محمد عبد الحكم دياب
كثيرا ما نسمع عن حالات وفاة نتيجة الإصابة بسكتة قلبية أو دماغية، ونفس الشيء قد يحدث لنظم سياسية ودول، وأتصور أن النظام العربي المعبر الرسمي عن «القارة العربية» أصيب بما يمكن تسميته «السكتة الصهيونية»؛ دمرت خلاياه، وأصابت أعصابه بالشلل وجسده بالعجز، وعقله بفقدان الوعي، وضياع الذاكرة.. وهكذا، ومن أعراضها ما حدث مؤخرا في استفتاء كردستان العراق، وفيما أحاط بالمصالحة الفلسطينية.
وبدا العَرَض الأول في وقوف بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني مع استفتاء كردستان العراق، وبنفس الدرجة من العدوانية بادر نتنياهو برفض المصالحة الفلسطينية، ووضع لها شروطا تعجيزية؛ ومن المتوقع الاستجابة لها؛ بما نتج عنها من خلل في موازين القوى، والرضوخ لمخططات التقسيم ورسم خرائط جديدة لـ«القارة العربية»؛ وسلمت بها دول وجماعات في الجزيرة العربية والخليج وشمال افريقيا.. وتمثل العَرَض الأول؛ في توابع استفتاء شمال العراق والمنظور الصهيوني؛ يركز اهتمامه على مستقبل الأكراد الذين عايشوا وأقاموا في «القارة العربية»، وتخومها الشرق أوسطية.
وهذا «تسفي هاوزر» ـ سكرتير سابق في الحكومة الصهيونية؛ يعبر عن هذا المنظور في صحيفة «هآرتس» الاسبوع الماضي، فيقول: إذا كان الدعم الظاهر هو لأكراد العراق، فإن الأنظار تتجه لأكراد سوريا، الذين يشكلون نحو 15 في المئة من إجمالي السكان، وفي حدود مليوني نسمة؛ يعيشون على نحو 15 في المئة من مساحة الدولة السورية.. يطالب «هاوزر» بأن تستغل المنظومة الغربية أوضاع سوريا الراهنة، وتقيم كيانا كرديا سوريا، في مواجهة النفوذ الإيراني في كل من سوريا والعراق، وفي التصدي للمحور الإيراني السوري من جهة، والعمل ضد تنظيم «داعش» من جهة أخرى، وطالب السكرتير الحكومي السابق الإدارة الأمريكية بمساعدة أكراد سوريا وتحويلهم إلى حلفاء لها، وإقامة قواعد عسكرية عندهم، ورعاية عملية الإعمار في مناطقهم المدمرة، وإعادة الحياة هناك إلى سيرتها الأولى..
وحذر «هاوزر» من انسحاب الولايات المتحدة من المناطق الكردية، واعتبر ذلك تهديدا حقيقيا؛ يحول دون ما أطلق عليه «تطوير» الحكم الذاتي لأكراد سوريا، وإعطاءهم فرصة لزيادة التعاون الإيراني السوري التركي. غير المرحب بوجود قوة مستقلة للأكراد.. وناشد «العالم الحر» لبذل ما في وسعه لمنع استكمال بشار الأسد سيطرته على سوريا، وإقامة منطقة «حظر جوي» في الشمال وادعى أن هذا يُمَكن الأكراد السوريين من الدفاع عن أنفسهم!..
وأعطى «هاوزر» الأكراد أهمية خاصة ضد الميليشيات «الجهادية»، ولصالح «تثبيت نظام ديمقراطي»!! حليف لواشنطن وصديق لتل أبيب. وراهن على التغيرات التي حدثت في سوريا لبناء «جبهة كردية» مضادة للتطرف (الإسلامي) المتعاظم وللتطلعات الإيرانية التركية المتزايدة.. «وليس هناك عمل استراتيجي فعال أكثر من بناء جبهة كردية مؤيدة للغرب؛ تزيد من إمكانية تحويل سوريا من عنصر معاد نشط ضد تل أبيب إلى كيان ضعيف منزوع السلاح».
وربط «هاوزر» بين التوجهات الانفصالية الكردية، وبين العَرَض الثاني للإصابة بـ«السكتة الصهيونية»؛ المتجسد فيما أسماه النفوذ التركي المتعاظم في الضفة وغزة، وفي أوساط «عرب 1948» وربط ذلك بضرورة وجود «حكم ذاتي» كردي في «سوريا فيدرالية»، أو «دولة كردية مستقلة»..
ومعنى ذلك أن ما يجري في المناطق الكردية المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية التركية السورية ليس منفصلا عما يجري في «القارة العربية» وما يجري لها من إنهاك وما يحدث فيها من تفتيت وتقسيم واقتتال.. وتلك الأعراض شجعت بنيامين نتنياهو على فرض شروطه وإعلان لاءاته ضد المصالحة الفلسطينية.. وهي لاءات رفض وليست نقاط تفاوض، وأهم ما جاء في شروطه الستة؛ شرط نزع سلاح «حركة حماس» في غزة.. وحل جناحها العسكري؛ هذا مع أن العرف الدولي استقر على شرعية المقاومة ما دامت هناك أرض محتلة وشعب لا يمارس حقه في «تقرير المصير» وإدارة شؤون بلاده، وهذا ما تكفله المواثيق والمعاهدات والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية؛ ومنها ميثاق الأمم المتحدة، والقوانين والشرائع الوضعية والسماوية، فمن حق الإنسان أن يعيش حرا مستقلا آمنا، يستظل بدولة عادلة وحكم رشيد.
من جانبه، رد اسماعيل هنية؛ رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»؛ على شرط نزع سلاح حركته قائلا: إن حركته مستعدة لوضع استراتيجية مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية الأخرى «لإدارة السلاح وقرار المقاومة».. ومن بين الشروط؛ شرط الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية.. وهذا إمعان في فرض الإذعان، وفي عدم التخلي عن الاستيطان والتمييز العنصري.
واستمرار المصادرة على كل ما له علاقة باسترداد الحقوق المغتصبة واستعادة الأرض المسلوبة، وإحياء الحق في العودة وفي التعويض.
وهناك جهد بارز ومقدر بذلته المخابرات المصرية؛ للتخفيف من حدة «السكتة الصهيونية»؛ فتحت به باب المصالحة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وبين حركة «حماس» في غزة، إلا أن ذلك الجهد ما زال أقل من المستوى المطلوب، فلم يتجاوز حدود الترتيبات الأمنية، ولم يتطور إلى عمل نوعي؛ في صيغة «مشروع سياسي وطني»؛ مرحلي أو نهائي.
كان من الطبيعي هنا أن تغيب وزارة الخارجية، والأطراف أو الهيئات المعنية بالقضية الفلسطينية، وهذا على عكس ما تقوم به تل أبيب مع كل أوراق القضية؛ السياسية أو السكانية والاقتصادية أو العسكرية والاستراتيجية.. الخ؛ تفرض شروطها دون مواربة، وتضيف إليها في كل فترة، وترفع من سقفها باستمرار، وتقاوم الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية، وتضرب عرض الحائط بكل ما لا يلبي مطالبها، أو يحد من نزوعها التوسعي، ولا يحقق أهدافها الاستيطانية ومصلحتها السياسية والاستراتيجية.!
وفي هذه الظروف التي نعيش فيها الذكرى الرابعة والأربعين للنصر العسكري العظيم في تشرين الأول/اكتوبر 1973، ونحيا زمنا زادت فيه أواصر علاقة ربطت بين «المشير» وبين «صديقه» نتنياهو، وتحتل المصالح الصهيونية لديه أولوية على ما عداها من قضايا الوطن والأمة، وهي فرصة لنقرأ عليه فقرة جاءت في مجلة «ديلي بيست» الأمريكية في ذكرى مرور مئة وواحد عام على اتفاقية «سايكس بيكو» بين فرنسا وبريطانيا؛ التي على أساسها قُسِّمَت «القارة العربية إلى دويلات صغيرة. وكان تقرير المجلة قد استهل سطوره: بـ«على الجميع الاعتراف أن هذا الدمار الذي حاق بالشرق الأوسط في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ليس سببه الغزو الخارجي (الأمريكي/ البريطاني) أو التوترات الداخلية بسبب (ثورات الربيع العربي)، ولكن السبب الرئيسي هو تلك الخريطة التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط المطلق عليها سايكس ـ بيكو».
وذكرت المجلة الأمريكية أنه مر حاليا على رسم تلك الخريطة الكارثية 101 عام كاملة، وتسببت في اختراع دول، قام معظمها على تقسيمات مذهبية تسببت في استمرار التوترات في المنطقة، حتى بعد رحيل الاحتلال البريطاني والفرنسي عنها. هل يقر «المشير» ما ذهبت إليه المجلة الأمريكية؟!. وهل نطمع في إجابة على هذا السؤال؟!..