

كتب – مصطفى سيف
لعبت السياسة الخارجية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر في تقوية دور مصر الإقليمي، خاصة مع دعم حركات التحرر، والأفكار القومية التي ينادي بها، ما أدى لاكتسابه صفة الزعامة ليس في مصر فقط، لكن في عدد من الدول الإفريقية تدريب الجيوش الأفريقية وحركات التحرير .
نجح عبد الناصر في أن يخلق مناخًا عامًا من خلال سياسته الخارجية لتهيئة دعم حركات التحرر من الاستعمار والتخلص من التي تنادي بالحرية والديمقراطية، إلا أنَّها في نفس الوقت تستعمر دولًا أخرى، وظهر ذلك جليًّا بتأميمه لقناة السويس.
عدد من السياسيين المهتمين بالسياسة الخارجية لجمال عبد الناصر، أكدوا أنَّ دعم حركات التحرر، وتعزيز دور مصر الإقليمي هم الأركان الرئيسية لسياسته الخارجية، إضافة إلى مساهمته في بناء الدول التي تخلصت من الاستعمار.
د. جمال الرفاعي، رئيس قسم اللغات السامية بكلية الألسن جامعة عين شمس:
السياسة الخارجية للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كانت تعتمد على تعزيز دور مصر الإقليمي، عازيًّا ذلك إلى مشاركتها في حركات التحرر بالدول الإفريقية.
مصر دعمت حركة التحرر الوطني في الجزائر، وقادت حملة تعريب فيها، فكانت مصر ترسل أيام عبد الناصر مدرسين للغة العربية يُدِّرسون هناك في المدارس الجزائرية.
فعلت ذلك أيضا في عدد كثير من الدول العربية، إضافة إلى دعمها للتحرر في الدول الأفريقية، وتحريرها من الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، فمصر أيام عبد الناصر كانت رائدة في جميع المجالات وكانت هي التي تصدر إلى الدول العربية.
عدد كبير من الدول الإفريقية لا يزال يرفع صور عبد الناصر، حتى في الدول الآسيوية مثل اليمن دعّم عبد الناصر الثورة فيها ضد حكم الإمام.
سياسة مصر الخارجية في عهد عبد الناصر كُتب عنها الكثير، ما يؤكد مكانة مصر المحورية في ذلك الوقت.
السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق:
سياسة مصر دائمًا وأبدًا منذ عهد عبد الناصر وحتى الآن هي سياسة وطنية لأنها سياسة مؤسسة عريقة تديرها هي وزارة الخارجية المصرية.
وأنَّ اختلفت سياسة عبد الناصر كثيرًا عن العصر الحالي فسياسته الخارجية كانت تعتمد على المواجهة والمجابهة، ويميل أكثر إلى سياسة “الصوت العالي”.
عصر عبد الناصر كان يهدف إلى تخليص الدول من الاستعمار، موضحًا أن نغمة عبد الناصر تختلف عن الوقت الحالي لكنها في النهاية كانت تعتمد على تحقيق الأمن القومي المصري، وذلك يُترك للمفاوض المصري.
إفريقيا كلها تقريبًا تدين بالولاء لعبد الناصر حيث إنَّهم ما زالوا بينهم وبين ذكراه مودة، “عبد الناصر ليس عليه خلاف إلا من الناحية العسكرية فقط هذا هو الجدال الدائر حول عبد الناصر وطريقة مواجهته العسكرية”.
عبد الناصر اتخذ لغة التحدي مع أمريكا على الرغم من أنَّها وقفت إلى جانبه وساعدته، لكن تقرُّبه للروس، هو ما أثَّر على نظرته للولايات المتحدة.
السفير رخا حسن عضو مجلس الشؤون الخارجية:
الفترة التي وُجد فيها عبد الناصر فترة التحرر من الاستعمار، وليس في مصر فقط لكن في عدد من الدول الإفريقية والآسيوية، وهذا ما كان يُعتبر جزءًا أساسيًّا من السياسة الخارجية لمصر في مواجهة الاستعمار.
مصر أيضا كانت تدير سياستها الخارجية من خلال “سياسة التنمية” وهي أنَّ إرادة مصر المساهمة في تنمية الدول المُحررة من الاستعمار.
مصر كانت تحاول تدريب الجيوش الإفريقية، حركات التحرير من منطلق أنَّ مصر تمتلك جيشًا قويًّا في ذلك الحين، وكانت تفعل ذلك مع الدول الاشتراكية، مشيرًا إلى أنَّه كان يوجد مركز تدريب في تنزانيا ساهمت فيه دول عدم الانحياز أيضا.
حالة الإعجاب التي كانت مسيطرة على الضباط الأحرار في ذلك الوقت كان يرجع لعدم تدّخل أمريكا في شؤون الدول الأخرى، وعدم استعمارها وهذا هو ما كان ظاهرًا.
لكن مع بدء الحرب الباردة ومطالبة مصر بالانضمام لحلف بغداد الذي شكّلته أمريكا، رفضت مصر، وهذا كان نقطة التحوُّل والخلاف في هذه النقطة مع السياسة الأمريكية”.
“زعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نبعت من قوة سياسة مصر الخارجية، ما أعطاه قوة فوق القوة التي منحته إياه سياسته الخارجية في إفريقيا وآسيا من دعم حركات التحرر، إضافة إلى تأميمه لقناة السويس، وفكرة القومية العربية”.
الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة:
قبل الحديث عن سياسة عبد الناصر الخارجية لا بد من الأخذ في الاعتبار طبيعة النظام العالمي والتي كان يُطلق عليها “القطبية الثنائية” وأحد هذين القطبين هو المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكي، والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي.
“سياسة عبد الناصر الخارجية كانت تعتمد على أكثر من محور؛ أحد هذه المحاور هو اتباع سياسة عدم الانحياز، وهو مجموعة سياسية تحاول التوفيق بين القطبين لمصلحة العالم”.
المحور الثاني الذي لعب عليه عبد الناصر في سياسته الخارجية هو الارتباط بدول العالم الثالث (الدول النامية)، والتوجه نحو القارة الإفريقية كان ذا أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لمصر خصوصًا دول النيل”.
المحور الثالث هو التوجه نحو الدول العربية والتضامن العربي (فكرة القومية العربية) وهذا يظهر جليًّا في الدور المصري النشط أيام عبد الناصر من دعم القضية الفلسطينية.
الارتباط القوي بالمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي وكسر احتكار الغرب للسلاح، بالاتجاه نحو الشرق أكثر على مختلف المستويات، فمثلًا المشروعات التنموية الكبيرة التي حدثت في عهد عبد الناصر مثل السد العالي والحديد والصلب تجد أنَّ الاتحاد السوفيتي دخل فيها بشكل كبير بسبب العلاقة القوية مع مصر.