نقلا عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني
28 فبراير 2018
حدّدت الهيئة الوطنية للانتخابات الرئاسية المصرية يوم السادس عشر من آذار ـ مارس المقبل، موعدًا لانطلاق الانتخابات خارج مصر، فيما جعلت يوم السادس والعشرين من الشهر نفسه، موعدا لانطلاقها داخل البلد. وتأتي هذه الانتخابات في ظل حالة من الضبابية التي تكتنف المشهد السياسي؛ بالرغم من كونها استحقاقات محسومة سلفا، لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي، في ظل غياب أي منافس حقيقي.
وقد واكب هذا الإعلان عن الجدول الزمنى لتلك الانتخابات؛ تمديد الرئيس في الثاني من يناير الماضي، لحالة الطوارئ إلى ثلاثة أشهر أخرى؛ مما عبد الطريق لأجهزة السيسي للاستمرار في فرض رقابتها على الإعلام، وفي استمرار حظر الجمعيات والتنصت على المواطنين والتضييق على حرياتهم بقوة “القانون”. دون أن ننسى استعداد الآلة الإعلامية –الرسمية وغير الرسميةـ لشن حملة دعم قوية للرئيس؛ لتجميل صورته، وتضخيم ما حققه من إنجازات خلال السنوات الأربعة الماضية. ورغم صورية تلك الانتخابات؛ إلا أنها محطة كاشفة لكل أطراف المعادلة، والتي تتشكل من ثلاثي الرئيس، والمعارضة، والجيش.
وتتأرجح تحركات الرئيس الحالي حيال هذه المحطة الانتخابية بين نموذجين: نموذج “بوتين”، الرجل القوي المسيطر الذي لا يعير أدنى اهتمام لما يقال عنه في الخارج، ونموذج “مبارك” ذاك الرجل الذي كان حريصًا على إظهار ملامح ديمقراطية صورية أمام عدسات الصحافة الغربية. وقد بدا هذا التأرجح جليا في التحضير لهذه الانتخابات الرئاسية، إذ ما أن أعلن الفريق “أحمد شفيق” نيته للترشح؛ حتى أُصيبت الأبواق الإعلامية الموالية للنظام؛ بالسعار، فشنت حملة هوجاء على الرجل، وصلت إلى حد اتهامه بالخيانة. بل إن الأمر تعدى المجال الداخلي؛ لتشارك أطراف خارجية في تلك الحملة الشرسة، فقد أصدرت الإمارات –حليف السيسي الأبرزـ قرارًا بطرد “أحمد شفيق” من أبو ظبي في اتجاه مصر، لتتلقفه المخابرات العامة المصرية هناك، ويختفي قسرًا ـ وفقا لتصريحات محاميته، ثم ما لبث أن ظهر من جديد؛ وما أن فاجأ الجميع بعدوله عن الترشح لمنصب الرئاسة! حتى توقفت الأبواق الإعلامية عن مهاجمته، بل إنها صار ت تكيل له المديح باعتباره رجلا وطنيا مخلصا لبلده!
ولم يكن أحمد شفيق آخر الخصوم الذين تتم إزاحتهم، بل إن الأمر استمر ضد كل من فكر في منافسة “السيسي”. فما أن أعلن رئيس أركان الجيش المصري الأسبق ـ الفريق سامي عنان ـ عن نيته للترشح؛ حتى أصدر الجيش المصري بيانا يتهمه فيه بمحاولة الوقيعة بين الجيش والشعب، فضلا عن اتهامه بالتزوير في محررات رسمية (باعتبار أنه لم يحصل على إذن ترشح من القوات المسلحة)، وماهي إلا سويعات قليلة بعد صدور البيان؛ حتى أصبح الرجل مختفيا عن الأنظار، بعدما تم القبض عليه بصورة مهينة في الشارع، واقتيد إلى مكان غير معلوم، على حد تعبير رئيس حملته الانتخابية.
وبعد أقل من أسبوع تعرض المستشار هشام جنينة ـ الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات ونائب الفريق عنان ـ إلى اعتداء وحشي أمام منزله؛ مما استوجب نقله إلى العناية المركزة، لتتعالى الأصوات الغاضبة المستنكرة للحادث على صفحات التواصل الاجتماعي، وهي توجه أصابع الاتهام إلى أيادي النظام.
هذا التنكيل بالفريق “سامي عنان” وفريق حملته دون النظر لمكانته العسكرية باعتباره رئيسا سابقا لأركان الجيش المصري، دفع المحامي الحقوقي “خالد على” ـ المرشح المُحتمل، إلى وصف المشهد بالتمثيلية، وإلى الإعلان عن انسحابه وتراجعه عن خوض غمار تلك الانتخابات، رافضا أن يكون مجرد ديكور فيها، خاصة وأنه كان متهما في قضية عبثية.
وهكذا فإن إطاحة السيسي بمنافسيه المحتملين الواحد تلو الآخر، جعلت تلك الانتخابات أقرب إلى الاستفتاء، استفتاء على مرشح واحد أوحد، لا يحتاج إلا للحصول على خمسة بالمئة من أصوات الكتلة التصويتية.
وأمام هذا الوضع المشين، شرع النظام في تطبيق نموذج “مبارك“، حيث حاولت أجهزة الدولة تدارك الأمر؛ لتلميع المشهد السياسي، فبدأت البحث عن مرشح على المقاس، لينافس الرئيس شكليا في هذه الانتخابات، ولم يكن البحث مضنيا، إذ سرعان ما غرد مصطفى بكري ـ الصحفي المقرب من الرئاسة، بالقول:“السيسي لن يخوض الانتخابات وحيدا“، وانتعشت كواليس التفاهمات، مما أدى إلى اتفاق مع حزب الوفد، يتم بموجبه تقديم رئيسه “سيد البدوي”، مرشحا منافسًا للسيسي، وفعلا، أعلن الرجل عن استعداده لخوض المعركة الانتخابية. لكن، وفي مفاجأة غير متوقعة، أعلنت الهيئة العليا لحزب الوفد اعتراضها على هذا الترشح المريب. وهكذا عاد النظام إلى نقطة الصفر، ليجد ضالته من جديد في شخص “موسى مصطفى موسى” رئيس حزب الغد الذي يعد من الأحزاب الموالية للسيسي. وبالفعل، فقد أعلن المنافس الورقي الجديد عن رغبته في الترشح.
وبعيدا عن اسم المرشح الحاضر الغائب، فالمؤكد أن تتبع العملية الانتخابية برمتها، والنظر إلى كيفية تدبير السلطة لها، يشي بقدر من التخبط الذي لا يمكن للعين إغفاله، فإذا كانت الإطاحة بالمرشحين الأقوياء مثل: شفيق، وعنان، لها ما يبررها؛ فإن التضييق على المنافسين أصحاب الفرص شبه المنعدمة، مثل: خالد على، يبدو أمرا غير مفهوم، ولا يمكن تفسيره إلا بسببين: إما أن هناك أجنحة مختلفة داخل النظام، تتحرك بلا تنسيق، أو أن الرئيس نفسه لا يعرف أي النموذجين ينبغي اتباعه بالتحديد، أ يتبع نموذج بوتين، أم نموذج مبارك.
وفي كلتا الحالتين، يجب أن نسلم بأن الحكم الاستبدادي للسيسي كان دائما، يستفيد من التناحر الداخلي الذي تتميز به المعارضة المصرية، فقد أظهرت بعض القطاعات عداءها للسيسي، سواء بشكل علني، كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين ـ التي صارت حاليا تعمل في السر ـ أو مع اليسار المصري ورجال الأعمال المؤثرين الذين سئموا من اعتداءات الجيش على أعمالهم.
فكما ذكرنا من قبل، ما أن أعلن المحامي الحقوقي الشهير “خالد علي” نيته في الترشح للرئاسة، حتى تعرض للهجوم من كل حدب وصوب، سواء من جانب الأبواق الإعلامية الموالية للنظام ـ وهو ما كان متوقعاـ أو من جانب أطراف عدة من المحسوبين على تيار المعارضة، والذين يمكن توزيعهم إلى أربعة قطاعات:
الفصيل الأول الرافض لترشح خالد عالي، إذ هناك قطاع واسع ممن اصطلح على وصفهم بـ “القوى الثورية“، والذي بالرغم من تهكمهم على فكرة التغيير عبر الصناديق الانتخابية؛ إلا أنهم لم يقدموا أي بديل، ولم يطرحوا أي رؤية عن آليات التغيير المنشود، وقد عبروا على وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من ترشح خالد علي للرئاسة ساخرين منه، لكونه ارتضى لنفسه القيام بدور الكومبارس أمام السيسي، وفي ذلك خيانة لمبادئ الثورة!
أما الفصيل المعارض الثاني فهو اليسار، وهنا تكمن المفارقة، فهذا التيار كان من المفترض فيه أن يكون من أشد داعمي ممثله خالد علي، إلا أن العديد من اليساريين رفضوا دعم مرشحهم اليساري، لينفضح أمرهم، ويدرك المتتبعون بأن التيار اليساري المصري ليس سوى تيار منقسم الجسد، لا قدرة له على إزعاج النظام.
وأما الناصريون فقد وجدوها فرصة لتصفية حساباتهم مع خالد علي وأنصاره عقابا لهم على هجومهم السابق على القيادي الناصري “حمدين صباحي” الذي قبل الترشح أمام السيسي في انتخابات 2014، تلك التي وصفت حينها، بالمهزلة. والمدهش أن “حمدين” أعلن شخصيا، دعمه لخالد، إلا أن الناصريين كانوا أكثر ملكية من الملك، وظلوا على موقفهم منه! وهكذا فشل خالد علي في توحيد المعارضة، أو بتعبير أكثر دقة، المعارضة هي التي فشلت في الاتحاد ضد السيسي.
في ما يخص الجيش، فقد ظل يحكم لعقود طويلة بالوكالة (ناصر– السادات –مبارك)، فجميعهم رغم كونهم ضباطا بالأساس، إلا أنهم مارسوا الفصل بين الرئاسة والجيش، حيث تظل الدبابة في خلفية المشهد، دون التورط المباشر في تفاصيله. وقد ارتاح الجميع لتلك المعادلة، حتى مع توسع الجيش في النصف الثاني من عهد مبارك في مشاريعه الاقتصادية، والتي لا يمكن الجزم بحجمها أو دقة حصتها من السوق.
وبالرغم من كل هذا، فإن السيسي اتبع في الحكم نموذجا مغايرا لمن سبقوه، تتحرك فيه المؤسسة العسكرية من خلفية المشهد لصدارته، ويصبح الجيش هو الحاكم المباشر، دون الاكتفاء بدور الشريك الخفي، فالسيسي يؤمن بأن شراكة الجيش هي الضامن لبقائه في الحكم، فضلا عن أهميتها للحفاظ على استقرار البلاد.
لكن السؤال هنا، هل ذلك الدور الجديد يصب في صالح المؤسسة العسكرية أولا، وهل بإمكانه أن يساعد على استقرار البلاد ثانيا، خاصة مع بدإ تسرب أخبار (لا يمكن الجزم بصحتها) عن وجود صراع بين جهازي المخابرات الحربية والعامة، أفضى إلى الإطاحة برئيس المخابرات العامة؛ ليتولى عباس كامل مدير مكتب الرئيس، شؤون الجهاز بنفسه، قبل أيام من فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية. ورغم أنه ولحد الآن، لا توجد أنباء عن أي انقسامات داخل الجيش، إلا أن إعلان ثلاثة ضباط دفعة واحدة ولأول مرة، عن رغبتهم في مواجهة الجنرال السيسي، هو أمر لا يمكن إغفاله، وهو ما انتبه إليه المجلس العسكري الذي قرر الرد بكل حسم على تلك المحاولات، تجنبا لأي انعكاسات قد تؤدي الي ارتباك لا يمكن السيطرة عليه داخل الجيش.
ختاما، وعلى الرغم من أننا سنشهد انتخابات محسومة سلفا، وأقرب ما تكون مجرد تحصيل حاصل، فإن السيسي يبقى برغم كل ذلك، الطرف الأقوى والأقدر على السيطرة، وسحق الخصوم، مادام يحظى بدعم غير مشروط من الرياض وأبو ظبي، ناهيك عن التناغم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي يصل إلى حد الصداقة بينهما. دون أن ننسى إحكام الرجل لقبضته الحديدية على الشارع المصري، بل وحتى على الأجهزة الأمنية ذاتها، حيث أقصى منها أغلب المناوئين له، كما أنه كان المستفيد الأول من التناحر بين معارضيه من الديمقراطيين والإسلاميين والانقسام الداخلي داخل كل فريق منهم. كل هذا ساهم بقوة في دعم موقفه وتثبيت دعائم حكمه. وختاما، وحتى إشعار آخر، يبدو جليا أن السيسي هو اللاعب الواحد الأوحد الوحيد حاليا، في ساحة المشهد المصري.
تعليقات توماس باركر حول مقال ماجد عاطف بعنوان “الانتخابات الكاشفة وسياسة ‘فرق تسد’”

03/21/2018
أود أن أشكر السيد ماجد عاطف على مقاله الراقي حول الانتخابات المصرية المقبلة. لقد قرأته عدة مرات بمتعة واهتمام بالغين بما أن مصر هي إحدى أهم دول العالم بأسره، وليس العالم العربي فحسب. تتخطى تعليقاتي هنا نطاق التحليل الذي قدمه عاطف، حيث تهدف إلى استشراف خيارات السياسة الأمريكية وإلى مستقبل مصر السياسي على المدى الطويل.
إن مقاربة الولايات المتحدة المثلى حيال هذا النوع من الانتخابات الأقل من ديمقراطية التي تديرها حكومات صديقة على غرار الحكومة المصرية دائمًا ما تطرح معضلات على صعيد السياسات.
أولًا، لا تريد الولايات المتحدة أن تقوّض علاقاتها مع زعيم سياسي مثل الرئيس السيسي الذي سيبقى في السلطة. لذا لا بدّ من التساؤل عن جدوى انتقاد عملية انتخابية نتيجتها مؤكدة.
ثانيًا، قد يكون لدى الولايات المتحدة أولويات أخرى غير الحوكمة المحلية. والأكثر إلحاحا الآن، هو أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تعاون مصر في مسألة كوريا الشمالية بما أن القاهرة اشترت أسلحةً كورية الصنع وسمحت لدبلوماسيين من كوريا الشمالية باستخدام سفارتهم في مصر كقاعدة للمبيعات العسكرية في المنطقة. وبما أن كوريا الشمالية توشك على امتلاك القدرة على تدمير مدن في أمريكا الشمالية، يُعتبر عزلها من أبرز اهتمامات الولايات المتحدة.
ثالثًا، يتحدث البعض في الولايات المتحدة في المجالس الخاصة عن شكوك حول ما إذا كانت أي انتخابات ديمقراطية حقيقية تجري في العالم العربي في ظل الظروف الحالية. فهل من المحتمل ألا يؤدي إجراء انتخابات حرة إلى انتخاب الأحزاب الدينية المستبدة المعادية للولايات المتحدة والأكثر قمعًا من الأنظمة التي تحل محلها؟ هذا ما حصل في مصر مع جماعة “الإخوان المسلمين” عام 2013 وحركة “حماس” عام 2007 في قطاع غزة. قد يعتبر البعض أنه لن تتمّ إعادة انتخاب هذه الأنظمة الدينية الأوتوقراطية، لكنها حتمًا نادرًا ما تمنح المعارضة السياسية فرصةً عادلة لاستعادة السلطة من خلال صناديق الاقتراع.
ما الذي بإمكان الولايات المتحدة فعله؟
رغم هذه الاعتبارات، فإن الولايات المتحدة قادرة وتقوم عادةً باستخدام الدبلوماسية الخاصة لحث الأنظمة الصديقة على تجنب التكتيكات المجحفة للغاية خلال هذه الانتخابات المنسقة. فعلى سبيل المثال، تقوم الحكومات الأمريكية والأوروبية بشكل شبه مؤكد بحضّ السلطات المصرية على تجنب العنف الجسدي مع المرشحين. فما من عذر للاعتداء العنيف الذي تعرض له المستشار هشام جنينة، وهو الرئيس السابق لـ “الجهاز المركزي للمحاسبات” ونائب الفريق عنان، ونُقل على أثره إلى العناية الفائقة، كما نقل السيد عاطف.
على الجيش البقاء بعيدًا عن الأنظار
أشار السيد عاطف إلى نقطة مفيدة تمثلت بخطر آخر يتنامى ويهدد الاستقرار السياسي. فبرأيه، أصبح الجيش المصري مسيطرًا أكثر فأكثر على الاقتصاد المصري، ولم يعد يسعى إلى الاضطلاع بدور الشريك السياسي المتخفي. عوضًا عن ذلك، تبدو شراكة الرئيس السيسي مع الجيش جليةً للبلد بأسره.
ومن شأن هذا الأمر أن يعزز قبضة الرئيس على السلطة على المدى القصير، لكنه قد يهدد الاستقرار السياسي المستقبلي. فالاستياء من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد ينعكس بسهولة سلبًا على الجيش نفسه. وكلما بقي على الحياد، كلما خفت حدة النزاع وازدادت قدرة البقاء.
لمَ يجب أن تكون ولاية الرئيس السيسي التالية هي الأخيرة
ثمة خطر محتمل آخر يهدد الاستقرار السياسي في مصر. فقد كان عدد من النواب والوجوه الإعلامية الموالين للحكومة يطالبون بتعديل الدستور للسماح للرئيس بالبقاء في السلطة لأكثر من ولايتين تمتد كل منهما على أربع سنوات. وقد قال الرئيس السيسي عبر قناة “سي أن بي سي” التلفزيونية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 إنه لا يؤيد هذا الاقتراح مؤكدًا أنه “مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما أربع سنوات ومع عدم تغيير هذا النظام… لن نقوم بتعديله”. لكن في وقت لاحق من المقابلة، بدا أنه يحتفظ لنفسه بهامش مناورة حيث أشار إلى أنه قد يبقى في السلطة إن كانت هذه “إرادة الشعب”. ويدل ذلك على حملة منسقة يوافق فيها الرئيس على “مطلب الشعب” بالبقاء في سدة الرئاسة لولاية ثالثة لاحقة.
وتعتزم مصر، إلى جانب الصفوة الحاكمة فيها، ضمان أن تكون ولاية الرئيس السيسي الثانية هي الأخيرة. فجزء من المشكلة مع نموذج مبارك هو أن الشعب، وبشكل مفهوم، لا يبقى راضيًا عن أي قائد، بغض النظر عن مدى كفاءته، بعد بقائه لسنوات طويلة في الحكم. وحتمًا كان يمكن تجنيب مصر أعباء الانفجار السياسي الذي اندلع عام 2011 لو كان هناك خلافة منتظمة ضمن الحزب الحاكم. وفي حال أصبح أي زعيم مصري منفرد، بما فيه الرئيس السيسي، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالوضع القائم، من المرجح أن تشهد البلاد انتفاضةً سياسية أخرى.
الخلاصة
يمكن للمرء أن يقول إن الانتخابات الديمقراطية الناجحة غالبًا ما تحتاج إلى الانطلاق من قاعدة صلبة لتحقيق ازدهار اقتصادي وحداثة اجتماعية معتدلين على الأقل. وتُشكل تونس مثالًا، ولو هشًا، على دولة عربية ديمقراطية ترتسم معالمها ببطء بالتزامن مع إحراز تقدم نسبي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وذلك – على عكس الوضع في مصر.
لكن هذا لا يعني أن الانتخابات المصرية هي ممارسة غير صادقة بالكامل. فطالما يمكن لمراقبين شجعان وذوي بصيرة على غرار السيد عاطف تحليلها والتعليق عليها، إذًا هناك أمل بأن نشهد على المدى الأطول تبلور عملية سياسية أكثر حريةً مع تحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية.