أخبار عاجلة
الرئيسية / تقارير وملفات / الحديد والصلب.. قلعة صناعية وطنية يجب إنقاذها

الحديد والصلب.. قلعة صناعية وطنية يجب إنقاذها

د. محمد فراج يكتب : الحديد والصلب.. قلعة صناعية وطنية يجب إنقاذها (١)

الأموال

مجمع الحديد والصلب بحلوان، إحدى قلاع الصناعة المصرية، يواجه مصيرًا تحيط به الشكوك ويمكن أن يصل إلى كارثة التصفية مثلما حدث مع الشركة القومية للأسمنت.. معدات وخطوط إنتاج متهالكة.. أعطاله مستمرة، وتراجع كبير في أرقام الإنتاج.. خسائر ضخمة، ومديونية ثقيلة.. فشل ذريع في الإدارة يصل إلى حد التقصير الموجب للمحاكمة.. شبهات قوية للفساد.. وقرارات وإجراءات لا يمكن تفسيرها إلاّ بتعمد (تخسير) الشركة، وإهدار المال العام.

وإذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة لإنقاذ شركة الحديد والصلب، ووضع حد للفوضي الشاملة الضاربة فيها، وللإهمال والفساد وإهدار المال العام، والإدارة الفاشلة، فإن نزيف الخسائر سيستمر، وستكون الشركة معرضة لأن تلفظ أنفاسها الأخيرة.. مع أن هذا المصير القاتم ليس محتومًا على الإطلاق..

فالشركة العملاقة تملك مقومات للنهوض وتجاوز أزمتها الخانقة، والاقتصاد المصرى بحاجة ماسة إلى منتجاتها التي تتفرد بإنتاجها فى السوق المحلية، مثل قضبان وفلنكات السكك الحديدية، والصلب المُشكَّل على هيئة ألواح مختلفة الأحجام والسُمك، والكمرات والستائر والزوايا الحديدية من مختلف المقاسات، وأنابيب ومستودعات البترول.. وغيرها من المنتجات الهامة لصناعات أساسية مختلفة.. وكل هذا سوف نحتاج إلى استيراده من الخارج إذا تم ـ لا سمح الله ـ إغلاق شركة الحديد والصلب المصرية.. وسنخسر «أم الصناعات الثقيلة» التى تمثل أساسًا لصناعات أساسية كثيرة بالغة الأهمية لتطور الصناعة والاقتصاد الوطنى عمومًا.. كما سنخسر خبرات هندسية وفنية ثمينة تراكمت على مدى عقود من الزمان.. ولا يمكن تعويضها بسهولة. ويكفي أن نشير إلى أن خسائر الشركة وتدهور أحوالها قد جعل عدد العاملين فيها ينخفض من (٢٥ ألفًا) في السبعينيات والثمانينيات ـ أغلبهم من المهندسين والفنيين والعمال المهرة.. إلى (٨٫٥ ثمانية آلاف وخمسمائة فى الوقت الحالى).

فوضى الأرقام

>‫> وقد يكون ضروريًا هنا أن نشير إلى ما اصطدمنا به من فوضى وتضارب الأرقام أثناء جمعنا للمادة الضرورية لكتابة هذا المقال، بما فى ذلك الأرقام التي يذكرها مسئولون كبار، وتأخذ بها مواقع وصحف كثيرة، دون ملاحظة تضاربها، مما جعلنا نعتمد بصورة أساسية على أرقام تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات حول النشاط المالى والفنى للشركة باعتباره مصدرًا يتمتع بمصداقية عالية، علمًا بأن تقرير «الجهاز» أبدى تحفظات جوهرية على تقرير مجلس إدارة الشركة من العام المالى (٢٠١٨/٢٠١٩).. ونأخذ بأرقام تقرير «الجهاز» (موقع «البورصة نيوز» التابع لجريدة البورصة – ١١ نوفمبر ٢٠١٩) بصفة أساسية، وفى الأمور المتصلة بأرقام ووقائع أساسية دون أن يمنعنا هذا من الأخذ بأرقم مصادر أخرى فى حالة توافقها وتواترها.

ومن الضرورى أيضًا أن نشير إلى أن استنادنا إلى أرقام «تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات» لا يمنعنا من الاختلاف مع رؤية التقرير واستنتاجاته.. فهذ أمر لا علاقة له بمصداقية الأرقام، وإنما بتحليلها واستخلاص الاستنتاجات منها.. وهو مجال مفتوح ومشروع لاختلاف وجهات النظر.

ديون.. وفوضى.. وفساد

تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن النشاط المالى والفنى للشركة في العام المالى (٢٠١٨/ ٢٠١٩) يتحدث عن «شكوك جوهرية في إمكانية استمرار الشركة» لأسباب منها عدم قدرتها على سداد الالتزامات المالية في ظل ارتفاع المديونية إلى ٥٫٣٧٢ مليار جنيه بنهاية العام المالى (٢٠١٨/ ٢٠١٩) .. وأشار التقرير إلى توقف الإنتاج المتكرر، حتى وصل زمن التشغيل إلى ٨٪ فقط من الوقت المقرر للتشغيل!! وذلك مقابل معدلات أعطال تبلغ ٩٢٪!! أى أن العمل والإنتاج أصبحا يمثلان الاستثناء، بينما القاعدة هي التوقف والأعطال!! ولو أن هذه الأرقام جاءت في غير تقرير «المركزى» لكان من المستحيل التصديق بها.. علمًا بأن الفرنين العاليين (١ و٢) متوقفان منذ أعوام بسبب تقادمهما إذ يرجع بناؤهما إلى بداية عمل الشركة عام ١٩٥٨ (أى أكثر من ٦٠ عامًا) وكان ينبغى إحلال فرنين جديدين محلهما، لكن هذا لم يحدث.. لماذا؟! الإجابة عند المسئولين عن شركة الحديد والصلب، والشركة القابضة للصناعات المعدنية ووزارتى التجارة والصناعة، وقطاع الأعمال العام..

فحم الكوك وشبهات الفساد

ويذكر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن عدم وجود احتياطي استراتيجي من فحم الكوك- الضروري لتشغيل أفران صهر الحديد، هو من أهم أسباب تعثر التشغيل في ظل عدم انتظام توريدات فحم الكوك من شركة الكوك، والذي وصل إلى توريد (10 أطنان) فقط يومياً في شهر أغسطس 2018، بينما تحتاج شركة الحديد والصلب إلى أكثر من ألف طن في اليوم.. مما دفعها إلى استيراد (32 ألف طن) من شهر سبتمبر 2018، تكفي احتياجاتها لشهر واحد!!

إلى هنا ينتهي كلام التقرير في هذه النقطة، وتبدأ الشكوك في فساد الإدارة، فالمعروف أن فحم الكوك ضرورى لصناعة الحديد والصلب ضرورة الهواء للتنفس.. ولهذا أقامت الدولة شركة الكوك بجوار مجمع الحديد والصلب مباشرة لتسهيل التوريد السريع والمنتظم، وتقليل تكلفة النقل، وذلك باعتبار أن الشركتين طرفان في عملية إنتاجية متكاملة (علمًا بأن شركة الكوك تقوم بصنع منتجات كيماوية أخرى.. إلى جانب منتجها الأساسى).

والمثير للعجب والشك هو أن شركة الحديد والصلب تتأخر في دفع مستحقات شركة الكوك بحيث تزيد مديونيتها لها عن (٤٠٠ مليون جنيه) فتلجأ شركة الكوك للتباطؤ في توريد الفحم إلى شركة الحديد والصلب (عشرة أطنان من ألف طن مطلوبة على الأقل يوميًا)!! وهنا تقوم شركة الصلب باستيراد (٣٢ ألف طن) لتلبية احتياجات الإنتاج فى شهر سبتمبر ٢٠١٨.. كما يشير «تقرير المركزى للمحاسبات»..

‫>> والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان لديكم سيولة وعملة صعبة للاستيراد.. فلماذا لا تسددون مستحقات شركة الكوك، وتحصلون على توريدات منتظمة؟!! وإذا كنتم ستقترضون من أجل استيراد الفحم لماذا لا تستخدمون هذا القرض لسداد مديونيتكم لجيرانكم في «الكوك» وتضمنون توريدات منتظمة؟؟!! ولماذا تتحمل شركة الحديد والصلب من أموال الدولة في حقيقة الأمر ـ أعباء التعاقد وتكلفة الشحن البحرى، ثم الشحن البرى، من الموانئ إلى التبين، بينما يمكن أن تحصلوا على ما تريدون من جيرانكم.. (الحيط في الحيط كما يُقال).. على ما يلزمكم؟؟!! علمًا بأنه فى هذه الحالة تبقي أموالنا في بلادنا.. ويزول عبء عن ميزاننا التجارى.. وتحصل شركة مصرية على مستحقاتها الأسيرة لديكم. وينتعش نشاطها وإنتاجها.. وبديهى أن إدراك هذا كله لا يحتاج إلي ذكاء خارق، بل إلى امتلاك الحد الأدنى من النزاهة والحرص على المال العام.. لكن من الواضح أن هذا الحد الأدني غير موجود..

وإذا كان ما ذكرناه هو مثال لشهر واحد ، نقلناه عن تقرير «المركزى للمحاسبات» فإن الكارثة الحقيقية هى ما يذكره التقرير عن عدم وجود احتياطى استراتيجى من فحم الكوك، وبالتالى تعطل الأفران كلما نقص الفحم في مخازن الشركة.. علمًا بأن توقف الأفران وإعادة تشغيلها أمر له قواعد ونظام للتدرج يؤدى عدم الالتزام به للتأثير على الكفاءة الفنية لتلك الأفران.

وهنا يفرض نفسه سؤال مُلح: إذا كانت إدارة الشركة – وإداراتها المتعاقبة فى الحقيقة ـ مفتقدة إلى الحد الأدنى من النزاهة والرشد الإدارى والفنى والاقتصادى.. فأين الشركة القابضة للصناعات المعدنية؟؟!! وأين وزارة قطاع الأعمال العام ووزارة التجارة والصناعة؟!!

الخردة.. و(التجارة فى الخسارة؟!)

مثال آخر للفساد وإهدار المال العام يتعلق بتعامل إدارة الشركة مع (الخردة).. وهى بالنسبة لشركة الحديد والصلب بالذات ليست شيئًا تافهًا كما يمكن أن يوحى به اسمها.. لكنها مصدر لدخل كبير يمكن أن يغطى الجزء الأكبر من مديونياتها، وأن يوفّر لها سيولة تقلل بصورة ملموسة من اضطرارها للاستدانة.. خاصة إذا علمنا أن الشركة لديها (خردة) تزيد على (٩٣٠ ألف طن) تبلغ قيمتها (٤- ٥ مليارات جنيه) بأسعار البورصة العالمية للخردة، على أقل تقدير.

ومعروف أن الشركة كانت قد عقدت صفقة مع (شركة المصريين للصلب/أبوهشيمة) فى سبتمبر ٢٠١٨، تبيع بموجبها (٢٣٠ ألف طن خردة) لأبى هشيمة قدَّر الخبراء قيمتها وقتها بنحو (١٫٢ مليار جنيه).. مع إمكانية شرائه (٧٠٠ ألف طن) أخرى فى منطقة تابعة للشركة معروفة باسم جبل التراب.. (بوابة الأهرام ـ واليوم السابع، والصحف والمواقع فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨).. وينص العقد على إجراء معالجة محددة لهذه (الخردة) قبل تسليمها لـ«شركة المصريين»..

