كيف نهبت مصر 1974-2019 المقدمة
عبد الخالق فاروق·السبت، ٧ ديسمبر ٢٠١٩·
كيف نهبت مصر ( 1974 – 2018 ) (1)
بقلم / عبد الخالق فاروق
الخبير فى الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية
إهداء إلى من يستحقون جائزة الإنسانية كلها ..
إلى جوليان أسانج :
بطل موقع ويكليكس الذى كشف جرائم ودسائس الغرب والحكام المستبدين فى الشرق
وإلى جورج سنودن :
بطل كشف جرائم التنصت والتجسس الأمريكى ضد العالم فأسقط ورقة التوت الأخيرة عن دولة الحريات وحقوق الانسان
وإلى موردخاى فانونو :
الفنى النووى فى إسرائيل الذى كشف للعالم حقيقة الترسانة النووية الإسرائيلية وتعرض للتعذيب والنكران من العالم العربى والغرب معا .
المؤلف
مقدمة ..
طوال عشرين عاما أو يزيد ، ومنذ أن بدأت العمل البحثى فى تقصى عوامل الفساد وآلياته وأطرافه وتداعياته فى المجتمع المصرى ، تجمعت لدى كميات هائلة من البيانات والمعلومات والتقارير الصحفية ، والتحقيقات الجنائية والقضائية حول وقائع ومعطيات الفساد فى مصر ، وهو ما دفعنى إلى إعداد عدة كتب ومؤلفات تتناول هذه الظاهرة الخطيرة فى حياتنا منذ عام 1974 ، وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد والمجتمع المصرى ، وإن كان لم يكتب للكثير منها الظهور والنشر إلا بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 .
بيد أنه وبعد صدور كتبى الثلاثة الأولى حول الفساد فى مصر ، وهى ” جذور الفساد الإدارى فى القطاع الحكومى .. بيئة العمل وسياسات الأجور والمرتبات فى مصر 1962- 2002 ” ، الصادر عن دار الشروق عام 2009 ، ومن بعده كتاب ” اقتصاديات الفساد فى مصر .. كيف جرى إفساد مصر والمصريين 1974- 2010 ” ، الصادر عن مكتبة الشروق الدولية عام 2011 ، ثم كتاب ” اقتصاديات الأجور والمرتبات فى مصر .. كيف نبنى نظاما عادلا للأجور والمرتبات ” الصادر عن مكتبة الشروق الدولية عام 2012 . بدا بوضوح بعد وقائع التحقيقات الجزئية التى أجرتها بعض الهيئات القضائية بناء على بلاغات كثير من المواطنين ( مثل جهاز الكسب غير المشروع – هيئة النيابة الإدارية – نيابة الأموال العامة – جهاز النائب العام ، وهيئة قضايا الدولة ) ، وبعض الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وقطاع مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية ، كمحاولة لإمتصاص حالة الغضب الشعبى الواسعة النطاق فى البلاد التى فجرتها ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، أن معطيات وحقائق الفساد وأحجامه وتأثيراته الاقتصادية والمالية على الدولة والخزانة العامة ، التى سبق وقدرناها قبل هذه الثورة العظيمة ، لم تكن تشكل سوى حقائق جزئية ومتواضعة بالمقارنة بتلك التى كشفتها تلك التحقيقات مع بعض رموز نظام حسنى مبارك ، دون أن تصل إلى عمق فتح الملفات الكاملة لكل رموز هذا النظام ورجالاته .
ومن هنا بدأت عملية إعادة التقييم والتحليل والرصد لكل هذه الحقائق التى تسربت من بين أجهزة التحقيقات ، وإن كانت لم تسفر عن محاكمات حقيقية وعقوبات تتناسب مع فداحة الجرائم وأضرارها الهائلة …!!
ووسط هذا الجهد ” الفسيفسائى ” – إذا جاز الوصف – طوال السنوات الثمانى التى أعقبت ثورة يناير عام 2011 ، من أجل جمع تلك الخطوط المتناثرة هنا أو هناك ، وملامح الصورة المبتورة والمشوهه للوصول إلى جمل مفيدة ، وكشف آليات عمل جماعات ” المافيا ” المصرية التى أدارت الدولة المصرية على مدى أربعين عاما أو يزيد ، فأفلست خزاناتها ، وأفقرت شعبها ، وباعت أصول إنتاجها بأبخس الأثمان ، فى حين راكمت الثروة والثراء على الجانب الأخر لعدد لا يزيد على ألفين وخمسمائة من كبار رجال المال والأعمال الجدد وعائلاتهم فى البلاد ، لتبرز إلى ساحة الاحصاءات العالمية المتخصصة ( مجلة فوربس ) من بين أغنى العائلات فى العالم ،وتزيد حجم ثرواتها على أكثر من 750 مليار دولار ، معظمها يجرى إستثماره وتهريبه إلى الخارج فى أوربا والولايات المتحدة ، وإمارات ومشيخات الخليج الفارسى .
ومع كل مرحلة من مراحل البحث والتقصى ، كان الستار ينزاح عن تحالف إجتماعى شيطانى يمتد بخيوطه من الداخل إلى الخارج والعكس صحيح ، بدءا من كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية الحاكمة فى البلاد منذ سنوات بعيدة ، مرورا بزواج بدأ عرفيا مع طبقة رجال المال والأعمال الجدد بكل سماتها وخصائصها الشاذه من سماسرة أراضى وعقارات ، إلى كبار التجار والمستوردين ، إلى أصحاب التوكيلات التجارية للشركات العالمية * وكبار القيادات المصرفية والبنكية ، وتجار السلاح ، وأصحاب المشروعات والمنتجعات السياحية ، ويأتى فى مؤخرتهم رجال الصناعة والتعدين . ويأخذون فى طريقهم كمحلل أو غطاء بعض أساتذة الجامعات والأكاديمون والمهنيون من أطباء ومهندسون وبعضا من رجال الدين .
وفى كل خطوة من خطوات البحث ، كان هناك سؤال يلح .. ويطرح نفسه بقوة .. ويفرض سطوته على عقلى وتفكيرى باحثا عن إجابة : أين مكانة وتأثير العامل الخارجى والعنصر الأجنبى فى إنشاء وتخليق هذا التحالف الإجتماعى الشيطانى ،وفى أى معامل لأجهزة إستخبارات كبرى تمت هذه التركيبة الجهنمية ؟
وعبر عملية شديدة التعقيد والتركيب تشكلت جماعات المصالح فى الداخل، وتساندت عبر عمليات المصاهرة والتزاوج المتبادل ومنها نشأ ما يسمى فى الأدبيات الاقتصادية الحديثة رأسمالية المحاسيب Cronyism Economy بالاتفاق مع مصالح دولية ، ولا نجاوز الحقيقة حينما نؤكد أنها فى معامل أجهزة استخبارات إقليمية ودولية مؤثرة وفاعلة وفى طليعتها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA .
ولم يكن غريبا والحال كذلك ، أن تكشف الدراسة أن هذه الطبقة الرأسمالية الجديدة هى مولود هذا التحالف الخفى ، فنشأت وترعرعت فى حضن الدولة المصرية ورئيسها تحديدا ( أنور السادات ومن بعده حسنى مبارك ) ، وبرعاية وتخطيط أمريكى مباشر . وهل كانت مصادفة – مثلا – أن يكون اللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية المصرية
___________
· أحدهم وهو السيد صلاح دياب كان يمتلك فى لحظة واحدة 43 توكيلا تجاريا لكبريات الشركات العالمية عام 2008 . وكذلك منصور عامر 95 توكيلا ، وحسام أبو الفتوح 23 توكيلا وأخرين كثيرون .
عام 1971 ، هو الذى أدار صفقة طائرات الميراج التى مولتها ليبيا لصالح المجهود الحربى المصرى ، يتعاطى بالعمولات والرشوة مع الحكومة الفرنسية وشركة ” طومسون ” المنتجة للطائرة ، هو نفسه الذى يقع عليه إختيار الرئيس السادات عام 1975 ليكون نائبا لرئيس جمهورية مصر ، ثم أليس غريبا أن يكون هذا النائب الجديد يتولى إدارة شبكة وعصابة دولية لتجارة ونقل الأسلحة إلى مناطق النزاعات التى ترغبها الولايات المتحدة وجهاز المخابرات المركزية الأمريكية فى أمريكا اللاتينية ( نيكاراجوا – السلفادور – هندوراس ) وإلى أفغانستان ، وفى شراكة مع حسين سالم والملحق العسكرى المصرى فى واشنطن اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة واللواء كمال حسن على الذى كان يشغل منصب مدير المخابرات العامة المصرية ، واللواء منير ثابت مدير مكتب المشتريات العسكرية المصرية فى واشنطن ، الذى يرتبط بصلة نسب وقرابة مع النائب حسنى مبارك ، وتاجر السلاح السعودى الشهير عدنان خاشقجى ذو صلة القرابة بالأسرة المالكة فى السعودية ، ومديرها مخابراتها كمال أدهم وأخرين ، وفى تعاون وشراكة مع عميل المخابرات المركزية الأمريكية توماس كلينز T.Clines و شبكته ..!!
وهل من المصادفات أن يكون الرجل الذى قام بإرسال سلة مانجو ملغومة وأغتال زعيم المعارضة السودانية ( الأمام المهدى ) عام 1969 لصالح بقاء حكم اللواء جعفر النميرى ، هو نفسه الذى يصبح رئيسا لمصر عام 1981 ، فيشرف ويستكمل ما بدأه سلفه ( السادات ) فى هندسة ذلك التحالف الاجتماعى الشيطانى وزواج المحارم بين رجال المال والاعمال ورجال الحكم والإدارة طوال ثلاثين عاما من حكمه ؟
والحقيقة أنه قد ساعدنا فى إماطة اللثام عن هذا اللغز .. لغز الرجل .. ولغز بناء هذا التحالف الاجتماعى الشيطانى الجديد فى مصر عدد من أهم الكتب والمراجع العربية والأجنبية التى صدرت حديثا ومن أبرزها :
1- كتاب واحد من أهم مؤرخى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية وأكثرهم إطلاعا وتدقيقا هو السيد جوزيف ج. ترونتو المعنون ” مقدمة فى الإرهاب ” (1)
-Joseph Trento: “Prelude To Terror … The Rogue CIA And The Legacy Of America s Private Intelligence Network ” , carrol & graf ,London , New York 2005 .
والذى تضمن كما هائلا من الأسرار والحقائق والوثائق الرسمية عن جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية وشبكاته السرية وعلاقة حسنى مبارك والرئيس السادات بهذا الجهاز ، وذلك كله من واقع تحقيقات قانونية قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى FBI ووزارة العدل حول جرائم ومخالفات وإنتهاكات للقانون الأمريكى ، وهو ما لم يصدر بشأنه أى تكذيب من جانب الرئيس حسنى مبارك ، وهى التحقيقات التى بدأت منذ عام 1982 ، حتى طواها قرار أمنى وسياسى على أعلى مستوى فى إدارة الرئيس رونالد ريجان عام 1983، وصنف الموضوع بأعتباره من مقتضيات الأمن القومى الأمريكى ، لا يجوز تناولها فى الصحافة وتعاون المسئولين الرسميين فيها .
2- كتاب الصحفى الأمريكى الأشهر Bob Woodward الصادر عام 1989 وعنوانه ” الحجاب .. الحروب السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال الفترة 1981-1987 ” (2) ، الصادر فى لندن عن مؤسسة Schuster
–Bob Woodward , ” Veil : The Secret Wars Of The CIA 1981-1987″ , Simon & Schuster , London , 1989
والذى تضمن بدروه فى كثير من صفحاته معطيات تمس بشكل مباشر الشرف الشخصى والوطنى للرئيس الأسبق أنور السادات ، وكونه كان على صلة بهذا الجهاز ومصدر لمعلوماته ، ويحصل بالمقابل على مدفوعات مالية منتظمة Payroll من الجهاز بواسطة ” كمال أدهم ” مدير المخابرات السعودية ورجل المخابرات الأمريكية المهم فى المنطقة .
3- كتاب ضابط الإستخبارات الأمريكية الاقتصادى ” جون بركينز ” John Perkins الصادر بعدة لغات منذ عام 2004 ، وصدرت ترجمته العربية فى مصر عن دار طنانى عام 2008 ، بعنوان ” اعترافات قرصان اقتصادى .. الاغتيال الاقتصادى للأمم ” (3) ، وقد تعرض مؤلفه إلى تهديدات بالقتل من مجهولين يرجح أنهم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ، بسبب ما تحويه ضفتى الكتاب من أسرار ومعلومات مذهلة بشأن أساليب الولايات المتحدة وأجهزة إستخباراتها فى توريط الشعوب وحكوماتها فى الدول النامية بمصيدة الديون من أجل السيطرة على قراراتها وسياساتها ،وهو ما كنا نحذر منه فى كتاباتنا وكل الخبراء الاقتصاديين الوطنيين سواء فى مصر أو فى غيرها من الدول ، فها هو رجل من داخل مطابخ صنع هذه السياسات التوريطية يقدم إلينا بالوثائق والمستندات والتجربة الشخصية ما يؤكد هذه الحقيقة ، ومنها نستطيع فهم كثير من الإلغاز الخاصة بمصر ، وتفاخر الرئيس السادات بأن كل الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية التمويلية تعرض على مصر إقراضها بكثير من الكرم فى معرض رده الساذج على المقاطعة العربية لنظامه بعد زيارته للقدس المحتلة فى نوفمبر عام 1977 ( موقع جون بيركنز www.johnperkins.org) .
4- كتاب الاستاذ محمد حسنين هيكل المعنون ” مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان ” ، الصادر عام 2012 عن دار الشروق ، والذى يتضمن لأول مرة بعض التفاصيل حول صفقة الميراج الليبية ودور اللواء حسنى مبارك فيها عام 1972 ، والعمولات التى تردد أنها تزيد على 250 مليون دولار ( الصفقة كانت شراء ما بين 75 إلى 104 طائرة ميراج بتكلفة 5 مليار دولار بأسعار ذلك الزمان ) (4) .
أن هذه الأعمال الأربعة معا – بخلاف مئات الكتب والتقارير والوثائق التى سوف نشير إليها فى موضعها – قد أضاءت أمامنا الكثير من الظلمات ، وفتحت أفاقا واسعة لفهم ما غمض علينا وعلى مصر فى فهم الرجل وفهم دوافع عصره .
لذا فأن هذه العملية الاجتماعية التاريخية Historical Social Process التى أستهدفت إعادة بناء وهندسة البنية الاجتماعية والطبقية فى مصر ، وتخليق هذه الطبقة الرأسمالية وإستحضارها من القبور الناصرية ، بإعتبارها الركيزة الأساسية ” للسلام ” و” الإستقرار ” ، والتعاون مع الغرب وإسرائيل ، تزامن معه وصاحبه توظيف وإعادة تموضع لكبار قيادات الدولة والجيش والشرطة والبيروقراطية المصرية ، وسواقط الكادر الجامعى والمؤسسة القضائية ، ليشكلوا هذه السبيكة التى تقوم عليها الدولة الجديدة فى مصر بعد عام 1974 حتى يومنا هذا .
ومن هنا لم يكن غريبا أن تأتى نتائج سياسة ” الانفتاح ” سداح مداح ” ، على حد تعبير كاتبنا الراحل أحمد بهاء الدين منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى ، هو الانفلات الاقتصادى والمالى ، وإنتشار الجرائم الاجتماعية والأخلاقية بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث ، وهو ما عرضنا إليه تفصيلا فى كتابنا ” أزمة الانتماء فى مصر .. الآثار الاجتماعية لسياسةالانفتاح ” ، الصادر عن مركز الحضارة العربية عام 1998 ، وما تبعه من دراسات أكاديمية جادة تناولت نفس الموضوع مثلما هو كتاب الدكتور صلاح منسى ” الانفتاح الاقتصادى والجريمة فى مصر.. دراسة سسيولوجية لعلاقة التغيرات الاقتصادية بالسلوك الإجرامى ” الصادر عن دار النهضة العربية عام 1989 ، ، وكذلك كتابه ” القرية المصرية والإنفتاح الاقتصادى .. دراسة سيسيولوجية للتحولات الاجتماعية التى طرأت على القرية المصرية ” ، الصادر عن دار النهضة العربية عام 1988 ، وعشرات الدراسات الأكاديمية الأخرى (5) .
كما تعززت هذه السبيكة الاجتماعية الجديدة من خلال علاقات التصاهر والتزواج بين أبناء قيادات وقمم هذه الفئات التى سبق وأشرنا إليها ، والتى سوف نعرض لبعض نماذج حالات التصاهر والتزواج تلك فى دراستنا هذه . وهنا ينبغى أن نتفهم طبيعة الفروقات النوعية ، بين تعبير يجرى إستخدامه من جانب المسئولين المصريين بدءا من الرئيس حسنى مبارك ، نزولا إلى أدنى مرؤسيه وهو( أن الفساد منتشر فى كل الدول ) ، أو أن كل المجتمعات تشهد حالات فساد . والحقيقة أن هذه مقولة حق أريد بها باطلا .
ذلك أن المجتمعات كافة ، وفى الدول المتقدمة كما الدول المتخلفة تشهد حالات من الإنحرافات الفردية قد تتسع أو تضيق ، لكنها لا تعيش حالات فساد منظم ومقنن وممنهج ، كما هى الحال فى مصر ، ذلك أن هذه المجتمعات تضع حائطا للصد أمام تفشى حالات الفساد أو الإنحرافات الفردية من خلال توافر أربعة عناصر أساسية هى :
الأول : جهاز إعلامى قوى ومتعدد الاتجاهات قادر على الولوج إلى كافة مصادر المعلومات والتفاصيل والمخالفات التى قد يرتكبها المسئول أو من يشغل وظيفة عامة (6) بعكس الحالةالمصرية التى يظل فيها الجهاز الإعلامى سواء كان حكوميا أو تابعا لرجال الأعمال مسيطرا عليه بشكل أو بأخر وفى حدود لا يتجاوزها .
الثانى : إحترام لا شك فيه للقواعد القانونية ، بحيث لا يستطيع المخالف أن يجادل بمن يكون ؟ أو صلة قرابته إلى أحد من الكبار ؟ فالقانون يطبق على الجميع ، بينما فى مصر هناك ألف حائل أمام تطبيق القانون وتوقيع العقاب المناسب على المجرم أو المخالف ، طالما كان مسنودا من هنا أو من هناك .
الثالث : طبيعة صياغة القواعد القانونية خصوصا الاقتصادية ، صحيح أنها هناك تلبى مطالب ومصالح جماعات المصالح الاقتصادية والصناعية الكبرى ، لكنها لا تتعارض ولا تتناقض مع أسس مستقرة لبناء المجتمع الرأسمالى مثل قوانين محاربة الأحتكار ، أو شفافية المناقصات والمزايدات والمشتريات الحكومية ، أو فى غيرها من القوانين الضابطة Controlling Laws للممارسات الرأسمالية ، حتى لا تفلت من عقالها وتؤدى إلى الإضرار بمصالح المجتمع ومستهلكيه .
الرابع : قوانين تسمح بالشفافية والإفصاح فى الغالب الأعم ، وعلى العكس فى مصر ، فأن القوانين قد شرعت طوال العقود الأربعة الأخيرة لخدمة فئات معينة ، ضاربة عرض الحائط بمصالح الدولة والخزانة العامة ، وبالفئات الاجتماعية الأدنى فى السلم الاجتماعى كما سوف نرى ، ووصل الأمر إلى حد فتح ثغرات فى القوانين المشرعة أو غير المشرعة ( اللوائح التنفيذية ) لتوفير مظلة قانونية لممارسى الفساد ، تحميهم من المساءلة القضائية مستقبلا ، وهو ما عرضنا إلى بعض جوانبه فى كتابنا ” اقتصاديات الفساد فى مصر ” السابق الإشارة إليه ، وإن كنا سنتوسع فى هذا العمل لشرح بعض جوانب القوانين الاقتصادية المفسدة .
*****
وبقدر ما وفرت السياسات الاقتصادية المتبعة طوال هذه الفترة ، وتدنى الأجور والمرتبات ، وإنتهاج سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الرقابية والقضائية – أو بعض أفرادها – وهوما تعرضنا إلى بعضه فى مؤلفاتنا السابقة ، بقدر ما وفر المناخ الثقافى والخطاب الاعلامى بدوره لهذه الممارسات لغة القبول ، ومصطلحات التبرير ، بدءا من سخرية الرئيس السادات من ” إشتراكية الفقر ” ، مرورا بالخطاب المسموم والمستخدم فى وسائل الإعلام الحكومية والرسمية – قبل أن تظهر وسائل الاعلام الخاصة فى منتصف التسعينيات – الواصف لكل من يخالفه ” بأصحاب اللغة الخشبية ” ، و ” الحربجية ” وغيرها من التعبيرات السلبية ، إنتهاءا بالدراما التليفزيونية والسينمائية – التى غرقت بدافع خفى من المنتجين السعوديين والخليجيين – فى وحل سيناريوهات المخدرات والإدمان والدعارة والجريمة بصورة عامة .
ووسط هذا العالم ، تسربت مصطلحات ومفاهيم ، وأتخذت من اللغة الرمادية والمزدوجة منصات إطلاق ، فأصبح إعادة تفكيك وبناء الاقتصاد المصرى على أسس رأسمالية من جديد ” تحريرا ” ، وسياسات الإفقار وإلغاء الدعم وتخفيف العبء عن كاهل الدولة والموازنة العامة ” ترشيدا ” ، وترادف كلمة ” التخطيط ” فى العصر الجديد مع الجمود والتحجر ، ووأد المبادرة الفردية وحرية الأسواق ، وفاعلية آليات العرض والطلب فى تخصيص الموارد والاستثمارات وصياغة أولويات الدولة والمجتمع .
كما أهيل التراب – ظلما ودسا مسموما – على شركات القطاع العام خصوصا ، وعلى الملكية العامة عموما ، فأصبحت فى الخطاب الرسمى والخطاب العام السائد وسط أفراد المجتمع وأجياله الجديدة ، بمثابة الوصفة السحرية للفشل والفساد وإهدار المال العام ، وتفشى البيروقراطية ، وعدم جودة الانتاج ، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن هذا القطاع هو من تحمل سنوات الجمر طوال السنوات الستة التى أعقبت هزيمة الخامس من يونيه عام 1967 حتى حرب أكتوبر عام 1973 .
*****
أما المؤسسة التعليمية ، فقد كانت أول ضحايا هذه التغيرات العميقة والعاصفة التى جرفت الحياة فى مصر ، حيث وجد أبناء هذا النظام التعليمى وأولياء أمورهم أنفسهم أمام أوضاع خطيرة أبرزها :
– أن التكدس بفصول المدارس الحكومية قد أصبح لا يطاق .
– وأن أخلاقيات العملية التعليمية فى تدهور مستمر.
– وأن تكاليف التعليم آخذه فى التزايد بصورة مرهقة وفوق القدرة على الإحتمال .
– وأن غياب الأباء بالخارج قد أسقط عاصم من عواصم الجنوح .
– وأن المجتمع لم تعد تشغله قضية وطنية أو قومية تستقطب الاهتمام فأنخرط الجميع فى أحلام الخلاص الفردى وحلم علاء الدين النفطى .
– كما أنعكس سوء الأداء أكثر فأكثر على الأنشطة الإبداعية كالموسيقى والرسم والرياضة وغيرها من أنشطة الروح والوجدان .
– وبرغم كل التغيرات العاصفة فقد ظلت المناهج التعليمية كما هى ، حيث روح التلقين والحفظ ، فخلقت أجيالا غير قادرة على المناقشة الحرة والإبداع والاستقلال .
– وتحت ضغط الحاجة وتدنى أجور ومرتبات المدرسين ، سقطت قيم الاستاذية فى أنظار ملايين الأطفال والطلاب ، فكان بمثابة سقوط لأخر خطوط الدفاع الذاتية فى النظام التعليمى ككل .
– وزاد الأمر سوءا أن حملة إعلامية وسياسية غبية جرت لسنوات طويلة تحت دعوى إلغاء مجانية التعليم أو ترشيده ، فألقت بظلالها الكئيبة على نفوس وعقول ملايين النشء والشباب ، الذين أحسوا أنهم قد صاروا عبئا على وطن ، فتحول الوطن بدوره داخلهم إلى عبء (7) .
وساهمت هذه المحرمات العشرة فى خلق حالة من الخلخلة النفسية والقيمية لدى ملايين الأطفال والشباب ، فأستثمرها تيارين رئيسيين لأغراضهما الخاصة وهما :
الأول : تيار التغريب ، فأنتشرت حالات من التحلل الأخلاقى وإدمان المخدرات بين طلاب المدارس والجامعات وغيرهم .
الثانى : تيار الإسلام السياسى وجماعات التطرف والرفض الدينى ، التى مثلت للكثيرين نموذجا للخلاص الأخلاقى ، فأصبح التمسك بأهداب الأخلاق والدين مرادفا للإنضواء داخل هذه الجماعات الدينية فتمثلوها أمراء خلاص .
*********
وهنا ينبغى التوقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى هذا الكتاب ، والتى تحتاج إلى ضبط منهجى ، ونقصد بها تحديدا مفهوم وتعبير ” نهب ” مصر .
فإذا كان مفهوم أو تعبير ” النهب plunderingفى العرف العام يرمى إلى عملية الحصول دون وجه حق على أموال أو أصول مادية أو عينية للدولة ، أو حكومة أو أشخاص ، أو جماعات تحت غطاء من معاملات أو صفقات بصورة غير عادلة أو منصفة لصالح طرف وعلى حساب الطرف الثانى ، المعرفة قانونا بالغبن ، أو الغش أو التدليس فى القانون الجنائى المصرى ، فقد تتخذ عملية النهب تلك أشكالا متنوعة بصرف النظر عن وجود إطار قانونى من عدمه ، مثلما هو الحال فى المعدلات المبالغ فيها جدا للفائدة البنكية ، الذى يقارب ما يعرف فى الفقه الاسلامى ( بالربا ) ، أو بالحصول على الأراضى المملوكة للدولة مجانا ، أو بأسعار بخسة لا تتناسب مطلقا مع سعرها العادل أو الاقتصادى الحقيقى ، أو من خلال شراء شركات ومعدات مملوكة للدولة وشركاتها ( الخصخصة ) بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية (8)، وحينما كتب الاقتصادى الفرنسى البارز ” بيير جالييه ” كتابه الهام ” نهب العالم الثالث ” فى منتصف عقد الستينيات من القرن العشرين ، لم يكن يتصور أن تكون عمليات النهب بمثل هذه الصورة البشعة التى شهدتها مصر وروسيا فى أثناء تطبيق ما يسمى برنامج الخصخصة Privatization فى مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين . لقد كان عمليات التحليل الاقتصادى للنهب الاستعمارى تعتمد بصورة أساسية على تحليل أثر التجارة الدولية وعمليات الاقتراض على إستنزاف الفائض الاقتصادى من دول وشعوب العالم النامى ، ولم تكن عمليات الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة قد ظهرت بعد فى العلاقات الاقتصادية الدولية أو حتى المحلية (9) .
أما الاقتصادى الفرنسى الكبير ” شارل بتلهايم ” ، فقد قدم إلينا أداة تحليلية مختلفة ومتميزة تقوم على مفهوم ” الفائض الاقتصادى ” Economic Surplus بمستوياته الثلاثة :
– الفائض الاقتصادى الجارى أو الفعلى current Economic Surplus .
– الفائض الاقتصادى الإحتمالى economic surplus Potential.
– الفائض الاقتصادى الكامن Hidden Economic Surplus (10) .
وكذلك ما قدمه المفكران الاقتصاديان الأمريكيان بول أ. باران ، وبول م. سويزى فى كتابيهما الرائع ” رأس المال الإحتكارى ” عن الاقتصاد الأمريكى ، وكذلك كتاب بول أ . باران الشهير ” الاقتصاد السياسى والتنمية ” .
فالفائض الاقتصادى كما يقول (بول أ . باران ) ليس مطابقا لمفهوم الربح ، وأنما هو أوسع من ذلك وأعمق (11)، والفائض الاقتصادى الفعلى هو ( الفارق بين الانتاج الفعلى الجارى في المجتمع ، وبين إستهلاكه الفعلى الجارى ) ،
وهو بهذا المعنى يكاد يتطابق مع مفهوم الإدخار وبالتالى الاستثمار .
أما الفائض الاقتصادى الإحتمالى Potentialفهو ( الفارق بين الناتج الذى يمكن إنتاجه في ظل ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة ، بالإعتماد على الموارد الانتاجية التى يمكن إستخدامها ، وبين ما يعد إستهلاكا ضروريا ) (12) .
أما الفائض الإقتصادى الكامن Hidden ، فيذهب هذا المفهوم إلى تلك الموارد أو الفائض الذى ضاع فرصة الاستفادة بها لعدم استغلالها الاستغلال الأمثل ، أو عدم العمل على استخدامه على الإطلاق، وهى طاقات وقدرات متوافرة فى المجتمع المصرى ( البشرية والمادية والتعدينية والزراعية وغيرها ) ، وحصر مصادر هذه الثروة والموارد المصرية غير المستغلة أو المستخدمة بأقل من طاقتها المناسبة.
أى توسيع نطاق الرؤية لتشمل تلك الخسائر التى تحققت بسبب عدم توجيه الموارد الإقتصادية التى توافرت للاقتصاد والمجتمع خلال هذه الفترة فى اتجاهات تنموية حقيقية ، اعتمادا على مفهوم نفقة الفرصة البديلة Opportunity-Cost مثل قطاع النفط والغاز الطبيعى ، أو القدرة على تعبئة المدخرات والفوائض المتاحة للأفراد والجماعات بفعل السفر والعمل بالخارج أو غيرها من الوسائل ، فلم يحظ هذا المفهوم ، بفرص حقيقية لإستخدامه كأداة منهجية وتخطيطية للتنمية والنمو الاقتصادى .
وهذا المفهوم لدى ” شارل بتلهايم ” يختلف إلى حد ما عن مفهوم الفائض الاقتصادى الذى قدمه الاقتصاديان الأمريكيان البارزان ” بول م. سويزى ” و ” بول أ. بارن ” ، فى كتابهما الهام ” رأس المال الأحتكارى ” كمحاولة منهما لتحليل كيف تؤدى النظم الرأسمالية الصناعية المتقدمة تكنولوجيا ، إلى زيادة الفائض الاقتصادى المهدر بسبب هذا التطور فى خطوط الانتاج وتكنولوجيا الانتاج بصورة متسارعة(13) .
أما الفائض الإقتصادى المستنزف فى الاقتصاد المصرى خلال هذه الفترة الطويلة ( 1974- 2018 ) من واقع التقارير الإقتصادية والمحاسبية الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية ، فهى ترمى إلى تقدير الخسائر المباشرة من جراء عدم كفاءة الإدارة الإقتصادية والسياسية للقائمين على الحكم والإدارة فى البلاد ، أو من جراء عمليات النهب والفساد .
وفى مصر لم تحظ هذه الأدوات التحليلية بالاهتمام الكافى من جانب الدارسين والباحثين الإقتصاديين ، وذلك بتطبيقها على الحالة المصرية ، سواء قبل التغيرات الجذرية الكبرى التى جرت على الإقتصاد والمجتمع المصرى بعد عام 1974 ، أو قبل ذلك التاريخ.
صحيح أن هناك بعض الدراسات المحدودة التى تناولت بعض مظاهر تبديد الفائض فى مجال الإنتاج الزراعى ، أو الطاقة العاطلة فى القطاع الصناعى (14) أو فى مجال الخسائر الإقتصادية الناتجة عن العدوان الإسرائيلى على مصر عام 1967 (15) ، بيد أن هذه الدراسات والأبحاث المتناثرة لم تكن تنطلق من منظور نظرى كلى وشامل يتعامل مع هذه الوقائع والمعطيات الإقتصادية أو الفنية فى الإطار الإجتماعى والإقتصادى Scio-Economic الشامل .
ربما كانت الحالة الأقرب إلى عمليات النهب Plundering بالمعنى الحرفى للكلمة ذلك التأريخ الهام الذى قدمه الكاتب والمؤرخ البريطانى الشهير ” دافيد سى . لاندوز ” فى كتابه الهام ” بنوك وباشوات ” الذى ترجمه فى مطلع الستينيات من القرن العشرين المفكر الدكتور عبد العظيم أنيس ، ونشرته دار المعارف ، واحتوى على تفاصيل مفزعة حول عمليات النهب والإقراض المجحف الذى مارسته البنوك الأوربية والمرابين مع الخديوى إسماعيل وأوصلت مصر إلى حد الإفلاس ، ومن ثم فرض الوصاية المالية والسياسية عليها ، وأنتهت فى النهاية بإحتلال الأنجليز لمصر عام 1882 الذى إستمر لأكثر من سبعين عاما ( 1882- 1956 ) (16) .
كما عرض طلعت حرب باشا فى كتابه الهام ” علاج مصر الاقتصادى ومشروع بنك المصريين ” الصادر عام 1911 ، وكشف فيه جوانب النهب والإستغلال البشع الذى كان يمارسه المرابون والبنوك الأجنبية فى حق الفلاحيين المصريين ، من خلال نظم للرهن والفوائد التى كانت تزيد فى معظم الحالات على 90% من أصل الدين ، مما كان يؤدى فى النهاية إلى إستيلاء هؤلاء المرابين والبنوك على أراضى الفلاحيين المصريين ، وكذلك الديون التى أغرقت الخديوى إسماعيل (1864-1878) ، ومن بعده مصر كلها وأودت بها فى النهاية إلى التدخل الأجنبى ثم الإحتلال البريطانى العسكرى للبلاد عام 1882 (17) .
ويشتمل مفهوم النهب Plundering فى حالتنا على ما هو أكبر وأوسع من مجرد ما ضاع على الخزانة العامة أو الدولة المصرية بصورة مباشرة من مزايا وحقوق مالية ، مثلما هو الحال فى فروقات تسعير الأراضى التى منحت لرجال المال والأعمال المصريين والعرب بغرض الاستصلاح الزراعى – خصوصا فى طرق (القاهرة – الأسكندرية ) الصحراوى ، وطريق (القاهرة – الإسماعيلية ) الصحرواى ، وطريق (القاهرة – الفيوم ) الصحراوى ، ثم طريق (القاهرة – السويس ) الصحراوى ، ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد عام 2015 ، وكلهم تقريبا من ذوى الصلات الوثيقة برجال الحكم والإدارة كما سوف نرى ، تحولت على أيديهم إلى منتجعات سكنية وسياحية فاخرة تحققت من جرائها أرباحا تقدر بمئات المليارات من الجنيهات ، بل أن بعض المصادر الحكومية والرسمية مثل هيئة التعمير والتنمية الزراعية ، قدرت الفارق الذى ضاع على الخزانة العامة بسبب فارق التسعير بحوالى 147 مليار جنيه ، بل أننا نذهب فى مفهومنا إلى النهب الذى ضاع على المجتمع والدولة من جراء إهدار فرص إستزراع هذه الأراضى وتحويلها إلى سلة غذائية وزراعية حقيقية ، كافية لزيادة نسبة إكتفاءنا الذاتى من الغذاء بحوالى 5% إلى 10% أضافية على الأقل ** ، وهنا يأتى أهمية مفهوم ” شارل بتلهايم ” حول الفائض الاحتمالى والفائض الكامن .
وتؤدى أنماط إستحلاب الفائض الاقتصادى ونهب الثروة الوطنية فى مصر ، إلى تنامى عمليتين اقتصاديتين وماليتين وإجتماعيتين متناقضتين فى وقت واحد :
الأولى : تتمثل فى تركز وإستقطاب حاد وسريع للثروات والدخول لدى فئات محدودة فى المجتمع ، مقابل توسيع مساحات الفقر والفقراء فيه .
والثانية : بديلا عن التوسع الرأسمالى وزيادة الأصول الانتاجية الذى شهدته ومارسته الطبقات الرأسمالية فى إنجلترا وأوربا فى بداية الثورة الصناعية فى القرنين الثامن والتاسع عشر، وكذلك فى التجارب الحديثة لدول النمور الآسيوية واليابان فى منتصف الخمسينات من القرن العشرين ، والذى يطلق عليه فى الأدبيات الاقتصادية والتاريخ الاقتصادى ” بالتراكم الرأسمالى ” Accumulation of capital ، حدث على العكس فى مصر ، ما نسميه التراكم المالى Financial Accumulation الذى أثمر مشروعات ذات طبيعة خدمية وسريعة العائد من ناحية مع عمليات تهريب ونزح واستثمار جزء كبير من هذه الأرباح فى الخارج من ناحية أخرى ، خصوصا فى المراكز الرأسمالية المتقدمة وفى دول وإمارات والخليج العربى . كما شهدت مصر كما هائلا من البذخ وصل إلى حد السفه والانفلات الأخلاقى .
وقد توصل بحثنا إلى وجود ما يقارب 300 عائلة فقط تكاد تستحوذ على أهم مصادر الثروة والنفوذ فى البلاد ، بالتحالف مع كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية كما سوف نعرض فى الصفحات القادمة .
**************
وعندما نتحدث عن نهب مصر Plundering ، فأننا نميز بين أربعة مستويات لعمليات النهب تلك هى :
الأول : عمليات النهب بمعنى إهدار الأصول والممتلكات العامة المصرية ، سواء من خلال عمليتى خصخصة وبيع الشركات العامة ، أو تخصيصات الأراضى المترامية الأطراف التى منحت لكبار رجال المال والأعمال القريبين من دوائر الحكم والإدارة ، فحققوا من ورائها مئات المليارات من الجنيهات فى صورة أرباح صافية لم يبذلوا فيها أدنى مجهود .
_______________
** شاهد الكاتب بنفسه عام 2013 ، الطريق الممتد من مطار الدار البيضاء بالمغرب حتى مدينة مراكش والذى يزيد على ثلاثة ساعات بالسيارة وهو مفروش بالخضرة على الجانبين لتصبح المغرب شبه مكتفية ذاتيا من المحاصيل الأساسية .
الثانى : عمليات النهب بمعنى سوء إدارة الموارد الاقتصادية المتاحة بسبب ضعف الكفاءة فى الإدارة والتشغيل ، أو بسبب الأهمال ، أو التواطؤ فى كثير من الحالات مع شركاء ظاهريين أو مخفيين من القطاع الخاص المحلى ، أو العربى أو الأجنبى ، بهدف إزاحة المال العام من الدومين العام إلى الجيوب الخاصة ( الشركة المصرية للاتصالات نموذجا والأراضى والشركات ) .
الثالث : نهب الثروة الوطنية من خلال علاقة غير متكافئة مع المستثمرين العرب والأجانب ( حالة البترول والغاز نموذجا ) .
الرابع : نهب الثروة الوطنية بمعنى تهريب الأموال إلى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية ( تهريب البنكنوت –
حسابات المراسلين – نظم الإستيراد والتصدير ) ، أو من خلال البورصة وسوق الأوراق المالية ، أو المؤسسات المالية الخاصة ( هيرمس نموذجا ) .
لقد أتسعت ممارسات ” النهب ” فى مصر لتشمل كافة مجالات النشاط الاقتصادى والمالى تقريبا دون إستثناء ، وعبر تطور مراحل بناء الطبقة الرأسمالية الجديدة ، تطورت أيضا مصادر وروافد النهب وتكوين الثروات ، فخلال الفترة الأولى من هذه العملية التاريخية التى أمتدت لثمانى سنوات تقريبا ( 1974- 1981 ) ، تركزت مصادر النهب وبناء الثروات الجديدة فى القطاعات التالية :
1- قطاع المصارف والبنوك والإقتراض المصرفى .
2- قطاع التجارة الداخلية بالجملة ونصف الجملة .
3- قطاع الاستيراد من الخارج والتوكيلات التجارية .
4- مشروعات تشارك فيها وتمولها المعونة الأمريكية US aid ومؤسسات التمويل الدولية خاصة البنك الدولى .
5- مشروعات تمول من خلال أموال المساعدات العربية والخليجية .
6- مشروعات تمول من خلال القروض والمساعدات الأوربية ومؤسسات تمويلها .
7- قطاع السياحة وتسريب جزء كبير من حصيلة النقد الأجنبى من جانب أصحاب كثير من هذه الشركات .
8- قطاع البترول والغاز الطبيعى .
9- المشتريات الحكومية ونظم المناقصات والمزايدات الحكومية .
10-القطاع الزراعى وتآكل الأراضى الزراعية لصالح النشاط العقارى .
11-التهرب الجمركى ( القوانين واللوائح والتواطؤ بين كثير من الموظفيين ) .
12-تغيير النظام القانونى الضريبى والتهرب من سداد الضريبة على الدخل والضريبة على الأرباح .
13-التجارة فى العملات الأجنبية خارج الإطار القانونى ( السوق السوداء ) .
ثم فى المرحلة اللاحقة (1982-2011) ، أضيفت إلى المصادر السابقة مصادر وروافد اضافية لنهب الثروة الوطنية وكانت هى الأبشع والأكثر وحشية وهى :
14-تخصيصات الأراضى والمضاربة عليها .
15-بيع الشركات العامة وماعرف ببرنامج الخصخصة .
16-البورصة وسوق الأوراق المالية .
17-برنامج دعم المصدرين .
18-تغيير التشريعات الاقتصادية بما يفيد رجال المال والأعمال ويضر بالخزينة العامة مثل ( قوانين الضرائب على الدخل – قوانين المناقصات والمزايدات – قوانين الإحتكار وتعزيز المنافسة وغيرها من القوانين ) ، التى زادت على 1441 قانونا اقتصاديا منذ عام 1974 حتى عشية ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
19-قطاع البناء والتشييد وبناء المنتجعات السكنية والسياحية الفاخرة والعاصمة الإدارية الجديدة .
20-تجارة السلاح والعمولات .
21-شبكات الدعارة الكبرى وشبكات تجارة المخدرات التى تديرها شخصيات كبرى .
سوف نكتشف فى ختام دراستنا تلك أن حجم الأموال التى جرى نهبها وإهدارها وضياعها على الخزانة العامة المصرية والدولة المصرية خلال هذه الفترة ( 1974- 2018 ) تكاد تزيد على تريليونين من الجنيهات ( ألفى مليار جنيه ) ، بمتوسط سنوى لا يقل على 50 مليار جنيه سنويا .
**********
وبقدر ما كانت الثروات فى مصر تتراكم بقوة وأندفاع فى جانب ، بقدر ما كانت مصر تجتاحها الأوباء والأمراض التى تصيب الغالبية الساحقة من الفقراء ومحدودى الدخل ، فى وقت كانت منظومة خدمات الرعاية الصحيةوالعلاجية العامة قد تعرضت للتآكل والضمور ، بحجة العجز فى الموازنة وقصور الموارد المالية ، فأنتشرت الأمراض المزمنة ، حيثبلغ عدد مرضى السكرى عام 2013 حوالى 7.5 مليون مواطن وفقا لتصريحات الدكتور إبراهيم الأبراشى رئيس اللجنة القومية لمرضى السكر التابعة لوزارة الصحة المصرية(18) . أما الدكتور يحيى الشاذلى عضو لجنة الفيروسات الكبدية فأشار إلى أن مرضى الكبد فى مصر بكافة أنواعه الثلاثة قد تجاوز عشرة ملايين مريض ، وأن لدينا 155 ألف مريض جديد ينضمون سنويا إلى هؤلاء المرضى ، بل أن عدد المتقدمين للحصول على علاج ( سوفالدى ) عبر الإنترنت فى شهرين فقط قد بلغ 800 ألف مريض(19) .
هذا ناهيك عن مرضى القلب والسرطان وغيرها من الأمراض الذين يتجاوز عددهم الملايين .
*************
يبقى مسألة أساسية فى هذا العرض ، وهى الخاصة بالإطار المرجعى الزمنى الذى أتخذنا منه نقطة البداية فى حساب مسار الفساد والنهب فى مصر الحديثة ، ونقصد به عام 1974 .
فمن المؤكد أن ما قبل هذا التاريخ قد شهد أيضا ممارسات فساد ، وعملية أختلاس ونهب لبعض الثروات المصرية ، سواء قام بها بعض المنتسبين للنظام الجديد فى 23 يوليو عام 1952 من الضباط الأحرار ، أو من أفراد وقيادات البيروقراطية المصرية العتيدة ، بيد أن هذه الممارسات ظلت حبيسة سلوك وإنحرافات الأفراد – بإستثناء الدائرة الضيقة بالمشير عبد الحكيم عامر داخل الجيش – ولم تكن أبدا وليدة سياسات عامة معمولا بها ، أو بناء على توافر مظلة قانونية وتشريعية تحميها وتحمى أصحابها ، أو بنت تحالفات طبقية واسعة ومكشوفة كما جرى بعد عام 1974 .
فمع إعلان الرئيس السادات تطبيق ما أسماه سياسة الانفتاح الاقتصادى فى ذلك العام ، جرت تحولات كبرى وجذرية فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية لمصر ، ونشأت طبقة إجتماعية جديدة وتحالف طبقى رباعى الأضلاع ( كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية ، ورجال المال والأعمال الجدد ، وسواقط المؤسسة الجامعية ، وسواقط المؤسسة القضائية ) فى تحالف ترعاه القوى الغربية والخليجية والمؤسسات التمويلية الدولية ، وتحميه علاقات التصاهر والتزاوج بين مكوناتها ، وتعززه شبكة المصالح العاتية التى نشأت بينهم جميعا .
أن هذا العام كان نقطة البداية فى مسارات مختلفة جذريا ونوعيا ، وفى كافة المستويات فى الحياة المصرية ، وترك ومازال يترك بصماته وتأثيراته على كل مناحى الحياة فى هذا البلد ، ولا نبالغ إذا قلنا ، على كل نواحى الحياة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وفى العالم .
وسوف يجد القارىء الكريم فى كتابى هذا ، خروجا جزئيا عن بعض ما أعتاده فى دراساتى السابقة من إلتزام صارم بقواعد البحث الأكاديمى المجرد ، حيث ألزمتنى طبيعة الموضوع ، وإنتشار جوانب وممارسات الفساد والنهب المنظم والعشوائى معا لأموال وأصول الدولة والمجتمع ، والذى لا يخضع بدوره لمعايير منضبطة فى القياس والتقدير ، إلى تطعيم بعض جوانب تناولى بالمصادر الصحفية ، التى لعبت دورا مقدرا فى الكشف عن جوانب هذه الممارسات الفاسدة والأموال الحرام الناتجة عنها ، خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011
وفى ختام هذه المقدمة المطولة ، لا يسعنى سوى شكر من قدموا لى يد المساعدة والعون ، وبذل الجهود من أجل إنارة طريق هو بطبيعته وعر ومظلم ، فى عالم من الأسرار والعلاقات الخفية ، وأساليب هى أقرب إلى عصابات المافيا الإيطالية ، أو الياكوزا اليابانية ، أو المافيا الروسية بدون مبالغة أو تهويل . وأخص بالشكر الباحث الاقتصادى رضا عيسى بما وفره عبر الشبكة العنكبوتية ودأبه فى البحث والتقصى لبعض المعلومات المفيدة ، كما أشكر الباحث فى شئون البورصة والأسواق المالية الدكتور رمضان معروف والدكتور مدحت نافع على ما قدماه من مادة علمية ، وكذلك الصحفى مصطفى عبيد على ما أتاحه من مادة صحفية مفيدة ، كما لا يفوتنى أن أقدم شكرى وإمتنانى للباحث الاقتصادى أيمن غازى من مرسى مطروح ، على ما قدمه من مساعدة قيمة فى مجال تحليل تكلفة انتاج المنتجات البترولية فى مصر ، وكذلك الصحفى الشجاع مصطفى زكريا من جريدة الصباح ، كما أن هناك الكثير من الجنود المجهولين الذين فضلوا أن يبقوا فى طى الكتمان نظرا لحساسية مواقعهم ، وحساسية الموضوع ، ومنهم بالضرورة زوجتى نجلاء سلامة التى تحملت الكثير من المتاعب والمخاطر التى تصاحب عادة من يختار طريق محاربة الفساد فلهم منى جميعا الشكر والتقدير ، وإن كنت وحدى أتحمل مسئولية كل ما ورد فى هذا الكتاب ، والله والوطن من وراء القصد .
كيف نهبت الثروة المعدنية والذهب من مصر (1)
عبد الخالق فاروق·السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٨
(برجاء من يرغب فى الإقتباس الإشارة إلى المصدر وهو : عبد الخالق فاروق ، كتاب ” كيف نهبت مصر 1974 – 2018 ” ، كتاب تحت الإصدار)
المبحث الثالث نهب الثروة المعدنية .. منجم السكرى نموذجا
تتميز مصر بثرواتها الطبيعية الوفيرة المتنوعة من مسطحات مائية عذبة ومالحة وطاقة شمسية ، وثروة معدنية كبيرة، حيث تنوع هذه الثروة المعدنية فتشمل الذهب والنحاس والحديد والكروميت والإلمنيت، والمعادن الثقيلة والمشعة والشحيحة والنادرة، وأحجار الزينة من صخور نارية ومتحولة، والرمال البيضاء (رمال الزجاج) ، والكاولين والفحم ، والطفلة والأحجار الجيرية ، والدولوميتية و الجبس، ومحاجر الرمل والزلط وخامات الفلسبار الصوديومى والبوتاسي، والكبريت والمنجنيز والماجنزيت، والذهب ، وكلها خامات ثبت جدواها الاقتصادية (31)
ونستطيع القول أن الفراعين قد أسسوا مايمكن أن نسميه ” السياحة الجيولوجية ” ، الذى هو جزءا من السياحة المعرفية، وهذا ما تظهرها النقوش الفرعونية التى امتدت إلى عصر البطالمة المنقوشة فوق صخور وادى الحمامات ، الذى يمر عليه أشهر وأقدم طريق يربط بين محافظتى قنا والبحر الأحمر( طريق قفط- القصير) ، وكثير من الرحلات الجيولوجية الأجنبية تأتى للسياحة الجيولوجية فى مصر وبالذات فى مناطق التحجير والتنجيم القديم فى الصحارى المصرية، ومن المناطق التى يجب الاهتمام بها والتركيز عليها سياحيا كقيمة مضافة إلى الثروة المعدنية هى منطقة الفواخير فى منتصف المسافة بين قفط والقصير(32) .
والفضل الأكبر فى رسم الخريطة الجيولوجية المصرية الحديثة يرجع إلى ” الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية ” ، أو مصلحة المساحة الجيولوجية – سابقا – التى أنشئت عام 1896 ، والتى تعد ثانى هيئة مساحة جيولوجية فى العالم بعد هيئة المساحة الجيولوجية البريطانية ، وتلاها مصلحة المناجم والمحاجر والوقود عام 1905 ، واختصت مصلحة المساحة بالبحث والاستكشاف ، بينما أختصت مصلحة المناجم والمحاجر بإجراءات منح التراخيص وعقود الإيجار والرقابة الفنية علي المناجم والمحاجر والملاحات والوقود (33) .
وقد تم تغيير اسم هيئة المساحة الجيولوجية إلى “الهيئة المصرية العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية ” عام 1980، ثم إلى “الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية” ، عام 2004 ، وأنيط إليها مسئولية الإشراف على الثروة المعدنية فى البلاد ، وانحصرت مهمتها فى المسح والتخريط الجيولوجى ، والبحث والتنقيب ومنح الترخيص لاستغلال الخامات ، وأخيرا جرى فى أكتوبر عام 2004 إغتيالها فعليا بإصدار القرار الجمهورى رقم ( 336 ) لسنة 2004 ، بنقل تبعيتها إلى وزير البترول ، رجل نظام مبارك المدلل فى ذلك الوقت المهندس ” سامح فهمى ” ، ومع مرور الوقت فقدت مصلحة المناجم والمحاجر دورها وظهرت اتجاهات جديدة وخصوصا بعد عام 1979 نذكر منها علي سبيل المثال(34) :
(1) نقل اختصاصات الوزير المختص بشأن المحاجر إلي المحافظين بالمحليات التى تولت إدارة المحاجر والملاحات .
(2) تولت هيئة المجتمعات العمرانية إصدار تراخيص وعقود استغلال المحاجر لحين نقلها من المدن الجديدة إلي المحليات وذلك منذ عام 1979 .
(3) قيام هيئة تنمية بحيرة السد العالي بمنح تراخيص بحث وعقود استغلال خامات المناجم والمحاجر من منطقة نشاطها شرق البحيرة .
(4) صدور قرار إنشاء هيئة المواد النووية متضمناً حقها فى البحث وتعدين وبيع وشراء الخامات النووية دون غيرها
(5) قيام هيئة قناة السويس بمنح تراخيص بحث وعقود استغلال خامات المناجم والمحاجر من المنطقة المحيطة بقناة السويس وفى سيناء .
(6) منح بعض الشركات مزايا سيادية مثل ” شركة النصر للملاحات ” حيث تسيطر بمفردها علي صناعة وتجارة الملح .
(7) قيام جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة باستخراج بعض المعادن وقصر ذلك علي الجهاز.
(8) انتشار التعدين العشوائي للذهب في جنوب البلاد بسبب قصور الهيئة في التعامل مع هذه الثروة الهامة(35) .
(9) بداية هيمنة الشركات الخاصة والمقاولين على الجزء الأكبر من الثروة المعدنية منذ نهاية عقد السبعينات من القرن العشرين .
وتبلغ عددالشركات العاملة فى هذا القطاع فى مصر حوالى 420 شركة ، هذا بخلاف عشرات ومئات المقاولين من الباطن ، وفقا للبيانات غير المدققة فإن هذا القطاع يعمل فيه الشركات التالية :
أولا : شركات القطاع العام والأعمال العام ويصل عددها إلى حوالى 25 شركة تقريبا .
ثانيا : 79 شركة مرخصة للعمل فى الخامات المنجمية فقط .
ثالثا : يوجد حوالى 420 شركة تعمل فى مجال الرخام والجرانيت .
وفى العقدين الأخيرين من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ، تأرجحت تبعية هيئة المساحة الجيولوجية بين وزارتى الصناعة والبترول، الأمر الذى أثر سلبا على عملها ، حيث صارت الحديقة الخلفية لترقيات محاسيب وزير البترول عديمى الخبرة التعدينية ، وتراجع دورها وتم تجريفها من الجلوجيين العاملين بها ، ونظرا لعدم التطوير سواء فى الهيكل الوظيفى ، أو فى أسلوب التعامل مع الثروات المعدنية وطرق استغلالها واستمرار تصدير الخامات المعدنية دون إضافة أى قيمة مضافة Value Added عليها ، وبأسعار تقل كثيراً عن السعر العالمى ، فقد تحولت المناجم والمحاجر إلى وسيلة نهب وتربح لجماعات من المقاولين المحميين من بعض المحافظين ورجال الإدارة المحلية فى كثير من المحافظات (36) .
ووفقا للدراسات العالمية المتخصصة فى هذا المجال فأن متوسط ماتشارك به الثروة المعدنية وصناعاتها التعدينية فى الناتج القومى للدول العربية يتراوح بين 18% إلى 22% ، وتصل فى بعض دول العالم إلى حوالى 45% من الناتج القومى ، بينما فى مصر لا تزيد مشاركة هذا القطاع عن 1% من الناتج القومى ، بالرغم من وجود تنوع كبير ووافر فى الثروة المعدنية من معادن و خامات وأحجار زينة وعناصر ثقيلة وشحيحة ونادرة (37) .
مكونات الثروة المعدنية فى مصر :
تحتوى مصر على تسعة مجموعات من الثروة المعدنية والتعدينية ، وهى تتواجد بكميات ونسب متفاوتة من خام إلى أخر ، وتنقسم هذه المجموعات على النحو التالى:
المجموعة الأولى : خامات الفلزات الحديدية مثل الحديد والمنجنيز والكروم ، والتنجستن والموليبدنم والنيكل والتيتانيوم والفناديوم وغيرها .
المجموعة الثانية : مجموعة الخامات الفلزية غير الحديدية مثل النحاس والرصاص والزنك والقصدير والنيوبيوم والتنتالم والألمونيوم .
المجموعة الثالثة : وهى مجموعة الخامات الفلزية النفيسة مثل الذهب والفضة والبلاتين .
المجموعة الرابعة : خامات المعادن اللافلزية مثل خامات الحراريات والسيراميك والزجاج ( ومنها الرمال البيضاء والفلسبار والأسبستوس والطينية الكاولينية والماجنزيت والتلك ماجنزيت .. الخ ) والخامات الصناعية الكيماوية وخامات الأملاح التبخرية .
المجموعة الخامسة : وهى خامات الصناعات الكيماوية والأملاح التبخيرية ، مثل الفوسفات والكبريت والبوتاسيوم والجبس .
المجموعة السادسة : وتشمل الخامات الصلبة للطاقة مثل الخامات الكربونية والطفلة الكربونية والأحجار الزيتية ورمال القار والخامات المشعة كاليورانيوم والثوريوم .
المجموعة السابعة : وتضم خامات مواد البناء ، وأحجار الزينة مثل الأحجار الجيرية ( التى يصنع منها الأسمنت ) ، والطفلة والدولوميت والجبس والرمال العادية والرخام والجرانيت والزلط والبزلت والأتربة الزلطية .
المجموعة الثامنة : خامات أخرى مثل التلك والكورندم والفيرميكيوليت والفلورسبار وغيرها .
المجموعة التاسعة : الأحجار الكريمة مثل الزبرجد والزمرد ، والفيروز والياقوت الأحمر(38).
وتعانى الثروة المعدنية فى مصر من الإهمال والإهدار الصارخ للمال العام والاستغلال السيئ ، حيث تقوم هيئة الثروة المعدنية بالإعداد لطرح مزايدات لمناطق استغلال خامات القصدير والفوسفات والذهب ، وهى مناطق متداخلة تحتوى على أكثر من خام واحد ، وأيضا بطريقة تبعث على الريبة لإقرار الاتفاقيات بعيدا عن مجلس الشعب ، كما أن هيئة الثروة المعدنية قامت بإنشاء العديد من الشركات المشتركة لاستغلال معدن الذهب (ومصر بها أكثر من 95 موقع موثق لانتاج الذهب) ، والعناصر الشحيحة من النوبيوم والتنتاليوم وخلافه . وفى الوقت الذى كان الشعب المصرى يأمل فى مردود اقتصادى لهذه الثروات نجد على العكس أمثلة كثيرة على إهدار ونهب هذه الثروات المعدنية
كيف نهبت ثرواتنا المعدنية .. منجم السكرى نموذجا (2)
عبد الخالق فاروق·الأحد، ٥ أغسطس ٢٠١٨
نستطيع أن نشير إلى مجموعة من الآليات والطرق لنهب ثرواتنا المعدنية :
أولا: إستمرار العمل بالقانون رقم ( 86) لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر الذى نشر بالوقائع المصرية فى 15 / 3 / 1956 ، حتى عام 2014 ، لسنوات طويلة حتى جرى تغييره عام 2014 ، بشكل جزئى ، حيث كان ينبغى مراجعة بعض مواد القانون 86 لسنة 1956 من الناحية المالية ، ومعايرته بالقيمة الفعلية للجنية سنة1956 حين تم اقرار القانون الخاص بالمناجم والمحاجر، حينما كانت الدولة هى المهيمنة على هذه المناجم والمحاجر ، وتقوم من خلالها بإمداد شركات القطاع العام بمستلزمات التشغيل من هذه المواد المنجمية والمحجرية ، ومن ثم جرى تقدير قيمة الأتاوات ورسوم التراخيص وغيرها من الرسوم والضرائب بأسعار متدنية جدا تتناسب مع هذا الوقت وهذه الظروف التشغيلية ، وهو ما تغير تماما بعد سيطرة القطاع الخاص والمقاولين والشركات الأجنبية على هذا القطاع وثرواته منذ عام 1979 .
ثانيا: سوء الإدارة وتشتت الشركات العامة العاملة فى القطاع ، وغياب الاستراتيجية التنموية لإدارة هذه الثروات الناضبة ، وإدخالها فى آليات التصنيع وبناء المشروعات الكبرى .
ثالثا : عدم الإلتزام بالقوانين المنظمة للبحث والتراخيص ، وغلبة الفوضى فى العمل فى هذا القطاع الاقتصادى الحيوى ،. ولعل من أهم القرارات التى تعرضت لقطاع الثروة المعدنية ، وأثرت على نموه و أدت الى إعاقته و ضعف إمكانياته، ذلك القرار الوزاري الصادر من وزير الصناعة عام 1962 بتفويض السادة المحافظين بشأن المحاجر والملاحات، واستلزم صدور القرار الوزاري المشار إليه عالية بتفويض المحافظين، صدور قرار مكمل من السيد نائب رئيس الجمهورية للخدمات رقم 38 لسنه 1964 ، بنقل الاختصاصات المخولة لوزارة الصناعة المتمثلة فى الجهاز الادارى المعاون للوزير الى المحليات ، فيما عدا التخطيط والبحوث الفنية والتفتيش الفني الذى استبقى لوزارة الصناعة ، وهيئه المساحة الجيولوجية ، وكان هذا منطقيا أن يكون للمحافظات الجهاز الادارى الذى يعاون المحافظ فى تطبيق قانون المناجم و المحاجر.
وبتقادم الزمن نتج عن صدور القرارين المشار اليهما، الخلط بين اختصاصات الوزير المحددة دستوريا ، والذى من حقه أن يفوض من يشاء فى اختصاصاته ، واختصاصات الوزارة. و قد أدى ذلك الخلط فى التفسير الى الإخلال بقواعد وأسس تطبيق قانون المناجم والمحاجر الذى ظل معمولا به طوال ستاين عاما كاملة ، و اختلاف المفاهيم فى التطبيق بين محافظه وأخرى، كما أدى الى العشوائية والتضارب والإخلال فى استغلال الثروة المعدنية و سيطرة غير المختصين على هذه الصناعة الرئيسية ، والتداخل بين الأجهزة و التنازع بينها فى بعض الأحيان.
وهذا القرار الذى صدر فى ظروف خاصة كانت تمر بها البلاد وقت صدوره، حوى فى مادته الثانية خطأ دستوريا و هو النص على أن تؤول الى المحافظة إيرادات المحاجر الواقعة فى دائرة اختصاصها اعتبارا من أول يونيو 1962م و ترجع عدم دستوريه هذا النص الى إن أيلولة الإيرادات السيادية الى جهة ما ، لابد أن تكون بأداة دستوريه من خلال السلطات التشريعية و ليس غيرها، كما أن الثروات المعدنية تعتبر من أموال الدولة بنص المادة الثانية من قانون المناجم والمحاجر رقم 86 لعام 1956، و أموال الدولة لا تؤول الى جهة أخرى غير خزانه الدولة ، وكان لنشأة و تقادم مشروعات المحاجر بالمحافظات الكثير من الآثار السلبية .
رابعا : عدم ضم الملاحات وإدارات المحاجر بالمحافظات لهيئة المساحة الجيولوجية ، حيث تقوم المحافظات بالترخيص باستغلال المحاجر بالمخالفة للقانون اعتمادا على قرار نائب رئيس الجمهورية للخدمات رقم (354 ) الصادر بتاريخ 27 يونية سنة 1962 . كما أن الإيجارات الخاصة بهذه المحاجر تحدد قيمتها بمعرفة لجنة تحديد الإيجارات بهيئة المساحة الجيولوجية بالقاهرة ، وتذهب الى صناديق خاصة بالمحافظات بعيدا عن رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات ، حيث يتم توزيعها غالبا فى صورة مكافآت لقيادات المحافظات ، وبالمثل لوجود تداخل بين المناجم والمحاجر فى بعض المواقع ، فمثلاً هناك تداخل بين خام أكسيد الحديد (مادة منجمية) والطفلة (مادة محجرية) المستخدمة فى صناعة السيراميك بمحافظة أسوان مما يؤدى إلى حدوث المشاكل والمعوقات فى تراخيص المناجم والمحاجر معاً . لذلك يجب أن تكون تراخيص المناجم والمحاجروالملاحات من جهة واحدة وهى هيئة المساحة الجيولوجية على أن يضم إليها جميع إدارات الملاحات والمحاجر بالمحافظات بجميع العاملين بها(39) .
خامسا : سيطرة جماعات من رجال المال والأعمال والمقاولين ، بالتواطؤ مع رجال الإدارة المحلية بالمحافظات على المحاجر والمناجم .
منجم السكرى .. نموذج صافى للفساد ونهب وأهدار الثروة الوطنية المصرية(3)
عبد الخالق فاروق·الإثنين، ٦ أغسطس ٢٠١٨
منجم السكرى .. نموذج صافى للفساد ونهب وأهدار الثروة الوطنية المصرية
ينظم قطاع المناجم والمحاجر فى مصر ، قانون قديم عفى عليه الزمن هو القانون رقم (86) لسنة 1956 ، الذى حرصت قوى الفساد فى مصر على الإبقاء عليه ساريا لمدة ستين عاما كاملة (1956- 2014 ) ، برغم التغييرات العميقة التى طرأت على المنظومة التشريعية المصرية منذ بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى عام 1974 ، والتى شملت كل القوانين الاقتصادية تقريبا ، بدءا من القطاع العام مرورا إلى نظم النقد الأجنبى والجهاز المصرفى ، ونظم الإستيراد والتصدير ، والوكالة التجارية ، إنتهاء بالتخلى عن الدورة الزراعية والتخطيط الزراعى والتخطيط الشامل ، وإطلاق قوى السوق الفوضوى من أجل إفعال تاثيرها فى إعادة هندسة البنية الطبقية والاجتماعية المصرية.
على اية حال ، لقد ظل قانون المناجم والمحاجر رقم (86) لسنة 1956 العتيق قائما ، لا يمسه أحدا ، لسبب بسيط ، هو أن هناك قوى فساد هائلة داخل أروقة الحكم وافدارة المحلية بالمحافظات ،وفى بعض الوزارات المعنية ( الصناعة – البترول وغيرهما ) تحالفت مع عدد كبير من المقاولين والسماسرة ( المستثمرين ) المصريين والعرب والأجانب ، من أجل تقاسم الثروات التعدينية للبلاد ، دون أن تنعكس نتائج هذه الاستثمارات على الخزانة العامة للدولة ، وعلى ايراداتها من هذه الثروة لعقود ستة كاملة .
ويجسد مشروع الاستثمار فى منجم السكرى نموذج حالة لا تخطئها العين المجردة لهذا التحالف الفاسد من ناحية ، وحجم الإهدار والنهب المنظم لثروة مصر من ناحية ثانية .
بداية القصة الحزينة :
تبدأ القصة الجديدة للبحث عن الذهب فى مصر ، منذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين ، حينما طرحت وزارة الصناعة ممثلة فى الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية ، مناقصة عالمية بين الشركات المتخصصة فى هذا المجال ، فتقدم عدد من الشركات الأجنبية ، ورسى العطاء فعلا على شركة ” مينكس للمعادن – مصر المحدودة ” MINX ، وصدر القانون رقم (2) لسنة 1986 بأتفاقية البحث عن الذهب بين الحكومة المصرية وهيئة المساحة الجيولوجية من جهة ، وشركة مينكس للمعادن من جهة أخرى فى منطقتى ” البرامية ” بمساحة 24 كيلو متر مربع و” السد ” بمساحة خمسة آلاف كيلو متر مربع بالصحراء الشرقية . ومنحت الشركة الجنبية مزايا كبيرة تشجيعا للاستثمار نذكر منها :
1- إيجار الترخيص : تحصل الحكومة المصرية عن كل ترخيص على إيجار سنوى قدره 25.0 جنيها ( خمسة وعشرون جنيها فقط لا غير ) عن كل كيلو متر مربع واحد ، إى بإجمالى 125.6 ألف جنيه سنويا للمساحة المحددة فى الاتفاقية ( يا بلاش ) .
2- فترات البحث والإستكشاف : حددت الفترة بأربعة سنوات ، يسقط حق الترخيص فى نصف المساحة بعد مرور عامين من تاريح الترخيص ، ما لم يطلب المرخص له عقدا للاستغلال فى هذا النصف أو جزء منه .
3- مدة عقد الاستغلال والانتاج : فترة 30 عاما ، قابلة للتجديد لمدة 30 عاما أخرى ، مادام المستغل قائما بإلتزاماته.( يا بلاش ) .
4- الإنفاق والاستثمار : يلتزم المرحص له ( شركة مينكس ) بإنفاق ثلاثة ملايين دولار موزعة كالتالى : مليون دولار فى فترة البحث ومدتها سنتان ، ومليون دولار أخرى فى فترة البحث الثانية ومدتها سنة واحدة ، ومليون دولار فى فترة البحث الثالثة ومدتها سنة أخيرة ( يا بلاش ) .
ونصت الاتفاقية كذلك على نظام معين للتخلى الإختيارى أو الإجبارى ، قدمت خلالها تسهيلات كبيرة للمستثمر ، وحددت الاتفاقية كذللك طريقة غدارة المشروع فى حال الإكتشاف التجارى للذهب ، حيث تؤسس شركة مشتركة بين هيئة المساحة الجيولوجية المصرية وشركة مينكس .
5- طريقة إسترداد التكاليف : نصت الاتفاقية على طريقة محددة لإسترداد التكاليف بحيث تسترد من 60% المتبقية من الانتاج بعد خصم الإتاوة المستحقة للحكومة المصرية ، ويكون الاسترداد بمعدل 20% سنويا بالنسبة لمصروفات البحث ( أى يستردها على 5 سنوات ) ، وبمعدل 15% سنويا من مصروفات التشغيل ، كما نصت الاتفاقية على تقسيم الفرق بين المخصص لإسترداد التكاليف والتكاليف الفعلية بنفس نسب إقتسام الانتاج .
6- الإتاوة وإقتسام الانتاج : نصت الاتفاقية على الأتى :
– تستحق الحكومة المصرية أتاوة بواقع 8% من إجمالى الانتاج ، وتشمل ضريبة الدخل المستحقة على المقاول ، وذلك خلال ثمانى سنوات الأولى لبدء الانتاج .
– وتكون الأتاوة بواقع 6.75% من إجمالى الانتاج بعد ثمانى سنوات الأولى من بدء الانتاج . ( يا بلاش ).
– أما المتبقى من الانتاج فيوزع بواقع 52% لصالح الهيئة المصرية ، و 48% للمقاول ( أو شركة مينكس )
وبعد إبرام الاتفاقية ولمدة أربعة سنوات قامت الشركة بعمليات البحث عن الذهب ، وأنفقت 4.3 مليون دولار ( يا بلاش ) ، ولم توفق إلى تقديم دراسة جدوى اقتصادية تفيد بوجود إكتشاف تجارى ، فأنسحبت الشركة الأجنبية ، وتركت مستلزماتها من بيانات وخرائط ومعدات ثابتة ومتحركة للهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية طبقا لنصوص الاتفاقية (40) .
***************************************
وفى 15/9/1990 ، أعادت الحكومة المصرية ووزارة الصناعة وهيئة المساحة الجيولوجية طرح هذه المناطق على ألف شركة عالمية ، وعلى 23 غرفة أمريكية فى مزايدة عالمية ، وبعد أن كانت الحكومة المصرية قد بدأت فى إنتهاج سياسات الخصخصة وبيع الأصول والممتلكات العامة . فتقدمت شركة ” نوردانا الإسترالية ” NOURDANA بخطاب نوايا بعرض للبحث والإستغلال خلال مدة سريان الخطاب ومدته عام واحد تبدأ من 11/12/1993 ، وأطلعت فى ضوء ذلك على التقارير والبيانات المتاحة لدى هيئة المساحة الجيولوجية المصرية ، ثم تقدمت الشركة الإسترالية بتاريخ 25/1/1994 ، بعرض للخيئة المصرية ، وقامت بتأسيس ” الشركة الفرعونية للمناجم ” .
وهكذا يبدو بوضوح أن الشركة الإسترالية لم تستغرق وقتا فى التعرف على وجود الذهب ، من واقع التقارير والخرائط التى قدمتها لها قيادات هيئة المساحة الجيولوجية المصرية ، وبالفعل جرى إبرام أتفاقية للبحث عن الذهب بالصحراء الشرقية وفى منطقة مرسى علم وصدر قانون الامتياز رقم (222) لسنة 1994 بتاريخ 29/1/1995 .
وجرصا من الحكومة المصرية – ممثلة فى وزارة الصناعة وهيئة المساحة الجيولوجية والمشروعات التعدينية – على تشجيع الاستثمار الأجنبى – تلك اليافطة والشعار الذى نهبت تحت رايته مصر وثرواتها بلا رحمة طوال خمسين عامل وتحديدا بعد عام 1974 – فقدمت مزيدا من التنازلات فى هذه الاتفاقية الجديدة وظهرت على النحو التالى :
1- المساحة : زادت المساحة المطروحة للبخث والاستغلال فى هذه الاتفاقية الجديدة إلى 5380 كيلو متر مربع موزعة بين ثلاثة مناطق هى : 1- السكرى ( ألف كيلو متر مربع ) 2- البرامية ( بمساحة 1300 كيلو متر مربع ) 3- أبو مروات ( بمساحة 3080 كيلو متر مربع ) . ( يا بلاش..!! )
2- الإلتزامات المالية :
– وفقا للإتفاقية فأن الشركة الفرعونية تقدم خطاب ضمان بقيمة نصف مليون دولار ( يا بلاش ..!! ) لمدة 12 شهرا ، ثم ستة شهور بعد نهاية الفترة ، ومقابلها تقدم الهيئة المصرية كافة البيانات الجيولوجية وبيانات الإستكشاف والتعدين الموجودة فى حوذتها ( يا بلاش ..!!).
– تنفق الشركة الأجنبية ( الفرعونية ) 6.5 مليون دولار أمريكى خلال فترة البحث ومدتها سبعة سنوات موزعة على النحو التالى :
– 500 ألف دولار فى السنة الأولى ، و2.0 مليون دولار فى فترة الإمتداد الأولى ومدتها سنتان ، وتنفق 2.0 مليون دولار فى فترة الإمتداد الثانية ومدتها سنتان ، وأخيرا تنفق 2.0 مليون دولار فى فترة الإمتداد الثالثة ومدتها سنتان ( يا بلاش ..!! ) .
– وإذا أنفقت الشركة الافرعونية أقل من ذلك تسدد الفرق إلى الهيئة المصرية .
– وتشكل لجنة إستشارية مشتركة مكونة من ستة أعضاء مناصفة بين الشركة الفرعونية والهيئة المصرية .
3- فترة البحث : مدة البحث من بداية تاريخ سريان الاتفاقية هى سنة واحدة ، وللشركة الأجنبية ( الفرعونية ) الحق فى ثلاث فترات إمتدادات متلاحقة كل منها سنتان ( يا بلاش ..!! ) .
4- فترة الإستغلال : فى حال إكتشاف تجارى للذهب يتحول العقد إلى عقد إستغلال مدته 30 سنة ، ويجوز تجديدها لمدة متساوية أضافية مقدارها 30 عاما أخرى ، بناء على طلب الشركة الفرعونية بموجب إخطار كتابى للهيئة قبل ستة شهور من نهاية الثلاثين عاما الأولى ( يا بلاش ..!! ) .
5- التخليات الإجبارية والإختيارية : حيث نت الاتفاقية على طرق تخلى الشركة الأجنبية على 25% من مجموع منطقة البحث الإجمالية طالما لم تتحول إلى عقد إستغلال عند نهاية السنة الثالثة .
6- الإتاوة : قدرت الإتاوة المستحقة للحكومة المصرية بواقع 3% من إجمالى إيرادات المبيعات كل ستة شهور ، أى أن الاتفاقية الجديدة قد قدمت تنازلا كبيرا للشركة الجنبية حيث خفضت نسبة الإتاوة من 8% خلال السنوات الثمانى الأولى و 6.75% فى السنوات الثمانى اللاحقة ، إلى مجرد 6% سنويا فقط ، تدفع نقدا من شركة العمليات التى تتكون مشاركة بين الشركة الفرعونية وهيئة المساحة الجيولوجية ، ويكون للإتاوة الأولوية والتفضيل على أية تكاليف أو مصروفات ، أو مدفوعات وهى غير قابلة للإسترداد . كما يلاحظ النص على تسديد الإتاوة نقدا ، مما يحرم الحكومة المصرية من فرص الحصول على الإتاوة فى صورة سبائك ذهبية ، تسمح لها سواء بتغطية الإحتياطى النقدى وتعزيزه ، أو الحصول عليها سبائك يمكن أن تبيعها بأعلى سعر فى السوق الدولية .
7- تأسيس شركة العمليات : بمجرد إعلان الإكتشاف التجارى للذهب ، تؤسس شركة مشتركة بين الطرفين ( الفرعونية والهيئة المصرية ) ، رأسمالها 40 ألف جنيه مصرى تقسم بالتساوى بين الطرفين ( يا بلاش ..!! ) وتوزع على عشرة آلاف سهم عادى قيمة كل سهم أربعة جنيهات مدفوعة بالكامل .
8- إسترداد التكاليف : يحق للشركة الفرعونية ( الأجنبية ) إسترداد التكاليف من باقى إيرادات المبيعات بعد إستبعاد الإتاوة كما يلى :
– جميع مصروفات التشغيل الجارية التى تراكمت بعد بدء الانتاج التجارى .
– 33% من مصروفات البحث ( أى أنها تسترد نفقات البحث خلال ثلاثة سنوات فقط ) .
– 33% من مصروفات التشغيل .
9- إقتسام الانتاج : بعد خصم الإتاوة المستحقة للحكومة المصرية ، وإسترداد التكاليف والمصروفات ، فأن المبالغ المتبقية من إيرادات البيع تكون هى الإيراد الصافى الذى يوزع على النحو التالى :
– 50% من هذا الإيراد الصافى لكل من الهيئة المصرية والشركة الفرعونية ، أى مناصفة بعكس الاتفاق السابق مع شركة مينكس الذى نص على حصة للجانب المصرى بنسبة 52% مقال 48% للشريك الأجنبى .
– 10% تستحق كحافز للشركة الفرعونية فى السنة الأولى والثانية التى يتحقق فيها إيراد صافى عن السنة بأكملها ( يا بلاش ..!! ) .
– 5% أخرى من الإيراد الصافى تستحقه الشركة الفرعونية كحافز عن السنة الثالثة والسنة الرابعة ( يا بلاش ..!! ) .
فإذا تأملنا هذا التقسيم الظالم للجانب المصرى والمتحيز بالمطلق للمستثمر الأجنبى ، سوف نكتشف أن الشركة الفرعونية سوف تحصل بعد إسترداد التكاليف والمصروفات التشغيل المتأخرة من بداية الانتاج ، على 65% من باقى الانتاج ، لمدة أربعة سنوات فى صورة حصة من الانتاج مضافا إليها حافزين (10% + 5% ) لمدة أربعة سنوات ، مقابل أن الجانب المصرى يحصل على 35% فقط ، وسوف نرى أنه برغم هذا التحيز للشركة الفرعونية ، فأنها ظلت تتلاعب بالجانب المصرى وتسرقه عيانا بيانا ، بالتواطؤ والصمت من جانب بعض قيادات ومسئولى الهيئة والوزارة وهيئة الموازين والدمغة ومفتشى المناجم والمحاجر .
10- ملكية الأصول : تنص الاتفاقية على أن تؤول ملكية الأصول المتعلقة بالعمليات من معدات وآلات وغيرها إلى الهيئة المصرية للمساحة الجيولوجية بشكل تدريجى بقدر ما تسترده الشركة الفرعونية من تكاليف ومصروفات ، ويكون للهيئة المصرية طوال فترة سريان الاتفاقية ( 30 سنة قابلة للتجديد ) الحق المطلق فى إستعمال هذه الأصول .وسوف نرى أن الشركة الأجنبية سوف تتلاعب بالجانب المصرى فى هذا البند أيضا.
11- الإعفاءات الجمركية : منحت الاتفاقية ( بالقانون 222 لسنة 1994 ) الشركة القائمة بالعمليات والشركة الفرعونية إعفاءا من الضرائب والرسوم الجمركية المتعلقة بإستيراد المعدات والآلات والمستلزمات لإغراض تنفيذ عمليات البحث والاستغلال فى مصر ، وسوف نكتشف من واقع تقرير اللجنة المشتركة لمجلس الشعب التى قامت بزيارة المشروع وإعداد تقرير حول ما جرى ويجرى فى هذه الشركة وأصدرته فى مايو عام 2012 ، أن هذا البند كان بمثابة ثغرة أبليس التى أستغلها أصحاب هذا الشركة ( الثنائى يوسف الراجحى وعصمت الراجحى ) فى نهب وإهدار الأموال العامة المصرية وفى عمليات تهريب واسعة النطاق وبيعها إلى مقاولى الباطن الذين يعملون لديهم .
12- الدفاتر والسجلات والحسابات : تنص الاتفاقية على ان تقوم شركة العمليات والشركة الفرعونية والهيئة بإمساك دفاتر وحسابات ، لتسجيل كميات وقيمة كل من الذهب والمعادن المصاحبة المنتجة والمباعة ، وتزود شركة العمليات الحكومة المصرية أو ممثلها (؟! ) بتقارير شهرية بهذا الشأن .
13- تسويق وتصدير الذهب : وفقا للاتفاقية فأن شركة العمليات هى التى تقوم بالتسويق فى الداخل والخارج ، أما تصدير الذهب فيكون لهذه الشركة الحق فى تصدير الذهب والمعادن المصاحبة دون الحاجة إلى ترخيص ( يا بلاش ..!! ) .
14- المنازعات والتحكيم : نصت الاتفاقية على أن يكون حل المنازعات عن طريق التحكيم وفقا لقواعد المركز الإليمى للتحكيم التجارى بالقاهرة ، ولعل هذا قد جنبنا مزالق التحكيم الدولى ، فلم يكن هوجة التحكيم الدولى التى جاءت مع عاطف عبيد وجماعته قد انتشرت بعد فى مصر .
*************