الرئيسية / حوارات ناصرية / لماذا أحب المصريون جمال عبدالناصر؟ سامى شرف يكتب عن جوانب من شخصية الزعيم

لماذا أحب المصريون جمال عبدالناصر؟ سامى شرف يكتب عن جوانب من شخصية الزعيم

“ المخابرات الأمريكية قالت: إن مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة
“عبدالناصر رفض أن تُنشر صور لأفراد عائلته فى الصحف باعتبارهم غير
مميزين عن سائر المصريين

تبدو دراسة شخصية الرئيس جمال عبد الناصر من ناحية صورته الجماهيرية هى
بالقطع تجسيد -منفرد -لنظريات ذلك العلم الحديث الذى يجمع بين علم
الاتصال بالجماهير وعلم النفس الاجتماعى والعلوم السياسية، تلك الصورة
التى متع بها الله هذا الزعيم على مقومات خاصة جعلت منه ببريقه الشخصى
يقنع الجماهير.

فى الشارع العربى بشكل طاغ لم يسبقه زعيم آخر فى هذه المقومات على الأقل
فى التاريخ الحديث، مما شكل انحيازا لهذا الزعيم فى أى اختيار حر سواء فى
حياته او بعد رحيله مما دفع البعض لاستعارة عبارة ” عبادة الفرد ” فى وصف
علاقة الناس بجمال عبد الناصر. وللعلم فإن عبارة “عبادة الفرد ” هى عبارة
اطلقتها دوروثى طومبسون المعلقة السياسية الأمريكية المعروفة سنة 1956
للتعبير عن تعاظم دور شخصية المرشح الرئاسى لدى الناخبين.

إن خلق الصورة الإيجابية لرجل السياسة تتعدى التفاصيل الشكلية من تعبيرات
الوجه او الملابس التى يرتديها السياسى او الرئيس وحركات يديه أثناء
الحديث إلى ما هو أعمق من ذلك، وإن كان من الواجب طبعا عدم تجاهل أهمية
المظهر الخارجى للشخصية السياسية او الزعيم، أى ان المهم ليس فقط شخصية
الزعيم كما يذهب البعض، وإنما أيضا محتوى تلك الشخصية.

الرئيس جواهر لال نهرو وصف الرئيس جمال عبد الناصر بقوله:

“إن ما أحبه فى ناصر انه يتعلم دائما.. أنه يتميز بصدق مطلق ونهمه متصل
للمعرفة، وشجاعته حاضرة، وهذا ما جعله رجل الفكر والعقل والفعل المؤهل
لقيادة امة فى حقبة حاسمة..”.

ويقول الكاتب الهندى “ديوان برندرانات” فى كتاب “ناصر الرجل والمعجزة”،
“ان التاريخ المعاصر للعالم العربى وخاصة مصر وتاريخ حياة ناصر لا يمكن
فصل أحدهما عن الآخر فدراسة الواحدة لا تكتمل إلا إذا أبقينا الأخرى نصب
أعيننا”.

ويقول الكاتب البريطانى “توم ليتل”: إن قوة منطق ناصر مستمدة من قوة منطق التاريخ..

إن ارتباط عبد الناصر بتراب هذا الوطن وتاريخه هو الذى صاغ صورته
الجماهيرية أما التزامه بقضايا الوطن ومسارعته بالدفاع عنها فقد كان
وسيلته فى توصيل هذه الصورة إلى شعب الأمة العربية فى كل مكان.

الدكتور “انيس صايغ” يقول فى كتابه: فى مفهوم الزعامة السياسية من فيصل
الأول إلى جمال عبد الناصر…

” استطاع عبد الناصر ان يمثل أغلبية الشعب تمثيلا صادقا، وأن يدافع عن
الأمانى القومية دفاعا حقيقيا، واستطاع بواسطة ذلك ان يتحول إلى رمز
للحركة الوطنية المعاصرة فبايعته عبر هذه الحركة أغلبية الشعوب بزعامة لم
يحصل عليها من قبل أى زعيم آخر لا من حيث اتساع أفقها وشمولها من المحيط
إلى الخليج ولا من حيث نوعيتها.

إن زعامة عبد الناصر تختلف من حيث المادة التى تتركب منها، إنها تنبثق عن
الشعب، عن مجموع طبقاته وفئاته وأفكاره. وهى تنبثق عن أمانى الشعب، عن
مطالبه التى نادى بها منذ قرن على الأقل، وعن شعاراته التى رفعها منذ أن
عرف العمل السياسى الحديث، وعن أحلامه التى أخذت تتراءى له منذ أن أقلقت
باله كوابيس التخلف والاستعمار والتفرقة والفاقه، وعن تراثه وكيانه
القومى ومصالحه العامة، إنها باختصار، تمثل أغلبية العرب. ”

اما الكاتب الفرنسى “جان لاكوتير” والذى كان على صلة وثيقة ومعرفة كاملة
بشخص الرئيس جمال عبد الناصر منذ ان كان مراسلا لجريدة الموند الفرنسية
فى القاهرة فقد كتب اكثر من كتاب عن عبد الناصر ولكنى اريد ان اضع خطوطا
تحت ما سطره فى كتابه “ناصر” وهو يصف احداث تشييع جنازة جمال عبد الناصر
فيقول: “إن هذه الجموع الغفيرة فى تدافعها الهائل نحو الجثمان إلى مثواه
الأخير لم تكن تشارك فى تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير، لكنها كانت فى
الحقيقة تسعى فى تدفقها المتلاطم للاتصال بجمال عبد الناصر الذى كانت
صورته هى التجسيد المطلق لكينونتها ذاتها.

لقد قفلت الآن الدائرة ولكن ماذا تحوى فى داخلها؟

ثورة 23 يوليو ، باندونج، السويس، السد العالى، دمشق، الجزائر ، قوانين 1961

إن كل ذلك قد أصبح الآن تاريخا، لقد مضت فترة الانتقال من عهد الملك
الدمية إلى الجمهورية والعروبة والاشتراكية، لكن ما هو باق هو صورة عبد
الناصر وما أصبحت ترمز إليه من الإحساس بالكرامة وروح التحديث والشعور
بالأهمية الدولية. ”

لقد كان لجمال عبد الناصر صورة جماهيرية طبيعية وغير مصطنعة، نفذت إلى
قلوب الجماهير العربية ووجدانها فى أقطار لم يكن لعبد الناصر سلطان
عليها، بل لقد كانت بعض حكوماتها تسعى للقضاء عليه وعلى صورته فى وجدان
الشارع والناس

إن الصورة الطبيعية والجماهيرية للرجل لم تكن نتيجة جهود خبراء ولا كانت
حصيلة دراسات او ابحاث، إنما كانت نابعة من ارتباطه بتراب هذا الوطن الذى
جسده فى شخصه حتى أصبح هو ذاته مادة مثالية لدراسة حالة نادرة من تحليق
صورة الزعيم السياسى فى آفاق لم يسبق أن وصل إليها أحد حتى الآن.

ولقد رويت فى شهادتى سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر الكتاب الأول قصة
كان احد اطرافها التلميذ جمال عبد الناصر والطرف الآخر والده عندما وجده
يحفر الأرض امام المنزل فى الخطاطبة فنهاه الوالد وانصرف ولكنه عندما عاد
من عمله وجده ما زال يحفر ولما سأله عن السبب كان رد جمال: عايز اعرف ايه
اللى جوة الأرض اللى بيقولوا لنا انها اصل كل شيء..

إن ارتباط جمال عبد الناصر بالأرض وتراب الوطن هو احد اسباب صياغة صورته
الجماهيرية.

فى يوم 26 اكتوبر1954، وفى ميدان المنشية بمدينة الاسكندرية، وبعد ان
انطلقت ثمانى رصاصات فى سماء الميدان نحو صدر جمال عبد الناصر، ظل الرجل
واقفا صامدا متحديا الاغتيال ومتحديا القاتل، ووسط دوى الطلقات استمر
جمال عبد الناصر قائلا للجماهير المحتشدة فى الميدان: ” فليبق كل فى
مكانه.. فليبق كل فى مكانه.. إننى حى لم أمت، ولو مت فإن كل واحد منكم هو
جمال عبد الناصر.. ولن تسقط الراية. ”

كان هذا الموقف التلقائى الذى بادر به جمال عبد الناصر إنما يعبر عن صورة
جماهيرية ناجحة بكل المقاييس تعبر عن موقف الرجل والجماهير فى نفس الوقت،
وهى هنا تستند إلى أساس من القناعة الراسخة بعظمة الجماهير التى يسعى
لقيادتها وأمله فى إمكانية تحقيق مستقبل مبشر ومشرق لهذا الشعب. فالذى
يؤمن بقاعدته تؤمن القاعدة به. وبدون هذا الإيمان المتين بالقاعدة
الجماهيرية التى سيتفاعل معها الزعيم لا يستطيع أى عدد من الخبراء، مهما
كبر وعظمت قدراته، أن يخلق صورة إيجابية لرجل السياسة لدى الجماهير أو فى
الشارع بشكل عام، وإن استطاع هؤلاء الخبراء ذلك لفترة محدودة فسرعان ما
سيكتشف رجل الشارع العادى بفطرته زيف هذه الصورة وحقيقة ازدراء الزعيم
له، أو عدم إيمانه بقدراته الخلاقة وبالتالى انعدام أمله فى تحقيق
المستقبل الواعد والمبشر والمشرق.

ويرتبط بهذا شرط آخر لا يمكن فصله عنه، وهو أن يكون لدى الزعيم تصور
لدوره فى قيادة الشعب إلى المستقبل الواعد والمشرق لأن هذا سينعكس فى
النهاية على صورته الجماهيرية بحيث توحى للجماهير بأن هذا الرجل بعينه هو
الذى يستطيع أن يوصلها إلى الغد المشرق الواعد الذى ينتظرها.

هذان الشرطان المسبقان لخلق صورة جماهيرية ناجحة هما فى حقيقة الأمر
معيار رئيسى لاختبار ما إذا كان رجل السياسة يملك فى الأصل مقومات
الزعامة أم لا.

فكم من قائد أو رئيس ولد وعاش ومات دون أن نسمع به أو نرى له اثرا
جماهيريا ذلك لأنه لم يتمكن من أن يقوم بدوره لافتقاره إلى تلك الصورة
الجماهيرية.

وفى هذا المجال يقول الدكتور أنيس صايغ:

“إن أعمال الزعيم هى رأس المال الذى يستعمله فى مضاربات السياسة، لكن
حساب الزعامة ليس مجرد قائمة بالواردات والصادرات والأرباح والخسائر.
والجماهير صاحبة القرار الأخير فى مصير الزعامة ليست دماغا إلكترونيا
يحكم على الأعمال حكما تلقائيا لا عاطفة فيه ولا يخضع لمؤثرات شخصية. لا
تقوم الزعامة على الأعمال فحسب.. مطلوب من الزعيم فى سائر الزعامات وسائر
الشعوب ــ حتى الذى بلغ أرقى درجات الرقى ــ أن تتوافر فيه صفات خاصة
تؤثر عادة فى الجماهير إلى جانب الخدمات التى يرى الشعب فى قيام الزعيم
بها تحقيقا لذاته ومصالحه”.

وإذا نظرنا الآن إلى جمال عبد الناصر فى ضوء هذه القاعدة التى تنطلق منها
أى صورة جماهيرية ناجحة لزعيم سياسى فسنجد أن إيمانه بعظمة هذا الشعب
وقدراته الكامنة، وأمله المؤكد الراسخ فى إمكانية تحقيق مستقبل واعد
ومشرق لهذا الشعب تمثل خطا ممتدا خلال كل خطاباته واقواله وما جاء على
لسانه فى جميع اجتماعاته ولقاءاته العامة والرسمية سواء مع الرؤساء
والقادة الذين زاروه او مع المؤسسات الرسمية والشعبية وذلك على امتداد
ظهوره على مسرح الأحداث وحتى رحيله عن عالمنا.

