عوني فرسخ
سؤال في الاجابة عنه نذًكر بالحقائق التاريخية التالية :
1 – جاء في وثيقة رسمية من السفارة البريطانية في واشنطن الى الخارجية الأمريكية سنة 1946 بأن القوات الصهيونية في فلسطين يومذاك كانت تتألف من 1 – الهاغاناه وتضم ما بين ستين إلى ثمانـــين ألف جندي مسلح ، منهم ستة آلاف من قوات البالماخ (الكومندوز ) 2 – الأرغون وتضم ما بين ستة الى سبعة آلاف مقاتل 3 – منظمة شتيرن المتخصصة بالعمليات الخاصة . وتقرر الرواية الاسرائيلية الرسمية عن حرب فلسطين 1947 – 1948 بأن الهاغاناه كانت تمتلك صناعة سلاح متطورة .
2 – إلى جانب تأييد المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي قرار التقسيم التقيا على دعم القوات الصهيونية بالسلاح والمستشارين العسكريين والمتطوعين اليهود وغير اليهود .
3 – عملا بقانون الدفاع للعام 1945 فرضت حكومة الانتداب عقوبة الإعدام على كل عربي تضبط لديه قطعة سلاح ، بحيث جردت الشعب العربي الفلسطيني من السلاح تماما . ويذكر بهجت أبو غربية انه عند صدور قرار التقسيم في 29/11/1947 لم يكن في القدس قطعة سلاح واحدة .
4 – في أواخر ديسمبر / كانون الأول 1947 قدم عبدالقادر الحسيني الى بيرزيت ، يصحبه خمسة وعشرون مناضلا ، واتخذها مقر قيادة “الجهاد المقدس” ، لتوسطها قضاء رام لله ، الخالي من المستوطنات الصهيونية ومعسكرات الجيش البريطاني ، ولموالاة غالبية مواطنيه للمفتي والحزب العربي بزعامته ، ويقدر منتسبو “الجهاد المقدس ” في أوج نشاطه ما بين الخمسة والسبعة آلاف مناضل ، يسندهم قرابة عشرة آلاف متطوع كانوا يشاركون في المعارك التي كانت تدور بجوارهم .وفي 5/4/1948 ذهب عبدالقادر الى دمشق لمقابلة “اللجنة العسكرية ” التابعة لجامعة الدول العربية طالبا السلاح لحسم معركة القدس وتصفية المستعمرات المحيطة بها . غير أنه جوبه برفض طه الهاشمي ، المفتش العام للجنة ، وأحمد الشرباتي وزير الدفاع السوري ، لمعاداة اللجنة السياسية للمفتي و”الهيئة العربية العليا ” بزعامته ، و”الجهاد المقدس التابع لها . وبعدم الاستجابة لطلبه اتهم الهاشمي والشرباتي بالخيانة وانطلق للقسطل ليحررها وليستشهد على ثراها . ولم يعمل الذين تولوا القيادة بعده لتطوير أداء “الجهاد المقدس ” بحيث تراجعت فعاليته .
5 – برغم كل المعوقات وخاصة محدودية السلاح والمعدات ، تمكن “الجهاد المقدس ” و”جيش الانقاذ” والنجدات الشعبية العربية من امتلاك المبادرة الاستراتيجية في القتال خلال الشهور الاربعة الأولى من الحرب . وقد أوردت الرواية الاسرائيلية الرسمية تقريرا قدمه يغال يادين ، رئيس هيئة الأركان ، الى بن غوريون في 1/4/1948 تضمن قوله . “يجب أن نذكر أن كل مراحل القتال حتى الآن أملاها علينا العدو ، ولم نتمكن حتى الآن من التأثير في المستوى الاستراتيجي والعملياتي ، التي تطورت من أحداث الى حرب بين قوتين شبه نظاميتين . والحل الوحيد هو أخذ المبادرة العملياتية بأيدينا ، متطلعين الى إحراز حسم عسكري ضد العدو ” .
6 – في اليوم التالي لاستشهاد القائد عبدالقادر الحسيني اقترفت منظمة الأرغون مجزرة دير ياسين ، القرية القائمة على طريق القدس الغربية الى الساحل . ومع أن اهاليها كانوا قد تصدوا لقوات العدو رغم تفوقها بالعدد والعتاد واوقعوا بها قتلى وجرحى بما يقارب عدد ضحايا القرية الباسلة ، إلا أن د. حسين فخري الخالدي ، مدير مكتب “الهيئة العربية العليا” بالقدس أصدر بيانا لم يأت فيه على ذكر مقاومة أهالي دير ياسين للعدو وايقاعهم بقواته خسائر فادحة ، وإنما ركز فقط على تفاصيل المجزرة مستهدفا التشهير بالصهاينة واستثارة النخوة العربية ، دون أن يأخذ بحسبانه الحالة النفسية للجمهور العربي بعد استشهاد القائد عبدالقادر الحسيني ، بحيث اسهم بيانه في إشاعة الرعب والهلع على نطاق واسع ، وبالتالي صب في قناة استراتيجية التطهير العرقي الصهيونية .
7 – في 10/3/1948 اقرت هيئة أركان الهاغاناه الخطة “دالت” التي استهدفت السيطرة على جميع المستعمرات القائمة ضمن القسم اليهودي من قرار التقسيم والتوسع بالقدر المستطاع خارجه ، واعتماد استراتيجية التطهير العرقي والتهجير القسري “الترانسفير” لطرد غالبية المواطنين العرب من الأراضي التي يجري احتلالها . وكان بن غوريون وأركان القيادة الصهيونية سياسيين وعسكريين قد أداروا الصراع باعتباره حرب مصير و ” معركة طارق” تقود للنصر او الفناء ، ويقرر المؤرخ الاسرائيلي بني موريس انه كانت هناك مجازر كثيرة ، وكثير من حالات الاغتصاب ، وان الدولة اليهودية ما كانت لتقوم بدون اقتلاع 700 ألف عربي ، وكان من الضروري تطهير المناطق الساحلية والطرق الرئيسية ، والقرى التي اطلقت النيران على قواتنا ومستوطناتنا .
8 – بالمقابل احتل الزعيم المقام الاول في القيادة العربية التي لم تخض الحرب بذهنية النصر او الشهادة . ومع أنه كان لها تجارب غاية في المرارة من الرهان العبثي على “المجتمع الدولي ” ، والاتكال غير المبرر على الانظمة العربية ، دون اي محاولة جادة للاستقواء بالعمق الاستراتيجي الشعبي العربي الذي كان في قمة انفعاله وحماسه للقتال في فلسطين .
9 – غير صحيح الادعاء الشائع بأن جيوش سبع دول عربية شاركت في حرب 1947 – 1948 . بل بقوات محدودة من مصر وسوريا والعراق والاردن ، وبعض السرايا السعودية واليمنية . ويذكر الخبير العسكري العربي د. هيثم الكيلاني : “لقد ترتب على غياب الاتفاق على استراتيجية قومية لادارة الصراع ، وفقدان الثقة بين القادة السياسيين والعسكريين ، دخول كل قوات عربية من حدود بلادها مع فلسطين ، مع غياب للتنسيق الكامل بين قياداتها والقيادة العليا . بل مضى كل طرف يضع في ميدان القتال ما يقرره بذاته من قوات ، بغير التزام محدد بما يقتضيه منطق العمل المشترك ، خصوصا في مجال الحرب بالسلاح .
فيما اسندت القيادة العليا للجنرال جلوب ، الذي يقرر بأنه كان ممنوعا علينا تجاوز حدود التقسيم .
10- انتهى الكاتب الفرنسي دومينيك فيدال ، استنادا لما ذكره المؤرخون الاسرائيليون الجدد ، إلى أن اليهود في معظم المعارك الحاسمة كانوا أكثر عددا من خصومهم ، وأفضل تسليحا وتدريبا ، كما تميزوا بالتنظيم والقيادة والثقة بالنفس .
وفي ضوء ما سبق تتضح تماما مصداقية القول بان حرب 1947 – 1948 كانت محسومة لصالح اسرائيل والقوى الدولية الداعمة لها ، وان النكبة كانت محتومة على شعب فلسطين وامته العربية.
وبعد سبعين عاما من التآمر الدولي ، والتخاذل الرسمي العربي ، تؤكد المسيرة المليونية المنادية بعروبة القدس ، وحق العودة ، وفك حصار قطاع غزة . على أن القوى الملتزمة بخيار المقاومة غدت صاحبة المبادرة الاستراتيجية في صراع الوجود واللاوجود مع التجمع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ، وأنها المعبر الحق والصادق عن ارادة الشعب العربي الفلسطيني ، والثابتة الالتزام بالتحرير والعودة التي تشكلت على النضال لتحقيقهما منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 .