
غادر عبد الفتاح السيسي قمّة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا قبل يوم من انتهائها، بعدما اكتفى بحضور الجلسة الافتتاحية التي سلّم فيها الرئاسة الدورية لرئيس جنوب أفريقيا
القاهرة | في انتكاسة للمسار الدبلوماسي لحلّ أزمة «سدّ النهضة»، لم تفلح الترتيبات بين الرئاسة المصرية ورئاسة الحكومة الإثيوبية في عقد لقاء بين عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، على هامش مشاركة الأول في القمة الدورية للاتحاد الأفريقي، والتي تستضيفها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مقرّ الاتحاد. وعلى الرغم من أن التنسيق للقاء استمرّ لأسابيع، إلا أن الخلاف حول بعض البنود التي يفترض أن تنتج منه دفع إلى إلغائه في اللحظات الأخيرة، ليُسجَّل لقاء رسمي واحد لم يحمل أيّ جديد بين السيسي ورئيسة إثيوبيا، سهلورق زودي، التي استقبلته في المطار لدى وصوله. كما اختُزلت مدّة الزيارة لتكون أقلّ من 48 ساعة، بعدما اكتفى «الجنرال» بالمشاركة في الاجتماعات التي عُقدت عشية افتتاح القمّة حول ليبيا، ثمّ الجلسة الافتتاحية، قبل أن يعود إلى القاهرة من دون استكمال الفعّاليات.
خلال القمّة، تبنى الرئيس المصري مطلب إنشاء «قوة أفريقية»، يجري الاتفاق على مصادر تمويلها وتفاصيلها في قمة استثنائية وَجّه الدعوة إلى إقامتها في القاهرة الصيف المقبل، علماً أن مناقشات موسّعة سوف تُجرى حول هذه القوة بين المسؤولين العسكريين الأفارقة. وتكمن في خلفية اقتراح السيسي، الذي يُفترض أن تشكل بلاده عماد القوة المفترضة، رغبة القاهرة في إيجاد أداة يمكن عبرها التدخل في دول الاتحاد التي تشهد نزاعات، وتكون بديلاً من «قوات حفظ السلام الدولية» في بعض المناطق.
تبنّى السيسي فكرة إنشاء قوة أفريقية مشتركة كأداة لفضّ النزاعات في القارة
من جهة أخرى، وعلى عكس الزيارات السابقة التي استغلّها السيسي للقاء عدد من المسؤولين الأفارقة، جرت لقاءات محدودة من بينها لقاء مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، وأيضاً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فيما اعتذرت الرئاسة المصرية من عدد من الزعماء الأفارقة. وخلال لقائه مع تبون، ركّز السيسي على الأزمة في ليبيا، واتفقا على «العمل سوياً ضمن آلية دول الجوار لحلّ الأزمة»، في وقت بات فيه التقارب المصري – الجزائري واضحاً في هذا الملف خاصة بعد الأزمة الأخيرة بين الجزائر وتركيا.
وبالعودة إلى ملف «النهضة»، عكست الزيارة حالة التوتر بين القاهرة وأديس أبابا عشية توجّه وزيرَي الخارجية والريّ إلى واشنطن لحضور اجتماعات أخيرة من أجل إقرار الصيغة النهائية للاتفاق حول آليات تشغيل السدّ خلال ملء الخزان، والآليات القانونية التي تضمن حفاظ كلّ دولة على حقوقها، وكذلك آليات التصعيد في حال الرغبة في وجود احتكام إلى جهة دولية لفضّ المنازعات، وهي الاجتماعات التي تأتي إكمالاً للوساطة الأميركية المستمرة منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بمشاركة البنك الدولي. وتكشف مصادر أن الرئيس المصري كاد يلغي مشاركته في القمة، ويكتفي بإنابة وزير الخارجية لترأس الوفد، لكن رغبته في إتمام الإجراءات البروتوكولية المتعلقة بتسليم رئاسة الاتحاد كانت سبباً في إتمام الزيارة، مع اختزال مدّتها لتكون أقصر مشاركاته في القمم الأفريقية التي يحرص على حضورها بانتظام منذ عام 2014. وتقول المصادر إن هناك أزمة ثقة كبيرة بين القاهرة وأديس أبابا التي تريد «تحقيق مكاسب على حساب الحقوق التاريخية لمصر»، مشيراً إلى أن السودان يتبنى الموقف الأميركي الداعم للقاهرة «لأسباب مرتبطة برغبة الخرطوم في تحقيق مكاسب من واشنطن، وهو ما يدعم موقف المفاوض المصري الذي يقترب من اتخاذ قرارات تصعيدية».
تعثّر مفاوضات «النهضة»: مصر تستعدّ لـ«سيناريوات صعبة»

تتضاءل بسرعة آمالُ الوصول إلى تسوية سلمية لمسألة «سدّ النهضة»، في الوقت الذي يواصل فيه الإثيوبيون محاولاتهم فرض شروطهم، كما يقول المصريون. وبينما لا تستجيب أديس أبابا للضغوط الأميركية، لم تبقَ إلا فرصة أخيرة هي القمة التي ستجمع عبد الفتاح السيسي وآبي أحمد في العاصمة الإثيوبية
القاهرة | تقترب الوساطة الأميركية في أزمة «سدّ النهضة» من نهايتها، من دون أن تسفر حتى الآن عن نتيجة إيجابية. فاجتماعات واشنطن، التي اختُتمت الأسبوع الماضي، لم تأتِ بجديد سوى تمديد مسار المفاوضات نحو أربعة أسابيع. وعلى رغم إعلان وجود تقارب في وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا، لم يكن هذا الإعلان (ليل الجمعة – السبت) سوى مناورة لتمديد المفاوضات أطول وقت ممكن، فيما لم يُمثل موقف الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق، سوى جزء من صورة ديكورية تحاول جميع الدول إظهارها الآن، خاصة أن الاتفاق النهائي يجب أن يُوقع قبل نهاية الشهر الجاري، من دون تمديد المفاوضات مرة أخرى. ولذلك، اتُّفق على بقاء الوفود الفنية في الولايات المتحدة حتى التوصل إلى صياغة نهائية.
وفق البيان الرسمي الصادر بعد الاجتماعات الأخيرة، التي تضاعفت مدّتها من يومين إلى أربعة في جولة مباحثات إضافية، اتفقت القاهرة وأديس أبابا والخرطوم على وضع جدول يتضمّن خطة ملء «النهضة» على مراحل، والإجراءات ذات الصلة في التعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتدّ والسنوات الشحيحة أثناء الملء، وأيضاً حالة الإجراءات نفسها أثناء التشغيل. وتضمّن «الاتفاق المبدئي» التوصل إلى آلية تشغيل للسدّ خلال الظروف الهيدرولوجية العادية، وآلية لمراقبة الاتفاق وتبادل البيانات والمعلومات، وأخرى لفضّ المنازعات، فضلاً عن موضوعات أمان السدّ وإتمام الدراسات الخاصة بالآثار البيئية والاجتماعية له، على أن توضع الصياغات النهائية قبل اجتماع وزراء الخارجية والموارد المائية في الدول الثلاث في واشنطن يومَي 12 و13 الشهر الجاري من أجل إقرارها، تمهيداً لتوقيع الاتفاق نهاية الشهر.
تنقل مصادر مطّلعة عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بقاء الخبراء في واشنطن يرتبط بمطلب مصر بحث خيارات فنية مختلفة، بمشاركة أميركية تضمن رفع تقرير إلى ترامب بمواقف الدول، علماً بأن بعض النقاط لا تزال عالقة حتى إشعار آخر، ومن بينها طرق تسوية النزاعات. وعلى رغم محاولة الخارجية الترويج لما قالت إنه انتصار للدبلوماسية المصرية، إلا أن الواقع يحمل معطيات مغايرة جرت مناقشاتها في أروقة صناع القرار في القاهرة، وفي مقدّمتها المماطلة الإثيوبية التي قوبلت بمرونة مصرية كبيرة. وعليه، اتُّفق على أن تشترط مصر في نهاية جولة المفاوضات الأخيرة أن تكون الاجتماعات المقبلة «حاسمة ونهائية ولا يمكن تمديدها على الإطلاق تحت أيّ مسمّى».
لم يكن إعلان «الاتفاق المبدئي» سوى مناورة لتمديد المفاوضات أطول وقت ممكن
واطلعت «الأخبار» على نسخة عن تقرير مفصّل رُفع إلى مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاء فيه أن المفاوضات «لا يمكن حسمها من دون توافق بين السيسي و(رئيس الوزراء الإثيوبي) آبي أحمد» في الاجتماع الثنائي الذي يفترض عقده بينهما على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية الأسبوع المقبل. وتوقّع التقرير أن يؤدّي استباق الاجتماع بلقاء في واشنطن على المستوى الرئاسي إلى «حسم المسألة في ظلّ المساومات الإثيوبية الدائمة التي ترفضها مصر»، خاصة أن «المشكلات نفسها قائمة» على رغم الضغوط الأميركية على أديس أبابا عبر عدد من الملفات المرتبطة بالعلاقات الثنائية بين البلدين. وتحدّث عن «استغلال إثيوبي واضح لمسألة السدّ لخدمة رئيس الوزراء الإثيوبي داخلياً، وهو ما ظهر في زيارته لسدّ النهضة بعد الانتهاء من الاجتماعات فوراً، إلى جانب الإسراع في معدّلات التنفيذ بصورة غير مسبوقة»، مع الإشارة إلى أن «إثيوبيا ستكون قادرة على البدء بتخزين المياه بحلول الصيف المقبل، وربما قبل ذلك». ولذا، شدّد التقرير على «الاستعداد فوراً لتنفيذ خطوات التصعيد أمام الجهات الدولية، لأن الأسابيع المتبقية بين إعلان فشل المفاوضات (آخر الشهر)، والقدرة على بدء ملء الخزان وتقليل حصة مصر في مياه النيل، قليلة، في ظلّ أنه يمكن الملء في يونيو (حزيران) المقبل»، ما يهدّد بمشكلات كبيرة في بحيرة «السدّ العالي» وقدرته على توليد الكهرباء لمصر.
مع ذلك، تستطيع البلاد «تحمّل العجز في الطاقة الكهربائية خلال التخزين في بحيرة سدّ النهضة، عبر المحطات الجديدة التي أنشأتها الدولة»، لكن ثمة تبعات اقتصادية وبيئية أخرى مرتبطة بتدفّقات المياه وما يمكن أن يتسبّب فيه استهلاك كميات المياه المخزّنة في بحيرة السدّ العالي، الأمر الذي تسعى مصر إلى تجنّبه، وهي بذلك تتغاضى عن المشكلات الخاصة بتصميم هيكل السدّ. كما حذر التقرير من تبعات السعي الإثيوبي لتخزين المياه وليس توليد الكهرباء في المرحلة الأولى مثلما هو مخطط، خاصة أن خبراء المناخ يتوقعون وجود أوقات تقلّ فيها كميات الأمطار بصورة كبيرة خلال التخزين في البحيرة، علماً بأن مصر ترغب في تأمين حصة تُقدّر بـ40 مليار متر مكعب من المياه سنوياً تحت أيّ ظرف.
تقول مصادر مصرية لــ«الأخبار» إن القاهرة مقبلة على «سيناريوات صعبة، لكن يمكن تجنبها بالوساطة الأميركية وضغوط واشنطن على أديس أبابا»، خاصة أن «مصر أبدت تفهّماً للأوضاع الداخلية في إثيوبيا التي تفرض على آبي أحمد مواقف محددة في قضايا مرتبطة بالتنمية الاقتصادية». وتستدرك المصادر: «مصر لن تقبل معالجة الأوضاع الداخلية على حساب موقفها في ضرورة تأمين الحدّ الكافي من المياه بما يتوافق مع مصالحها واستهلاكها… الرئيس السيسي يسمع العديد من الأطراف ويفترض جميع السيناريوات في الاجتماعات الثنائية التي يعقدها لكنها غير معلنة»، علماً بأن من يحضرها غالباً هما مستشاره اللواء أحمد جمال الدين، والوزيرة فايزة أبو النجا.