>‫> فماذا حدث؟؟

يذكر تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات أن شركة الحديد والصلب حققت خسائر بقيمة ٥٩ مليون جنيه عن كميات الخردة المسلمة لشركة حديد المصريين البالغة ١٥٫٨ ألف طن!! بسبب احتساب نسبة فاقد أثناء التجهيز قدرها (٢٥٪)، بالإضافة إلي ارتفاع تكلفة المعالجة (لأسباب لم يذكرها التقرير) بحيث ارتفعت تكلفة الطن على شركة الحديد والصلب إلى (١٢٫١٤ ألف جنيه).. أى أعلى من سعر حديد التسليح الـمُصنع مثلا!! أى أن الشركة (تاجرت في الخسارة) وخسرت (٥٩ مليون جنيه) عند تنفيذ (٧٪) فقط من الصفقة، فإن الأمر ينقلب إلى مهزلة حقيقية، لأن تنفيذ بقية الصفقة سيعنى أنها ستسلم الخردة بدون مقابل وتخسر فوقها حوالى (٨٥٠ مليون جنيه)!! وهذا جنون مطبق.. ولا يمكن أن يكون له اسم آخر. ولهذا أسميناه (التجارة فى الخسارة)!! كما يقول العامة عن مثل هذه الصفقات الخاسرة..

فهل يا ترى ليس لهذا المال صاحب.. لكى يعيث فيه الفاسدون نهبًا وإهدارًا بهذه الطريقة الإجرامية؟؟!!

(تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات المنشور في موقع البورصة نيوز ـ جريدة البورصة، ١١ نوفمبر ٢٠١٩)

ثروات طائلة.. فى مهب الريح!

كما يشير التقرير إلى تقاعس إدارة الشركة عن اتخاذ الإجراءات القانونية لتسجيل نحو (٧٩٠ فدانا) فى حوزة الشركة (بوضع اليد) في منطقة التبين و(٦٥٤ فدانًا) أخرى (وضع يد) في الواحات البحرية، و(٤٥ فدانًا) مشتراة من الشركة القومية للأسمنت عام ١٩٧٩.. أى منذ ٤٠ عامًا!! وغنى عن البيان أن تسجيل الملكية يمثل حماية قانونية لها ضد محاولات الاعتداء ووضع اليد عليها بصورة غير قانونية، وخاصة من جانب أفراد ذوى نفوذ، ولا يحترمون القانون.. وهو ما تشير التقارير الصحفية إلى تعرض أراضي الشركة له، بما فيها المساحة الأصلية المخصصة لها بموجب القرار الجمهورى بإنشائها (عام ١٩٥٤) والتي تبلغ (٢٥٠٠ فدان.. أو ما يعادل 10‪.5 مليون م٢) فى منطقة التبين بالقاهرة.. والتي أقيمت عليها مصانع الشركة والمدينة السكنية للعاملين، بالإضافة إلى مسجد كبير.

>‫> وللحديث بقية حول مظاهر الفوضى والتسيب والفساد وإهدار المال العام، التي وصلت بشركة الحديد والصلب إلى وضعها الحالى.. وكلها أمور يمكن ـ وينبغى بالقطع ـ مواجهتها ووضع حد لها، سعيًا للنهوض الممكن والضرورى بالشركة، واستعادتها كقلعة ومفخرة للصناعة المصرية كما كانت لسنوات طويلة.

 

د. محمد فراج يكتب : الحديد والصلب.. قلعة صناعية وطنية يجب إنقاذها (٢)

الأموال

تحدثنا في الجزء الأول من مقالنا (الأموال – 15 ديسمبر 2019) عن عدد من أهم مظاهر الفساد وإهدار المال العام، والفشل الذريع فى إدارة شركة الحديد والصلب المصرية، مما أدى إلي انهيار إنتاجيتها، لتصل إلى 8٪ فقط من أوقات التشغيل المقررة، بحيث أصبح التوقف عن الإنتاج هو القاعدة، والتشغيل هو الاستثناء!! واستندنا فى الوقائع والأرقام التى ذكرناها إلى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الذى كشف عن أن مديونية الشركة بلغت 5‪.372 مليار جنيه بنهاية العام المالى الماضي (2019‪/ 2018) نتيجة لهذا الفساد والإهدار والفشل الذريع فى الإدارة، مما جعل تقرير «الجهاز» حول النشاط الفني والمالى يخلص إلى «شكوك جوهرية فى إمكانية استمرار الشركة» كما جعل «الجهاز» يرفض تقرير مجلس إدارة الشركة عن نتائج الأعمال عن العام الماضى (٢٠١٨/ ٢٠١٩) «موقع البورصة نيوز التابع لجريدة البورصة – ٢٠ أكتوبر ٢٠١٩ ـ ونعتذر هنا عن الخطأ غير المقصود في كتابة تاريخ نشر التقرير في مقالنا السابق باعتباره ١٤ نوفمبر.. والصحيح أنه في ٢٠ أكتوبر.. بينما ١٤ نوفمبر هو تاريخ انعقاد الجمعية العمومية للشركة».

(…./…./2019 https://elborsanews.com)

ويواصل تقرير الجهاز المركزى تعداده للملاحظات الخطيرة على أداء إدارة الشركة، ويتحدث عن «عدم الإفصاح عن بروتوكول موقَّع مع بنك مصر فى نوفمبر ٢٠١٨ والذى بموجبه تلتزم الشركة بدفع مبلغ ٧٥٠ مليون جنيه تتمثل في ٧٫٥٪ من أسهم الشركة المملوكة للقابضة، لتنخفض حصتها إلى (٨٢٫٤٪) بدلا من (٨٩٫٩٪) مقابل تنازل شركة الحديد والصلب عن قطعتى أرض للقابضة بمبلغ (٣٧٥ مليون جنيه).. والتنازل عن أراض ملك الشركة لصالح البنك بمبلغ (٣٧٥ مليون جنيه)، على الرغم من قيام شركة الحديد والصلب بالطعن على الحكم فى أكتوبر الماضى، وقد سبق انتهاء إجراءات التقاضى لصالح الشركة خلال عام ٢٠١٧.

تصرفات مريبة

ويضيف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات: «يتعين موافاتنا بأسباب توقيع البروتوكول على الرغم من قيام الشركة بالطعن، وأسباب خسارة الشركة للقضية، على الرغم من سابق كسبها لها في ٢٠١٧ مع إجراءات التسوية».

‫>> موقف مريب، إذا لم نقُل إنه مشبوه.. نزاع مالى بين الشركة وبنك مصر حول مبلغ ضخم (٧٥٠ مليون جنيه) تكسبه الشركة، ثم تخسر القضية في الطعن لأسباب يرى الجهاز المركزى للمحاسبات أنها تدعو إلى التساؤل!! ويطلب موافاته بأسباب خسارة الشركة للقضية على الرغم من كسبها لها فى ٢٠١٧.. ثم ــ بالرغم من وجود طعن ـ تقوم الشركة بتوقيع بروتوكول مع بنك مصر تسدِّد بموجبه المبلغ محل النزاع (٧٥٠ مليون جنيه).. وتفعل ذلك دون إبلاغ الجهاز المركزى للمحاسبات!! ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية يتحدث عن أن هذه أمور واردة وجارٍ حلها بدلاً من أن يحيل القضية إلي النيابة العامة!! وبقول ــ لا فُضَّ فوه ـ إنه قد «بدأ التنسيق بين الجهاز المركزى للمحاسبات وقيادات شركة الحديد والصلب الفنية والمالية، برعاية الشركة القابضة، وبحضوره شخصيًا للمناقشة والوقوف على النقاط الخلافية فى قائمة التكاليف، وجارٍ حسمها خلال ساعات، والإعلان عن الموعد الجديد للجمعيتين (العموميتين).. ويضيف: «من الوارد رفض أى قوائم مالية لحين معرفة أسباب أى انحرافات في قيم مؤثرة فى القوائم المالية».

عزبة أم تكية؟

يا سلام!!!!!

«التنسيق بين الجهاز المركزى للمحاسبات وقيادات شركة الحديد والصلب……»!! و«برعاية الشركة القابضة….»!! و«بحضورى شخصيًا»!! و«الوقوف على النقاط الخلافية»!! و«جارى حسمها»!! و«من الوارد……»!!

كلمات رئيس الشركة القابضة نفسها تشير إلى مهزلة كبرى.. وواضح أن سيادته غير مدرك إطلاقًا أولا وقبل كل شيء لمعنى (الجهة الرقابية) وخاصة حينما يدور الحديث عن الجهاز المركزى للمحاسبات.. وأنه هو شخصيا (رئيس القابضة) خاضع لرقابته هو وشركة الحديد والصلب (ونؤكد على الخضوع للرقابة) وبالتالى فإن المسألة ليست (تنسيق) والأنكى والأفدح قوله «برعاية الشركة القابضة.. وبحضورى شخصيًا»!! يا سيدى الفاضل أنت لست في موضع «الرعاية» و«الحضور شخصيًا».. بل في موضع «المساءلة» أنت ومرءوسوك في شركة الحديد والصلب.. بحكم مسئوليتك عنهم.. وأنتم في موضع «الخضوع للرقابة».. و«المساءلة» أمام أعلى جهاز رقابى في الدولة.. وأنتم في موضع المساءلة عن أمور جسيمة.. عن شركة كبرى تعمل بـ(٨٪) من طاقتها!! عن فساد وإهدار جسيم للمال العام، وديون تزيد على الخمسة مليارات جنيه.. وعن بروتوكول تخسر شركة الحديد والصلب بموجبه (٧٥٠ مليون جنيه) فى عملية تحوطها شبهات قوية جدًا وتم توقيعه من وراء ظهر الجهاز المركزى للمحاسبات.. وكأن الأمر يتعلق بعزبة أو تكية مملوكة لحضراتكم.. وهذه الأمور الجسيمة لا تملك سيادتك الحق فى القول بأنه «جارى حسمها»!!.. وكأن الحديث يدور عن الخلاف حول تكلفة (عزومة عشاء)!! بينما يتعيَّن عليك أنت نفسك أن تجيب عن سؤال حول ما إذا كنت تعلم بأمر هذا البروتوكول، وتوقيعه من وراء ظهر «الجهاز المركزى» خاصة أن شركتك (القابضة) طرف في التسوية التي يعالجها هذا البروتوكول.. والحقيقة أنك «إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة أو كنت تدرى فالمصيبة أعظم» حسب قول الشاعر القديم..

وادعاء البراءة والسذاجة في هذه القضية هو استخفاف بعقول سامعيك، ومحاولة مكشوفة للتملص من المسئولية عن كارثة أنت مسئول عنها تمامًا مع مرءوسيك.. بل قبلهم.. أما استخدام تعبيرات مثل «التنسيق» و«الرعاية» و«بحضورى شخصيًا» و«جارى حسمها».. إلخ فهو ليس تعبيرًا عن الاستخفاف بعقول سامعيك فحسب، بل وأيضًا استخفاف بالجهاز المركزى للمحاسبات، ودوره القانونى والدستورى في حماية المال العام.

والحقيقة أنه سواءً نظرنا إلى الأمر من الناحية القانونية أو الإدارية والتنظيمية، أو الأخلاقية فإن قيادة الشركة القابضة شريكة بالكامل فى المسئولية عن الكارثة التى أصابت شركة الحديد والصلب.. وهى كارثة لم تكن لتبلغ أبعادها المأساوية الراهنة فجأة.. بل تراكمت على مر السنين والإدارات المتعاقبة سواء فى الشركة نفسها أو فى الشركة القابضة للصناعات المعدنية.. غير أن ما يحدث هذه الأيام يفوق كل حدود الخيال.. بل والكوابيس..

