بعد 57 عاما من منع نشرها .. 181 وثيقة سرية بأوراق عبد الناصر الشخصية عن أسرار الوحدة المصرية –
نبيل سيف
فى 14 يناير عام 1958، وحينما كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر برفقة الرئيس الإندونيسى أحمد سوكارنو بالأقصر، وصلت مطار القاهرة طائرة سورية بدون إذن تقل 20 ضابطا، توجهوا مباشرة للقاء المشير عامر وأخطروه أن سوريا مقبلة على كارثة، حيث تتنازع 4 أحزاب على الحكم، والخوف أن ينقض الشيوعيون عليها، وأن الجميع اتفقوا على الحل الوحيد لإنقاذ سوريا وهو طلب الوحدة من جمال عبد الناصر.
وفى اليوم التالى التقى بهم عبد الناصر ودار الحوار التالى:
الضباط: لقد توصلنا إلى حل، وهو الوحدة.
عبد الناصر: ما رأى الحكومة ورئيس الجمهورية شكرى القوتلى؟
الضباط: أرسلنا وفدا له، وهو لم يوافق على الوحدة إلا برضاء الجيش.
عبد الناصر: لا يمكن القبول بهذا لأنكم لستم حكومة سوريا، وحتى لا تتم الوحدة عاطفيا بهذا الشكل، لأنها تحتاج إلى 5 سنوات، ومن الأفضل أن نبدأ بوحدة عسكرية وسياسية وثقافية، وأخيرا النواحى الدستورية، لكننا إذا قبلنا الوحدة مباشرة فستقابلنا صعاب وعلى الفور، حضر شكرى القوتلى إلى مصر فى 26 يناير 1958 ومعه طلب الوحدة، التى تم إعلانها، لكن بعد 3 سنوات وتحديدا عام 1961 انهارت الوحدة بين مصر وسوريا بانقلاب عسكرى، وأصبحت الوحدة تاريخا يذكر سنويا تحت عنوان “حدث فى مثل هذا اليوم”.
واليوم وفى عام 2016 وبعد 57 عاما من توقيع الوحدة بين مصر وسوريا، و54 عاما من انهيارها، تكشف هدى عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل النقاب عن وثائق ومستندات الوحدة بين مصر وسوريا، والتى عثرت عليها فى أوراق والدها الشخصية، لتستعد لإصدارها فى الجزء الرابع من سلسلة كتبها عن الأوراق الشخصية لعبد الناصر لتكشف وللمرة الأولى عن 181 وثيقة فى أوراق والدها عن كواليس وأسرار الوحدة بين مصر وسوريا لم تنشر من قبل، وذلك بالتعاون مع ناشر سلسلة أوراق عبد الناصر الشخصية وهى المكتبة الأكاديمية ABC، والتى يرأسها الناشر المعروف الأستاذ أحمد أمين الذى خص الكلمة بتلك الوثائق التى صدرت قبل أيام.
على مدار 181 وثيقة بخط يد عبد الناصر، بخلاف الصور التى تنشر للمرة الأولى فى التاريخ، تتفجر عدة مفاجآت وأسرار فى قصة بداية ونهاية الوحدة بين مصر وسوريا قبل 57 عاما، الأولى أن عبد الناصر أيقن أن الوحدة تمت بانقلاب عسكرى فى سوريا، لأن الضباط أرسلوا 20 ضابطا لشكرى القوتلى للموافقة على الوحدة، وبعد أخذ ورد وافق شكرى القوتلى بشرط موافقة الحكومة.
والثانية أنه بعد شهر من قيام الوحدة بدأ الترتيب لأول انقلاب فى سوريا، واتضح هذا من إجراء اتخذة عفيف البزرى، بنقلة بعض الضباط الشيوعيين فى مناطق معينة، ثم احتك بالمشير عامر وقدم استقالته.
والثالثة أنه بعد شهر ونصف الشهر من الوحدة بدأ كل واحد فى سوريا يستعد لعمل انقلاب، لأنه يرى أن الوحدة فرضت عليه من الجيش، حيث بدأت العناصر التى طلبت الوحدة كل منها تريد استخدام الوحدة لتحقيق أهدافها، الرأسماليون، والبعثيون، ورجال الجيش أيضا، وقد رفض عبد الناصر أن تكون الوحدة مطمعا أو مغنما لأى كان.
والخامسة أن الثلاث سنوات ونصف السنة – مدة الوحدة – كانت مليئة بالصعاب لدرجة أن عبد الناصر قال نصا فى إحدى وثائق الكتاب:”أنا إذا تقدمنا خطوة للأمام رجعنا خطوات إلى الخلف، وأضاف الوحدة فى عهد صلاح الدين الأيوبى استمرت 4 سنوات فقط “.
وتكشف الوثائق عن ضراوة الصراع مع الشيوعية فكريا وعمليا أثناء الوحدة، فيخط جمال عبد الناصر بقلمه مذكرة عن الشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة، ويصدر توجيهات للصحافة للرد على الحملات من الصحف والأحزاب الشيوعية، لدرجة أن الوثائق تكشف للمرة الأولى كيف فضح عبد الناصر علاقة الحزب الشيوعى فى العراق بالنفوذ البريطانى؟! وكيف تحولت العلاقات مع العراق إلى المواجهة، فيكتب عبد الناصر كما فى إحدى الوثائق الحصرية توجيهات حول العمل السياسى فى العراق.
أخطر ما تكشفه الوثائق أيضا أن الاستعمار لم يترك قيام الوحدة بسلام، بل وصل حد احتلال القوات الأمريكية للبنان، والقوات البريطانية للأردن، غداة قيام ثورة 14 يوليو 1958 بالعراق،حيث تكشف وثائق بخط ناصر توجيهاته للإعلام لمواجهة دعاية الأردن وتونس ضد الوحدة، واستنكار استمرار حشد القوات الأمريكية فى لبنان والقوات البريطانية فى قبرص.
الوثائق تكشف أيضا كيف كان جمال عبد الناصر يفكر، وما معتقداته الدافعة وراء سياسته الاقتصادية والاجتماعية، وأهم ما فى هذا كله أن تلك الأوراق كتبها بنفسة ولنفسة وبخط يده.
وأيضا خط عبد الناصر بقلمه بعض ما كان يريد أن يحققه للجمهورية العربية المتحدة فى مختلف المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكتب عن الأزهر والمتاحف، والمراكز الثقافية، وإلخ.
موقف عبد الناصر من الشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة
يكتب عبد الناصر بخط يده فى إحدى الوثائق تقدير موقف عن “الشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة ” قائلا “: إن الشيوعيين يتبعون سياسة معادية للحكومة فى الجمهورية العربية المتحدة، سواء فى الإقليم الجنوبى أم الشمالى، وتتلخص هذه السياسة فى استغلال العلاقة مع الاتحاد السوفيتى، لتوسيع نشاط الحزب الشيوعى فى مصر وسوريا، وتأييد السياسة الخارجية، والتأكيد على صداقة الاتحاد السوفيتى.
ويضيف ناصر: أنهم يواجهون القومية العربية بحرب مضادة،كخلق القومية الكردية، والبعد عن فكرة القومية إلى فكرة الوطنية.
وكتب أيضا العمل لمواجهة الموقف، وضرورة كشف نشاط الشيوعيين، والحصول على معلومات عنهم، ومواجهة هذا النشاط بنشاط من الاتحاد القومى على مدى واسع مركز، وكذلك عمل منشورات لكشف خططهم ضد القومية العربية والعمل للشيوعية الدولية.
تدهور العلاقات بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق
تكشف الوثائق وللمرة الأولى، أن وفدا جاء إلى جمال عبد الناصر من العراق بعد قيام ثورتها بـ 3 أيام أى فى 17 يوليو 1958 برئاسة عبد السلام عارف، الرجل الثانى فى الثورة، الذى طلب توقيع ميثاق دفاع مشترك، ووقع الميثاق كما طلبوه، على أن يكون عسكريا واقتصاديا وثقافيا،كما طلبوا سلاحا وذخيرة، وكان لدى مصر من غنائم قاعدة قناة السويس من الأسلحة البريطانية، ما يصلح للجيش العراقى.
وحينما بدأت السفن تتحرك من السويس إلى اللاذقية، تحمل الذخيرة إلى العراق، وكانت سيارات الجيش العراقى وسيارات الجيش الأول السورى تصنع خطا متصلا لا ينقطع من اللاذقية إلى بغداد! كما طلب العراقيون طيارات ليكونوا تحت تصرف القيادة فى بغداد، وطلبوا شبكة رادار، وكل ذلك وصلهم على الفور، دب الخلاف بين عبد الكريك قاسم وشريكه فى الثورة ونائبة عبد السلام عارف واشتعلت الغيرة بينهما، وقال قاسم: إن عبد السلام عراف ينسب الثورة لنفسه، لأنه هو الذى قام بتنفيذها، وينسى فى ذلك أننى قائد الثورة.
ومن الوثائق أيضا التى يكشف عتها النقاب للمرة الأولى وثائق “الصراع فى حلب بين البعثيين والإخوان المسلمين”، وتنظيم مكتب الرئيس فى الدولة الجديدة، ووثائق مؤامرة الانفصال كاملة بخط عبد الناصر، والمحاضر السرية لاجتماع رؤساء الحكومات العربية فى 22 إلى 29 يناير 1955.
رابط لتحميل الكتاب
https://drive.google.com/file/d/1pjnwpOw-91K99wCK8W8D4c-XlTaf99UU/view?usp=sharing