ربطت مصادر عسكرية وحكومية مطلعة على المشهد السياسي في مصر، وقريبة من دائرة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بين قرار الإفراج عن رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق سامي عنان، بعد نحو عامين من الاعتقال وإصدار حكمين ضده بالسجن، وبين إعادة الفريق أسامة عسكر إلى العمل العسكري مرة أخرى بتولّيه رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة. والأخير كان مجمداً في مناصب ذات صبغة إدارية لمدة عامين تقريباً، من بينها مستشار وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء، ومسؤول مشاريع الجيش في المنطقة المركزية، وذلك بعدما كان تم إبعاده من منصب قائد منطقة سيناء العسكرية ومكافحة الإرهاب، بادعاءات تتعلّق بفساد مالي بملايين الجنيهات نهاية عام 2016.
وقالت المصادر لـ”العربي الجديد”، إنّ هناك ثلاثة ملفات رئيسية ارتأى السيسي حلحلتها قبل نهاية العام بقرارات فردية منه وباستشارة عدد من المقربين منه، أبرزهم وزير الدفاع الأسبق المشير حسين طنطاوي، وعدد من ضباط المخابرات الحربية السابقين من زملائه، والذين كان انتدبهم قبل أشهر للعمل في الرئاسة كمستشارين غير معلنين، تحت إشرافه مباشرة، وبعيداً عن سلطة مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، الذي يبدو الخاسر الأكبر من تطورات الأوضاع، بعد الهزة الكبيرة التي تعرّض لها النظام جراء التظاهرات الشعبية في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، بدعوة من المقاول الممثل محمد علي.
الملف الأول هو تهدئة الغضب داخل قيادة الجيش بسبب التدخلات المستمرة في عمله من قبل المخابرات العامة ممثلةَ في عباس كامل ومساعده أحمد شعبان ونجل السيسي محمود، وجميعهم سبق أن كانوا ضباطاً في الجيش، لكنهم تعاملوا في الفترة الأخيرة معه باعتباره تابعاً للمخابرات، في إطار رغبة الثلاثة في السيطرة المطلقة على جميع الأجهزة، وقطع العلاقات بينها وبين الرئاسة إلا من خلال جهاز المخابرات العامة. والأخير كان المتحكم الوحيد، وما زال المتحكم الرئيس، في المشهد السياسي، منذ انتقال كامل لإدارته في يناير/كانون الثاني 2018، خلفاً لخالد فوزي، بعد أزمة ظهور المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق وإعادته لمصر من الإمارات، وتبيّن تلقيه مساعدات من ضباط كبار بالمخابرات.
وأوضحت المصادر أنّ العلاقات بين قيادة الجيش والمخابرات ساءت إلى حدّ بعيد على خلفية استئثار الجهاز، وتحديداً محمود السيسي، باتخاذ القرار الأمني في الأيام الأولى من أزمة سبتمبر، وإصداره بعض التعليمات لوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، والذي لم ينفذها إلا بعد الرجوع للسيسي والتنسيق مع مستشاره الأمني اللواء أحمد جمال الدين ووزارة الداخلية. الأمر الذي أدى لانتشار بعض الأقاويل المنسوبة لقيادات عسكرية رفيعة تنتقد أسلوب إدارة شؤون البلاد، وهو ما أزعج السيسي بشدة، بعدما نقل هذه الانتقادات له مدير مكتبه محسن عبد النبي، الذي بات منافساً قوياً لعباس كامل في الآونة الأخيرة، وينازعه سلطاته.
أمّا الملف الثاني، فهو رصد استياء كبير داخل الجيش من انتشار الشائعات والمعلومات عن الفساد المالي لبعض القيادات، وبصفة خاصة في الهيئة الهندسية والمخابرات الحربية، ليس فقط بعدما أثار محمد علي ذلك في مقاطع الفيديو الخاصة به، بل أيضاً بسبب معلومات متداولة على نطاق واسع، اعتبرها شباب الضباط إهانة للعسكرية المصرية. كما ربط بعضهم بين ظهور تلك المعلومات، وبين الأقاويل التي مسّت سمعة الفريق أسامة عسكر، تحديداً بعد إبعاده من منصبه العسكري، والحديث عن تورطه في وقائع فساد وعدم الردّ عليها رسمياً، على الرغم من ثبوت عدم صحتها، بعد تحقيقات موسعة فتحت بواسطة رئيس الأركان السابق وصهر السيسي الفريق محمود حجازي، بحسب المصادر العسكرية والحكومية.
وأشارت المصادر إلى أنّ عسكر في الوقت الذي كان فيه البعض يتحدّث عن تحديد إقامته ومحاكمته عسكرياً، كان يتولى بالفعل الإشراف المالي والإداري على العديد من المشاريع بتكليف مباشر من السيسي ووزير الدفاع، وعلى رأسها مشروع جامعة الملك سلمان وغيره مما ينفذه الجيش بجنوب سيناء. الأمر الذي استدعى في هذه اللحظة تدخّل السيسي لإعادته لمنصب رفيع بالجيش، بهدف إعادة اللُّحمة للقوات المسلحة، وإسكات الحديث المتصاعد سواء عن توابع الفساد المالي أو عدم ردّ الاعتبار لعسكر، الذي يحظى بشعبية كبيرة في المؤسسة العسكرية بسبب خدمته الطويلة بالجيش الثالث الميداني وسلاح المشاة.
وبالنسبة للملف الثالث، فيتعلّق برصد انتشار استياء بين ضباط الجيش في جميع الأسلحة، وبصفة خاصة الدفاع الجوي، بسبب التجاهل المستمرّ للوساطات والمساعي للإفراج عن الفريق سامي عنان، ليس فقط بسبب ما تردّد عن معاناته من بعض الأمراض، ولكن في الأساس للتأكيد على وحدة الجيش، وبثّ رسائل الطمأنينة والسيطرة في آن واحد، بين الضباط والجنود. فعنان الذي تمّ التخلّص من عشرات القيادات الوسطى من الدفاع الجوي بعد ترشحه للرئاسة، وكانت مصادر قد كشفت لـ”العربي الجديد” في مارس/آذار من العام الماضي عن القبض على نحو 24 ضابطاً في الجيش خلال فبراير/شباط 2018، بسبب تأييدهم لترشحه، لن يستطيع الانخراط في العمل السياسي مجدداً. كما أنّ خروجه بهذا الشكل، سيكون في مصلحة السيسي وليس العكس، كما تصف المصادر.
وذكرت المصادر أنّ عنان كان قد أقام بالفعل في منزله على فترات متقطعة خلال فترة اعتقاله، وأنه أُبلغ بالإفراج عنه بقرار السيسي والحاكم العسكري (وزير الدفاع) منذ أسبوع، لكن إعلان الخبر جاء في أعقاب التعديل الوزاري مباشرة، لتكون الفرصة سانحة لتوجيه رسالة مفادها بأنّ النظام يجري تغييرات “انفتاحية” في سياساته، وهو ما كان المحور الرئيس لحديث وسائل الإعلام الموالية للنظام منذ مساء أول من أمس الأحد.
وكشفت المصادر العسكرية أنّ المشير طنطاوي كان له دور كبير في حلحلة الملفات الثلاثة السابقة، من خلال إدارته غرفة مركزية عملت لأسابيع عدة على رصد المشاكل داخل الجيش ومناطق الحساسية مع الرئاسة والمخابرات العامة واتخاذ القرارات بشأنها. كما أنه كلمة السرّ في حسم الإفراج عن عنان، على الرغم من علاقتهما المتوترة في الماضي، وذلك شريطة التزام الأخير الصمت سياسياً، علماً بأنه ما زال متهماً في قضية الكسب غير المشروع التي كان قد أخلي سبيله على ذمتها بكفالة كبيرة، وتم التحفّظ على ممتلكاته وأمواله الشخصية وأسرته.
وكان السيسي قد ألمح في أحد خطاباته قبل اعتقال عنان، إلى اتهامات الفساد المالي الموجهة للأخير، محذراً المصريين من اتباع أشخاص يفتقرون للنزاهة، ثمّ تمّ اعتقاله في 23 يناير/كانون الثاني 2018، وقررت النيابة العسكرية حبسه على ذمة اتهامه بمخالفة القواعد العسكرية، وإدراج اسمه بالتزوير من دون تصريح، في قاعدة بيانات الناخبين، وهو ما زال قيد الاستدعاء العسكري، وفي الخدمة بموجب المرسوم بقانون 133 لسنة 2011، ليصدر ضده حكمان بالحبس في القضيتين.
وذكرت المصادر أنّ غرفة طنطاوي رصدت أيضاً تصاعد حالة عدم الثقة بعد إطاحة العديد من قدامى القادة بالجيش، وعلى رأسهم الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع السابق، وسرعة التدوير بين القيادات وعدم استقرار المناصب القيادية.
وتتوازى هذه الجهود الرامية لإعادة الهدوء والثقة للجيش، مع عملية أخرى أمر السيسي عباس كامل بتنفيذها، من خلال توزيع السلطات والصلاحيات التي كانت مقتصرة عليه وعلى مساعده ونجل السيسي، على عدد أكبر من الضباط الموثوقين، والتي بدأت بتوزيع ملف إدارة الإعلام على أربعة من ضباط الجهاز الذين كانوا يساعدون أحمد شعبان، وكذلك إسناد إدارة منتدى الشباب الأخير لثلاثة ضباط كانوا يمارسون عملهم في ظلّ شعبان سابقاً، وإشراف كامل على الترتيبات النهائية للمنتدى بنفسه.
في السياق، قال مصدر مطلع لـ”العربي الجديد”، إنّ هذه الترتيبات لا تعني بالضرورة استبعاد شعبان، ولكن بصورة ما، تمّ خلق مستوى تنفيذي مباشر أكثر تخصصاً في بعض الملفات، في حين تمّ إسناد بعض المهام الجديدة لشعبان، بعيداً عن إدارة الإعلام والشركات الدعائية وملف الشباب بشكل مباشر.
وذكر المصدر نفسه أنّ اقتراح إرسال نجل السيسي إلى موسكو قد أُلغي بعد الموافقة عليه من قبل الرئيس، وذلك بعد وقوف زوجته ضدّ الأمر بشدة، موضحاً أنّ محمود السيسي عاد إلى جهاز المخابرات العامة، ولكن تمّ سحب بعض الملفات منه، بسبب مشاكل تتعلّق بفشله في الإدارة وبصفة خاصة في ما يتعلّق بملف الإعلام.
وانتهى المصدر بتأكيد أنّ مدير مكتب السيسي اللواء محسن عبد النبي، والذي كان عباس كامل قد اختاره بنفسه ليكون بمثابة مساعد له لإدارة المكتب قبل انتقاله لإدارة المخابرات، تتزايد صلاحياته بشكل لافت، ولا سيما بعدما استطاع الدفع في الفترة الماضية بالعديد من الضباط والموظفين للعمل في الرئاسة ليكونوا موالين له وحده، وإبعاد عدد ممن تم تعيينهم في عهد كامل. فضلاً عن تكوينه فريقاً إعلامياً جديداً خاصاً به في الرئاسة من غير أولئك الذين يدينون لكامل بالولاء.