارات الرأسمالية العالمية.
إنجازات الوحدة اقتصاديًا وسياسيًا
وعلى الرغم من عدم نجاح تجربة الوحدة بالبقاء لفترة طويلة، فإن المنجزات الاقتصادية كانت كبيرة وعلى رأسها بداية مشروع سد الفرات والذى كان يراه عبدالناصر موازيا لمشروع السد العالى إضافة لحماية سوريا من تهديدات الأحلاف التي كانت تتربص بها، ولقد حققت الوحدة إنجازات كبيرة لسوريا عبر السير على طريق الاشتراكية ورفض منطق الاقتصاد الحر الذي يسيطر عليه الغرب وقتها، وتبني سياسة التوجيه الاقتصادي وتحرير النشاط المالي من السيطرة الأجنبية والرأسمالية وإنهاء احتكار القلة المالكة بقوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية ثم بقرارات يوليو الاشتراكية عام 1961 وزيادة قدرة القطاع العام بتمليكه المصارف التي أقامتها الدولة والمصارف والشركات التي أممت وحصص الدولة في بعض الشركات، وبإلغاء قانون العشائر وتشجيع الجمعيات التعاونية وبتدعيم الإنفاق على التنمية الأمر الذي ضاعف من عدد وطاقة الطبقة العاملة بشكل ملحوظ.
زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لسوريا
لقد بدل عهد الوحدة من واقع البلاد ووضعها على أبواب التحول الاشتراكي، الذي كان وقتها الحل الوحيد الذي بدل من طبيعة علاقات الإنتاج التي كانت سائدة على مدى قرون وحققت في زمن قصير أشياء وإنجازات كبيرة على صعيد المشاريع الزراعية والخدمية وفي قطاع الصناعة والتعدين والبترول والكهرباء وغيرها، وفي المقابل كانت هناك ثغرات وإخفاقات تمثلت في عدم وجود التنظيم الشعبي في القطرين وبعدم وحدة الفكر والدولة، فكان هناك في الدولة جيشان وعملتان وميزانيتان، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة تواجه تحديات معادية تصدر عن قوى موحدة الاستراتيجية والتكتيك.
شهادة هدى عبد الناصر
وتنقل الدكتورة هدى عبد الناصر في قراءة لها نشرتها صحيفة الأهرام قبل 3 أعوام، عن أبيها الرئيس الراحل قوله في اجتماع مجلس الوزراء المصري، الذى رأسه عبد الناصر يوم 19 أكتوبر 1961، أي بعد الانفصال بعشرين يوما، وشرح ناصر فيه كيف كانت بشائر الوحدة.
وقال ناصر إنه فوجئ في 14 يناير 1958 ( وكان آنذاك في الأقصر برفقة رئيس إندونيسيا أحمد سوكارنو) بوصول طائرة سورية إلى مطار القاهرة وعلى متنها 20 ضابطا سوريا، وقد التقى الضباط بالمشير عبد الحكيم عامر، وأخطروه بأن سوريا في خطر، وتقابلها كارثة، وهناك مخاوف من أن ينقض الشيوعيون على الحكم في دمشق.. ورأوا أن الحل هو إتمام الوحدة مع مصر.
زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لسوريا
وتضيف هدى عبد الناصر نقلا عن والدها “في اليوم التالي قابلهم ناصر. ورغم أنه أبلغهم بأنه لن يقبل إقامة وحدة بهذه السرعة لأن الوحدة يجب ألّا تقوم على أساس عاطفي، وأنها تحتاج إلى 5 سنوات، إلا أنهم أصروا وقالوا له إن سوريا ستضيع فهل سوريا لا تهمك؟ وبعدها بعشرة أيام حضر الرئيس السوري شكري القوتلي في 26 يناير، وتم التوقيع على طلب الوحدة بين الرئيسين.. ثم أعلنت الوحدة رسميا، وفي عام 1960 تم توحيد البرلمان في البلدين ليصبح مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة أيضاً.
وعددت هدى عبد الناصر في قراءاتها ما وصفته بأسباب فشل الوحدة بين مصر وسوريا وهي ” الدول الغربية التي أقامت الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن في فبراير عام 1958 للوقوف في وجه الاتحاد المصري السوري، العناصر السياسية في سوريا كالرأسمالية والأقليات (كالتركمان والأكراد وغيرهم)، المعسكر الشرقي والشيوعية العربية، الرجعية العربية”.
مصر وسوريا بين حلم الوحدة العربية وكابوس التقسيم
كانت تجربة “ناصرـ القواتلي” أول وآخر تجربة عربية للتوحد فى العصر الحديث، تجربة أنهتها المخططات الغربية للوقيعة بين البلدين، وبعد ستين سنة لا موضع الآن لحديث عن أية وحدة عربية وأقصى ما نتطلع إليه تجنب سيناريوهات التقسيم الماثلة فى سوريا وبلدان أخرى.
وبين حلم الوحدة وكابوس التقسيم قصة طويلة وأليمة أهدرت فيها كل القضايا وارتكبت كل الخطايا واستبيحت كل المحرمات، ولكي نفهم أكثر لا بد من أن نستعرض مقولة: “لا حرب بلا مصر ولا سلام بلا سوريا”، وهي مقولة ثبتت صحتها فى مسار وتعرجات الصراع العربى ـ الإسرائيلى، لأن حقائق الجغرافيا السياسية تقول إنه إذا ما سقطت سوريا تتقوض مصر ويخسر العالم العربى كله أي مناعة تحول دون تفكيك دوله والتلاعب بمصائره.
زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لسوريا
مخطط إسقاط سوريا قديم و”استراجل” خير شاهد
الدور المصري مع سوريا كان دائمًا مختلفا عن دورها مع باقي الدول العربية، لأن بديهيات نظرية الأمن القومى تفرض علينا أن سوريا خط الدفاع الأول كما بها الجيش الأول وفي مصر الجيش الثاني والثالث، ذلك الدور الذي فشل الغرب في إخضاعه على مر السنين، وكلنا يتذكر خطة “استراجل” أو “البعثرة” التي وضعها الغرب عقب العدوان الثلاثي في 1956 ، والتي كانت تقضي بضرورة إسقاط سوريا بما يفضي إلى عزل مصر وبعثرة العالم العربي.
الوحدة بين مصر و سوريا
تلك الخطة الخبيثة التي قد كشف عنها ـ ربما لأول مرة ـ الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 2007 فى حديث تليفزيوني، وبعد أحداث الربيع العربي لم تكن مصر في معزل عما يحدث في سوريا وكان دورها متداخل للقضاء على تهديد سوريا في وحدتها الداخلية ومواجهة الضغوط الإسرائيلية والتدخلات التركية، في إطار أن موقع سوريا الجغرافي لم يمكنها من الانغلاق على نفسها وترك محيطها العربي لذا لم يكن من قبيل المصادفة أن سوريا بالذات هى البلد التى احتضنت الفكرة العروبية فى مواجهة “حملة التتريك” ونشأت فيها قبل غيرها الحركات ذات التوجه القومى العربى، كما لم تكن بلاغة تعبير أن توصف بـ”قلب العروبة النابض” بحكم موضعها فى المشرق العربى فهى عاصمته الطبيعية وبحكم اتصال الأمن القومى المصرى بها فهى توأمته وبحكم حدودها مع الدولة الإسرائيلية فهى طرف فى صراع وجودي، وبحكم امتداد ساحلها على البحر المتوسط فهى مركز إستراتيجي، وبحكم اتصالها بشبه الجزيرة العربية حيث موارد النفط فهى تحت بصر المصالح الغربية.
الوحدة بين مصر و سوريا
هكذا أكدت الحقائق نفسها، لا عالم عربى بلا مصر، التى تمثل ثلث كتلته السكانية، ولا نهضة عربية بلا سوريا مهما حسنت النوايا والتوجهات، وهكذا فإن المصير السورى هو شأن كل بلد عربى وكل مواطن عربى يدرك حقائق ما حوله.
“انتصرت إرادة العرب.. لا فراغ فى الشرق الأوسط، ولا مناطق نفوذ”.. هكذا تحدث “عبدالناصر” الذي كان يخوض حربا مفتوحة ضد سياسات ملء الفراغ والأحلاف العسكرية بعد تقويض مكانة امبراطوريتين سابقتين هما البريطانية والفرنسية بأثر النتائج السياسية لحرب العدوان الثلاثي عقب تأميم قناة السويس، وكان العصر الأمريكى قد بدأ يطل على العالم العربى فى ظروف حرب باردة أعقبت الحرب العالمية الثانية.
يقول الكاتب الناصري عبد الله السناوي ، إن الوحدة المصرية السورية كانت خطوة متقدمة أكدت قدرة العالم العربى على ملء الفراغ بنفسه دون حاجة إلى أحلاف تخضع لحسابات إستراتيجية ضد مصالحه ومستقبله، كما أنها ألهمت حركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث حيث تمكنت دولة مستقلة حديثا من أن تتحدى الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية ومعهما إسرائيل، وأن تصمد أمام العدوان عليها، وأن تغير موازين الحسابات فى المنطقة، كأن فوران غضب على الإرث الاستعماري قد اندلع فيها.
الوحدة بين مصر و سوريا
وأكد السناوي أن الحالة السياسية والوجدانية وقت الوحدة يجب التوقف أمامها عند تلمس بعض ما يجرى الآن تحت السطح العربى الساكن، أو المشتعل بالنار، من خلجات نفوس وأحلام محبطة، موضحًا أن التجربة أكدت أنها أمة واحدة كاشفت نفسها فى لحظة أمل أنها تستطيع أن تصنع التاريخ وتبنى دولة منيعة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر وأن تأخذ أحلامها إلى أرض الواقع.
عندما حمل السوريون سيارة ناصر حبًا وعشقًا
وأضاف السناوي أن المشاعر الجياشة للشعب السوري في حب مصر، ظهرت في زحف جميع أطياف السوريون إلى العاصمة دمشق لمشاهدة رئيسهم الجديد الزعيم جمال عبد الناصر الذي وطأت قدمه سوريا لأول مرة كرئيس للدولة وحامل أملها فى بناء دولة عربية كبرى فى المنطقة، وهي كانت مفاجأة للرجل الأقوى في سوريا عبد الحميد السراج الذي لم يكن يتوقع قدوم ناصر بنفسه، وقال المسئولون السوريون وقتها: “دمشق لن تنام الليلة”، حسبما نشرت صحيفة الأهرام في اليوم التالي.
وقال: “عندما تشاهد على شرائط مسجلة مئات آلاف البشر تتدافع إلي عبد الناصر فى ذلك اليوم قبل ستين سنة تحمل سيارته حتى كادت أن تتحطم تحت وطأة التزاحم ، فلابد أن تنصت لصوت التاريخ، وتدرك بالعمق أنها كانت تهتف للمعنى قبل الشخص، وأن هذه لم تكن “انفعالات عواطف” بل حقائق تاريخ يجسدها رجال وأحلام سجلتها أغانٍ بأصوات “أم كلثوم” و”محمد عبدالوهاب” و”عبدالحليم حافظ” و”نجاح سلام” و”محمد قنديل” وآخرين”.
الوحدة بين مصر و سوريا
وأضاف السناوي في شهادته على الأحداث أن السراج كان في مشكلة مستعصية لأنه لم يكن قد أعد احتياطاته لتأمين الرئيس ناصر أمام المشاعر الجياشة للمواطنين السوريون العاشقون لمصر فضلا عن الكتل الشعبية العابرة للحدود قادمة من دول مجاورة خصوصًا لبنان، وحملت الحشود المتدافعة سيارة “عبدالناصر” على الاكتاف فى مشهد تراجيدى تاريخى يكاد لا يصدق، وسهرت حتى الفجر بالمشاعل أمام قصر الضيافة، وكانوا من وقت لآخر ينادونه بلا كلل: “طل علينا يا جمال”.
وأوضح أنهم كانوا يحملون فى فكرهم ووجدانهم منجزات ناصر بتأميم قناة السويس وإحباط العدوان على مصر ومعارك التحرر الوطنى ومحاربة الأحلاف الاستعمارية وتنويع مصادر السلاح والانحياز إلى الحق الفلسطينى ومبادئ باندونج، وانتابتهم الأمل بأن يصنعوا تاريخهم بأنفسهم وأن يوقفوا أى امتداد جديد لقرون من الإذلال والتهميش.
ناصر ذهب لأماكن في سوريا لم تطأها قدم وكيل وزارة دمشقي.. ناصر اقترب من دخائل المجتمع السورى لتدارك أى أخطار محتملة على الوحدة، والتي قد بدأت تظهر على السطح السياسي.
وفي رحلته الأخيرة قبل الانفصال التي رواها الكاتب أحمد بهاء الدين قائلا: “كانت حقا رحلة شاقة، كان استقبال الشعب لجمال عبدالناصر كالعادة أسطوريا، ذهب إلى مناطق قال لنا أهلها إنه لم يسبق أن زارها وكيل وزارة من دمشق العاصمة، وكانت التسهيلات فى بعض تلك المدن التى لم يدخلها مسئول واحد معدومة تماما، لم تكن هناك ببساطة أماكن أمام رئيس الجمهورية العربية المتحدة وصحبة من الوزراء والصحفيين المصريين والسوريين لا للمبيت ولا للمأكل ولا أى شىء على الإطلاق”.
وتابع بهاء الدين في شهادته: “فى دير الزور ـ مثلا ـ كان هناك بالمصادفة مبنى جديد لم يستعمل بعد لمكتب بريد وبتنا جميعا فيه، بات جمال عبد الناصر فى غرفة بالدور الثانى من المبنى لعلها حجرة مدير مكتب البريد.. وفى الدور الأرضى الذى يفصله عن الشارع حاجز زجاجى فقط غطوا الزجاج بالبطاطين ورصوا أسرة تابعة للقوات المسلحة، وكان الناس فى مثل هذه الظروف يأتون متبرعين بالأسرة والمراتب والأغطية التى سيستعملها جمال عبدالناصر وصحبته.. كانت المشاعر تكفيه لتحمل مشقة التجوال فيها بلا خدمات أو أي وسائل للراحة”.
ودعا أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين-المرابطون بلبنان العميد مصطفى حمدان جميع القوى القومية العربية بمختلف مشاربها أن تتّعظ مما جرى في السنوات السبع الماضية من تاريخ أمتنا العربية؛ حيث تحوّل ما أسموه ربيعاً عربياً إلى جحيم عصابات الإخوان المتأسلمين التي سفكت الدماء الطاهرة لأبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج العربي.
وقال حمدان في تصريحات لـ “بوابة الأهرام” بمناسبة الذكرى الـ 60 للوحدة: “اليوم في خضمّ سقوط هذا المشروع الشيطاني على أبواب قاهرة المعزّ وبلاد الشام، لا بد من العودة إلى عروبتنا التقدّمية الحضارية وجعلها هي خشبة الخلاص ونور الأمل في مواجهة حقدهم وباطل استخدامهم للطوائفية والمذهبية خدمة للأمريكان ويهود التلمود”.
وأضاف قائلا: “الوضع العربي يمرّ بأخطر مرحلة تاريخية؛ حيث نرى أن هناك محاولات لرسم خرائط جديدة على مستوى الأمة العربية ونستشعر تغييرات سياسية واجتماعية وديمغرافية تهدف الى تفتيت وتقسيم الامة الى امارات مذهبية ودويلات فاشلة لا قيمة لها، كما أننا لا نرى ممن يدعي ملكاً ومسئولية في الأقطار العربية من هو جدير يتحمّل المسئولية الوطنية والقومية لمواجهة هذه الاخطار الداهمة”.
مصر بقيادتها وجيشها هي الصخرة المنيعة القادرة على حفظ التوازن العربي
وأضاف: “استناداً إلى المسار المتصاعد في المواجهة ضد الأداة المركزية للتخريب والإرهاب عصابات الإخوان المتأسلمين نؤكد وبكل ثقة أن مصر المحروسة، بقيادتها وأهلها وقواتها المسلحة هي الصخرة التي تستطيع احتضان مشروع استعادة التوازن للأمة العربية وأقطارها، وهي ماضية في هذا الاتجاه من خلال المواقف الحازمة والشجاعة والحكيمة، للرئيس عبد الفتاح السيسي ورؤيته الإستراتيجية في ضرب الإرهاب على أرض مصر وفي سيناء خصوصاً، والمبادرات الدائمة من أجل حفظ الأمن القومي العربي، والتأكيد على عدم التدخل في الشئون الداخلية للأقطار العربية مع مبادرته التي ستكون خشبة الخلاص لكل العرب عندما تكتمل مراحلها، وهي إنشاء القوة العربية المشتركة لمكافحة المنظمات الإرهابية داعش والنصرة وتنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، واستنهاض و دعم الجيوش العربية بحيث تصبح قادرة على القضاء على كل بؤر الإرهاب ، لذلك نؤكد نحن المرابطون أن جمهورية مصر العربية يجب أن تكون المثل والمثال لكل العرب ونحن معها دائماً بإذن الله”.
الشعوب العربية تواقة للوحدة والتجربة ممكن تكرارها
أما الدكتور جمال زهران المفكر القومي ومنسق التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، فقد أكد أن تجربة الوحدة كان مصيرها الفشل للأسف بسبب الآمر عليها من قوى الغرب والكيان الصهيوين المغروس كخنجر في ظهر العرب، لكن الفكرة مازالت حية، مشيرًا إلى أنه كان الدرس هو أن الشعوب العربية تواقة للوحدة الحقيقية، وأن الشعوب التى تتكلم بلسان واحد وتاريخ مشترك وأصول واحدة، لديها الإرادة الحقيقية فى تجسيد حلم الوحدة. ولكن ظلت العوامل السياسية حائلاً.
وأشار إلى أنه قد تأتى الظروف وإن طالت بميلاد مشروع وحدوى كبير بعد أن يستوعب الجميع أهمية الوحدة العربية وحتميتها فى تحقيق التقدم والاستقرار الحقيقي، والتحرر من نير الاستعمار الذى لايزال رابضا فى المنطقة يحول دون تحقيق ذلك، وأنه لا يزال الصراع دائرًا بين مشروعى الوحدة والتقسيم إلى أن يتحقق الانتصار الحاسم لمشروع الوحدة نراه قريبًا، موضحًا أن الشعوب العربية تواقة للوحدة، وأن تلك هى الرسالة التى تفرض علينا العمل الجاد فى الذكرى الستين لتجربة وحدودية عربية هى الجمهورية العربية المتحدة، والشعور بالتحدي، بالإصرار على نشر الوعى بفكرة العروبة والمقاومة والوحدة العربية، بين الأجيال المتلاحقة وفى جميع ربوع الوطن العربى.