وللتدليل على هذا فلقد كتب جمال عبد الناصر فى كتابه فلسفة الثورة:

” إننا نعيش فى مجتمع لم يتبلور بعد، وما زال يفور ويتحرك، ولم يهدأ حتى
الآن أو يتخذ وضعه المستقر ويواصل تطوره التدريجى بعد مع باقى الشعوب
التى سبقتنا على الطريق. ”

” وانا أعتقد دون أن أكون فى ذلك متملقا لعواطف الناس، أن شعبنا صنع
معجزة، ولقد كان يمكن أن يضيع أى مجتمع تعرض لهذه الظروف التى تعرض لها
مجتمعنا، وكان يمكن أن تجرفه هذه التيارات التى تدفقت علينا ولكننا صمدنا
للزلزال العنيف”.

“صحيح أننا كدنا نفقد توازننا فى بعض الظروف، ولكننا بصفة عامة لم نقع على الأرض.

” أنظر إلى هذا وأحس فى أعماقى بفهم للحيرة التى نقاسيها وللتخبط الذى
يفترسنا ثم اقول لنفسى، سوف يتبلور هذا المجتمع، وسوف يتماسك، وسوف يكون
وحدة قوية متجانسة، إنما ينبغى أن نشد أعصابنا ونتحمل فترة الانتقال. ”
وهذا يؤكد أن شعور بل وإيمان جمال عبد الناصر بعظمة الشعب المصرى لم يكن
شعورا رومانسيا وإنما هو شعور واقعى وحقيقى يدرك مواطن القوة كما يعى
أيضا مواطن الضعف التى ينبغى التغلب عليها، ومن ثم فإن أمله فى المستقبل
الواعد والمشرق قناعة راسخة قائمة على فهم واع وعميق للحقيقة والواقع.

وللمزيد حول هذه النقطة أيضا اقول أن الرئيس جمال عبد الناصر عاد ليقول
فى سنة 1963 خطابا جاء فيه:

” ده كان المجتمع القديم اللى احنا اتوجدنا فيه.. قامت ثورات كثيرة..
قامت ثورة فى زمن الخديوى توفيق، لما قام عرابى وقال:

لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ونحن لم نورث ولن نورث أبدا لأى فرد ولو كان
الخديوى توفيق.. خدوه الانجليز، وجم نفوه، ولكن هل قدروا بعد أن نفوا
عرابى وزملاء عرابى إنهم يقضوا على الحرية فى هذا البلد؟ ! أبدا.. بدليل
إن إحنا النهاردة أحرار والبلد بتاعتنا.. وإن إحنا نبنى هذه البلد كما
نشاء.. يمكن السنين طالت أو الزمن طال، ولكن البلد بتاعتنا.

هذه كانت إحدى قناعات عبدالناصر الراسخة، وبالتالى فإن الأمل فى تحقيق
المستقبل الأفضل للشعب وللبلاد مرتبط تماما بإيمان الزعيم نفسه بعظمة
الشعب وهو العنصر الذى ينعكس على الجماهير نفسها ويجعلها تحرص على التمسك
بالزعيم لأنه هو الذى ايقظ ونمى هذا الشعور بقدراتها الكامنة وشبعها
بالأمل فى مستقبل واعد ومشرق، وجمال عبد الناصر أعطى الشعب ما لم يكن
يملكه هذا الشعب من قبل وهو الأمل.

وإذا رجعنا لماض ليس ببعيد سوف نرى أن شعور جمال عبد الناصر بدوره فى
النهوض بالشعب المصرى وتحقيق مستقبل أفضل له منذ شبابه المبكر من خلال
قراءته لسير الأبطال والزعماء الوطنيين التى رسمت له صورة البطل انه هو
المحارب الفاتح الذى يحرر وطنه. لقد قرأ جمال عبد الناصر فى بابه كتب
“حماة الإسلام” لمصطفى كامل، و”طبائع الاستبداد” لعبد الرحمن الكواكبى،
و”ووطنيتى” للشيخ على الغاياتى، كما قرأ كتب أحمد أمين عن الدراسات فى
حركات التجديد فى الاسلام عن جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده
ونجيب محفوظ، وقرأ سيرة غاندى وفولتير وجان جاك روسو والبؤساء لفيكتور
هوجو وقصة مدينتين لتشارلز ديكينز ويوليوس قيصر لشيكسبير وقد قام بتمثيل
دوره فى الحفل السنوى لمدرسة الأقباط يوم19يناير1935، وغيرهم ممن سبق أن
أوردت اسماءهم فى الجزء الأول من شهادتى.

ولقد كان لقصة توفيق الحكيم “عودة الروح” أثر عميق فى شخصية جمال عبد
الناصر وجعلته يحس بأهمية دور الزعيم، كما لفت نظره الحوارات التى دارت
بين عالم الآثار الفرنسى ومهندس الرى الانجليزى حول الشعب المصرى
وافتقاره إلى قائد مصرى مخلص يخرجه من الظلمات إلى النور.

وهذا دفع جمال عبد الناصر يكتب لصديقه حسن النشار رسالة خاصة جاء فيها:

“… لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة،
واستقبلنا غبار الموت.. فأين من يقلب كل ذلك رأسا على عقب ويعيد مصر إلى
سيرتها الأولى يوم كانت مالكة للعالم؟ أين من يخلق مصر خلقا جديدا حتى
يصبح المصرى ـ الخافض الصوت الضعيف الأمل الذى يطرق برأسه ساكنا صابرا
على حقه المهضوم ـ يقظا عالى الصوت، عظيم الرجاء، مرفوع الرجاء، مرفوع
الرأس، يجاهد بشجاعة وجرأة فى طلب الحرية والاستقلال”.

إذن فقد بات من المسلم به أن تكون الصورة الجماهيرية الناجحة للزعيم أن
تكون الصفات التى تمثلها تلك الصورة موجودة فعلا لدى صاحبها وليست مقحمة
على شخصيته، فمن غير العقول أن يكون الرجل أو المقربون منه فاسدين ونحاول
تصويره كطاهر اليد، أو أن يكون طابع حياته متسما بالأبهة ثم نصوره نحن
على أنه يحيا حياة بسيطة مثله كمثل أى مواطن عادى، ذلك أن رجل الشارع
لديه الفراسة الفطرية دائما والتى تمكنه من يكتشف ما هو حقيقى مما هو
مزيف.

وهنا نجد أن الجماهير المصرية والعربية كانت على قدر كبير من الوعى ليس
فقط من الحكم على صحة صورة جماهيرية تمتع بها جمال عبد الناصر أثناء
حياته وإنما مكنها أيضا من التصدى لمحاولات العبث بهذه الصورة بعد مماته،
وفى هذا المجال يكفى أن نسوق مثالا واحدا هو المحاولات التى تكررت للنيل
من طهارة يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسلامة ذمته المالية التى
بدأت بعد وفاته وعلى وجه التحديد فى زمن الردة والانفتاح السداح مداح ــ
على رأى الصديق أحمد بهاء الدين ــ بما تردد وكتب حول وجود حسابات باسمه
فى بعض البنوك السويسرية، ثم وصلت إلى ذروتها حين وجه له اتهام محدد
باختلاس 15 مليون جنيه ووضعها فى حسابه الخاص وذلك فى كتاب جلال الدين
الحمامصى ” حوار وراء الأسوار ” وبهذه المناسبة فقد كنت عند صدور هذا
الكتاب وراء أسوار السجون وتم استدعائى للتحقيق معى بواسطة المدعى العام
الاشتراكى وقد قمت بتفنيد والرد على كل هذه الافتراءات ودحضتها وأصررت ان
يكون التحقيق مكتوبا لأوقع على أقوالى وقد تم ذلك فعلا حيث رفضت ان يكون
التحقيق فى شكل مناقشة شفوية وأذكر أنى قلت للمدعى إننا لسنا فى مقهى
ندردش بل نحن امام اتهام خطير لأنظف رجل حكم مصر وما لم يتم فتح محضر
تحقيق مكتوب فلن اجيبك على أى سؤال.

وعندما أصدر عثمان أحمد عثمان كتابه ” تجربتى ” الذى ادعى فيه أن منازل
السيدتين هدى ومنى جمال عبد الناصر لم تدفع تكلفتهما الكاملة لأنهما بنيا
لآبنتى رئيس الجمهورية السابق.

وسارع الرئيس السادات بالتنصل مما جاء فى كتاب صهره ورفيق مجلسه الدائم
اتقاء لرد الفعل الشعبى الذى كان قد بدأ يفصح عن نفسه فى ذلك الوقت. وتلك
دلالة على صعوبة العبث بالصورة الجماهيرية للزعيم القائمة على أساس من
الصدق حتى بعد مرور سنوات على رحيله ليس عن المسرح السياسى بل عن العالم
أيضا.

نصل بعد ذلك إلى مرحلة لا تقل أهمية عما سبق أن كتبت ألا وهى حدوتة المثل
الأعلى الذى تجسده الصفات الشخصية والتى تظهرها الصورة الجماهيرية وما
يترتب على ذلك من قوة الجذب تجاه الزعيم من الجماهير العريضة.

ومن بين هذه الصفات على سبيل المثال لا الحصر الاستقامة وطهارة اليد وعفة
اللسان والخلق الحميد الطيب وقوة الشخصية وسعة الصدر والحزم والعفو..
وهنا يمكن إضافة خصائص اخرى لها أهمية فى مجتمعنا العربى مثل الطلاقة فى
الحديث والخطابة والمظهر الصحى وخفة الدم والتحدث بلغة يفهمها الشارع
وتستهوى الجماهير.

ونجد الكاتب الأمريكى روبرت سان جون فى كتابه ” الريس “ٍthe boss ” وهو
يصف صورة عبد الناصر كتجسيد لهاتين النقطتين ــ الطلاقة فى الحديث والصحة
الجيدة ــ حيث يقول:

“.. وأفضل خطب ناصر التى يلقيها ارتجالا.. حيث يتكدس مئات الآلاف من
الرجال والنساء فى ميدان شعبى ويقفون ساعات ثلاثا تحت الشمس الحارقة
يستمعون إليه. والحقيقة هى أنه لأنه مصرى أى واحد منهم يستطيع أن يربط
كثيرا من الكلمات بعضها مع البعض والناس ينظرون أكثر مما يستمعون وهو
المرآة التى يرون فيها انعكاس أنفسهم فى الوضع الذى يتمنونه لأنفسهم،
وكثير منهم تئن أجسامهم من التعب، أما هو فمرفوع القامة، قوى البنيان،
عيناه لا معتان وسليمتان، وجيه وحسن الملبس مثل معظم هؤلاء الأجانب الذين
يهبطون من الطائرات دون ان يكون لهم أى نفوذ فى مصر، أما ” الريس ”
فبإمكانه أن يدخل الرعب على الأوغاد الأجانب، كما ان الملوك ورؤساء
الوزارات يقطعون آلاف الأميال ليقابلوه، فهو رمز مصر الحديثة التى لم تعد
تثنى ركبتيها أمام أى فرد بعد الآن. ”

والآن لنتناول بعض الصفات التى أضفت على صورة جمال عبد الناصر صفة المثل
الأعلى للشعب.

ونستشهد بما قاله يوجين جوستين رجل المخابرات المركزية الأمريكية:

“مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة مما يجعله من الناحية العملية غير قابل
للتجريح، فلا نساء ولا خمر، ولا مخدرات، ولا يمكن شراؤه أو رشوته أو حتى
تهويشه، نحن نكرهه ككل، لكننا لا نستطيع أن نفعل تجاهه شيئا، لأنه بلا
رذيلة وغير قابل للفساد.”

ويقول الكاتب الهندى ديوان برندرنات فى كتابه ” ناصر الرجل والمعجزة “:

” إن رذيلة ناصر الوحيدة هى التدخين. ! ”

وعن طهارة يد عبدالناصر، يقول الكاتب الأمريكى روبرت سان جون فى كتابه ” الريس”:

حجرة الاستقبال فى منزل جمال عبد الناصر بمنشية البكرى حيث أجرى معه حديثا

“.. إن الغرفة بها طاقم من الأثاث المذهب يتكون من أريكة وستة كراس مغطاة
بقماش مطرز بالورد وثلاث مناضد صغيرة..

ثم يقول: ” أنه منذ ثلاث سنوات ثارت ثائرة الرئيس من جراء مقالة فى مجلة
أمريكية قالت إن الأثاث المذهب مأخوذ من أحد قصور فاروق. وكان هذا غير
صحيح، بل إن العكس هو الصحيح، فهو كرئيس للدولة من حقه أن يقيم فى أحد
القصور أو أن ينقل منه ما يشاء من الأثاث إلى منزله الذى تملكه الدولة،
لكن ناصر دفع ثمن هذا الطاقم من جيبه الخاص. ”

واقتضت الظروف ان ينتقل الرئيس جمال عبد الناصر للإقامة فى قصر الطاهرة
ــ أحد القصور الملكية ــ ولكنه لم يلبث بعد يومين ان عاد إلى منشية
البكرى وقال لنا: ” انا ما اقدرش أقعد فى مكان كله تحف وأشياء ثمينة..
حأعمل إيه لو حد من الأولاد كسر فازة او اتلف سجادة او شيء من هذا
القبيل؟ “.

وعندما اصيب بآلام فى رجليه طلب الأطباء ضرورة انشاء حمام سباحة وعندما
علم بأن مقايسة انشاء الحمام ستتكلف خمسة آلاف جنيه رفض رفضا باتا
انشاءه..

وإذا استرسلت فى هذه الحكايات سوف احتاج لصفحات وصفحات كثيرة.

وعن رفض عبدالناصر للمحاباة أقول: إنه فى العام 1956 أنشئت الوحدة
المجمعة فى قرية بنى مر محافظة أسيوط فى صعيد مصر ومسقط رأس جمال عبد
الناصر، واقترح المسئولون عن الحكم المحلى إنشاء قرية نموذجية عند مدخل
القرية تضم مائة وثمانى ” فيلات ” وتتوسطها فيلا على أحدث طراز تخصص
كاستراحة لرئيس الجمهورية وابن القرية. ورفض الرئيس جمال عبد الناصر هذا
الاقتراح تماما بعد ان كان قد وضع حجر الأساس وأهدت البلدة قطعة الأرض
اللازمة لإقامة القرية الجديدة وكانت مساحتها سبعة أفدنة ونصفا لجمال عبد
الناصر والأسرة. وكان رفض الرئيس بقوله:” لو لم أكن رئيسا للجمهورية ما
كان هذا الإجراء ليحدث، وأنا لا أقبل أى شيء يرتبط بمنصبى كرئيس
للجمهورية”.

أما الكاتب روبرت سان جون فقد كتب فى وصفه لجمال عبد الناصر:

” وهو يعارض بشدة محاباة كبار الموظفين لأقربائهم وقد كان ذلك يعتبر عرفا
وليس جريمة فى وقت ما قبل الثورة، وهو يصر على إنزال العقوبة الصارمة بأى
شخص يفعل ذلك “.

ويسرد سان جون بعد ذلك قصة معروفة حدثت فى بداية سنوات الثورة حين اتصل
جمال عبد الناصر شخصيا بصاحب جريدة أخبار اليوم قائلا له:

” انت شفت الصفحة الأخيرة؟ فأجابه.. نعم، هل تقصد سيادتك صورة والدك؟ إيه
الغلط فيها؟ فأجابه الرئيس فى لهجة صارمة.. أنا ما بأحبش أن تنشر أخبار
أبى وصور عائلتى بين الناس.. انا عاوز أن يعيش أبى وأخوتى مثل الناس
العاديين ولا أقبل أن يفسدهم منصبى.. “.

وكانت هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى نشرت فيها صورة والد عبد الناصر
الذى لم يسمع عنه القراء بعد ذلك إلا حين توفى ونشر نعيه بالصحف.

اسف للاطالة والى اللقاء فى جديد حول تجربة انسانية من اجل بناء مصر
القوية ام الدنيا

وعمر الترعة ما حا تعكر البحر

سامى شرف

مواطن قومى عربى مصرى ناصرى

عن admin

شاهد أيضاً

حكاوي عصر العلم والايمان .

‎د.أحمد دبيان فى العملية الطبية يجب أن تحدد التشخيص جيداً إذا ما أردت انتهاج استراتيجية …

تعليق واحد

  1. Salute to the soul of the last true Arab great leader

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *