ما الذي يمنع من تكرار المجزرة اليوم وغدا وبعد غد في العراق؟ لا أحد يمكنه ذلك غير الثوار الذين أعطوا للوطن في ستين يوما أكثر من خمسمئة شهيد وواحدا وعشرين ألف جريح ومعوق، كي يوقفوا المهزلة، وهم يهتفون: “نريد وطنا”.
عبد اللطيف السعدون
11 ديسمبر 2019
يصعب على العراقيين أن ينسوا مكائد مبعوث “الجمهورية الإسلامية”، قاسم سليماني، وارتكاباته في بلادهم، بعدما شهدوا تلك الليلة الوحشية الطويلة التي استل فيها مليشياويون حاقدون خناجرهم وسكاكينهم المسننة من قراباتها، ليمارسوا على رؤوس الأشهاد لعبة الطعن والإصابة التي سببت القتل المميت لعشراتٍ من شباب العراق وفتيانه.. كم أما عراقية في تلك الليلة ثكلت بابنها الوحيد، لأنه أراد أن يستعيد وطنه، كم أبا فجع بولده الشاب الذي أراد له أن يحيا في وطن؟ من كان وراء تلك المجزرة الدموية التي حصدت عشرات القتلى والجرحى؟ ولماذا صمتت “حكومة تصريف الأعمال” دهرا إلى أن تلطخت أرض “ساحة الخلاني” ومقتربات جسر السنك في وسط بغداد بالدم والدموع، ثم نطقت كفرا، وقالت إنها سوف تحقق، وتحيل الجناة إلى القضاء، فيما بدا رئيس الجمهورية “حامي الدستور” غير عارفٍ بما يجري من حوله، ملقيا بالمسؤولية عن المجزرة على “عصاباتٍ خارجة على القانون” لم يجرؤ أن يكشف عن عناوينها المعروفة.
وثمّة أسئلة أخرى تداعت تباعا: من صنع ذلك السيناريو الدموي المجنون غير وكلاء إيران الذين رسموا في الليل خريطة الأهداف ووضعوا الإحداثيات، وحددوا قواعد الاشتباك، لكنهم أنكروا ذلك عند طلوع الفجر، زاعمين أنها “فتنة” تمت بفعل مندسّين ومسلحين مجهولين؟ أين كان “مجلس الأمن الوطني” و”خلية الأزمة”، وهما الحلقتان اللتان يفترض أنهما تراقبان كل ما يهم أمن الوطن والمواطن؟ من وراء تلك الخطة الشريرة غير قاسم سليماني نفسه، رجل المهمات الإيرانية الصعبة الذي رأى أن لا سبيل لتفكيك الانتفاضة/ الثورة التي شكلت أمامه التحدي الكبير والرقم الصعب، وثبت عمليا أنها غير قابلة للترويض أو الاحتواء، سوى في الإجهاز عليها في ليلةٍ أحكم ظلمتها قطع التيار الكهربائي بأمر ماكر من جهة معلومة مجهولة (؟)، وأخفيت فيها السكاكين والخناجر المسننة والمسدسات الكاتمة للصوت تحت الثياب، ورفع فيها الشعار الزائف “دعم المتظاهرين السلميين وكشف المندسّين”، ودخل آخرون في اللعبة بحجة حماية المتظاهرين، وقد قدّر سليماني ووكلاؤه أن تلك الخطة سوف تضمن القضاء على الانتفاضة التي أرهقت أعصابهم، وأفقدتهم عقولهم، وجعلتهم كالثيران التي تتصارع في ما بينها، بأمل أن يبقى بعضها حيا، وصوّرت لهم آمالهم المريضة أنهم سوف ينعمون بنوم هانئ، يستفيقون بعده على وقع تشكيل وزارة جديدة تنهض بمهمة إحياء “العملية السياسية” التي أوشكت على الموت، وتضمن بقاءهم على الكراسي زمنا أطول.
وبحسب السيناريو المرسوم، أتاحت تلك الليلة السوداء الفرصة لأولئك المليشياويين لينقضّوا
وبحسب السيناريو المرسوم، أتاحت تلك الليلة السوداء الفرصة لأولئك المليشياويين لينقضّوا
بوحشيةٍ على ضحاياهم، وليحصدوا منهم أكثر من عشرين شهيدا
يتبعهم عشرات المصابين، ثم لتكتمل المجزرة بصعودهم إلى (مرأب السنك/ جبل الشهداء) الذي يتجمّع فيه المعتصمون، ليردوا عشرات منهم قتلى بالرصاص وقنابل الغاز. وفي رواياتٍ متواترة لشهود عيان، فإن جرحى تم رميهم من أعلى المبنى إلى الأرض، وكذلك جثث بعض من كتبت له الشهادة.
ولم يكن خيال شهود العيان هؤلاء ليجمح بهم إلى هذا الحد، ولم يخطر في بالهم قبلا أنهم قد يشهدون يوما مثل تلك المجزرة الدموية الموغلة في التراجيديا، ولكن الواقعة حدثت كما رسمتها الأيدي القذرة، ومن دون أن تلفت انتباه “مرجعية النجف” التي يزعم من خططوا للمجزرة ومن نفذوها أنهم يعملون بوصاياها، لكن “المرجعية” ظلت ساكنة، “أذن من طين وأذن من عجين”، وربما ستقول كلمة معترضة وشاجبة وداعية للتروّي والصبر يوم الجمعة التالي، وبعد أن تكون المسرحية قد انتهت، واختفى المخرج، وهرب الممثلون.
ما الذي يمنع من تكرار المجزرة اليوم وغدا وبعد غد؟ من يمكنه أن يكفّ أيدي أولئك الجناة المجرمين، ويحيلهم إلى قاض عادل يثأر للأمهات الثكالى والآباء المكلومين؟ من يستطيع أن يعيد للعراق حريته المنقوصة وسيادته المثلومة وقراره المستقل؟ من يمكنه أن يطرد الغرباء عنه الذين تآمروا على غزوه واحتلاله، وتواطأوا على سرقته ونهب ثرواته؟ لا أحد يمكنه ذلك غير الثوار الذين أعطوا للوطن في ستين يوما أكثر من خمسمئة شهيد وواحدا وعشرين ألف جريح ومعوق، كي يوقفوا المهزلة، وهم يهتفون: “نريد وطنا”. هم يريدون وطنا سيدا، مستقلا، مستقرّا، آمنا، مطمئنا، ومتحرّرا من كل القيود، وقد بدأ المجتمع الدولي يتقدّم لفهم مطالبهم ولدعم حقوقهم الثابتة في الحرية والحياة، ولم يبق سوى إطلاق رصاصة الرحمة على “العملية السياسية” الماثلة، وصولا إلى إرساء معالم التغيير الذي يريدونه.
ولم يكن خيال شهود العيان هؤلاء ليجمح بهم إلى هذا الحد، ولم يخطر في بالهم قبلا أنهم قد يشهدون يوما مثل تلك المجزرة الدموية الموغلة في التراجيديا، ولكن الواقعة حدثت كما رسمتها الأيدي القذرة، ومن دون أن تلفت انتباه “مرجعية النجف” التي يزعم من خططوا للمجزرة ومن نفذوها أنهم يعملون بوصاياها، لكن “المرجعية” ظلت ساكنة، “أذن من طين وأذن من عجين”، وربما ستقول كلمة معترضة وشاجبة وداعية للتروّي والصبر يوم الجمعة التالي، وبعد أن تكون المسرحية قد انتهت، واختفى المخرج، وهرب الممثلون.
ما الذي يمنع من تكرار المجزرة اليوم وغدا وبعد غد؟ من يمكنه أن يكفّ أيدي أولئك الجناة المجرمين، ويحيلهم إلى قاض عادل يثأر للأمهات الثكالى والآباء المكلومين؟ من يستطيع أن يعيد للعراق حريته المنقوصة وسيادته المثلومة وقراره المستقل؟ من يمكنه أن يطرد الغرباء عنه الذين تآمروا على غزوه واحتلاله، وتواطأوا على سرقته ونهب ثرواته؟ لا أحد يمكنه ذلك غير الثوار الذين أعطوا للوطن في ستين يوما أكثر من خمسمئة شهيد وواحدا وعشرين ألف جريح ومعوق، كي يوقفوا المهزلة، وهم يهتفون: “نريد وطنا”. هم يريدون وطنا سيدا، مستقلا، مستقرّا، آمنا، مطمئنا، ومتحرّرا من كل القيود، وقد بدأ المجتمع الدولي يتقدّم لفهم مطالبهم ولدعم حقوقهم الثابتة في الحرية والحياة، ولم يبق سوى إطلاق رصاصة الرحمة على “العملية السياسية” الماثلة، وصولا إلى إرساء معالم التغيير الذي يريدونه.