وواضح تمامًا أن هذا الانهيار الشامل لم يكن ليحدث لولا أن هناك مؤامرة فعلية (لتخسير) الشركة تستمر على مدى سنوات.. فالأخطاء الفادحة للإدارات الفاشلة، والفساد وإهدار المال العام، والتسيب غير المحدود، وتعمد ترك الأفران وخطوط الإنتاج للتقادم والانهيار، وإغراق الشركة بالديون الباهظة.. إلخ.. كلها أمور تفقأ الأعين، وتستفز الحجر.

وبديهى أن كل ذلك لم يكن ممكنًا أن يحدث بعيدًا عن أعين وزراء قطاع الأعمال العام، والتجارة والصناعة المتعاقبين.. والذين لم يحرّك أحد منهم ساكنًا لمواجهة التدمير الذى تتعرض له هذه القلعة الصناعية الوطنية.. وكل ما يقدرون عليه هو ترديد العبارات البليدة المعروفة حول «فشل القطاع العام»!! والحقيقة يا سادة أنه فشلكم أنتم أو فسادكم.. أو تآمركم (لتخسير) الشركة والإجهاز عليها.. هذه الشركة التى قامت لعقود بأدوار مجيدة في خدمة الاقتصاد الوطنى والمجهود الحربى أيضًا في سنوات حرب الاستنزاف وما قبلها وما بعدها..

والحقيقة أيضًا أن القيادات الحالية لشركة الحديد والصلب، والشركة القابضة للصناعات المعدنية يجب فصلها فورًا وإحالتها إلى النائب العام، ومعها كل القيادات السابقة التى شاركت في هذا التدمير بالفعل المباشر أو بالسكوت والتواطؤ.. ومعهم الوزراء والمسئولون بتهمة تدمير قلعة من قلاع الصناعة الوطنية، وبكل تفاصيل هذه الجريمة الكبيرة فى حق مصر.

‫>> ولكن هل ضاعت الفرصة لإنقاذ الشركة؟ وهل باتت تصفيتها أمرًا محتومًا؟ نقول على الفور لا كبيرة.. وهنا نختلف مع تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات ومع كل احترامنا لهذا الجهاز الرقابى الكبير والعتيد..

لا كبيرة.. فالشركة لديها مقومات كبيرة جدًا للاستمرار والنهوض من جديد.. بشرط وجود قيادة جديدة تجمع بين الخبرة والكفاءة والنزاهة.. ومثل هؤلاء الأشخاص موجودون بالتأكيد.. ونعتقد أنهم معروفون لمن يهمه الأمر حقًا.. فالشركة لديها أكثر من ٩٠٠ ألف طن من الخردة وحدها تساوى أكثر من (٥ مليارات جنيه) أى ما يقترب من أرقام مديونياتها.. ولديها أراض تبلغ مساحتها (١٠٫٥ مليون م٢) في مجمع التبين وحده، يمكن التصرف في جزء منها بالبيع.. ولديها مئات الأفدنة المملوكة بوضع اليد فى حلوان والواحات البحرية و(٤٥ فدانًا) سبق شراؤها من الشركة القومية للأسمنت.. ولديها رصيد ضخم من الخامات الحديدية الضرورية للإنتاج يبلغ أكثر من (٢٠٠ مليون طن) في مناجم الواحات البحرية..

وهناك مشروعات مطروحة لإعادة تأهيلها، يمكن دراستها وتطويرها، أو وضع بدائل لها (مثل مشروع شركة «روس ميت» الروسية المصحوب بقرض ميسّر في صورة استثمارات قدرها (١٥٠ مليون يورو).. أى حوالي ( ٣ مليارات جنيه).. وفضلا عن ذلك فهناك إمكانيات تدخل الدولة نفسها.

‫>> وإذن فإن مقومات الإنقاذ موجودة وكبيرة إذا توفرت إرادة الإنقاذ..

‫>> وهذا ما سنناقشه في المقال القادم بإذن الله..

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات هاتفية باحتلال العراق للكويت

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *