يُطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبى الغربى لبلاد الشام، وهى الأرض الواقعة غربى آسيا على الساحل الشرقى للبحر المتوسط، ولفلسطين موقع إستراتيجى مهم، إذ تعد صلة الوصل بين قارتى آسيا، وإفريقيا.(1)
موقع أرض كنعان..
أثبتت الحفائر أن كنعان كانت بين شواطئ البحر المتوسط الشرقية، وصحراء سوريا فى الجنوب، ومن فلسطين الجنوبية إلى أوغاريت رأس الشمرة قرب اللاذيقية.(2)
الكنعانيون هم سكان فلسطين الأصليون، وجاء الكنعانيون من سواحل الخليج العربي من الأطراف الشرقية للجزيرة العربي، وقد حمل الكنعانيون معهم أسماء المدن، والأماكن من بلادهم ألأصلية إلى وطنهم الجديد سوريا (المقصود سوريا الطبيعية – حاليا سوريا لبنان فلسطين وشرق الأردن).
اختلف العلماء في تفسير معنى كلمة (كنعان) فبعضهم ذكر أن (كَنَعَ)، أو (خَنَعَ) كلمة سامية بمعنى الأرض المنخفضة، وقد دعي الكنعانيون باسمهم هذا لنزولهم الأراضي السهلية، واستقرارهم فيها.
والاسم الذي يرجحه قسم كبير من العلماء، وخاصة العرب، أن الكنعانيين سموا بهذا الاسم نسبة إلى جدهم كنعان بن سام ابن نوح عليه السلام.
حضارة الكنعانيين..
كانت المدن الكنعانية في فلسطين خلال الألف الثاني قبل الميلاد (قبل غزو العبرانيين لها)، تعج بمظاهر الحضارة، والاستقرار، فقد مارسوا زراعة القمح والشعير والزيتون والعنب ومختلف أنواع الفاكهة، كما دجنوا الماشية والطيور، حتى وصفت بلادهم بأنها (تفيض لبناً وعسلا )، وقد اقتبس العبرانيون هذا الوصف، وذكروه في التوراة، وكأنه منسوب إليهم.
وكذلك مارس الكنعانيون الصناعة، وصنعوا أسلحتهم من البرونز، والحديد، وصنعوا الفخار، وشيدوا الأسوار، ونسجوا الصوف ليصنعوا منه ملابسهم، واستعملوا الخشب في الأبنية والأثاث.(3)
وقد اُكتشفت، نقوش أبجدية فى جنوب فلسطين، ووسطها، وأقدم هذه النقوش، هى التى عٌثر عليها فى جزر، ولكش، وشكيم. وهى ترجع إلى القرنين السابع عشر، والسادس عشر قبل الميلاد، ولكن لا يزال تفسيرها موضع بحث.
وأقدم الوثائق الأبجدية التى اكتشفت فى فينيقيا، هى وثائق أوغاريت، ولكن هذه مسمارية الطابع، وأقدم نقش فينيقى أبجدى فلسطينى الطابع، هو النقش المكتوب على تابوت أحيرام (ملك صور الفينيقي الذي حكم من 969ق.م. وحتى 936ق.م.)، وصورة الأبجدية التى كتب بها هذا النقش تشبه أبجدية النقوش الفلسطينية شبهاً مباشراً، وفيها أيضاً شبه أبعد بالأبجدية السينائية.
ومن المقطوع به، أن الصورة الفينيقية للأبجدية، هى التى سادت فى العالم السامى، وانتشرت فيما وراءه باعثة الأبجديتين اليونانية، واللاتينية.(4)
اللغة العبرية..
يذكر الباحث اليهودى “إسرائيل ولفنسون”، فى كتابه الصادر عام 1927م، (تاريخ اليهود فى بلاد العرب فى الجاهلية وصدر الإسلام)، أن اللغة العبرية، كانت من أمهات اللغات السامية، فقد كانت شائعة قبل نشوء بنى إسرائيل، وظهورهم فى العالم، إذا كانت لغة أهل فلسطين الكنعانية، ولغة كثير من القبائل فى طور سيناء، وشرق الأردن، وكان من أهم تلك الأمم : بنو أدوم، وعمون، وموآب، وقبائل عماليقية، ومديانية، وإسماعيلية. ثم ظهرت بطون بنى إسرائيل بين هذه الأقوام، فى طور سيناء، وأطراف الحجاز، وانتشرت منها إلى الأقاليم الأخرى، ويقيت هذه اللغة صاحبة السلطان، والنفوذ مدة طويلة، إلى أن ظهر تأثير إحدى اللهجات الكنعانية، وهى “الآرامية”؛ فأخذت اللهجات العبرية، والكنعانية الأصلية تضمحل، مع التغيرات السياسية، إلى أن أصبحت أغلب بطون فلسطين، وسوريا، والعراق، وطور سيناء تتكلم باللغة الآرامية. ثم أخذت هذه اللهجات فى القرن الأول الميلادى تتدهور تدريجياً فى أطراف الجزيرة العربية، وأخذت تنكمش، وتتضاءل أمام اللغة العربية.(5)

فلسطين كجزء من بلاد كنعان..
هناك رأى بأن أقدم تاريخ لفلسطين، يبدأ من 3500 ق.م، بشهادة الحفريات التى قامت بها جمعية إنجليزية هى : The Palestine Exploration Fund، ويرأسها الأستاذ ( مكالستر Macalister )، الذى ذكر أنه قد سكن فلسطين قديماً أقوام غير ساميين، وبرهن على ذلك بما نطقت به الآثار، وشهدت له الرسوم، والأحجار، والحفائر بين عامى 1902، و1905م.( 6)
وفى كتابه “مكتبة التاريخ”، فاجأت إشارات (هيرودوت)، إلى فلسطين، كثيرين من أهل الاختصاص، وحاول بعضهم شرح غياب أية إشارة فى كتاباته إلى يهوذا، وبنى إسرائيل بالقول بأن اهتمامه أنصب فى مؤلفه على الأماكن الرئيسة المتصلة بعهده، وكذلك فى حقيقة اعتماده الكامل على الادلاء الذين كانوا يرافقونه فى ترحاله. لكننا غير قادرين على الموافقة على هذا الاجتهاد؛لأن علماء الكتاب أنفسهم يقولون بأن مملكة داوود، وشلومو امتدت إبان عهدهما لتشمل مجمل الشرق العربى، فلو كان ذلك صحيحاً لما غاب عن هيرودوت الإشارة إليهما؛لأنه ذكر العديد من المماليك القديمة التى كانت مندثرة عند تأليفه الكتاب، (7)، وذلك عندما زار منطقة الشرق العربى فى القرن الأول الميلادي.
أسماء فلسطين القديمة..
أُطلق على فلسطين قديماً، أسماء كثيرة، ولعل أقدمها:(خارو – Kharu)، ويُطلق على الجزء الجنوبى منها، و(رتينو Retenu)، ويُطلق على الجزء الشمالى منها، وقد أطلقهما قدماء المصريين، ثم سُميت البلاد بأرض كنعان. (8)
و”الكنعانيون”، الذين قدموا من جزيرة العرب، ووردت نقوش تحمل ملامحهم على لوح من عهد الملك المصرى( دِن ) – 3175 قبل الميلاد، ويرجع عصره للأسرة الأولى، وكذلك، فى نقوش تسجل انتصارات مصر فى عهد الأسرة الثالثة، فى عصر الملك ( سِمرخت )، نحو 3315 قبل الميلاد.(9)
وفى هذه النقوش يظهر هذا الطراز من الشرقيين الآسيويين، يبين بوضوح البدو العرب، من أصل سامى، والذين يسكنون فى فلسطين، والواحات، والصحارى العربية،
وقد أنشأوا ما يقل عن مائتى قرية ومدينة فى فلسطين، مثل مدن : بيسان، وعكا، وحيفا، وعسقلان، والخليل، وأسدود، وبئر سبع، وبيت لحم . (10)

مُسمى “فلسطين”..
يتم تداول الاسم (فلسطين)، بين المؤرخين، والعلماء، والمؤلفين، على أنه اسم يعود بتاريخه القديم إلى أحد شعوب البحر، الذين غزوا المنطقة فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد (11)، وقد وُجد فى مدينة هابو، من عهد الملك رعمسس الثالث (1182ق.م – 1151 ق.م )، حيث نجد أن القوم الذين يحملونه من شعوب البحر، الذين غزوا مصر وسوريا (12)، وبعد انحصار موجات شعوب البحر، بعد المعارك التى خاضها ضدهم الملك رعمسس الثالث، قام بتوظيف قوم (فلست أوبلست)، كمرتزقة فى جيشه، بعد إلحاقه الهزيمة بهم، وإسكانهم فى قلاع تابعة له تقع على ساحل فلسطين الجنوبى(13)، وعاشوا مع سكان البلاد الأصليين الكنعانيين.
ومن اسم (فلست) جاءت التسمية بالستين ، وقد عَرب العرب اسم (بالستين Palestine)، فنطقوه (فَلِسطين)، ولعل أول إشارة لهذا الاسم كان (بلاستو Palstu)، وأطلقه الملك الأشورى (أداد نيرارى الرابع adadnirari)، فى القرن الثامن قبل الميلاد، حيث أشار بهذا الاسم إلى ساحل فلستيا Philistia، أى ساحل الشام الجنوبى، الذى كان يسكنه الفلستينيون، وأول مرة أطلق اسم بالستين على البلاد، حين صك الإمبراطور (فسباسيان Vespasian) هذا الاسم على نقوده، التى أصدرها عقب الثورة اليهوية عام 70م، وهكذا أعطاها الصفة الرسمية، رغم أن هذه الكلمة كانت تُطلق فى العهد القديم على بلاد البلستيم Pelishtim، أو الفلستينين بمعنى (المنطقة الساحلية جنوب فينقية)، واليونانيون هم أول من سحبوا الاسم ليطلق على المناطق الداخلية(14)، فقد ظهر فى كتب المؤرخ الإغريقى (هيرودوت )، اسم (فلسطين)، لأول مرة دلالة على شعب، ولم يكن يُطلق من قبل إلا على النطاق الذى يمثله الفلسطينينون.(15)
وتؤكد كتب التاريخ، وعلم الآثار، أن العرب أسسوا مدينة (القدس)، قبل ظهور اليهودية، والمسيحية، والإسلام. وبناها اليبوسيون( وهم من أهم عشائر الكنعانيين، عام3000 قبل الميلاد، وأسموها (يبوس).(16)
كان لليبوسيين حصن، هو: ( حصن صهيون )، ومعنى الاسم بالكنعانية، المكان العالى، وقد تحقق من ذلك الأثاريون. وفى التوراة، أن داود فى عام 1000 قبل الميلاد، أحتل هذه المدينة، ومنذ إنشائها، ظلت حتى عام 1000 قبل الميلاد، عربية كنعانية . (17)
وقد نجم بنو إسرائيل من بين القبائل العبرية فى طور سيناء وشمال الحجاز، ثم استولوا على فلسطين، فى نهاية القرن الثالث عشر ق. م.
وفى رسائل تل العمارنة، يطلب الكنعانيون من ملك مصر، أن ينقذهم من هجمات قبائل عبيرو، وكلمة عبري، لا تطلق إلا على من كان من ذرية إبراهيم العبري، ولكن لمَ سمى إبراهيم بالعبري؟
هنا تختلف الأقوال، وتتشعب الآراء، فبعض المستشرقين يرى – اعتماداً على نظرية أحبار اليهود القدماء- أن إبراهيم، إنما عرف بالعبري؛ لأنه عبر النهر، على أننا لا نعلم، أنهر الأردن هو، أو نهر الفرات؟؛ لأن كلمة نهر كانت تطلق فى التوراة على كل الأنهر الكبيرة دون أن يضاف إليها ما يميز بعضها عن بعض.
وقال بعض العلماء: إن إبراهيم، وصف بالعبري؛ لأنه منسوب إلى أحد آبائه الأقدمين الذى كان يعرف باسم (عِبر)، والذى يمعن النظر فى جدول أبناء “عبر” إلى عهد إبراهيم الخليل، يجد أن أغلب الأمم السامية منسوب إليه.
وكلمة عبري فى الواقع، لا ترجع إلى شخص بعينه، أو حادثة معينة، وإنما ترجع إلى الموطن الأصلى لبنى إسرائيل، وذلك أن بنى إسرائيل، كانوا فى الأصل من الأمم الصحراوية، التى لا تستقر فى مكان، بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى.
وكلمة عبري فى الأصل مشتقة من الفعل الثلاثى “عبر”، بمعنى قطع مرحلة من الطريق، أو عبر الوادي، أو النهر، من عبر السبيل “شقها”… وكل هذه المعانى نجدها فى هذا الفعل سواء فى العبرية أو العربية، وهى فى مجملها تدل على التحول، والتنقل الذى هو من أخص ما يتصف به سكان الصحراء، وأهل البادية؛فكلمة عبري مثل كلمة بدوي، أى ساكن الصحراء والبادية.
وقد كان الكنعانيون، والمصريون، والفلسطينيون يسمون بنى إسرائيل بالعبريين؛ لعلاقتهم بالصحراء؛ وليميزوهم عن أهل العمران .
ولما استوطن بنو إسرائيل أرض كنعان، وعرفوا المدنية، والحضارة، صاروا ينفرون من كمة عبري، التى كانت تذكرهم بحياتهم الأولى، حياة البداوة، والخشونة، وأصبحوا يؤثرون أن يعرفوا باسم بنى إسرائيل فقط.
وليلاحظ أن كلمة عبري، ترتبط بكلمة عربي، ارتباطاً لغوياً متيناً؛لأنهما مشتقتان من أصل واحد، وتدلان على معنى واحد.
وليس يوجد فى صحف العهد القديم ما يدل على أنهم كانوا يسمون لغة بنى إسرائيل باللغة العبرية، بل كانت تارة تُعرف باسم اللغة اليهودية، وطوراً باسم لغة كنعان، ولم تعرف باسم العبرية، أو اللغة المقدسة إلا بعد السبى البابلى، فى المشنا، والتلمود.(18)
وقد ورد اسم (يبوس)، فى رسائل تل العمارنة (المتبادلة بين الحكام الكنعانيين وأخناتون ملك مصر فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد( 1367 – 1350ق.م )، وكان اليبوسيون العرب هم سكان المدينة، وقد وجدت المدينة قبل قدوم النبى إبراهيم(عليه السلام)، إلى كنعان بأكثر من ألفى عام، أو ثلاثة آلاف عام.
وظلت القبيلة اليبوسية تعيش فيها، حتى بعد أن فتح داوود حصن صهيون اليبوسى، رغم أنه أنهى حكم اليبوسيين، إلا أن معظم السكان كانوا موجودين.
وكانت مدينة أورسالم (أورشاليم)، لها أسوارها، التى أنشأها الكنعانيون، ولها عدة أبواب، ولهم فيها معبد كبير، يعبدون فيه ألهتهم، وكانت هى العاصمة السياسية، والدينية، والمكان الذى يتجهون إليه فى العبادة.
وحتى بعد إقامة مملكة داوود سليمان، 73 عاماً(من 1000-927 قبل الميلاد )، ظل العرب الكنعانيون اليبوسيون، هم سكان فلسطين، والقدس وغيرها من المدن وظلوا يقيمون بها، ولم يستطع داوود القضاء عليهم .
وأول من أطلق عليها اسم ( أورسالم)، هو مالكى صادق، وقد ورد فى التوراة، أنه عندما وفد إبراهيم (عليه السلام) إلى أرض كنعان، استقبله مالكى صادق ملك أورشاليم.
إذاً: ( أورسالم – أورشاليم )، اسم كنعانى قديم، قبل قدوم إبراهيم -عليه السلام-، بأكثر من 2000عام، وفى سفر ( يشوع )، فى التوراة : ” حين سمع أدونى صادق، ملك أورشاليم، أن يشوع بن نون، الذى رافق موسى فى الخروج من مصر، أجتاح البلاد الكنعانية ) .(19)
وقد ذكرت مدينة أورسالم (نسبة للإله سالم إله السلام لدى الكنعانيين)، فى الكتابات المصرية المعروفة بنصوص اللعنة، التى يرجع تاريخها إلى القرنين التاسع عشر، والثامن عشر قبل الميلاد، وتذكر أسماء ملوك كنعانيين، وعموريين من خصوم المصريين، كانوا يحكمون دولة المدينة(أورشاليم)، ومن بين مراسلات تل العمارنة، ست رسائل بعث بها”عبد خيبا”، ملك (أورشاليم)فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إلى فرعون مصر”آخناتون”، الذى كانت فلسطين تحت سيادته، و”عبد خيبا” فى هذه الرسائل يشكو من قلة عدد الحامية المصرية فى المدينة، ويحذر من غارات جماعات البدو (الخابيرو)، أو (العبيرو)، واستفحال خطرهم على البلاد.
وفى التوراة، وردت كلمة أورشاليم، التى تلفظ بالعبرية “يروشالايم”، أكثر من 680 مرة، وهذه الكلمة مشتقة مباشرة من التسمية الكنعانية الأصلية. وتطلق التوراة، كذلك، على المدينة أسماء أخرى كثيرة هى: “شاليم”، و”مدينة الله”، و”مدينة القدس”، و”مدينة العدل”، و”مدينة السلام”، وتذكرها أحياناً، باسم “يبوس”، أو”مدينة اليبوسيين”.
يبوس: أطلق على القدس، هذا الاسم نسبة إلى اليبوسيين، من بطون العرب الأوائل فى الجزيرة العربية. وهم سكان القدس الأصليون، نزحوا من جزيرة العرب، مع من نزح من القبائل الكنعانية نحو سنة 2500 ق.م. واحتلوا التلال المشرفة على المدينة القديمة.
وقد ورد اسم يبوس فى الكتابات المصرية الهيروغليفية، باسم “يابتى”، وهو تحريف للاسم الكنعانى. وقد بنى اليبوسيون قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس، سميت حصن يبوس، الذى يُعد أقدم بناء فى مدينة القدس المحيطة بيبوس للدفاع عنها، وعُرف الحصن فيما بعد، بحصن”صهيون”، ويعرف الجبل الذى أقيم عليه الحصن بالأكمة، أو هضبة أوفل، وأحياناً بجبل صهيون.(20)
أما بالنسبة للقبائل الرعوية العبرية، فقد استقرت فى فلسطين، إذ أنها تسللت إلى هذه البلاد فى الربع الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ومن عهد الملك (مِرينبتاح )، الذى حكم مصر من (1213 ق.م إلى عام 1203 ق.م )، زودتنا مسلة له، بمعلومات عن الهزيمة المُرة، التى ألحقها بهم.(21)
وكان الإغريق يسمون الكنعانيين بالفينيقيين، وكانوا يطلقون هذا الاسم، على أهل الشاطئ، ثم أطلقوه على الجميع بعد ذلك.
وكلمة “Phoeniki”، كان لها عند اليونانيين مدلول (الرجال الحُمر)، ربما لأصولهم القديمة التى ترجع إلى حمير فى حضرموت ببلاد اليمن، وهذا الشعب كان يدعى بـ (الشعب الأحمر)، أو الحميريين.(22)
ولقد كان بنو إسرائيل يسمون القبائل الكنعانية بأسماء مناطقها: فيقولون أهل صور، وأهل صيدا، وأهل جُبال، وأهل أرواد، كما كانوا يطلقون عليهم اسم”الكنعانيين”.(23)

محاولات طمس الهوية الفلسطينية..
فى عام 1967م، أثناء حرب يونيو، قام الإسرائيليون بهدم حى المغاربة، وهو حى أثرى كامل، وبعدها بأيام استولوا على المتحف الفلسطينى، وحولوه إلى مقر “دائرة الآثار الإسرائيلية”، وسطو على أرشيف “دائرة الآثار الفلسطينية”، ونهبوا الآثار الموجودة فى المتحف الفلسطينى، فى محاولة للقضاء على أي أثر كنعانى فلسطينى.
واستمرت عمليات الهدم الممنهج للآثار الفلسطينية لطمس الهوية العربية، ناهيك عن الحفائر التى تلفق تاريخاً وهمياً، والتى بدأت منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى، وتغير الأسماء العربية للمدن إلى أسماء عبرية.(24)
ويظهر الدور الرمزى لعلم الآثار فى الثقافة السياسية الإسرائيلية، فعلماء الآثار الإسرائيليون، وكذلك المحترفون والهواة من الإسرائيليين، لا ينقبون عن الآثار لمجرد الوصول إلى المعرفة، أو العثور على الأدوات، وإنما لتأكيد جذورهم.(25)
ولكن أصبح واضحاً-الآن-أن العديد من أحداث التاريخ التوراتى، لم تحدث لا فى المكان، ولا بالطريقة، والأوصاف التى رويت فى الكتاب المقدس العبري، بل أن بعض أشهر الحوادث فى الكتاب المقدس العبري لم تحدث مطلقاً أصلاً.(26)
خاتمة..
برغم من محاولات الصهاينة المكثفة بتزييف التاريخ، وزعم أحقيتهم فى أرض فلسطين العربية، اعتمادا على قصص توراتية، إلا أن الحقائق التاريخية المدعومة بالآثار المكتشفة، تؤكد أقدمية الوجود العربى الكنعانى بفلسطين، قبل ظهور بنى إسرائيل فى هذه المنطقة.
الهوامش:
1- محسن محمد صالح :فلسطين، سلسلة دراسات منهجية فى القضية الفلسطينية، الطبعة الأولى، كوالالمبور 2002، ص25.
2- نسيب وهيبة الخازن: من الساميين إلى العرب، بيروت(بدون تاريخ)، ص41.
3- إبراهيم الخطيب: الكنعانيون:نشأتهم، حضارتهم، ديانتهم، وأثرها على التوراة، صحيفة الاتحاد، عدد 6/7/2008.
4- سبتينو موسكاتى: الحضارات السامية القديمة، ترجمة السيد يعقوب بكر، دار الكتاب العربى للطباعة والنشر، القاهرة (بدون تاريخ )، ص114.
5- إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود فى بلاد العرب فى الجاهلية ، وصدر الإسلام، مكتبة النافذة، طبعة حديثة، القاهرة 2006، ص9.
6- عمر الصالح البرغوثى وخليل طوطح: تاريخ فلسطين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2001، ص13.
7- زياد منى: مقدمة فى تاريخ فلسطين القديم، الطبعة الأولى، بيروت 2000م، ص74.
8- زفارول إسلام خان: تاريخ فلسطين القيم- 1220 ق.م – 1359 ق.م، منذ أول غزو يهودى حتى أخر غزو صليبى، مترجم، دار النفائس، الطبعة الثالثة 1981، ص15 – 16.
9- عبد الفتاح مقلد: الكنعانيون، وتاريخ فلسطين القديم، القاهرة 2003، ص59.
10 – القضية الفلسطينية -خلفيتها التاريخية، وتطوراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات، والاستشارات، بيروت 2012، ص
11- هشام أبو حاكمة :تاريخ فلسطين قبل الميلاد، دار الجيل للنشر، والدراسات،والأبحاث الفلسطينية ، ص 31.
12- محمد بيومى مهران: بنو إسرائيل، الجزء الثانى، التاريخ منذ دخولهم فلسطين وحتى الشتات الرومانى فى عام 135م، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية1999م، ص53.
13- زياد منى :المرجع السابع، ص50-51.
14- زد. ظفرالإسلام خان : المرجع السابق، ص18.
15- محمد برهام المشاعلى : إسرائيل من أين وإلى أين؟، العربى للتوزيع والنشر، ص64.
16- غازى حسين:عروبة القدس، ص2.
17- عفيف بهنسى : تاريخ فلسطين القديم، من خلال علم الآثار، منشورات الهئية العامة السورية للكتاب، دمشق 2009، ص9.
18- إسرائيل ولفنسون : تاريخ اللغات السامية، دار القلم، بيروت(بدون تاريخ)، ص74- 75 .
19- عبد الفتاح مقلد: المرجع السابق، ص 218.
20- الموسوعة الفلسطينية: المجلد الثالث، الطبعة الأولى ، هئية الموسوعة الفلسطينية، دمشق1984، ص510.
21- محمد العلامى : أثر مصر القديمة فى فلسطين (نشأة الكون التوارتية)، مجلة جامعة الأزهر-غزة، سلسلة العلوم الإنسانية 2008، المجلد 10، العدد ـA-1، ص326.
22- جان مازيل : تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية، ترجمة/ربا الخش، دار الحوار للنشر، اللاذقية، الطبعة الأولى 1998م، ص31.
23- إسرائيل ولفنسون (أبو ذؤيب): المرجع السابق، ص57.
24- إيهاب الحضرى: اغتصاب الذاكرة، الاستراتيجيات الإسرائيلية لتهويد التاريخ، القاهرة 2006، ص13.
25- كيث وايتلام: اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطينى، ترجمة/ سحر الهنيدي، عالم المعرفة، سبتمبر 1999م، ص 277.
26- إسرائيل فنكلشتاين ونيل إشر سيلبرمان: التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقيتها-رؤية جديدة لإسرائيل القيمة وأصول نصوصها المقدسة على ضوء اكتشافات علم الآثار، ترجمة/سعد رستم، صفحات للدراسات والنشر(بدون تاريخ)، ص 28.
لا أعرف بأية لغة كتب هذا البحث أصلا . وإن كان المؤلف قد رجع لكتابى “تاريخ فلسطين القديم” فإسمى المطبوع عليه هو ظفرالإسلام خان وليس “زفارول إسلام خان”
الموقع يعتذر لحضرتك و تم التصحيح مع الشكر و هذه دراسة و ليس كتاب