الرئيسية / الوحدة العربية / وعد بلفور التحدي الاستعماري والاستجابة العربية بقلم : عوني فرسخ

وعد بلفور التحدي الاستعماري والاستجابة العربية بقلم : عوني فرسخ

تاريخ_وعد_بلفور

 

في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 1917 وجه وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور رسالة ، على الورق الرسمي لوزارته الى اللورد روتشيلد ، زعيم البرجوازية اليهودية الانجليزية وراعي الحركة الصهيونية ، تضمنت ما نصه : “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وسوف تبذل قصارى جهدها من أجل تسهيل تحقق هذا الهدف ، على أن أن يكون مفهوما وواضحا انه لن يتخذ أي عمل يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية التي تعيش حاليا في فلسطين ، أو بالحقوق والوضعية السياسية التي يتمتع بها اليهود في اي دولة أخرى” .

 

وبإقرار الوزارة البريطانية للوعد فور صدوره فإنه يُعبر عن قرار رسمي بريطاني ، وليس المسؤول عنه فقط الوزير الذي اصدره . فضلا عن أن الوعد إنما صدر في اتساق مع الاستراتيجية التي اعتمدها بالمرستون في اربعينيات القرن التاسع عشر بعد دحر جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام ، مستهدفا كبح فعالية مصر القومية ، وكان قد حدد ابعادها مؤتمر القوى الاستعمارية الأوروبية برئاسة رئيس وزراء بريطانيا بنرمان سنة 1907 الذي قرر أن الخطر الذي يهدد الاستعمار الأوروبي يكمن في وحدة الوطن العربي وتقدمه ، وفيه تقرر إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين ليشكل فاصلا بين جناحي الوطن العربي مانعا وحدتهما .

 

ولتعزيز الوعد البريطاني نشط زعماء الحركة الصهيونية الأوروبيين والأمريكان بحيث أعلنت الحكومة الفرنسية في 14/2/1918 تأييدها لاعلان بلفور ولتعقبها الحكومة الإيطالية التي إعلنت التزامها به في 9/5/1918 وفي الولايات المتحدة أعلن الرئيس ويلسون تأييده في 31/8/1918 . وبهذا تكون دول الحلفاء الاربع – في الحرب العالمية الأولى قد أيدًت وعد بلفور والتزمت بمضمونه . وعليه غدا وعدا دوليا ملتزمة به حكومات الدول الأربع وليس بريطانيا فقط . ما يعني أن حكومات الدول الاستعمارية اتفقت على ما يلي :

 

1 – الاعتراف باليهود كشعب له حقوق سياسية يجسدها الالتزام بالعمل على إقامة “الوطن القومي ” اليهودي في فلسطين ، والتزامها ببذل قصارى جهدها لتنفيذ ذلك .

 

2 – الإقرار بأن لليهود حيثما وجدوا في العالم حقوقا سياسية وقانونية لا يجوز المساس بها الأمر الذي انطوى على توفير كل الضمانات القانونية والسياسية لنشطاء الحركة الصهيونية حيثما وجدوا في العالم ، وتيسير عملهم لتهجير اليهود الى فلسطين وجمع التبرعات وغير ذلك من أنشطة سياسية واجتماعية وإعلامية . وذلك بضمانة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة .

 

3 – اعتبار الشعب العربي الفلسطيني ، صاحب الوجود الطبيعي والتاريخي في وطن آبائه وأجداده ، مجرد طوائف غير يهودية موجودة “في فلسطين” ، دون بيان لطبيعة هذا الوجود ، هل هو مواطنة ، أم إقامة دائمة أم مؤقتة ؟ وليس لها سوى حقوق مدنية ودينية ، ولم يأت الوعد على ذكر حقوقها السياسية .

 

وليس أدل على مدى مجافاة وعد بلفور للموضوعية من قول بلفور سنة 1919 : “لقد انحازت الدول العظمى إلى جانب الصهيونية ، فالصهيونية سواء كانت على حق أم لا ، حسنة أم سيئة ، متجذرة في تقاليد بعيدة ، ولها حاجاتها الحاضرة وطموحاتها المستقبلية الأهم بكثير من رغبات سبعمائة الف عربي يقيمون اليوم في هذه الأرض القديمة ” .

 

وفي 24 تموز / يويو 1922 اصدرت عصبة الأمم صك انتداب بريطانيا على فلسطين ، مضمنة إياه وعد بلفور  وقد نص في مادته الثانية على ان “تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي ” . كما نصت مادته الرابعة على الاعتراف بالجمعية الصهيونية كوكالة يهودية ملائمة لاسداء المشورة لإدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين .

 

ولقد واصلت حكومة الانتداب البريطانية دعم الهجرة والاستيطان الصهيونيين ، والمساهمة في تطوير مؤسسات التجمع الاستيطاني الصهيوني ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ومنظمة الهاغاناة وتسليحها ، وتمكينها من امتلاك صناعة سلاح متطورة . فضلا عن الرفض البريطاني القاطع لإقامة نظام ديمقراطي في فلسطين ، وتمكين شعبها العربي من المشاركة في تقرير مصيرها . فضلا عن تقديم كل التسهيلات للوكالة اليهودية وتيسير تلقيها معونات الجاليات اليهودية الأوروبية والأمريكية ، ورعاة مشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري الاوروبيين والأمريكان . وبحيث إنه غداة انتهاء الانتداب سنة 1947 كان الصهاينة في فلسطين قد أقاموا دولة تمتلك كل مقومات الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وجيشا من ستين الف مجند ومجندة حسني التدريب والتسليح .

 

وبالمقابل شكل وعد بلفور وصك الانتداب تحديا للشعب العربي الفلسطيني ، خاصة قواه الشعبية التي والت تصديها للغزاة الصهاينة ورعاة مشروعهم الاستعماري الاستيطاني العنصري ، بكل وسائل المقاومة المشروعة . بما في ذلك الكفاح المسلح ، الذي بلغ ذروته بثورة فلسطين الكبرى 1939 – 1936 في مواجهة الجيش البريطاني الذي بلغ أربعين الفا حينها ، وقوات الهاغاناة والثورة المضادة . فضلا عن الدفاع الطويل عن الأرض في مواجهة الإجراءات البريطانية وباعة الأرض والسماسرة في بيعها . وعلى مدى سنوات الانتداب قدم شعبنا آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين بحيث ظلت فلسطين غداة عرض القضية على الأمم المتحدة سنة 1947 عربية الهوية . وهذا ما يؤكدة إيلان بابه ، اشجع المؤرخين الاسرائيليين الجدد ، وأكثرهم تمسكا بالمبادىء ، الذي يقول : “على الرغم من سياسات بريطانيا المؤيدة للصهاينة ، والوجود المتنامي للاقلية اليهودية ، فقد كانت فلسطين لا تزال في نهاية الانتداب بلدا عربيا واضحا جدا من ناحية هويته . فقد كانت الأراضي المزروعة جميعها تقريبا ملكا للسكان الاصليين  5,8 % منها فقط ملكيتها يهودية ” .

 

وفي تعقيب المؤرخ الاسرائيلي بابه على إصدار قرار التقسيم يقول : ” من الواضح أن الأمم المتحدة بقبولها قرار التقسيم تجاهلت كليا التركيبة الإثنية لسكان البلد ، ولو قررت الأمم المتحدة أن تجعل الاراضي التي استوطنها اليهود في فلسطين متناسبة مع حجم دولتهم العتيدة ، ما كانت أعطتهم أكثر من 10 % من البلد .

 

ما يعني أن المؤرخ الإسرائيلي الموضوعي يعتبر الأمم المتحدة مسؤولة تاريخيا وأدبيا عن الظلم الفادح الذي الحقته بشعب فلسطين ، كما عن العنف المتوالية حلقاته في فلسطين ومحيطها القومي على مدى السنوات السبعين التالية لإصدارها القرار 181 بتقسيم فلسطين .

 

عن admin

شاهد أيضاً

كيفية تمرير القرارات الاقتصادية الصعبة نصائح صندوق النقد للحكومات – بقلم: محمد سيف الدولة

بعد الاعلان الرسمى الأخير عن النية لرفع سعر رغيف الخبز، وما سبقه من حزمة من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *