بقلم استاذ دكتور حكمت شبر استاذ القانون الدولي العام. العراق – دهوك.
شكلت معاهدة بيغن – السادات المستندة إلى اتفاقيات كمب ديفيد تجاوزا على العديد من القضايا الاساسية, اهمها, وكما هو الحال بالنسبة لوعد بلفور وقرار التقسيم وقيام الكيان الصهيوني, التجاوز على الحقوق الاساسية للشعب العربي الفلسطيني, حقه في وطنه, في تقرير الاتفاقيات انها انما تستند في حل النزاع وانهاء حالة الحرب بين الطرفين الى ميثاق الامم المتحدة, وبشكل خاص المبادئ المثبتة في المادة الثانية من الميثاق المذكور. هدف هذه الدراسة هو مناقشة هذا الادعاء في ضوء مبادئ الميثاق ذاته مع الاستعانة بقانون المعاهدات لعام 1969م.
ميثاق الامم المتحدة واتفاقيات بيغن – السادات:
تضمنت اتفاقية كاب ديفيد في ديباجتها نصا يقول بان تحقيق السلام بين الاطراف المتنازعة يجب ان يتم وفقا للمادة الثانية من الميثاق ((..وان تحقيق علاقة سلام وفقا لروح المادة (2) من ميثاق الامم المتحدة واجراء مفاوضات في المستقبل بين اسرائيل واية دول مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام والامن معها هو امر ضروري لتنفيذ جميع البنود والمبادئ (في قراري مجلس الامن رقم (242), و(338)), كما جاء في المادة الثانية من اتفاقية الصلح: ((يطبق الطرفان في ما بينهما احكام ميثاق الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم..)).
فما هي الاهمية التي يملكها الميثاق لكي تنعقد المعاهدان المذكورتان وفقا لأحكامه؟ وهل حقا التزمت او تلتزم اسرائيل بأحكام ومبادئ ميثاق الامم المتحدة؟
ان ميثاق الامم المتحدة هو اكبر معاهدة متعددة الاطراف في تاريخ الانسانية, اذ ان هذه المعاهدة قد انبثقت بعد تحطيم النظم النازية والفاشية لترسي اسس عالم جديد يستند الى الشرعية الدولية ويقوم على احترام الامم كبيرها وصغيرها واحترام حقوق الانسان, وابعاد شبح الحروب عن الانسانية. لذا جاء الميثاق متضمنا لاهم المبادئ والقواعد القانونية الدولية التي ناضلت شعوب العالم زمنا طويلا في سبيل تكوينها وتثبيتها في ميثاق جامع مانع تلتزم به جميع دول العالم وتتمثل هذه المبادئ بما يلي: تحريم استخدام القوة او التهديد باستخدامها ضد سلامة ووحدة اراضي الدول, احترام السيادة, عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول, المساواة, حق تقرير المصير, احترام حقوق الانسان, حل المشاكل بالطرق السلمية, الدفاع الشرعي عن النفس..الخ. وقد اقرت الدول المؤسسة لهيئة الامم الالتزام اولا بميثاق الامم المتحدة وتفضيله على التزاماتها المنبثقة عن معاهدات اخرى تعقد بعد مرحلة تطبيق الميثاق كما نصت على ذلك (103), ومن هنا تأتي الاهمية القانونية لمبادئ وقواعد الميثاق التي تعتبر من القواعد الامرة في القانون الدولي, حيث ان كل اتفاق او معاهدة تأتي مخالفة للقواعد الامرة, كما نصت المادة (53), من قانون المعاهدات تعتبر باطلة.
ويذهب هذا المذهب عدد كبير من الفقهاء الرأسماليين. يقول الاستاذ النمساوي, (فردروس): (هناك قواعد تحمل صفة القواعد الامرة في القانون الدولي, ومعيار هذه القواعد انما وجدت لا لإشباع حاجات الدول بشكل منفرد, بل لتطبيق المصالح العليا. وتقسم هذه القواعد الى ثلاث مجموعات (30000) – المبادئ التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة, خصوصا ما يتعلق بمبدا تحريم استخدام القوة والمعاقبة على الجرائم الموجهة ضد الانسانية ويصبح كل اتفاق يخالف هذه القواعد باطلا).
ويرى الاستاذ الامريكي (واثمن): ان القواعد الامرة في القانون الدولي والتي لا يجوز الخروج عليها متعددة منها ما تضمنه الميثاق وهي: تحريم اللجوء الى الحرب ما عدا حالة الدفاع عن النفس, تحريم التهديد باستخدام القوة ضد وحدة الاراضي او الاستقلال السياسي للدول الاخرى, تحريم العدوان المسلح, تحريم الاعتراف بالوضع المترتب على استخدام القوة وبضمنه ثمرات العدوان, تحريم نصوص المعاهدات المفروضة بالقوة..الخ.
وهناك ما يشبه الاجماع في اراء الفقهاء الاشتراكيين حول اعتبار مبادئ ميثاق الامم المتحدة في مقدمة القواعد الامرة التي تبطل جميع ما يتعارض معها من اتفاقيات. يقول الاستاذ البولوني (كارل ولبكه): من الآراء الثابتة في الوقت الحاضر ذلك الرأي الذي يقول بأن ميثاق الامم المتحدة اذا لم يتضمن في طياته القواعد الامرة في القانون الدولي فانه على الاقل ينص على تلك المبادئ التي لا تعتبر ملزمة للدول الاعضاء فحسب, بل وللدول غير الاعضاء في المنظمة.
وهناك اجماع بين الكتاب السوفيت على اعتبار مبادئ ميثاق الامم المتحدة من القواعد الامرة التي لا يمكن الخروج عليها باي حال من الاحوال. يقول الاستاذ (الكسيدزه): (ان القواعد الامرة في القانون الدولي هي المبادئ التي تحمي سلم وأمن الشعوب, تحريم استخدام او التهديد باستخدام القوة, الحل السلمي للمنازعات والاجراءات الجماعية ضد العدوان وفقا لميثاق الامم المتحدة).
وقد اجمعت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة على الامثلة التي يمكن ان تعتبر من القواعد الامرة في القانون الدولي وذلك في المسودة المقدمة من قبلها حول المادة (50), في مشروع قانون المعاهدات, حيث وجدت ان المعاهدات التالية تعتبر باطلة في حال انعقادها وهي:
1- المعاهدة التي تتضمن حكما يقضي باستخدام القوة خلافا لقواعد ميثاق الامم المتحدة.
2- المعاهدة التي تتضمن القيام باي عمل جرمي يقع تحت طائلة قواعد القا نون الدولي.
3- المعاهدة التي تضمن القيام بعمل او التستر او التواطؤ على القيام يعمل, كتجارة العبيد او القرصنة او جريمة الابادة.
4- المعاهدات التي تخرق حقوق الانسان والمساواة بين الدول ومبدأ تقرير المصير.
هكذا يمكن القول ان اية معاهدة تتعارض وميثاق الامم المتحدة – الذي يضم في طياته قواعد امرة – باطلة غير شرعية. ومن هذا المنطق نبدأ بعرض اتفاق بيغن – السادات في ضوء هذه المبادئ الواضحة والصريحة والتي استندت اليها اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية السلام تجاوزا.
الاول: مبدأ المساواة في السيادة:
نصت الفقرة الاولى من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة – والتي استندت اليها الاتفاقيتان المذكورتان على: تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع اعضائها. لا يعتبر مبدأ التساوي في السيادة بين الدول من اهم المبادئ التي قامت عليها الامم المتحدة فحسب, بل يعتبر الاساس في وجود الدول وبالتالي القانون الدولي, فبدون ان يكون لكل دولة سيادة كاملة متساوية مع غيرها من الدول فان انعدام ذلك يعني خضوع الدولة الى غيرها. ومنطق التساوي في السيادة بين الدول يتحدد في التعامل الدولي عندما تكون الدولة طرفا في علاقة قانونية دولية. وتتجسد العلاقة الدولية في المعاهدات الدولية, التي تعتبر الموافقة الصريحة للدول في انشاء الحقوق والالتزامات لأطراف المعاهدة, لذلك فان الدولة لا يكفيها ان تكون مستقلة استقلالا رسميا يتمثل في عضويتها في المنظمات الدولية ورفعها علما خاصا بها واختيارها نشيدا وطنيا إلى غير ذلك من المظاهر الشكلية للاستقلال, بل ان المعيار الصحيح هو تكامل سيادة الدول, اي ان تكون قادرة على جمع مظاهر السيادة الخارجية والداخلية, وان تتصرف في علاقاتها مع الدول على اساس الند للند وفقا للمنافع المتبادلة التي تقضي قواعد القانون الدولي. فأي اخلال بذلك يعتبر انتقاصا لسيادة الدولة وتبعيتها لغيرها من الدول, وكذلك عدم توفر المظهر الداخلي للسيادة الذي يعني قدرة الدولة على السيطرة على مصادر ثروتها واختيار نظامها السياسي والاداري والقضائي بمعزل عن ادارة ونفوذ الدول الاخرى من هذا المنطلق تقيم مساواة واستقلالية الدول في تعاملها على النطاق الدولي وكما هو معلوم فان الولايات المتحدة الامريكية والدول الامبريالية الاخرى عمدت بعد تحطيم النظام الكولونيالي الى تبني وسائل جديدة في الاستعمار لا تمس المظاهر الشكلية لاستقلال الدولة ولكنها تخضعها إلى شروط قاسية تقيد سيادتها وتجعلها تدور في فلك الدولة المستعمرة. ومن اهم هذه الوسائل التي عمدت اليها الولايات المتحدة بشكل خاص عقد معاهدات غير متكافئة مع البلدان النامية حيث عقدت مئات المعاهدات غير المتكافئة مع دول العالم الثالث وبضمنها الدول العربية, بذلك على جوهر الاستعمار المتمثل في الاستغلال والنهب والسيطرة وضعف صورها السياسية والاقتصادية والعسكرية, وتعتبر المعاهدات غير متكافئة اي اتسمت بإحدى السمات التالية:
1- المعاهدة التي شرطا يحد من مظاهر سيادة الدولة الخارجية.
2- المعاهدة التي تمنح الطرف القوي حق التدخل في الشؤون الداخلية للدولة, كالتدخل في طبيعة النظام السياسي, والضغط على حركة التحرر الوطني, والتدخل في تنظيم الاقتصاد القومي والقوات المسلحة وقضايا الدفاع الخارجي, وأمن الدولة الداخلي, والامور المتعلقة بالسياسة الادارية والقضائية للدولة.
3- المعاهدات التي تتضمن شرط خضوع الانظمة القانونية الوطنية الى انظمة قانونية اجنبية.
4- عدم التكافؤ في توزيع الحقوق والالتزامات بين الدول المتعاهدة كأن تفرض الالتزامات على جانب وتمنح الحقوق للجانب الاخر.
جاءت اتفاقيات كامب ديفيد للصلح بأحكام متعددة تضعها في عداد المعاهدات غير المتكافئة, التي تفرض التزامات وقيود كثيرة على مصر وتحد من سيادتها مقابل الحقوق التي منحتها لإسرائيل, وقد اتضح تحيز الولايات المتحدة ومساندتها لإسرائيل على حساب مصر والامة العربية في ما جاء في مذكرة التفاهم الاسرائيلية الامريكية التي تضمنت تعهدات على غاية الاهمية لضمان سلامة وأمن اسرائيل اذا تعرضت المعاهدة لأي انتهاك من جانب مصر, وتعدها بمدها بكافة انواع المساعدات العسكرية والاقتصادية, مع تعهدها بفرض قيود على شحنات الاسلحة لمصر والتي قد تستخدم في هجوم مسلح ضد اسرائيل.
لقد تم فرض التزامات ثقيلة وكثيرة على مصر مقابل وعد بالانسحاب من سيناء في فترة ثلاث سنوات وعلى مراحل مما يجعل هذه الاتفاقيات في عداد الاتفاقيات غير المتكافئة والمتعارضة مع نص الفقرة الاولى من المادة الثانية. وهذه الالتزامات هي:
1- تعهد مصر بأنهاء حالة الحرب مع اسرائيل (م 1, ف 1).
2- تعهد مصر بالاعتراف الكامل بإسرائيل واقامة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية (م 3 , ف 3).
3- تعهد مصر انهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل (م 3, ف 3).
4- تعهد مصر بالسماح للسفن الاسرائيلية بالمرور في قناة السويس ومضائق تيران (م 5).
5- تعهد مصر بتحديد قواتها في منطقة سيناء بما لا يزيد على فرقة واحدة واربع كتائب (المادة (2) من الملحق العسكري المرفق بمعاهدة الصلح). ومما تجدر الاشارة اليه ان من حق اية دولة ان ترفض تجديد قواتها في اية منطقة من اقليمها لان ذلك يعتبر من اهم اعمال السيادة, والتي يمكن ان تقررها وفقا لمقتضيات المصلحة الوطنية والدفاع عن امن البلاد, وليس بمقتضى مصلحة دولة اجنبية مما يشكل انتهاكا لسيادة الدولة, حتى ان بعض الكتاب وجدوا في نظام الحياد الدائم الذي يمنع الدول من الاشتراك في الحرب او اقامة قوات اجنبية في اراضيها, او اقامة قواعد عسكرية انتفاصا لسادة الدولة.
6- موافقة مصر على تواجد قوات تابعة للأمم المتحدة في سيناء بعد انسحاب القوات الإسرائيلية, اي ان تواجد قوات الامم المتحدة ينحصر في الاراضي المصرية دون الاسرائيلية. وذلك اضافة إلى ان اختصاص ارسال وتوجيه القوات الدولية هو من اختصاص مجلس الامن فقط الذي يستطيع وحده – وفقا للفصل السابع من الميثاق – ان يرسل مثل هذه القوات الى بلد ما دون ان يعتبر ذلك انتقاصا من سيادة الدولة العضو في الامم المتحدة – وليس من اختصاص اسرائيل والولايات المتحدة. ومن الواضح ان فرض اقامة القوات في الجانب المصري قد جاء لمصلحة اسرائيل التي كان موقفها واضحا ازاء هذه القوات سواء في عام 1956م, أو بعد حرب تشرين 1973م, من حيث عدم موافقها على اقامة قوات الامم المتحدة في اراضيها بحجة المحافظة على سلامتها. اما فيما يتعلق باختصاصات مجلس الامن فقد تجاوزت الولايات المتحدة واسرائيل مع حاكم مصر قراري 242, و338, (مع العلم ان العراق وبعض الدول العربية لم يوافقوا على القرارين المذكورين وذلك لانهما يؤذيان الى الاعتراف بالوجود الاسرائيلي) – وكذلك صيغة مؤتمر جنيف الذي انعقد تحت اشراف الامم المتحدة ومشاركة الاطراف المعنية مع وجود الاتحاد السوفيتي كمشرف مع الولايات المتحدة على المؤتمر. ويعني ذلك ان اسرائيل لا تريد اشتراك الامم المتحدة في مثل هذا العمل الذي هو من اختصاصها اصلا وذلك لعلمها بان هناك من يقف موقفا صلبا ضد رغباتها غير المشروعة هناك. بل ان اسرائيل وبالاتفاق مع امريكا وفق لما ورد في مذكرة التفاهم الاسرائيلية الامريكية قد نصبت الولايات المتحدة كمشرف ومنفذ للمعاهدة بدلا من مجلس الامن مما يعتبر تجاوزا وانتهاكا خطير لقرارات المجلس الذكور لذلك فأن وجود القوات الدولية في الجانب المصري وفقا لإرادة الدولة المحتلة والمحمية من قبل امريكا يعتبر خرقا لسيادة مصر.
7- التزام مصر باستخدام المطارات العسكرية التي ستجلو عنها اسرائيل للأغراض المدنية والتجارية فقط.
8- تعهد مصر بمنع العمل الفدائي الفلسطيني, وتقديم الفلسطينيين العاملين ضد سلامة وأمن اسرائيل للمحكمة (م 3, ف2).
9- التزام مصر بعدم دعوة منظمة التحرير الفلسطينية للمفاوضات التي تجري حول مستقبل الضفة الغربية وغزة, وانما دعوة بعض الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة, علما بأن مؤتمرات القمة اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد والناطق باسم الفلسطينيين, وكان السادات قد صرح مرارا وحتى بعد زيارته لإسرائيل, بان المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
10- التزمت مصر بان تبحث منح الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة, متنكرة بذلك لقرارات الامم المتحدة القاضية بمنح المصير للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني.
11- عدم ذكر الجولان والقدس في المعاهدتين او في المفاوضات المقبلة وهو بمثابة تناول من قبل مصر عن المطالبة بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة.
12- التزام مصر بعدم بحث مستقبل المستعمرات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة وقد صرح بيغن مرارا بأن هذه المستعمرات سوف لن تزال من الاراضي العربية.
13- تعهد مصر ببيع النفط لاسرائيل.
14- موافقة مصر على بقاء قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وغزة إلى ما لا نهاية بحجة حماية أمن اسرائيل.
15- تعهد مصر بعدم الدخول في اية معاهدة تتعارض والتزامها بموجب (معاهدة الصلح), وفي حالة تناقض التزامات مصر بموجب هذه المعاهدة مع التزاماتها الاخرى فأن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة ملزمة ونافذة (م 5, ف4و5), وفي ضوء هذا التعهد يجدر ملاحظة ما يلي:
1-ان منطق هذه المادة يتناقض والتزامات مصر بموجب ميثاق الامم المتحدة, الذي وضع في المقام الاول الالتزام بأحكام ومبادئ الميثاق وتفضيلها على كافة الالتزامات الاخرى النابعة عن معاهدة عامة او خاصة يكون اعضاء الامم المتحدة اطرافا فيها (م 103), فكيف تفضل مصر اتفاقا خاصا مع دول خارجة على قرارات وميثاق الامم المتحدة, ان لم تكن في وضع غير متساو مع هذه الدول.
2-ان مصر عضو في جامعة الدول العربية التي هي منظمة اقليمية قامت وفقا للفصل التاسع من الميثاق الذي يشجع على اقامة المنظمات الاقليمية للتعاون مع الامم المتحدة لحل المشاكل بين اعضاء المنظمة وقد عقدت اتفاقيات اقتصادية وثقافية وعسكرية لحماية امن الدول العربية وتعزيز السلم في المنظمة والعالم, ولهذا فان مصر قد خرجت على اتفاقيات الجمعة العربية وقرارات مؤتمرات القمة ومجلس الجامعة العربية الذي لا يعترف بكيان اسرائيل غير الشرعي, لا بل انها وضعت في المقام الاول التزاماتها مع كيان غير شرعي على حساب الالتزامات الاخرى التي تخص مصالح شعب مصر والامة العربية.
3-خرجت مصر بتفضيلها التزامات بموجب هذه المعاهدة على الاجماع العالمي المتمثل بقرارات الامم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية المعادية للإنسانية, وادانات الامم المتحدة لاعتداءاتها على الدول العربية عن طريق عشرات القرارات عن المنظمة الدولية وخرجت على اجماع الدول الافريقية التي قررت في اجتماع منظمتها عام 1973م, قطع كافة العلاقات مع اسرائيل لأنها كيان عدواني وخرجت على وحدة اراء دول عدم الانحياز الذي يرى في اسرائيل كيانا عدوانيا عنصريا. فكيف تفضل مصر التزاماتها مع هذا الكيان على التزاماتها الاخرى مع دول العالم؟
مما تقدم نستطيع القول ان اتفاق بيغن – السادات يعتبر من الاتفاقيات غير المتكافئة التي تتناقض ونص الفقرة الاولى من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة وبالتالي تعتبر بمثابة اتفاق باطل.
تنفيذ التزامات الاعضاء بحسن نية:
اما المبدأ الثاني الذي تضمنته المادة الثانية – الفقرة الثانية, والذي استندت اليه اتفاقيات كامب ديفيد والصلح فقد تضمن قيام اعضاء الامم المتحدة بتنفيذ التزاماتهم التي اخذوا على انفسهم بحسن نية وفقا لهذا الميثاق. فهل نفذت اسرائيل حقا التزاماتها وفقا لهذا الميثاق؟ انها لحقيقة يعرفها جميع اعضاء الامم المتحدة بأن اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تنفذ ما تريد على / 220 قرارا اتخذتها المنطقة العالمية. ان اسرائيل قامت على الاغتصاب والاستيلاء على وطن العرب الفلسطينيين فهي كيان غير شرعي, وعلى الرغم من قبول هذا الكيان عضوا في الامم المتحدة وفقا لاعتبارات سياسية واستعمارية الا ان اسرائيل منذ قبولها لحد الان لم تلتزم بمبادئ واحكام الميثاق وقرارات الامم المتحدة فهي لم تطبق القرارات الخاصة بعودة اللاجئين وتنكرت للقرارات الخاصة بالقدس ولم تنفذ قرارات الجمعية العامة المتعلقة بمنح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير وفقا لمبدا تقرير المصير المثبت في (م 1, ف2), من الميثاق التي نصت علي (انما العلاقات الودية بين الامم على اساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبان يكون لكل منها تقرير المصير) وقد اوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها (25) وفي30 تشرين الثاني 1970م, في قرارها المرقم 2649 بمنح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير واكدت هذا الحق في دورتها المتلاحقة الى ان توجت اعمالها بقرارها الهام المرقم (3236), بتاريخ 22 تشرين الثاني 1974م, حول إقرار حقوق الشعب الفلسطيني مصيرهم وليس في نية اسرائيل الاعتراف بهذا الحق. فكيف تسوغ لنفسها الحديث عن عقد معاهدة وفق لاحكام المادة الثانية من الميثاق وهي التي تنكرت لالتزاماتها بموجب مبدأ احترام حقوق الانسان المنصوص عليه في المادة الاولى الفقرة 3 التي قضت بتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك اطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال و النساء أن التقارير السنوية التي قدمتها اللجنة الخاصة بالتحقيق في أثر الممارسات الاسرائيلية في المناطق المحتلة على حقوق الانسان تؤكد خرق اسرائيل لكافة هذه المبادئ. وقد ادانت الجمعية العامة بناء على تقارير اللجنة المذكورة اعمال السلطات الاسرائيلية الاجرامية بحق المواطنين العرب في قراراتها المختلفة الصادرة عنها وعن المنظمات المتخصصة الاخرى.
3-حل المشاكل بالطريقة السلمية:
اما الفقرة الثالثة من المادة الثانية التي استندت اليها الاتفاقيات فهي تتعلق بمبدأ مهم من مبادئ الامم المتحدة والقانون الدولي وهو المبدأ الذي ينص على (فض جميع اعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والامن الدوليين عرض للخطر).
نهجت اسرائيل منذ قيامها نهجا معاديا للسلم والامن الدوليين متعبة سياسة التوسع وابتلاع اراضي الغير عن طريق العدوان, فهي على الرغم من ادعاءاتها بقبول قراري 242, و338, الا ان القرارين يمثلان مرحلة من المراحل التكتيكية التي لجأت اليها اسرائيل لخداع الرأي العام العالمي, وقد تخلت في اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية الصلح عن القرارين المذكورين, فلم يعترف بيغن بوجود اراضي محتلة وضرورة الانسحاب منها وفقا لقرار (242), بل اعتبرها اراض محررة مسميا اياها يهودا والسامرة. بل انه اصر في كامب ديفيد على رفع موضوع عدم شرعية استبقاء الاراضي المحتلة نتيجة للحرب حيث استجاب كارتر لطلبة بل ان كارتر اتفق مع السادات على انه وبيغن سيسميان الارض العربية المحتلة (بيهودا والسامرة), ويسميها السادات بالأرض العربية المحتلة, فأي حديث عن السلام والحلول السلمية, الا اذا كان ذلك يعني سلب واحتلال اراض الدول العربية وفرض السلام بالقوة على الدول العربية عن طريق تجاوز كافة قرارات الامم المتحدة التي تنكرت اسرائيل لجميع قراراتها.
4-تحريم العدوان أو التهديد باستخدام القوة:
لقد قامت الامم المتحدة على مبدأ منع العدوان أو التهديد باستخدام القوة ضد الاراضي أو الاستقلال السياسي لاي من الدول. وقد تم تثبيت هذا المبدأ الاساسي في الفقرة الرابعة من المادة الثانية, وليس هناك من دولة في العالم مهما اتضح عدوانها تستطيع التنكر علانية لهذا المبدأ.
فالولايات المتحدة الامريكية تغطي عدوانها على شعوب العالم بمبررات مختلفة, الا اسرائيل التي تعتبر سياستها العدوانية والتوسعية حقا من حقوقها معتبرة انها دائمنا تستطيع اللجوء متى شاءت إلى الحرب العدوانية ضد الشعب العربي. فقد اشعلت نار حروب اربع ولا زالت مستمرة في عدوانها على الشعب العربي الفلسطيني واللبناني في لبنان, وهي تحتل اراض عربية نتيجة لعدوانها عام 1967م, والتي تعتبر محرمة بموجب القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة …. وقد ادان مجلس الامن مرات كثيرة عدوان اسرائيل على الدول العربية بالنظر لجسامة أعمال اسرائيل العدوانية التي لم تستطع حتى الدول الاستعمارية ان تؤيدها تأييدا صريحا وعلنيا مطلقا… الا ان اسرائيل وجدت في الفيتو الامريكية والغربي ستارا لاعمالها العدوانية حيث منعت الولايات المتحدة بمجلس الامن مرارا من اتخاذ موقف حازم ضد اسرائيل يتمثل في اتخاذ وسائل رادعة لتأديب هذه الدولة المعتدية وفقا للمادتين (41), و(42), من الميثاق.
لكن الجمعية العامة في دورتها الاخيرة ادانت سياسة التسلح الاسرائيلي وطلبت من دولة العالم الكف عن تقديم المساعدات العسكرية لهذه الدولة… الا ان اسرائيل لم تمتنع عن الاستمرار في اعمالها العدوانية.
ونحن نرى ان استمرارها في احتلال الاراضي العربية والمصرية بشكل خاص يعتبر عاملا يشوب ارادة الجانب المصري الذي وقع المعاهدة في ظل الاحتلال كما سنفضل ذلك في ضوء احكام قانون المعاهدات.
قانون المعاهدات واتفاق بيغن – السادات:
تمت المصادقة على قانون المعاهدات في الدورة الثانية لمؤتمر فينا عام 1969م, حيث اعتبرت الاتفاقية انجازا هاما في تقنين قواعد القانون الدولي وتطويرا تقدميا لقواعد واحكام المعاهدات …
تضمنت اتفاقية قانون المعاهدات نصوصا عديدة تبطل اتفاق السادات – بيغن, وفي مقدمتها القواعد الامرة التي نصت عليها المادة (53), حيث تعرضنا اليها بالتفصيل في القسم الاول من هذا البحث.
وهناك نص ثاني يعتبر بدوره ايضا من القواعد الامرة في القانون الدولي. وهو نص المادة (34), التي تقضي بأن المعاهدة لا يمكن ان تنشئ التزامات او حقوقا لدولة ثالثة بدون الموافقة الصريحة للطرف الثالث. لقد نصب السادات نفسه وكيلا عن الامة العربية والشعب الفلسطيني يتعاقد باسمه محملا اياه التزامات بدون ان يملك حق اهلية تمثيل الامة العربية او الدولة العربية.
كما ان الاتفاق يتناقض ونص المادة (29), التي تقول بأن الاتفاقيات لا تتعدى بأحكامها حدود اراضي الدول الموقعة على الاتفاقية وهي تتناقض مع نص المادتين (50, و52), المتعلقتين بعيوب الرضى التي تعيب ارادة الدولة الموقعة على المعاهدة. وسنتحدث عن هذه الاحكام الواحدة تلو الاخر.
لم يمكن نص المادة (34), بالقاعدة الجديدة في القانون الدولي. فهي قاعدة قديمة جاءتنا من القانون الروماني الذي ينص على أن الاتفاق لا يمكن ان ينشئ حقوقا أو يفرض التزامات على الطرف الثالث. وهي تعتبر من القواعد الاساسية المهمة في القانون الدولي, فقد اتفق الفقه الرأسمالي والاشتراكي على تمييزها عن بقية احكام القانون الدولي بالنظر لجسامة وخطورة النتائج التي يمكن ان تترتب في حالة الخروج عليها, كما اكدت السوابق القضائية والتعامل الدولي على متانة ورسوخ هذه القاعدة.
ففي الفقه الرأسمالي يرى الاستاذ فردوس ان هذه القاعدة تعتبر في مقدمة القواعد الامرة التي لا يمكن التجاوز عليها باي حال من الاحوال … ويقول الاستاذ جنينك ان المادة (34), لا يمكن ان تنشئ حقوقا او تفرض التزامات على دولة ثالثة بدون رضاها … يؤيد ذلك الاستاذ لورد ماكير… والاستاذ كريك…
اتفاقيات بيغن – السادات في ضوء ميثاق الامم المتحدة وقانون المعاهدات : (ج 2) بقلم أ.د. حكمت شبر. عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا واستاذ القانون الدولي العام والمستنصرية.
حيث جمع الفقهاء الاشتراكيون (تونكين شورشالوف, لوكاتوك, لاخس), على تأييد هذه القاعدة وابراز اهميتها. بقول الفقيه السوفيتي (تالالايف) ان هذه القاعدة هي من القواعد الامرة التي تنبع من مبدأ السيادة, عماد القانون الدولي والمعاهدات, حيث يستند اليه الاتفاق الرضائي لأشخاص القانون الدولي وفي مقدمتهم الدول, ومن هذا المنطق فأن المعاهدة لا يمكن ان تلزم سوى الاطراف الموقعة عليها والا فسوف يفسح المجال واسعا لفرض ارادة دولة على دولة اخرى…
وقد اثبتت احكام محكمة التحكيم ومحكمة العدل الدولية بثبات هذه القاعدة في احكام عديدة. ففي قضية النزاع حول ملكية جزيرة (بالماس), بين الولايات المتحدة وهولندا ادعت الولايات المتحدة انها حصلت على تلك الجزيرة عن طريق تنازل اسبانيا لها عن ملكيتها في اتفاقية 1898م, الا ان هولندا لم تكن طرفا في تلك الاتفاقية وادعت بانها هي صاحبة السيادة على الجزيرة وقد ايد القاضي (هيوبر), ذلك قائلا: (لقد ظهر لنا بشكل لا يرقى اليه الشك ان المعاهدات المعقودة بين اسبانيا ودولة ثانية تعترف لها بالسيادة على الفلبين لا يمكن ان تلتزم هولندا)…
وفي النزاع مابين فرنسا وسويسرا حول المناطق الحرة في (السافوى العليا والكيس), الذي نظرت فيه محكمة العدل العليا الدائمة في (لاهاي), ثبت ان سويسرا لا يمكن ان تلتزم بنص المادة (435), من اتفاقيات فرساى لأنها ليست طرفا في الاتفاقية, ولم توافق عليها بشكل رسمي بعدئذ .. كذلك ردت محكمة العدل الدولية ادعاءات انكلترا في قضية تأميم النفط الايراني من قبل حكومة مصدق, حيث ادعت بريطانيا ان الاتفاق بين الشركة وايران كان معاهدة بين ايران وانكلترا, ومن هذا المنطق تقدمت انكلترا بشكواها إلى المحكمة, الا ان المحكمة لم تعتبر هذا الادعاء, حيث لم يتضمن العقد بين الشركة والحكومة الايرانية اي اشارة الى اعتبار انكلترا اطرفا فيه…
وهناك امثلة عديدة اخرى في العمل والممارسة الدوليين تؤكد رسوخ مبدأ عدم شمول الطرف الثالث بأحكام المعاهدة التي لم يقبلها, فقد اعتبرت معاهدة ميونخ لعام 1938م, الموقعة بين هتلر وتشمبرلين رئيس وزراء بريطانيا, والتي قضت بتقسيم جيكوسلوفاكيا واخضاع مورافيا واقسام اخرى منها لسيطرة المانيا معاهدة باطلة لانها تتناقض والمبدأ المذكور, وقد اصدر الحلفاء (الولايات المتحدة الامريكية, انكلترا وفرنسا في الاول من تشرين الثاني اعلانا اعتبروا فيه اي تغيير في اراضي الغير تم عن طريق القوة باطلا بالنظر لأنه يتعارض والقواعد الامرة, وقد اصدرت المحكمة الهولندية العليا حكمها باعتبار معاهدة 1938م, باطلة مستندة في ذلك على اعلان الحلفاء المذكور مؤكدة ان اية قاعدة تمس مصالح طرف ثالث لم تحصل موافقته تعتبر غير شرعية…
نستطيع القول ان قاعدة عدم شمول الدول واشخاص القانون الدولي الاخرين بأحكام المعاهدات التي لم تعترف بها او توافق صراحة على ما جاء فيها من التزامات تعتبر من القواعد الامرة والتي لا يمكن الخروج عليها. ومن هذا المنطق نستطيع التأكيد بان اتفاقات بيغن – السادات حول الشعب الفلسطيني ومحاولة فرض الوصاية من فبل السادات على شعبنا العربي الفلسطيني لا يمكن ان تعتبر شرعية ولا تفرض اي التزامات على الفلسطينيين بالنظر لرفضهم ورفض الشعب العربي من ورائهم كافة الحلول التي تتناقض وحقوقهم المشروعة وفي مقدمتها مبدأ تقرير المصير الذي اوصت به الامم المتحدة. وقد جاء الرفض بوسائل متعددة ابرزها استمرار المقاومة في الارض المحتلة, وموقف منظمة التحرير الفلسطينية الصريح برفض الاتفاقيتين وموقف الجامعة العربية المتمثل في مؤتمري القمة ووزراء الخارجية الرافض للاتفاقيتين.
ولكن قد يثير بعض المشككين بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة بعض التحفظات حول المواد (34, 38), من قانون المعاهدات واعتبارها تتحدث عن اشخاص القانون الدولي من الدول مبتعدين عن اضفاء صفة الشخصية القانونية على الشعوب, ولكننا نجيب بان الشعوب المناضلة في مبتعدين عن اضفاء صفة الشخصية القانونية على الشعوب, ولكننا نجيب بان الشعوب المناضلة في سبيل استقلاها هي الشخص الاساسي الثاني من اشخاص القانون الدولي التي تتمتع بكثير من حقوق شخص القانون الدولي وتلتزم بالالتزامات المفروضة عليها.
وهناك اجماع في الفقه الاشتراكي باعتبار الامة المناضلة في سبيل استقلالها من اشخاص القانون الدولي بالاستناد إلى مبدأ تقرير المصير للأمم والشعوب بخلاف الغربي الذي لا يعترف للامم المناضلة بهذه الصفة … محاولا اضفائها على الشركات المتعددة الجنسيات بغية حمايتها من قوانين التأميم وغيرها من القوانين الوطنية.
يقول الاستاذ (ايكنتيكو), ان الامة من خلال نضالها في سبيل الاستقلال وبالاستناد إلى مبدأ تقرير المصير تتصرف كطرف مستقل في العلاقات الدولية وكشخص من اشخاص القانون الدولي..
ويرى الاستاذ (تونكين), ان الامة المناضلة من اجل تكوين دولتها المستقلة هي شخص القانون الدولي العام, حيث انها لم تستطع ان تكون دولتها المستقلة بسبب المقاومة التي تلقاها من قبل الدول الاستعمارية, ولكنها في طريقها إلى ذلك…
ونرى بان تمتع الشعوب المناضلة في سبيل استقلاها بحقوقها في الدخول كطرف في العلاقات الدولية ليست فكرة من افكار هذا أو ذاك من الفقهاء بل هي حقيقة قانونية تتجسد في قدرة شعوب المستعمرات على تنفيذ حقها في تقرير مصيرها باللجوء إلى خوض نضال تحرري.
ولابد من الاشارة إلى حقيقة مهمة وهي ان الامة المناضلة عبارة عن شخصية مستقلة في القانون الدولي بغض النظر عن الاعتراف بذلك من قبل بعض الدول, كما ان ملامح شخصيتها تختلف عن ملامح شخصية الدولة. فالأمة المناضلة لا تتمتع فقط بحماية القانون الدولي, بل تتمتع بالحقوق والتزامات العامة التي يكلفها هذا القانون وتقوم بالتعبير عن ارادتها بحرية, وما حصولها على استقلالها بعدئذ سوى التعبير الحر عن رغبتها في الاستقلال.
وجاءت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (قرار 1514, القاضي بمنح الاستقلال, وقرار 2105 (الدورة 20) وقرار 22 (الدورة 21) و2327 (22), و2465 لتعترف بالنضال الشرعي الذي تخوضه الشعوب لمستعمرة (المتربول) ضد المستعمرة عملا غير شرعي, بينها يعتبر لجوء الشعب المناضل للسلاح شرعيا حيث اضطر لذلك وهو حالة دفاع عن النفس.
ويحمل استخدام القوة من قبل الامة المناضلة في سبيل استقلالها صفة دولية كما اقرت بذلك قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة..
ولابد للشعب او الامة المناضلة في سبيل الاستقلال ان يكون منظما لكي يعبر عن رأيه وارادته. وفكرة التنظيم السياسي هي القاسم المشترك بين الامم المناضلة والدولة, فالأمة المناضلة تجد تنظيماتها في هيئات التحرر, جبهة النضال القومي, الحكومة المؤقتة, جيش التحرير, والذي يقوم بوظائف داخلية وخارجية محددة تدور في نطاق تحقيق الاستقلال والانتقال إلى مرحلة جديدة, بينما نجد تنظيمات وهيئات الدولة اكثر تعقيدا وتنوعا في ادائها لواجبتها لمختلفة.
وتختلف الامة عن الدولة ايضا فيما يتعلق بالسيادة؛ فالامة تتمتع بالسيادة القومية, بينهما تتمتع الدولة بالسيادة السياسية, ولكن هنالك اوجه شبه بين شخصين الامة والدولة من الناحية القانونية الدولة هي:
1-ان وجود الدولة كشخص والامة كشخص في القانون الدولي لا يحتاج إلى اعتراف من قبل الدولة الاخرى فوجود الامة مستقل عن ارادة اي دولة في المجتمع الدولي.
2-ان شخصية الامة محمية ومؤمنة عن طريق قواعد القانون الدولي شانها في ذلك شأن الدولة.
3-ان شخصية الامة كشخصية الدولة تمتد إلى المختلفة الداخلية والخارجية.
4-عدم التدخل في شؤون الامة الداخلية وكذا الحال بالنسبة للدولة. وتملك الامة المناضلة في سبيل استقلالها حقوقا مهمة نابعة من سيادتها القومية وهي:
1-حقها في التعبير عن ارادتها بأي شكل ويضمن ذلك استخدام القوة ضد الدولة المستعمرة.
2-حقها في الدفاع الشرعي القانوني والحصول على مساعدات الدول والامم والمنظمات الدولية.
3-حقها في اقامة علاقات رسمية مع اشخاص القانون الدولي.
4-حقها في المساهمة في نشاطات المنظمات الدولية والمؤتمرات.
5-حقها في المساهمة في انشاء قواعد القانون الدولي, وفي التنفيذ المستقل لقواعد القانون الدولي القائمة.
6-حقها في التعبير عن التعبير عن ارادتها باي شكل بما في ذلك استخدام القوة ضد الدول المستعمرة.
ان الامم تعبر عن ارادتها بوسائل مختلفة وذلك عن طريق النضال السلمي والثوري للجماهير وذلك شرط لا غنى عنه للوصول إلى الاستقلال. ويتمثل كفاحها المسلح بالشرعية, كما اقرت بذلك اتفاقيات جنيف وقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة. وقد لجأ الشعب الفلسطيني إلى استخدام الوسائل المختلفة في نضاله من أجل الاستقلال. فقد عمد إلى النضال السلمي في الارض المحتلة والمتمثل في المظاهرات والاضرابات وغيرها من الوسائل, وكذلك إلى الكفاح المسلح المتمثل بتنظيم حرب شعبية ضد المؤسسات العسكرية للعدو الصهيوني وهو يتمتع بحماية قواعد القانون الدولي.
2-التمتع بحق الدفاع والحصول على مساعدة الدول والامم والمنظمات الدولية:
لقد وجد هذا الحق مكانا له في الوثائق والمعاهدات التالية المستندة إلى ميثاق الامم المتحدة وهي: اعلان حقوق الانسان, اتفاقية تحريم الابادة, اعلان الغاء الاستعمار, اعلان عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام استقلال وسيادة الدول, اتفاقية الغاء كافة اشكال التمييز العنصري ومواثيق حقوق الانسان, اعلان المبادئ الانسانية الاساسية في جميع النزاعات المسلحة, بروتوكولات جنيف الصادرة عن مؤتمر الانسان الدولي لعام 1977م.
ويتم تقديم المساعدات المختلفة وبضمنها المساعدات العسكرية للشعوب المناضلة في سبيل استقلالها بشكل مباشر من قبل القوى المعادية للاستعمار, ومعنى ذلك ان الامة المناضلة في سبيل استقلالها تدخل كطرف قانوني في مثل هذه العلاقة الجديدة, وقد حصلت منظمة التحرير الفلسطينية ولا زالت تحصل على مساعدات من الدول والشعوب المحبة للسلام لمساعدتها في كفاحها ضد العدو الصهيوني.
3-الحق في التفاوض واقامة العلاقات الرسمية مع الدول:
ويتضمن هذا الحق القيام بالمفاوضات واقامة التمثيل الدبلوماسي, غير ان ذلك لا يعني تطابق ما تقوم به هيئات الامة المناضلة في هذا المجال مع الهيئات الرسمية الخارجية للدولة. وقد قامت اجهزة الامم المناضلة في سبيل استقلالها بإدارة المفاوضات مع الدول الاستعمارية للحصول على استقلالها, وهي حركات التحرير في ساحل العاج, غينيا, مالي, الكونغو, نيفا, انغولا, موزمبيق, فيتنام, الجزائر وغيرها من الحركات الاخرى. كما ملكت اجهزة الامم المناضلة تمثيلا لها في دول العالم المختلفة, كحكومة الجزائر المؤقتة وحكومة فيتنام الجنوبية, وتملك منظمة التحرير الفلسطينية مراكز لها في مختلف بلدان العالم الرأسمالية والاشتراكية والنامية. وقد اقر مؤتمر عدم الانحياز عام 1964م, في القاهرة قرارا هاما اعتبر فيه منظمات التحرير الممثل الوحيد لشعوبها…
4-الحق في المساهمة في نشاطات المنظمات والمؤتمرات الدولية الرسمية:
فبل حصول حركات التحرير الوطنية على صفة مراقب في الامم المتحدة كان المثلي الشعوب المستعمرة وفقا للمادة (87), من الميثاق, من الميثاق, ان تتقدم بشكواها وعرائضها لمجلس الوصية. وفي عام 1960م, اتخذت الجمعية العامة قرارها المرقم (1539), القاضي باشراك ممثلي الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في اعمال المنظمة الدولية والمنظمات المتخصصة, وقد دعيت منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها (3237), في 22 تشرين الثاني 1974م. وكان لهذا القرار اهمية كبرى, فقد ساعد المنظمة على الاشتراك الفعلي في اعمال الامم المتحدة خصوصا فيما يتعلق بقضية الشعب الفلسطيني ومنحها قوة ادبية ومعنوية في كونها الممثل الشرعي لشعب فلسطين والمتحدث باسمه في اكبر تنظيم دولي.
وقد دعيت منظمة التحرير للاشتراك في المنظمات المتخصصة (اليونسكو, منظمة العمل الدولي, منظمة الصحة العالمية, منظمة العمل الدولية), كما اشتركت كعضو كامل في المنظمة الاقليمية العربية (الجامعة العربية), كما اشتركت في مؤتمرات قمة عدم الانحياز والمؤتمرات الرسمية التي دعت اليها الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الاخرى كمؤتمر البحار والمؤتمرات الدولي الانساني لتعديل اتفاقية جنيف وغيرها.
5-حق المساهمة في تكوين قواعد القانون الدولي:
ان الامة المناضلة في سبيل استقلالها استطاعت وتستطيع ان تساهم في خلق قواعد القانون الدولي عن طريق ارادتها الصريحة المجسدة في الاتفاق العام ما بين اشخاص القانون الدولي, وهي تقوم بهذا العمل عن طريق المعاهدات الخاصة والمعاهدات المتعددة الاطراف.
ففي مجال المعاهدات الخاصة, تعقد الدول نوعين من المعاهدات الاول مع الدول المعادية للاستعمارية والتي تزودها بكافة انواع المساعدات, والثاني مع الدولة المستعمرة (المتربول).
وهنا لابد من ابراز حقيقة هامة وهي ان معاهدة الامة المناضلة في سبيل استقلالها مع المتربول لاتهدف إلى تكوين دولة مستقلة وانما إلى تنظيم الامور التي سوف تبرز من خلال تكوين الدولة الجديدة, كإيقاف العمليات العسكرية واجراء التصويت العام, وطرق نقل السلطة من ادارة الدولة المستعمرة إلى الاجهزة الادارية الوطنية وقضايا الوراثة..الخ.
وتقوم الاتفاقيات بين الطرفين لا على اساس انها معقودة ما بين متربول ومستعمرة, وانما يتم الاتفاق ما بين تنظيم حركة التحرير الوطني التي هي في طريق التحول, إلى دولة مستقرة التي لا تملك من الناحية القانونية حكم هذه الارض, وقد عقدت العديد من هذه الاتفاقيات, كاتفاقية ايفيان ما بين فرنسا والحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1962م, واتفاقية السلام ما بين حكومة الولايات المتحدة الامريكية وحكومة فيتنام الشمالية والحكومة المؤقتة لفيتنام الجنوبية عام 1972م..وغيرها.
النوع الثاني المتمثل في الاتفاقيات المتعددة الاطراف فتأتي في مقدمتها بروتوكولات جنيف التي وقعت عليها الدول عام 1977م, بعد دورات عديدة للمؤتمرات الدولي الانساني والذي دعيت اليه منظمات التحرير الوطنية وبضمنها منظمة التحرير الوطنية, حيث ساهمت إلى جانب ممثلي الحكومات بوضع قواعد جديدة للتعامل مع حركات التحرير العالمية وفي مقدمتها المادة الاولى التي اعترفت بممثلي منظمات التحرير في حروبهم التحررية كطرف دولي مساو للدول المتحاربة.
التحررية كطرف دولي مساو للدول المتحاربة:
وقد جاء في المادة الاولى:-
1-تتعهد الاطراف السامية المتعاقدة بان تحترم وان توفر احترام هذا الملحق (البروتوكول), في جميع الاحول.
(- تتضمن الاوضاع المشار اليها في الفقرة السابقة, المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الاجنبي وضد الانظمة العنصرية وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير, كما كرسه ميثاق الامم المتحدة والاعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي…
وقد وقعت منظمة التحرير الوطنية الفلسطينية على هذه المعاهدة المتعددة الاطراف والتي ساهمت بفعالية في انشائها مع الدول الاخرى اشخاص القانون الدولي.
وقد دعيت منظمة التحرير الفلسطينية مرات عديدة من قبل منظمة اليونسكو لاعداد قواعد عامة لتنظيم العلاقات الثقافية بين الدول, حيث دعيت في ايار 1975م, وفقا للقرار المرقم 997 ث/1 , 1/4, إلى الاشتراك في المؤتمر الدولي من أجل اعتماد اتفاقية بشأن الاعتراف بدراسات التعليم العالي وشهاداته في البلاد الاوربية والعربية للبحر المتوسط (1976م), كما دعيت للاشتراك في اجتماع اللجنة الخاصة للخبراء الحكوميين لاعداد مشروع توصية بشأن صيانة الاحياء والمدن والمواقع التاريخية, وذلك بموجب القرار (97 م ث / 1/ 3/ 4/ 1975م), كما دعيت إلى عدد من المؤتمرات الاخرى للمساهمة في وضع قواعد جديدة, مما يدلل على ان منظمة التحرير الفلسطينية اصبحت تتمتع إلى مدى بعيد بصفات الشخص في القانون الدولي.
نستطيع القول بعد هذا العرض لشخصية الامة المناضلة بان عدم شمول المواد (34, 38) الامة المناضلة من اجل استقلالها وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي (منظمة التحرير الفلسطينية), ادعاء لايصمد امام الحقائق التي عرضناها وعليه فأن اي اتفاق من وراء ظهر الشعب الفلسطيني بين اية جهات دولية لا يمكن بالشرعية بدون ان يحظى بشكل صريح وخطي بمواقفة الشعب الفلسطيني.
وتقضي المادة (29) من قانون المعاهدات بما يلي:
((مالم تظهر نوايا اخرى من المعاهدة, او تكون موضوعية بشكل اخر فإنها – أي المعاهدة – سوف تكون ملزمة لأطراف المعاهدة فيما يتعلق بجميع اراضيه…, ويعني ذلك ان الموقعين على اية معاهدة ثنائية كانت ام متعددة الاطراف لا يستطيع مد آثار معاهداتهم على اراضي او اقاليم دول او شعوب لا تمت بصلة لأقاليمهم التي يمكن ان تتأثر بالمعاهدة سلبا ام ايجابا, فلا يمكن لمعاهدة الصلح ان تمتد بآثار احكامها على اراضي الشعب الفلسطيني او ان تمس الاراضي المحتلة لأية دولة عربية. اذ, على الرغم من عدم شرعيتها, كما وضحنا سابقا, تبقى محصورة في نطاق الدول التي وقعت عليها, وهذه قاعدة هامة في القانون الدولي, حيث لا تستطيع الدول ان تحمل اراضي او اقاليم دول او شعوب اخرى التزامات لا دخل ولا ارادة لهم فيها. كما فعلت قبل اتفاقية حلف الاطلسي التي حددت نطاق احكامها لتشمل اراضي واقاليم لا تعود للدول الموقعة على اتفاقية حلف الاطلسي, حيث شملت اراضي خارج نطاق المحيط الاطلسي الذي يعتبر مجالا لاعمال المعاهدات ووفقا لأحكام المادة (52), ((تعتبر المعاهدة باطلة اذا تم عقدها تحت التهديد باستخدام القوة او استخدامها بشكل يعد خرقا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الامم المتحدة)), وقد اصبح من المتفق عليه فقها وعملا ان المعاهدة التي تعقد بهذا الشكل في الوقت الحاضر تعد باطلة)), وكما اشرنا من قبل فقد حرم ميثاق الامم المتحدة في (م2, ف4), اللجوء إلى استخدام القوة او التهديد بها لفرض ارادة دولة على دولة اخرى. ويعتبر احتلال اراضي الغير ثمرة محرمة من ثمرات العدوان, وبالتالي فأن عقد الاتفاقيات بين الكيان الصهيوني والنظام المصري تحت ظل الاحتلال, الذي يعتبر استمرارا للعدوان يشوه ارادة الجانب المصري بعين الرضا, ويجعل هذا الجانب في موقف الضعيف الذي يستجيب تحت ظل الاحتلال لإرادة الطرف القوي المتمثل بإسرائيل, المدعمة بقوتها وقوة الولايات المتحدة, لذلك فأن هذا الاتفاق وبموجب منطق هذه المادة يعتبر باطلا.
وقد طرحت بلدان العلم الثالث امام مؤتمر فينا الضغط الاقتصادي والسياسي كعنصر ضغط يؤثر على ارادة الطرف الضعيف وادخاله ضمن عيوب الرضا, وقدمت المشروع (19دولة هي, افغانستان, الجزائر, بوليفيا, الكونغو برازافيل, غانا, غينيا, الهند, ايران, كينيا, الكويت, باكستان, سيراليون, سوريا, مصر, تانزانيا, يوغسلافيا, وزامبيا… , لكن الدول الغربية وقفت موقف المعارض السياسي من ذلك , واعتبر ممثل الولايات المتحدة الامريكية ان الموضوع يتدرج ضمن الامور السياسية التي تجب الابتعاد عنها, والا فأنه سوف يؤثر على قانون المعاهدات. وقد رد ممثل الجزائر على معارضي ادخال الاكراه الاقتصادي والسياسي ضمن عيوب الرضا أن (الضغط الاقتصادي يتخذ اشكالا عديدة, وتعتبر اثاره على الضحية العدوان بمستوى التهديد باستخدام القوة او استخدامها. وانه من نافلة القول ان عهد الكولونيالية قد انتهى او اوشك على الانتهاء. ولكننا لا نعالي اذا قلنا ان بعض الاقطار لجأت إلى وسائل جديدة اكثر مكرا تتلاءم وطبيعة العلاقات الدولية الحالية في محاولة منها لإدامة الاستعمار. ان الضغط الاقتصادي, والذي نرى فيه استعمارا جديدا, قد اضحى ظاهرة في العلاقات ما بين الدول الاستعمارية والدول النامية, ولا يعتبر الاستقلال السياسي هدفا بحد ذاته, بل يمكن اعتباره خدعة ان لم يكن مدعما بالاستقلال الاقتصادي الحقيقي…
وعندما تعذر ادخال هذا التعديل قرر المؤتمر اصدار اعلان يلحق بالمعاهدة ويعتبر جزءاً منها يدين الضغط الاقتصادي والسياسي بغية اجبار الدول الاخرى على التوقيع معاهدة لا يملك فيها الارادة الحرة الحرة للتوقيع…
ولابد لنا في النهاية من تسليط الضوء على الضغط السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها مصر منذ ثورة يوليو حتى توقيع رئيس النظام المصري على اتفاقية السلام فقد تعرضت مصر إلى ضغوط اقتصادية كبيرة منها على سبيل المثال ضغط الولايات المتحدة على صندوق التنمية والاعمار الدولي في عدم تمويل بناء السد العالي, وايقاف اتفاقية تقديم الحنطة إلى مصر عام 1965م, بعد رفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تغيير سياسته التحررية والاستجابة لإرادة الاستعمار الامريكي. لذلك رفضت الدول الاستعمارية ادخال الضغط الاقتصادي والسياسي ضمن العوامل التي تؤثر على ارادة الدول لكي تبقى حرة في اللجوء إلى مثل هذه الوسائل غير المنظورة, ولا سعنا غير الاتفاق مع رأي القاضي (بايلونيرفو), حول الصيد في المياه الاقليمية الايسلندية , حيث اوضح وسائل الضغط الاستعماري: يقول القاضي المذكور وهو يشير إلى نص المادة (52), (ان الدول الكبرى تستطيع استخدام القوة والضغط ضد الامم الصغيرة بوسائل متعددة, منها اصرارها بالطرق الدبلوماسية على رايها الذي يؤخذ به في النهاية, او مثلا وجود قطع البحرية الملكية البريطانية داخل مناطق ولاية الدول الاقليمية يمكن اعتباره عامل ضغط, ومثل هذه الحقائق معروفة من قبل الاساتذة والقانونيين والدبلوماسيين المطلعين على دخائل العلاقات السياسية الخارجية بين الدول اذ يكفي ان تبعث الدولة القوية بمذكرة إلى حكومة الدولة الصغيرة لتحقيق نفس الهدف والاثار التي ينطوي عليها التهديد باستخدام القوة او استخدامها).
وهناك ضغط سياسي لايمكن البرهنة عليه عن طريق ما نسميه بالأدلة الموثقة, ولكنه في الواقع حقيقة لا تقبل الجدل, حيث أدت مثل تلك الضغوط إلى توقيع معاهدات كثيرة عرفها تاريخ العلاقات الدولية.
الخاتمة:
ان مبدأ حرية التعاقد في القانون الدولي والذي ساد لفترة طويلة من الزمن حيث استطاعت الدول الاستعمارية ان تفرض ما تشاء من معاهدات مذلة وغير متكافئة على الدول الضعيفة قد زال ولا يمكن ان ينسجم مع قواعد القانون الدولي المعاصر. وبالرغم من وجود مدافعين في صفوف الفقهاء الغربيين عن هذا المبدأ … الا ان هناك قواعد لا يمكن الخروج عليها من قبل اية دولة, كما اوضحنا في سياق بحثنا من قبل. مثال ذلك القواعد الامرة في القانون الدولي خصوصا قواعد ميثاق الامم المتحدة, كما ان الدول لا تستطيع ان تتصرف بحرية مستخدمة ضغوطها المختلفة على الدول الاخرى بغية اجبارها على توقيع معاهدات غير شرعية, حيث حرم قانون المعاهدات ذلك واعتبره من العيوب التي تشوب ارادة الدولة وبالتالي تعتبر باطلة, كما ان الدول لا تستطيع ان تشمل بأحكام معاهداتها دولا وشعوباً اخرى بدون الرضا الصريح للطرف الثالث الذي لم يوقع على المعاهدة. من كل ما تقدم نستطيع القول: ان الاتفاقيات التي عقدها السادات مع بيغن جاءت مخالفة ليس لإرادة الامة العربية والانسانية والتقليدية فحسب, بل مخالفة لقواعد ميثاق الامم المتحدة وقانون المعاهدات, لذلك فهي باطلة ولا تلزم الشعب العربي الفلسطيني او الشعب العربي المصري.