الرئيسية / كتب و دراسات / تحميل كتاب:موسوعة التطبيع والمطبعون فى مصر -للدكتور /رفعت سيد أحمد

تحميل كتاب:موسوعة التطبيع والمطبعون فى مصر -للدكتور /رفعت سيد أحمد

285378_0 15-موسوعة-التطبيع-والمطبعون-فى-مصر

(1979 – 2011)

للدكتور /رفعت سيد أحمد

                      (ملخص عام)

[ فى هذا العمل الموسوعى الكبير يقدم د. رفعت سيد أحمد خلاصة عمله وبحثه الدؤوب فى قضايا الصراع العربى الصهيونى التى امتدت من الثمانينات حتى اليوم ؛ فيقدم أسرار العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد (1978) فى كافة المجالات (السياسية الاقتصادية الإعلامية الاجتماعية الدينية .. إلخ) ، ويكشف بالوثيقة والمعلومة الدقيقة ، الستار عن رجال ومؤسسات التطبيع مع العدو الصهيونى الذين باعوا (الوطن) وأمنه القومى فى صفقات مشبوهة تبدأ بالحوار النفسى والتطبيع الصحفى وتمر عبر اتفاقات الكويز والغاز لتنتهى عند تبادل السفراء والزواج من الإسرائيليات .

إن ما بين أيدينا هو عمل تاريخى بامتياز يقدم قصة التطبيع بين الكيان الصهيونى والنظام المصرى فى الفترة من 1979 (عام توقيع معاهدة السلام) وحتى عام 2011 (عام ثورة يناير المصرية) .. وتنفرد جريدتنا بنشر بعض فصول الموسوعة البالغ عدد صفحاتها (2500 صفحة) قبل أن تتداولها الأسواق .. فإلى ملخص عام للموسوعة نوزعه على خمسة محاور رئيسية ] .

(1)مقدمات التطبيع

* تبدأ الموسوعة بمقدمة مهمة توثق لعمليات التطبيع بين الكيان الصهيونى والنظام المصرى ننتقى بعض سطورها التى تقول : طويلة هى قصة الصراع العربى – الصهيونى ، معقدة هى فصولها ، ولعل فصل العلاقات المصرية – الإسرائيلية هو أكثرها طولاً وتعقيداً ، نظراً لمحورية (مصر) فى أمتها العربية، ولأن العدو الصهيونى اعتبرها العقبة الأولى والأخطر فى المنطقة ، والتى تحول دون ترسيخ وجوده فى فلسطين واختراقه للمحيط العربى والإسلامى ، خاصة بعد فترة من العداء والمقاومة الصريحة له من نكبة 1948 وحتى حرب 1973 ، وكان ذروتها الحقبة الناصرية بخطابها الثورى ، بتجربتها المعاشة سواء ؛ بانتصاراتها (1956) أو انكساراتها (1967) ، ولقد كانت مصر ؛ هى الأبرز والأهم فى قصة الصراع سواء من المنظور الصهيونى أو من ناحية الواقع العربى ، ولذلك عملت الاستراتيجية الإسرائيلية على هزيمتها وإن لم تفلح فاختراقها وتحييدها، ولا بأس من عزلها تدريجياً عن أمتها وقضاياها ، وهذا هو جوهر ما سمى لاحقاً بـ”التطبيع” الذى استهدف بالأساس ” تعرية مصر ” عن ردائها العربى وفصلها عن جسدها الإسلامى وثقافتها التاريخية التى كانت ” المقاومة ” لمشاريع الاستعمار والهيمنة على قمتها .

لقد هدفت إسرائيل من خلال علاقاتها ” التصارعية ” (1948 – 1977) أو التصالحية (1977 حتى اليوم 2014) إلى عزل وتحييد مصر والهيمنة على قرارها المستقل وتحويلها إلى مجرد دولة ثانوية بلا تأثير ، فى محيطها العربى والإسلامى ، والغريب أنها وفى ذروة الصراع والحروب لم تنجح فى هدفها هذا ، لكنها بما سمى ” بالسلام ” والتسوية والعلاقات الاقتصادية والسياسية أو بما اصطلح على تسميته بـ(التطبيع) نجحت على الأقل على مستوى القيادة الحاكمة ، وإن استعصى عليها الشعب بنخبته طيلة ما يزيد على 37 عاماً من التطبيع فى كافة شئون الحياة المصرية ، وبعد ثورة 25 يناير فوجئت إسرائيل قبل غيرها (ونقصد بغيرها هنا واشنطن ومن صار فى ركابها من نخب ودول إقليمية ودولية) ، بأن هذا الشعب الذى أرادت اختراقه وتعريته وعزله والهيمنة عليه من خلال ” التطبيع ” ، وما ارتبط به من المعونة الأمريكية (2.1 مليار دولار سنوياً) ثار عليها وأحرق سفارتها مرتين ، وفجر خط الغاز الموصل إليها بأبخس الأسعار ستة عشر مرة فى العامين التاليين للثورة ، فوجئت إسرائيل بكم ونوع العداء الشعبى لها بعد ثورة أولى فى (25 يناير 2011) على من أسمته بكنزها الاستراتيجى (حسنى مبارك) ، وبعد ثورة ثانية (30/6/2013) على تفاهمات كادت أن تكتمل مع بعض قوى ما يسمى بالإسلام السياسى لخلق شرق أوسط إسرائيلى/أمريكى جديد بقشرة إسلامية ، يضمن بقاء إسرائيل وقوة العلاقات معها ، فوجئت تل أبيب وواشنطن ، ومن دار فى فلكها بهذا الشعب ، وبتلك ” الروح ” التى عادت إليه رافضة ” التطبيع ” بنفس قوة رفضها للاستبداد وسياسات الإفقار والعيش غير الكريم .

***

* إن قصة ” التطبيع ” بين الكيان الصهيونى ومصر إذن … قصة مركبة ومتراكمة الأبعاد والدلالات ، وهى لاتزال مستمرة، وإن بدت فى الأفق دلائل نهايتها ، بعد ثورتى (25 يناير و30 يونيو) وهى قصة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا مصر الاجتماعية والديمقراطية والسياسية ، وبقضايا الوطن العربى على تنوعها وتعقدها ؛ إن ” التطبيع ” أو العلاقات المصرية الإسرائيلية ، الذى بدأ بزيارة السادات للقدس فى نوفمبر 1977 ؛ ولايزال مستمراً حتى اليوم (2014) ؛ يحتاج إلى إعادة فتح للملفات وإعادة قراءة لما بداخلها من أسرار وحقائق ، والتى من خلال فرزها ونقدها ، نستطيع أن نرسم خريطة صحيحة للمستقبل ، فلا مستقبل لمصر (ومن ثم للوطن العربى) دون موقف واضح وجذرى من العدو الصهيونى ، ولا مستقبل لمصر دون مراجعة دقيقة وحاسمة لاتفاقات كامب ديفيد (1978) ولمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (1979) بما يتفق وحاجات الأمن القومى (الحقيقى) للبلاد وليس الأمن (الشخصى) للحكام الذين ربطوا – ولايزالون – أنفسهم بهذا السلام المذل مع الكيان الصهيونى .

***

*من أجل المستقبل ، أعدت هذه (الموسوعة) ، عن العلاقات المصرية – الإسرائيلية فى اثنين وثلاثين عاماً (1979-2011) ، أعدت ليس فحسب بهدف الاستغراق فى الماضى ، بل بهدف أخذ العبر والدروس منه خاصة فى مجال العلاقات مع هذا العدو التاريخى للأمة ، والتى بدون تدبرها والتعلم منها ، لن نبنى وطناً حراً فى إرادته واختياراته ، واعياً بخنادق الأعداء جيداً ، مدركاً لسبل مواجهتها والتغلب عليها .

* وفى سبيلنا لفتح ملفات التطبيع بين مصر وإسرائيل ، نحتاج إلى أكبر قدر من الموضوعية (وليس الحياد لأنه لا ” حياد ” مع قضايا الوطن المصيرية والمقاومة المشروعة للعدو الصهيونى تأتى فى مقدمة تلك القضايا) أما الموضوعية فهى الدقة ، والعلمية والأمانة فى نقل الخبر والتعليق عليه ، وفى رصد التطورات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بهذا الصراع الممتد مع الكيان الصهيونى ، إن ما تحاول (الموسوعة) القيام به هو رصد وتحليل أبرز الأحداث والسياسات والمواقف فى العلاقات المصرية – الإسرائيلية منذ توقيع معاهدة السلام (1979) وحتى بدايات الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 ، وهى فترة زمنية طويلة زمنياً وثرية بأحداثها ووقائعها (32 عاماً) ، ومن ثم هى تحتاج إلى انتقاء (غير مخل) وتدقيق ، وتحليل رصين للوقائع والأحداث ، حاولنا بقدر المستطاع أن نقوم به وأن نوزعه على كافة المجالات التى جرى فيها التطبيع (سياسية – اقتصادية – ثقافية – إعلامية – اجتماعية – أمنية- إلخ) . ووزعناها على أبواب وفصول وأرفقنا فى نهاية الموسوعة عدداً من الوثائق التى رأينا أنها قد تدعم الحقائق والوقائع التى وردت فى هذا العمل الذى استغرق منا قرابة الـ6 أعوام من الرصد والتوثيق والتحليل ، ومن الفرز الدقيق لعشرات الوثائق والدراسات والملفات ، هذا ولقد عاوننا فى هذا العمل ، فريق متميز من الباحثين والخبراء الذين نعتز بهم وبإسهامهم الكبير وهم الأساتذة (فاروق العشرى – عبد القادر ياسين – محمود عبده – إيهاب شوقى – د.فتحى حسين – محمد قاياتى – د. على أبو الخير – محمد دنيا – محمود سامى – أسامة عبدالحق) فلهم كل التقدير والاحترام على جهودهم وأبحاثهم ومساهماتهم الفذة .

***

إن هذه (الموسوعة) ، تسعى لأن تكون لبنة فى بناء حائط صد ضد الهجمة الصهيونية – الأمريكية على العقل والثقافة والاقتصاد والسياسة العربية المستقلة ، نأمل أن تفيد وهى فى سبيلها إلى ذلك قسمت إلى ستة أبواب رئيسية ، وهى تتناول الوقائع السياسية ، والاقتصادية والثقافية والإعلامية ، والاجتماعية ، والدينية خلال الفترة (1979 – 2011) ، وقد تمتد إلى ما قبل أو ما بعد هذه الفترة ؛ بحكم البحث وضروراته ، وقد سبقناها بفصل تمهيدى عن “مقدمات التطبيع ” وخريطته الرئيسية التى ستتناولها الموسوعة ، وختمناها بفصل ختامى عن التطبيع بعد ثورة يناير 2011 ، أما أبواب الموسوعة والتى وزعت على ستة أبواب فبيانها كالتالى :

الباب الأول : التطبيع السياسى وعدد صفحاته (338 صفحة) –  الباب الثانى : التطبيع الاقتصادى وعدد صفحاته (384 صفحة) – الباب الثالث : التطبيع الإعلامى وعدد صفحاته (265 صفحة) – الباب الرابع : التطبيع الثقافى وعدد صفحاته (419 صفحة) – الباب الخامس : التطبيع الاجتماعى وعدد صفحاته (218 صفحة) – الباب السادس : التطبيع الدينى وعدد صفحاته (228 صفحة) –  الفصل الختامى : التطبيع بعد الثورة وعدد صفحاته (95 صفحة) ،

أما الوثائق المكتوبة فعناوينها كالتالى [الوثيقة الأولى : محضر لاجتماع كسينجر وجولدا مائير خلال مفاوضات فك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية 1974 – الوثيقة الثانية : نماذج من وثائق المخابرات الأمريكية عن عملية السلام عام 1977(مترجمة ومختصرة) – الوثيقة الثالثة : البيان التأسيسى للحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل – الوثيقة الرابعة : نماذج من بيانات وأنشطة اللجنة العربية لمساندة المقاومة فى لبنان وفلسطين – الوثيقة الخامسة : القائمة الكاملة لمجازر العدو الصهيونى من 1936 – 2012] .

أما الوثائق المصورة فعناوينها كالتالى : [ الوثيقة الأولى : نص تاريخى لمجلة المقتطف المصرية يعود لعام 1898 يتحدث عن عودة اليهود إلى فلسطين – الوثيقة الثانية : صورة ضوئية لترحيب واحتضان وكيل شيخ الأزهر لحاخام إسرائيل الأكبر – الوثيقة الثالثة : صورة ضوئية من البيان التأسيسى لجمعية القاهرة للسلام وأسماء مؤسسيها – الوثيقة الرابعة: صورة ضوئية لأحد مؤتمرات شباب الحزب الوطنى مع الإسرائيليين – الوثيقة الخامسة : نموذج من نشاط الجامعة الأمريكية فى مصر – الوثيقة السادسة : صورة ضوئية لنماذج من أنشطة اللجنة الحزبية المصرية لمقاومة التطبيع  – الوثيقة السابعة : صورة ضوئية من قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بعدم التطبيع مع الكيان الصهيونى – الوثيقة الثامنة: صورة ضوئية من الرسالة الشهيرة المرسلة يوم 29/7/2012  من د. محمد مرسى إلى شيمون بيريز – الوثيقة التاسعة : صورة ضوئية من أنشطة لجان دعم الانتفاضة الفلسطينية – الوثيقة العاشرة : صور من الوثائق الأصلية لأنشطة ورسائل مسئولى المركز الأكاديمى الإسرائيلى – الوثيقة الحادى عشر : صورة ضوئية من الصفحات الأولى من نشرة المركز الأكاديمى الإسرائيلى الداخلية السرية] .

***

فى الفصل التمهيدى لموسوعة التطبيع والمطبعون ، والمعنون بـ ” مقدمات التطبيع ” يقول المؤلف د. رفعت سيد أحمد : لا يستقيم الحديث عن تنامي ظاهرة التطبيع الثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعى والدينى ، اليوم مع العدو الصهيوني، دونما عودة توثيقية لسنوات التطبيع الأولى بين إسرائيل والحكومة المصرية، ومن المهم بداية العلم بأن الإطار العام الذى حكم العلاقات المصرية – الإسرائيلية تمثل فى ثلاث اتفاقيات هى : [1 – اتفاقية كامب ديفيد 17/9/1978.  2 – معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية 26/3/1979 والذى تلاه افتتاح سفارة إسرائيلية يوم 26/2/1980 .  3 – اتفاقية القوات متعددة الجنسية 3/8/1981 ] وهذه الاتفاقيات بقدر ما مثلت إطاراً عاماً للسلام بين الدولتين ، مثلت أيضاً قيداً كبيراً على الإرادة المصرية فى السيطرة على سيناء وعلى السياسة المصرية منذ 1979 ، وفى السنوات الأولى التالية لتوقيعها ، وضعت ما يمكن تسميته باللبنات الأولى لسياسات واقتصاديات التطبيع، وفيها تم تجريب الأفكار والخطط التطبيعية حتى يسهل ممارستها في السنوات التالية، وفي هذا الفصل التمهيدى نقترب من قضية التطبيع (وتحديداً التطبيع الثقافي) في سنيه الأولى، وما ارتبط به من مقولات بدت كبيرة ومدوية (مثل الاحتكاك الحضاري والعلمي مع الآخر) وأن صراعنا مع إسرائيل فقط صراع نفسي ولابد من إسقاط جدار العداوة النفسية مع الآخر مقولات مع الزمن ثبت أنها كانت زائفة، وكان يراد بها تسهيل عملية الاختراق المنظم للعقل والمجتمع المصري، حتى يبتلع الجريمة ويمررها، وهو ما جرى منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد (1978) وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (مارس ـ 1979) وحتى يومنا هذا.

 

 (2)من وكائز التطبيع

* إذا سلمنا بأن مصر تمثل نقطة ارتكاز رئيسية للعقل العربي، أو ما أسماه المفكر الراحل د. جمال حمدان بـ(الجهاز العصبي للأمة العربية)، فإن ما يتعرض له سوف يؤثر مباشرة على الإطار المحيط بها، ومن ثم فإن ضرورة المتابعة لسيناريوهات الاختراق الصهيوني للعقل والمجتمع المصري، خاصة في تلك الفترة المبكرة للتطبيع الثقافي والسياسي من الثمانينات، باتت من الأهمية بمكان، لأنها تعد بحق نموذجاً حياً لما تنتويه الإرادة الإسرائيلية بالعقل العربي، ولقد تعمدنا هنا أن نسجل نماذج من الأبحاث والمؤتمرات والأفراد المشاركين لنقدم من خلالها حقيقة الخطر الذي كان كامناً في السنوات الأولى للثمانينات ، واستمر حتى اليوم (2014) عبر سفارة إسرائيلية تحولت إلى وكر للتجسس وليس لبناء علاقات بين الدول وعبر سماسرة للتطبيع من ساسة ورجال أعمال وصحفيين ورغم قلة عددهم ومحدودية دورهم إلا أنهم مثلوا رأس حربة للتطبيع الحرام فى إطار استراتيجية الاختراق الصهيوني لنا، وأهمية المقاومة العربية والإسلامية المشتركة لتلافي ولمواجهة هذا الخطر وهو ما لم يحدث للأسف بشكل عربى متكامل منذ 1979 وحتى اليوم 2014.

 المركز الأكاديمي الإسرائيلي:

أنشئ هذا المركز عام 1982، تطبيقاً لبنود اتفاقات كامب ديفيد، ولقد مارس المركز عملية مسح منظمة للمجتمع المصري اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ولعب في الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم 2014 من خلال رؤسائه الثلاثة عشر السابقين دوراً هاماً في اختراق مصر (تفاصيل ذلك فى الفصل الخاص بالمركز الأكاديمى فى الباب الرابع من الموسوعة) ولم يكن غريباً أن يتم اكتشاف عدة شبكات للتجسس  من الأمريكيين والإسرائيليين وبعض المصريين يعملون داخل المركز وينطلقون في تجسسهم من خلاله وذلك من أول شبكة كشفت في أوائل أغسطس 1985 وحتى الشبكات الأخيرة خلال أعوام ما قبل الثورة 2011 وما بعدها، ونظرة سريعة على الأبحاث السياسية والثقافية والاجتماعية التي قام بها المركز خلال حقبة الثمانينات وسنوات التطبيع الأولى تبرز لنا وبوضوح عمق الخطر الذي يمثله كأداة متقدمة للمخابرات الإسرائيلية “الموساد”، وكيف أن ما يقوم به هذا المركز من اختراق منظم للعقل المصري ما هو إلا مثالاً مصغراً لما ينتظر العقل العربي في حالة غياب وحدة العمل العربي المشترك تجاه التغلغل الإسرائيلي، فالمركز مثلاً أجرى أبحاثاً في الأصول العرقية للمجتمع المصري وفي كيفية تفتيت مصر طائفياً، وفي الوحدة الثقافية والعقائدية بين اليهودية والإسلام، وفي الشعر العربي الحديث، وقضايا التعليم والزراعة والميكنة الزراعية واستصلاح الأراضي وفي توزيع الدخل وحياة البدو والبربر، وكيفية السيطرة عليها وفي تأثير السلام على العقل العربي وغيرها من الأبحاث الهامة ومحاولة بناء العلاقات الأكثر أهمية مع كتاب كبار أمثال نجيب محفوظ وأنيس منصور وعبد العظيم رمضان وغيرهم (سنقرأ نماذج منها فى الفصل الخاص بالمركز الأكاديمى الإسرائيلى). وقديماً في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عمل العديد من الباحثين الأمريكيين واليهود في خدمة مشروع التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني.2 – التطبيع من خلال مؤتمرات الطب النفسي:

وفي السنوات الأولى للتطبيع أيضاً، وتحديداً خلال الفترة من  مارس 1980 وحتى 9/9/1981 قام البروفيسور الإسرائيلي الشهير “ستيفن كوهين” بعقد عدة صفقات بحثية هامة مع بعض أساتذة علم النفس المصريين وكان أشهر هذه الأبحاث هو بحث (رؤى الصراع) والذي اهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية للصراع، ومولته هيئة المعونة الأمريكية وجامعة نيويورك والمركز الأكاديمي الإسرائيلي ومثل الجانب المصري فيه كلا من د. قدري حفني، ود. محمد شعلان وعدد آخر من السياسيين الكبار، وفي مقدمتهم د. مصطفى خليل وغيرهم ممن لم يخجلوا من بناء علاقات مع إسرائيل قبل أن يعود للعرب والفلسطينيين المحتلة أرضهم وحقوقهم..

وفي بداية سنوات التطبيع أيضاً عقد أول مؤتمر لعلماء الطب النفسي الصهاينة والمصريين في فندق “ووترجيت ـ بواشنطن” في الفترة من 20 ـ 25 يناير 1980 وكان تحت عنوان “المعوقات النفسية في المفاوضات الدولية تطبيقاً على الصراع المصري الإسرائيلي” وقد مثل الجانب المصري في هذا المؤتمر د. محمود محفوظ وزير الصحة المصري الأسبق، د. عصام جلال مستشار وزارة الصحة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية للغدد الصماء، و د. محمد شعلان رئيس قسم الطب النفسي بجامعة القاهرة، د. عادل صادق أستاذ الطب النفسي المساعد بجامعة عين شمس، والراحل د. عبد العظيم رمضان أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية والكاتب الدائم بمجلة أكتوبر ـ قبل رحيله ـ وتحسين بشير والذي عمل هو أيضاً قبل رحيله بجامعة الدول العربية، وبالطبع لم ينشر شيء عن هذا المؤتمر في حينه بل ضرب حوله ستاراً متعمداً من السرية.

 أبرز مظاهر تجربة التطبيع السياسى / الاقتصادى فى سنوات التطبيع :

* يحدثنا التاريخ أنه قد تم افتتاح سفارة إسرائيل بالقاهرة يوم 26/2/1980 بعد أكثر من عام ونصف على توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979 ولقد تنوعت العلاقة بين الحكومة المصرية وإسرائيل وأضحى لها جوانب عديدة اقتصادية وسياسية وثقافية ، وسياحية ، وما يهمنا فى هذا المحور هو الجانب السياسى أو الدبلوماسى منها ، وهو الجانب الذى تولته سفارة إسرائيل بالقاهرة ، تلك السفارة التى ظلت لفترة وجيزة فى أحد الشوارع الجانبية بمنطقة الدقى بالجيزة ، أوائل الثمانينات ، ونتيجة للتحركات الشعبية الرافضة لوجودهم وأيضاً لاعتبارات أمنية إسرائيلية ، تم نقلها الى الدورين الأخيرين (أعلى العمارة المكونة من 15 طابقاً) فى العقار رقم 6 شارع ابن مالك بالجيزة والذى صار اسمه (شارع الشهيد محمد الدرة) تعبيراً من المجلس المحلى بالجيزة عن التضامن مع انتفاضة الشعب الفلسطينى من ناحية ورفضاً منهم – كما أعلنوا فى قرارهم – لوجود هذه السفارة بحيهم من ناحية أخرى ، والتى سيضطر رجالهم الى كتابة اسم الشهيد محمد الدرة على كل مراسلتهم مستقبلاً 0

ولقد تم اختيار الطابقين الأخيرين لاعتبارات أمنية بالأساس وربما لأسباب آخرى لم يفصح عنها من اختار العقار .

* نشأة وتطور العلاقات الدبلوماسية :

هذه (السفارة) توالى على رئاستها ، وتبوأ موقع السفير بداخلها اثنا عشر من رجال المخابرات ، وبالمناسبة فى داخل إسرائيل لا توجد غضاضة فى ان يتولى أمثال هؤلاء مواقع سياسية فلا فواصل هناك بين رجال الحرب ورجال الدبلوماسية ، وبين مستوطن ومجند ، فإسرائيل كما قال أحد كتابها الكبار(إزرائيل شاحاك) هى [جيش بنيت له دولة وليست دولة لها جيش]والمعنى مفهوم .

 

هؤلاء السفراء على التوالى هم :

1 – إلياهو بن اليسار (1980-1981): وهو أول سفير لإسرائيل بالقاهرة بعد افتتاح السفارة 29/2/1980 استمر لعام 1981 ولم يشهد اغتيال السادات لأن عمله انتهى قبلها بعدة أشهر، وكان على صلة وثيقة بالرئيس السادات ، وتأثر كثيراً باغتياله لاعتبارات الصداقة والعلاقات الدافئة التى كانت تربطه به ، وعلى يديه بدأت الخطوات الأولى لتطبيق الاتفاقات الموقعة فى كامب ديفيد 1979 ولقد أصدر كتاباً قبل وفاته 2001 حول تجربة وجوده فى مصر ذكر فيه العديد من الوقائع المهمة التى تحتاج الى عرض خاص 0

2 – موشيه ساسون (1981-1988) : وهو يعد من وجهة نظر من أرخ للعلاقات المصرية الإسرائيلية ، مهندس هذه العلاقات ، ولقد أصدر كتاباً بعنوان (سبع سنوات فى بلاد المصريين) وروى فيه كيف نبذه الشعب المصرى وبخاصة النقابات المهنية واهتم به فقط وزير الزراعة المصرى د0 يوسف والى الذى كان يستضيفه فى قريته بالفيوم وشهد عملية اغتيال السادات وسوف ننشر ملخصاً لكتابه فى الباب (الثقافى) ، والكتاب ترجمة مركز يافا للدراسات ونشرته دار الكتاب العربى بدمشق والقاهرة عام 1999

3 – شيمون شامير (1988-1991): وهو باحث مشهور ويعود له الدور الأكبر فى بناء استراتيجية إسرائيلية للتدخل والاختراق الثقافى لمصر ، حيث أنشأ عام 1982 المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة [يقع مقر هذا المركز فى 92 شارع النيل خلف شيراتون القاهرة وأعلى منزل الكاتب المصرى الكبير محمد حسنين هيكل] ، وهذا الرجل تولى منصب السفير بعد ان كان قد نسج سلسلة من العلاقات مع بعض رجال الثقافة والأدب والتاريخ (مثل عبد العظيم رمضان وتحسين شنن ، ونجيب محفوظ وعلى سالم وأمين المهدى وغيرهم) ودوره فى تولى منصب السفير يؤكد بوضوح حجم التداخل بين السياسى والثقافى لدى إسرائيل 0

4 – إفرايم دوناك : وعمل خلال الفترة (1991-1992)

5 – جبرائيل واربورج (1992) : وهو أحد كبار المتخصصين فى الشأن المصرى ، ومثله مثل (شيمون شامير) ، اذ بعد توليه لمنصب مدير المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة لفترة هامة ، شهدت عملية شراء واسعة للآثار وللكتب اليهودية المصرية تحت زعم عمل مكتبات للاطلاع داخل المعابد اليهودية بالقاهرة ، بعد ذلك قام بتولى منصب السفير فاهتم أيضاً بتهويد تاريخ وآثار مصر عبر أساليب مبتكرة 0

6 – ديفيد سلطان (1992-1996): وكان يتمتع بخبرة جيدة فى محاولة جذب المثقفين المصريين ممن آمن بالتطبيع ، وكان صديقاً شخصياً للكاتب الراحل لطفى الخولى ولعلى سالم وصلاح بسيونى ومصطفى خليل وعبد المنعم سعيد ، والمخرج التليفزيونى غير المعروف نبيل فودة الذى حاول تأسيس جمعية للصداقة المصرية – الإسرائيلية فرفض القضاء طلبه ، فضلاً عن غيره من رجال تحالف كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام ‍‍‍‍، ولقد كشف علاقاته به فى كتاب أصدره لاحقاً ، وسوف نورد فى القسم الثقافى ملخصاً له .

7 – تسفى مازئيل (1996-2001):والذى استمر عمله فى مص 4سنوات وكان هذا السفير الأضعف حيلة فى مجال نشاطه السياسى وجاءت فترة عمله فى وقت حرج، حين انتصرت فيه المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله(يوم 25/5/2000)ثم الانتفاضة الفلسطينية (28/9/2000) التى تعاطف الشارع المصرى معها بطرق ووسائل عدة جاءت كل هذه الأحداث لتزيد من حصار السفير وطاقمه،الأمر الذى دفعه لطلب سرعة انهاء خدمته فى مصر.

8 – جدعون بن عامى (2001-2003): وقد تم تعيينه وسط احتجاجات شعبية مصرية واستياء عام لأنه جاء فى نهاية شهر يناير 2001 فى ذروة الانتفاضة الفلسطينية والتى كان متوقعاً ان تؤثر فى مسألة العلاقات الدبلوماسية الا أن الأمر لم يسر وفقاً لحركة الواقع،وتم تعيين هذا السفير وكان يبلغ عند تعيينه من العمر 63عاماً وكان يشغل نائب رئيس مركز الأبحاث السياسية فى وزارة الخارجية الإسرائيلية وهو من أبرز الخبراء فى الشئون العربية ومن الذين عملوا مع الموساد الإسرائيلى بوضوح فى مجال الدراسات ، وهو من المتعاونين مع تحالف كوبنهاجن الشهير الذى أنشأه مجموعة من المثقفين العرب والجنرالات الإسرائيليين السابقين المؤمنين بالتطبيع (عرباً ويهوداً) 1998،كما سبق وأشرنا وكما سنلخص فى (الباب الثقافى) .

9 – إيلى شاكيد (2004-2005) : متخصص فى الشئون الاقتصادية وبخاصة اتفاقيات الغاز والكويز التى ساهم بدور فعال فى توقيعها مع مصر خلال عامى (2004 – 2005) .

10 – شالوم كوهين (2005-2006) : وهو يهودي من أصل تونسي وتم تعيينه عام 2005 وهو مهتم بالتطبيع الثقافى ومطالبته المستمرة بزيادة وتيرة التطبيع مع إسرائيل، ومن مواقفه المعروفة زيارته لوزير الثقافة المصرى فاروق حسنى واعتراضه لديه على عرض فيلم عادل إمام “السفارة فى العمارة” ومطالبته بأن يتم إيقاف عرضه لأنه – على حد قوله – يسيىء للعلاقات المصرية الإسرائيلية ويشوه دور السفارة الإسرائيلية فى القاهرة .

11 – اسحاق ليفانون (وامتدت فترة عمله من نوفمبر 2009 حتى ديسمبر 2011 وهو ابن جاسوسة إسرائيلية معروفة فى الستينات وعمل هو أيضاً فى خدمة الموساد لسنوات طويلة.

12 – ياكوف عميتاى (واستمر من ديسمبر 2011 حتى عام 2014) وهو من كبار المتخصصين فى الشأن المصرى وسبق له العمل أيضاً فى الخدمة السرية داخل إسرائيل.

 

(3)

وكلاء اسرائيل فى مصر فى مجال الاقتصاد

* تؤكد موسوعة التطبيع والمطبعون فى مصر 1979-2011 فى أحد أجزائها المهمة أن شبكة العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية لابد وأن تكون مكتملة لذا كان لابد من وجود (قناصل) لإسرائيل فى مصر يمثلون الذراع التجارى والاجتماعى والاقتصادى لها ، وقد كان ، حيث أنشئت قنصليتان احداهما فى الاسكندرية والثانية (الرئيسية أو القنصلية العامة) فى القاهرة وذلك منذ بداية الثمانينات ، والأخيرة كان يتولى رئاستها حتى فترة قريبة أحد خبراء الأمن الإسرائيلى واسمه [ايلى ليفى] ،ومهمته مساعدة النشاط الدبلوماسى للسفارة الإسرائيلية فى مزيد من التدخل والتعامل السياسى والتجارى مع شرائح وفئات المجتمع المصرى الاقتصادية.

المعلومات والأرقام المتاحة عن حجم ونوع العلاقات الاقتصادية والثقافية المصرية الإسرائيلية التى تولاها السفراء والقناصل ، تؤكد حقيقة ، غير متوقعة – وهى أنه رغم ما كان يبدو من توتر فى العلاقات السياسية – أحياناً – فى عهد حسنى مبارك ، ورغم جمود (المستوى السياسى) للعلاقات فى بعض الفترات خاصة إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005) ، فإن العلاقات الاقتصادية والسياسية ، وبالأخص (الاقتصادية) كانت فى تزايد ونمو ملحوظ حيث تم توقيع اتفاقية الكويز الاقتصادية وعاد السفير المصرى الى تل أبيب ، وأطلق الجاسوس عزام متعب عزام ولعبت مصر دوراً مهماً فى اتفاقات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد تفاهمات شرم الشيخ (مارس 2005) ووقع اتفاق الغاز وسبق كل هذه التطورات نمو ملحوظ على مستوى العلاقات الاقتصادية الرسمية ، وبعودة إلى الأرقام التاريخية وقتها نكتشف أنه فى عام 1997 – كنموذج لسنوات التسعينات – مثل البترول المصرى المصدر الأول للطاقة بالنسبة لإسرائيل 30% من احتياجاتها البترولية الاجمالية ، وبعد ان كانت صادرات مصر لإسرائيل عام 1980 تصل الى 12 مليون دولار فى العام اذ بها عام 1996 (بعد انتخاب نتنياهو) تصل الى 116.84 مليون دولار ، وعام 1997 الى 107 مليون دولار ، وفى عام 1980 كان اجمالى الواردات المصرية من إسرائيل يصل الى 7 بلايين دولار ، قفزت فى عام 1996 الى 124.7 مليون دولار ، وفى عام 1997 الى 142.26 مليون دولار واليوم وصلت الى حوالي 300 مليون دولار ، والأخطر من هذه القفزات الرقمية هو انه بقياس ما تصدره مصر الى إسرائيل يمثل 9.72% عام 1996 و8.05% عام 1997 وهما رقمان غاية فى الدلالة اذا علمنا ان اجمالى صادرات مصـر الى الدول العربية فى نفس العامين على التوالى هى 69.1% عام 1996 و63.5% عام 1997.

(المصدر : وزارة التجارة – مصر – صادرات مصر عامى 1996/1997 – القاهرة فبراير 1998) والأمر ازداد دفئاً فى عهد باراك بل وفى أيام الانتفاضة (28/9/2000) وما تلاها حتى مرحلة شارون وتفاهمات شرم الشيخ ثم مرحلة اولمرت ومن تلاه حتى ثورة 25/1/2011 .

* ولعل أبرز المشاريع الاقتصادية بين الحكومتين خلال سنوات التطبيع الأولى هى المشاريع التى تمت فى القطاع النفطى والثقافى والزراعى بفضل وجود يوسف والى وزير الزراعة الأسبق الذى اشتهر بدوره التطبيعى الواسع مع العدو الصهيونى فى مجال التطبيع الزراعى وبخاصة فى مجالات (الأسمدة – البذور – المبيدات الإسرائيلية والتى كانت تمثل 45% من السلع التى يستخدمها الفلاح المصرى) ووجدت فى عهد مبارك ، لإسرائيل ثلاث مستوطنات زراعية موسعة فى كل من المنوفية – العامرية – طريق الاسكندرية الصحراوى وهى ملكية خاصة لهم ، وكانت وزارة الزراعة تصدر حوالى 30 سلعة وتستورد من إسرائيل وحدها 46 سلعة زراعية وفواكه [والفصل الخاص بالتطبيع الزراعى سيكشف تفاصيل أشد خطراً ]، وفى نفس المجال الاقتصادى أنشئت مصفاة للبترول فى الاسكندرية أسسها بعض رجال الاعمال المصريين والإسرائيليين عام 1994 وسميت مصفاة نفط الشرق الأوسط وبدأت عملها الفعلى عام (1998) وتكلفت مليار دولار واشتركت فيها الهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 20% ، وبنفس الإطراد فى المجال الاقتصادى انسحب الأمر على النشاط السياحى كما سنتابع تفصيلاً فى أبواب الموسوعة (التى ستنشر فى الأسواق خلال شهر سبتمبر القادم 2014).

أبرز وكلاء إسرائيل فى مصر فى مجال التطبيع الاقتصادى فى سنوات التطبيع الأولى:

* لأن الاقتصاد – كما هو معلوم – هو عصب الحياة فى المجتمعات المعاصرة ، والكيان الصهيونى أدرك ذلك جيداً ومبكراً ، ولذلك حاول ولايزال اختراق الاقتصاد العربى وتحويله الى مجرد اقتصاد مهلهل ، لا وزن ولا دور له فى نهضة مجتمعاتنا يساندهم فى ذلك المخطط الشيطانى شبكة واسعة من المساندات الغربية والامريكية ، استطاعت ونجحت – للأسف – فيما أرادته 0

* وكان لاتفاقات التسوية وبالأخص مع أهم دولة عربية (مصر) منذ عام 1979 ، الدور الرئيسى فى تحقيق الاختراق الإسرائيلى للاقتصاد العربى بمساندة امريكية تستهدف تركيع هذه المجتمعات وقبولها للسلام الأمريكى/الإسرائيلى الذى هو حتماً يعنى الاستسلام والركوع!!

* الا ان مصر الشعبية قاومت ، رغم استمراء (مصر الرسمية) وتوغلها فى التطبيع الاقتصادى مع إسرائيل وبالأخص فى قطاعى البترول والزراعة ، وشعبياً كانت المقاومة لهذا التطبيع حاضرة وعلى كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية كانت قوية وصامدة ولم تخترق بالكامل                                                                         الشركات الإسرائيلية التى عملت فى مصر خلال سنوات التطبيع الأولى

1 – شركة دلتا تكستايل إيجيبت : كان مقرها المنطقة الصناعية بمدينة نصر ، وهى توكيل (سان مايكل) ، وهذه الشركة إسرائيلية برأسمال يهودى ، والقيادات فى هذه الشركة من مديرين ورؤساء قطاعات وأقسام كلهم من اليهود من جنسيات مختلفة اما العمالة فقط فهى من المصريين ، ومارست هذه الشركة عملها بمصر بموجب القوانين المنظمة للاستثمار بالمنطقة الحرة ، وهى متخصصة فى المنسوجات القطنية والملابس الداخلية 0

2 – ميرال لينش : وهى شركة يهودية أمريكية برأسمال يهودى ، وهذه الشركة هى المسيطرة على أعمال البورصة المصرية ، وهى من آثار الخصخصة التى اتبعتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأول من التسعينات .

3 – مجمع ميدور لتكرير البترول : مقره الإسكندرية ، وهى شركة مصرية – إسرائيلية مشتركة لتكرير البترول وتم تصفية حصة إسرائيل فيها مؤخراً ، وكان أبرز المساهمين فيها من مصر رجل الأعمال حسين سالم وكان صديقاً مقرباً للرئيس السابق حسنى مبارك وكان له دور مشبوه في توقيع اتفاقية توصيل الغاز المصري إلي إسرائيل وحكم عليه بالسجن ، والآن هو هارب خارج مصر فى أسبانيا بعد ثورة 25 يناير ومتهم فى ثلاث قضايا جنائية تتصل بالعلاقات مع العدو الصهيونى .

** أبرز  وكلاء الشركات الإسرائيلية فى مصر :

– المجال الزراعى :

1 – شركة كارمل .

2 – شركة أجرولاند .

3 – الشركة الاستشارية للمشروعات والاستمار ” بيكو ” : لصاحبها صلاح دياب ، وهو صاحب جريدة (المصرى اليوم) ، وتعمل هذه الشركة فى مجال استيراد التقاوى والمخصبات الزراعية ومعدات الرى الإسرائيلية منذ عام 1990 ، وتضم الشركة مجموعة من الخبراء الإسرائيليين فى مجال الزراعة ، كما تقوم بزراعة شتلات الفاكهة والخضر (الموز – الفراولة) المستورد بعضها من إسرائيل .

4 – مجموعة المغربى الزراعية .

5 – شركة تكنوجرين .

6 – شركة سيف أجريت : وهم وكلاء شركة تتانيم الإسرائيلية والمتخصصة فى عمليات الرى بالتنقيط ووكلاء لشركة أركال الإسرائيلية 0

7 – شركة أجروتك .

8 – مجموعة شركات (هريزا – حيفا – كلال) : وهذه الشركات توكيلات مباشرة للشركات الإسرائيلية وتحمل نفس الأسماء فى مصر ومقرها طريق مصر الفيوم الصحراوى وتقوم بالترويج للمنتجات الزراعية الإسرائيلية ومستلزمات الانتاج وآلات الميكنة الزراعية بجميع أنواعها فى مصر.

9 – مجلس المحاصيل البستانية : ويتعاون منذ عام 1981 مع شركة (أجروكيميالز) الإسرائيلية فى مجال استيراد آلات زراعية إسرائيلية 0

10 – شركة زين الدين للاستيراد والتصدير .

11 – شركة ستار سيدس إيجبيت .

** فى المجال التجارى والالكترونى :

1 – المجموعة الاستشارية للدواجن (إيباج) : ومقرها مدينة القاهرة ، وتستورد من شركة تنيواف الإسرائيلية كتاكيت رومى من نوع (بيج سكس) 0

2 – المجموعة الدولية للتوريدات : وتقوم باستيراد بعض طيور النعام الإسرائيلى لمنافستها بمثيلاتها المستوردة من الدول الأخيرة التى ترتفع فيها تكاليف الشحن بصورة كبيرة 0

3 – مجموعة شركات بهجت : تقوم هذه الشركة باستيراد مكونات أجهزة التكييف التى تصنعها تحت اسم (يورو إير) والمكونات الالكترونية المصنعة فى إسرائيل

4 – شركة كاتو أروماتيك : ومقرها مدينة القاهرة لصاحبها ابراهيم كامل الذى يمتلك حصة قدرها 5% من المجمع الصناعى العسكرى الإسرائيلى (كور) ، ويعمل فى مجال تكنولوجيا الاتصالات وصناعة الكيماويات والانشاء والتشييد وانتاج المعدات الإسرائيلية.

– فى المجال الصناعى :

– الشركات السويسرية للملابس الجاهزة (سويس جارمنتز) .

– فى المجال الملاحى :

1 – شركة إليكس جروب : وهى وكيل لشركة (زيم) الإسرائيلية للملاحة البحرية منذ عام 1981 ، وجميع صادرات مصر الى القارة الافريقية تنقل عبر هذه الشركة ، نظراً لعدم وجود أسطول بحرى تجارى مصرى .

* ويعتبر جورج سورس ، رجل الاعمال اليهودى الأمريكى من أخطر رجال الاعمال اليهود على الاقتصاد المصرى ، وقد تردد أنه حضر الى مصر خلال التسعينات تقريباً لممارسة أعماله فى البورصة المصرية ، ومصدر التخوف لدى رجال الاعمال المصريين بسبب ما قيل عنه فى السابق حيث نسب له انه كان العامل الرئيسى فى تدمير بورصة شمال آسيا من خلال مضارباته غير المشروعة والتى تتسبب فى ارتفاعات وانخفاضات غير طبيعية ، مما يؤدى الى تدهور احوال البورصة والقضاء على العديد من المضاربين فيها .

*اطار عملية السلام الراهنة والعولمة سعت إسرائيل للعودة الى مصر مجدداً عن طريق عدة مداخل :

أولهما : اتفاقات مباشرة مع الحكومة المصرية مثل (مجمع ميدور – شركة دلتا تكستايل) وكان هذا يتم بقرار سياسى مباشر من حاكم مصر (أنور السادات ثم حسنى مبارك) .

ثانيهما : عمليات تحتية ، بحيث يدخل بعض اليهود الإسرائيليين بشراء شركات مصرية أو أسهم فيها بأسماء مستعارة أو عن طريق بعض السماسرة المصريين ثم يظهرون حقيقية ملكيتهم لهذه الشركات والأسهم فى فترة لاحقة ، ويتواجدون بشكل رسمى فى إطار نظام الخصخصة الذى تطبقه الحكومة المصرية فى الفترة الأخيرة 0

ثالثهما : محاولة استعادة ملكيتهم للشركات والممتلكات القديمة لهم فى مصر على شاكلة (بنزايون  – صيدناوى – شيكوريل – قطاوى – وغيرهم) ، وأحياناً الدعوة لعودتهم كما فعل د. عصام العريان إبان حكم الإخوان لمصر عام 2012 وأثار ضجة كبيرة ضده وضد جماعته انتهت بخلعهم من حكم مصر .

* ويوجد لإسرائيل بمصر عدد من السماسرة الذين يقومون بتسهيل مهمة اليهود الإسرائيليين فى شراء بعض الشركات والمشروعات المختلفة فى مصر ، ويعد المدعو (نهاد . س) أبرز سماسرتهم فى هذا المجال بمنطقة سيناء ، الذى تاجر باسم الأديان لمصلحة إسرائيل وقام بخطة لبناء مستوطنة إسرائيلية بمشروع المشاتل فى طابا ، وتم اجهاض هذه الخطة ، وهو ما كشفته بعض الصحف المصرية خلال الفترة الأخيرة ، (كما سنرى تفصيلاً ، فى الفصول القادمة من الموسوعة) .

هذا وقد وقعت إسرائيل مع مصر اتفاقيتين مهمتين للغاية فى مجال التطبيع الاقتصادى هما كما سبق وأشرنا ، اتفاقية الكويز فى (14/12/2004) واتفاقية توصيل الغاز فى (30/6/2005) [وقامت الموسوعة بوضع فصل كامل لهم فى الباب الاقتصادى يفصل الأبعاد والأسرار والحقائق بشأن هذه الصفقات التطبيعية الاقتصادية المشبوهة] :

كيف كانت سبل المواجهة للاختراق: تقييم عام.

نعتقد أن حجم الاختراق الإسرائيلي للعقل العربي الذي تم في سنوات التطبيع الأولى ظل محصوراً في نطاق النموذجين المصري والأردني من ناحية، وفي نطاق التعاون غير المباشر عربياً مع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية من ناحية أخرى، لقد كانت المواجهة بالإجمال ضعيفة وغير منسقة الأدوار رغم النجاحات المحدودة لبعضها كما هو الحال في مصر، وباستعراض نموذج واحد (مبكر جداً) من نماذج المواجهة المصرية المنفردة للاختراق الصهيوني للعقل المصري، يمكننا أن نخلص إلى عدد من الدلالات الهامة قد تفيد في مجال التدعيم العربي لمصر في هذا الجانب، والنموذج الذي نقدمه هنا شارك فيه كاتب هذه السطور شخصياً، وعاصر تجربته وهو نموذج (معرض القاهرة الدولي السابع عشر للكتاب) في 22 يناير 1985، فلقد التحم الشعب المصري بمثقفيه ودور النشر الوطنية والأحزاب السياسية وهيئات التدريس بجامعات مصر والنقابات الوطنية، في مواجهة الوجود الإسرائيلي بالمعرض واستطاع أن يحول أرض المعرض لمواجهة حقيقية ترفض التطبيع والاختراق العقلي والعنصرية الثقافية والسياسية ، ولنتأمل فقط الجهات التي واجهت بالكلمة أو بالمظاهرة أو بالسجن الاختراق الصهيوني: (أحزاب: العمل ـ التجمع ـ الوفد ـ الإخوان المسلمين ـ الناصرين ـ رؤساء ونقباء وأعضاء نقابات/ الصحفيين ـ المحامين ـ اتحاد النقابات الفنية ـ نقابة التشكيلين ـ اتحاد عمال التجارة العرب ـ اتحاد الفلاحين المصريين ـ جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية ـ المنظمة العربية لحقوق الإنسان ـ اللجنة العربية لتخليد القائد جمال عبد الناصر ـ المنظمة العربية لمكافحة الاستعمار والدفاع عن السلام واللجنة القومية لمناصرة شعب فلسطين ولبنان واللجنة المصرية للدفاع عن الحريات ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية وبعض أعضاء مجلس الشعب ومجالس النقابات المهنية والعمالية ومجالس إدارات نوادي هيئات التدريس واتحادات الطلاب وعدد من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين والناشرين).

* وبنظرة سريعة على تركيبة القوى المصرية المشاركة في رفض هذا الوجود والاختراق الصهيوني، يؤدي بنا إلى نتيجة هامة وهي أن الشعب المصري ككل كان رافضاً في تلك الفترة لهذا الاختراق، وأنه بمفرده فقط كان في المواجهة، وينبغي أن نتذكر هنا أيضاً أن النقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة الصحفيين (انظر الباب الخاص بالتطبيع الإعلامى (الباب الثالث) : وكذلك قسم الوثائق فى نهاية الموسوعة) قد أصدرت في تلك الفترة قرارات حاسمة ـ لا تزال سارية حتى اليوم ـ برفض وتحريم كافة أشكال التطبيع المهني والثقافي مع إسرائيل ولم تؤازرها وقتها النقابات العربية بالقدر الكافي، وهنا يبرز الاتجاه الثاني المتصل بالدور العربي وأهمية وجوده بعد الغياب الطويل وأحياناً المقصود، وكان متوقعاً أن يكون هذا الوجود من خلال الدعم الأدبي والسياسي والتنسيق المشترك مع القوى المصرية السابقة ومن خلال المؤتمرات واللقاءات المشتركة على مستوى الأقطار أولاً ثم على مستوى الجامعة العربية ومؤسساتها الثقافية ثانياً، وهو ما لم يحدث بل إن دوراً مفترضاً كان ينبغي أن تلعبه منظمة “الاليسكو” المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، في مثل هذا المجال (مجال مواجهة التطبيع الثقافي تحديداً) سواء من خلال المجلات والدوريات التي تصدر عنها أو من خلال المؤتمرات والاتفاقات الثقافية التي تعقدها مع الجهات الوطنية المصرية الرافضة للتطبيع الثقافي، وهي الجهات السابقة وغيرها، وأيضاً من خلال حذرها الشديد في مجال الاتفاقات الدولية التي تعقدها مع المؤسسات الثقافية الغربية، والتي قد يتواجد بها الصهاينة، ولكن للأسف لم يتم هذا الدور بل حدث العكس وتخلى المحيط العربي عن التنسيق والدعم في تلك الفترة القلقة والخطيرة في تاريخ التطبيع مع العدو الصهيوني، وكأن قدر أصحاب التجربة المصرية في المواجهة أن يظلوا لوحدهم فيها، إلى أن بدأت في سنوات التطبيع الأولى (النصف الأول من الثمانينات تحديداً) انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة (1987) وتلتها انتصارات المقاومة اللبنانية وبعض المقاومات الإسلامية الأخرى ليمثلوا جميعاً دعائم مباشرة لعمليات مقاومة التطبيع المصرية ليس في الثقافة فحسب بل وأيضاً في السياسة التي بدأت تأخذ بعداً مسلحاً من خلال (سليمان خاطر) وتنظيم ثورة مصر (محمود نور الدين) و(أيمن حسن) لاحقاً (تم وضع فصل كامل فى الموسوعة لما أسماه المؤلف بـ ” المقاومة المسلحة للتطبيع ” .

* إن تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر لاتزال تحتاج إلى أكبر إضاءة ممكنة عن أسرارها وتفاعلاتها، ووثائقها وهو ما حاولت – بقدر الإمكان – هذه الموسوعة القيام به ، ونحسب أنه رغم التطبيع الرسمي المصري المستمر حتى اليوم – 2014 – مع إسرائيل، لم يكن له أن يظل مداناً أخلاقياً وأدبياً، ومحسوراً في زمرة من المنبوذين من النخبة (الإعلامية والسياسية والاقتصادية) إلا بفضل تلك المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة التي وضعت أسسها ولبناتها الأولى في الثمانينات من القرن الماضي، والتي توالى البناء عليها في التسعينات ثم السنوات العشر الأولى من هذا القرن – وهو ما تولى رصده وتحليله الأبواب الستة المكونة للموسوعة – ورغم صخب المطبعين على اختلاف مشاربهم ومساندة أنظمة الحكم لهم (وتحديداً النظام المصري) إلا أن، التطبيع لا يزال حتى لحظة كتابة هذه الدراسة يمثل فعلاً فاضحاً يتحاشى الجميع – وفي مقدمتهم هؤلاء المطبعين – أن يوسموا به، وفي ذلك شهادة حية على جدوى مقاومة التطبيع (الثقافي والسياسي والاقتصادي) حتى ولو بالكلمة وعلى أهمية وجدوى العمل الدؤوب على فضح أستاره، ورجاله، ومؤسساته، وجدوى استثمار دور الفتوى الدينية (الإسلامية والمسيحية) (التى أوردنا لها فصلاً خاصاً فصل فى الموسوعة) في تحريمه، فقضيتنا مع هذا العدو طويلة ومركبة، وصراعنا معه صراع بقاء ووجود، ولأنه كذلك فكل فعل مقاوم (بالفكر أو بالسلاح) يصب لصالح إنهاء هذا الكيان الدخيل على أرضنا وثقافتنا، وتاريخنا؛هو فعل مقدر ومقدس!! .

 

(4)

من الاقتصاد إلى الدين .. بيع الوطن بالفتوى !!

* إن التطبيع السياسى بين الكيان الإسرائيلى ومصر خلال الفترة التالية لزيارة السادات للقدس فى نوفمبر 1977 ، وحتى اليوم (2014) ، حكمته العديد من الاتفاقات والمعاهدات السياسية والقانونية ، كان أهمها وأبرزها (معاهدة السلام) التى سميت شعبياً باتفاقية كامب ديفيد (وهو أمر غير دقيق فثمة فوارق سياسية وتاريخية وقانونية بينهما معلومة لدى المتخصصين) .

إن التاريخ ينبئنا بأن (العلاقات المصرية – الإسرائيلية) ضبطت خطواتها وأطرها العامة ثلاث اتفاقيات (كما سبق وأشرنا) ، الأولى : كامب ديفيد ووقعت فى 17/9/1978 – ومعاهدة السلام فى 26/3/1979 واتفاقية القوات متعددة الجنسية 3/8/1981 . هذه الاتفاقات مثلت الإطار الحاكم للعلاقات ، وتحت القواعد التى أرستها تم تبادل السفراء وافتتاح السفارات والقنصليات وإنشاء المراكز البحثية والتبادل التجارى والسياسى والاقتصادى والعسكرى ، وخلال الفترة من 1980 (تاريخ افتتاح سفارة لإسرائيل فى مصر) حتى 2014 تولى 12 من رجال المخابرات الإسرائيلية مناصب السفراء الصهاينة فى مصر ، سبق ذكرهم فى (الحلقة الثانية) وبعضهم أصدر كتباً يحكى فيها تفاصيل اختراقه وتطبيعه مع النخبة السياسية والثقافية المصرية ومن أشهرهم (موشيه ساسون) الذى استمر سفير لإسرائيل لمدة سبع سنوات ، وسمى بمهندس العلاقات المصرية – الإسرائيلية وكتابه يحمل عنوان (سبع سنوات فى بلاد المصريين) وكذلك كتاب ديفيد بن سلطان وغيرهم .

أما بالنسبة للسفراء المصريين الذين تولوا موقع السفير لدى الكيان الصهيونى خلال الفترة من 1980 (موعد افتتاح سفارة لمصر فى إسرائيل) حتى اليوم فـهم:

سعد مرتضى (1980 – 1982) .

محمد بسيونى (1986 – 2000) .

محمد عاصم إبراهيم : (17 مارس 2005 – 15 سبتمبر 2008) .

ياسر رضا على عبدالله سعيد : (17 سبتمبر 2008 – 1 سبتمبر 2012) .

عاطف محمد سالم سيد الأهل : (2 سبتمبر 2012 حتى 2014) .

***

* لقد قام هؤلاء السفراء وتلك الاتفاقية (كامب ديفيد) والمعاهدة (معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية) بفرض التطبيع السياسى بكافة مضامينه ووسائله على المصريين قافزة على حقائق التاريخ والجغرافيا التى تؤكد لأبسط دارسى العلوم السياسية أننا إزاء عدو استراتيجى لمصر وللأمة ، لا تصلح معه ولا تستقيم إقامة علاقات طبيعية كما حاول أو روج لها نفر من النخبة الثقافية ومن رجال الأعمال الذين وصفوا لدى إسرائيل بأنهم من العملاء الصغار المخلصين !! .

من الأوراق الأولى للتطبيع الاقتصادى :

وإذا كان التطبيع السياسى هو وسيلة إسرائيل لتحقيق أهدافها فى مصر وفى المنطقة العربية؛ فإن التطبيع الاقتصادى (الذى خصصت له الموسوعة الباب الثانى كاملاً) كان هو الهدف الأهم لهذه التسوية “الاتفاقية” ، وهو جائزتها الكبرى عند الإسرائيليين. لقد كان التفاعل الاقتصادى مع مصر هو حلم إسرائيل، وأمل قادتها ومفكريها، وكان حلم نقل مياه النيل لإسرائيل واحداً من هذه المطالب الاقتصادية من التطبيع المرجو من الإسرائيليين .

ثم إن التطبيع بالإضافة إلى كونه كان أملاً وهدفاً لكسر الحصار الاقتصادى حول إسرائيل، فإن واقع الاقتصاد الإسرائيلى فى السنوات السابقة على التسوية جعله ضرورة، استناداً إلى المصادر الإسرائيلية ذاتها، ولقد أشار د/جلال أمين عام 1982 فى بحثه القيم عن “محنة الاقتصاد والثقافة فى مصر إلى ” أن فتح أسواق جديدة للتصدير قد أصبح مطلباً ملحاً وعلى أكبر قدر من الأهمية من مطالب السياسة الإسرائيلية”، وأن فتح السوق المصرية بالذات يحمل بالنسبة للسياسة الاقتصادية الإسرائيلية  أهمية متميزة، وعدَّد عوامل إغراءات السوق المصرية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلى.

والتطبيع الاقتصادى – فى الفكر الإسرائيلى هو السبيل لاختراق بنيان الاقتصاد العربى كله، والحيلولة دون إمكانية قيام تنسيق أو تكامل اقتصادى عربى خالص بين دول هذه المنطقة، كما أنه ضرورة لتعزيز السلام، بقدر ما هو حاجة من احتياجات الاقتصاد الإسرائيلى، وإذا كانت الضمانات الأمنية، ونزع السلاح، والتعاون الاستراتيجى مع الولايات المتحدة تمثل الضمانات اللازمة لفرض السلام، فإن التدفق الحر للسلع والأفكار هما وحدهما الدعامتان القادرتان على تعزيز التسوية، وإكسابها الصيغة الوحيدة المقبولة وفقا للمفهوم الإسرائيلى.

وقد نجحت إسرائيل – خلال الممارسة- إلى فرض التطبيع الاقتصادى، من خلال الإطار السياسى كجزء لا يتجزأ من معاهدة السلام، ففرضت المبدأ فى اتفاقية الإطار فى كامب ديفيد، ثم أكدته ضمن بنود معاهدة السلام بواشنطن، كما فصلت عناصره فى الملحق الثالث للمعاهدة (انظر : نصها فى نهاية هذا الفصل) ، ولم تترك للجان الاقتصادية الكثير مما يمكن أن تقوم به. فقد تضمنت “معاهدة السلام” اتفاق الطرفين على أن “العلاقات الطبيعية التى ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية” ، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع التمييزى ضد حرية انتقال الأفراد والسلع..” .

كما فصل الملحق الثالث للاتفاقية، الأحكام العامة لتحقيق هذا الهدف، وعالج العلاقات الدبلوماسية والقنصلية والعلاقات الاقتصادية والتجارية والعلاقات الثقافية، وحرية التنقل، والتعاون فى سبيل التنمية وحسن الجوار والتنقل والمواصلات، والتمتع بحقوق الإنسان، والمياه الإقليمية..

* وقد حدد الاتفاق فترة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر بعد الانسحاب المبدئى ، لكى يدخل الطرفان فى مفاوضات من أجل توقيع اتفاقات تطبيع فى المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية، والنقل والمواصلات، ولم يحدد حدا أقصى للمدى الزمنى للانتهاء من هذه المفاوضات والتوصل إلى الاتفاقات المطلوبة حتى يظل الحوار والتفاوض فى هذه المسائل متصلاً دون انقطاع.

* وقد صدر فى كل من مصر وإسرائيل فى أعقاب الانسحاب الإسرائيلى المبدئى قرار بإنشاء “لجنة عليا للتطبيع” فى كل بلد على حدة، تولى رئاسة اللجنة الإسرائيلية “عيزرا ويزمان” وزير الدفاع، بينما تولى رئاسة اللجنة المصرية فى البداية د/ بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية، ثم تولاها بعده الفريق كمال حسن على وزير الدفاع، وأنيط بهما توجيه مفاوضات التطبيع، وانبثقت عن اللجنة العليا للتطبيع بين يوم وليلة سبع لجان فرعية تختص بموضوعات الثقافة والتجارة والسياحة والمواصلات والنقل الجوى والبرى والطيران والزراعة، وقد استغرقت مفاوضات “تطبيع العلاقات” بين مصر وإسرائيل نحو ثلاثة أشهر، ثم خلالها التوصل إلى تسع اتفاقيات، بمعدل اتفاقية واحدة كل عشرة أيام، وقد صدقت حكومة إسرائيل على اتفاق الطيران فى 1/6/1980، بينما لم تحله الحكومة المصرية لمجلس الشعب إلا بعد أكثر من عام، وذلك فى شهر أبريل 1981. وتضمنت اتفاقات النقل البرى والنقل البحرى والمواصلات والاتصالات تسيير خط أتوبيس مشترك بين مصر وإسرائيل ، والاتفاق على مد خط سكة حديد عبر سيناء بينهما.

كما جرى التوقيع على الاتفاقية التجارية بالأحرف الأولى فى القاهرة فى 20/4/1980، وتتكون الاتفاقية من 11 مادة أهمها تطبيق مبدأ “الدولة الأولى بالرعاية” بين كلتا الدولتين، وإن كانت المادة الثالثة من الاتفاقية قد استثنت من تطبيق هذا المبدأ ثلاث حالات هى : التفضيلات الناجمة عن انضمام أى من الطرفين إلى اتحاد جمركى أو منطقة تجارة حرة حاليا أو مستقبلا، أو تلك الناجمة حاليا أو مستقبلا عن الترتيبات متعددة الأطراف التى تهدف إلى تأسيس أو استكمال إقامة أى شكل من أشكال التكامل . وتقضى الاتفاقية التجارية بتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين ممثلى مصر وإسرائيل، تجتمع مرة واحدة كل عام وبالتناوب. وتختص هذه اللجنة بمراجعة سير وتنفيذ الاتفاقية واستعراض تطور التجارة وانسياب السلع بين مصر وإسرائيل، والتشاور وحل المشكلات التى قد تنشأ عن وضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ ، وقد صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية فى 1/6/1980 بينما لم يصادق عليها مجلس الشعب إلا فى 30/3/1981. وقد انتهى التنسيق والتعاون التجارى بين كل من البلدين إلى توقيع اتفاقية أو بروتوكول الكويز فى 14 ديسمبر 2004 ، ولم تقبل الحكومة المصرية مجرد طرحه للمناقشة فى مجلس الشعب المصرى، أو عرضه للموافقة والتصديق عليه وفقا لأحكام الدستور المصرى، وتعللت الحكومة بأن الاتفاقية مجرد بروتوكول قام به بعض رجال الأعمال المصريين فى إطار الاتفاقية التجارية والمعاهدة المصرية الإسرائيلية.

وفى مجال النقل الجوى ، فقد جرى توقيع الاتفاقية المؤقتة للطيران والنقل الجوى بين مصر وإسرائيل فى منتصف فبراير 1980، وكذلك فى مجال النقل البرى ، تم تسيير أول خط للنقل البرى بين القاهرة وتل أبيب فى 18 أبريل 1982 بالمشاركة بين ” شركة شرق الدلتا” فى مصر وهى شركة قطاع عام وشركة أجد الإسرائيلية ، وتقتسم الشركتان أرباح التشغيل مناصفة، وفى مجال النقل البحرى، افتتحت شركة “زيم” البحرية الإسرائيلية مكتبا لها بمصر، وفى أثره بدأت فى تشغيل خط منتظم بين أشدود وحيفا والاسكندرية، كما افتتحت الشركة خطا ملاحيا لها بين الولايات المتحدة ومصر، ثم جرى افتتاح خط ملاحى يربط بين مصر وإسرائيل وقبرص واليونان.

وفى مجال الاتصالات ووسائل الاتصال، تم فى 8/5/1980 افتتاح خط اتصال تلغرافى مباشر بين مطار بن جوريون ومطار القاهرة لخدمة أغراض الطيران. كما تم الاتفاق فى 13/9/1981 على إنشاء كابل خط تليفونى مباشر عبر سيناء يربط إسرائيل ومصر.

وتوالت بعد ذلك فى الثمانينات والتسعينات والسنوات العشر الأول من الألفية الثانية عمليات التطبيع الاقتصادى فى كافة المجالات والتى أبرزتها الموسوعة وبتوسع وتوثيق كاملين.

من أسرار التطبيع الثقافى:

يمثل التطبيع الثقافى (الذى خصص له باباً كاملاً فى الموسوعة) الدعامة الرئيسة لبناء السلام فى المنطقة من وجهة النظر الإسرائيلية. وهو لديهم أكثر إقناعا، وأكثر استقرارا من أى ترتيبات أمنية عابرة مثل المناطق المنزوعة السلاح، ووضع جيش أجنبى، وأجهزة الإنذار، وضمانات الدول الكبرى، وهو العامل الحاسم على المدى البعيد، فالصراع يوجد فى وعى الشعوب قبل أن ينتقل إلى أرض الواقع ، والمطلوب من جانب الصهاينة ببساطة ، هو نزع العداء من العقل العربى استكمالا لمحاولة نزع السلاح من اليد العربية. وهى المهمة التى يتكفل بها التطبيع السياسى والأمنى.

ومن وجهة نظر القائم بالتطبيع الإسرائيلى ، فإن كل “عقدة” ولها حلها لدى الإسرائيليين، فإذا كانت مناهج التربية والتعليم السابقة تحض على الكراهية ، فإنه يمكن تغييرها لتشيع قيم السلام. وإذا عاقت الحقائق التاريخية تصفية الأحقاد يمكن تجاهلها والتركيز على الجوانب الإيجابية. موقف الإسلام من اليهود ايضا كان له حل لديهم، فإذا كانت “المفاهيم السلبية” تسود الدين الإسلامى، يمكن إزالتها!! .

***

* هذا وقد كان العنصر الثقافى واحدا من العناصر الأساسية للمفاوضات بين إسرائيل ومصر، وتم تضمينه فى اتفاقية الإطار بكامب ديفيد، جنبا إلى جنب مع ترتيبات الأمن وإنهاء المقاطعة وفتح الاسواق المصرية أمام المنتجات الإسرائيلية. ثم جرى تأكيده وتحديد خطوات المفاوضات بشأنه فى معاهدة السلام وملحقاتها.

وقد تم توقيع الاتفاقية بين البلدين فى القاهرة فى 8/5/1980، وفى أول يونيو 1980 صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية، وتقع فى ثمانى مواد تتضمن:

  • تشجيع التعاون فى المجالات الثقافية والعلمية والفنية، وتشجيع الاتصالات وتبادل زيارات الخبراء فى المجالات الثقافية والفنية والتكنيكية والعلمية والطبية.
  • يسعى الطرفان إلى فهم أفضل لحضارة وثقافة كل طرف من خلال تبادل المطبوعات الثقافية والتعليمية والعلمية، وتبادل المنتجات التكنيكية والأثرية، تبادل الأعمال الفنية، وتشجيع إقامة الأعمال الفنية، وتشجيع إقامة المعارض العلمية والتكنولوجية،ومعارض الفنون البصرية. • تبادل برامج الإذاعة والتليفزيون والتسجيلات والأفلام الثقافية والعلمية.
  • تسهيل زيارات العلماء والدارسين والباحثين إلى المتاحف والمكتبات والمؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والتكنيكية.
  • الانفاق على عمل بروتوكول خاص بتناول المتطلبات الضرورية لمعادلة الشهادات والدرجات التى تمنحها المؤسسات التعليمية لدى الطرفين.
  • تشجيع الأنشطة الرياضية بين الشباب والمؤسسات الرياضية لدى الطرفين.
  • يعين الطرفان – لغرض تنفيذ الاتفاقية- ممثلين لتبنى برامج تنفيذية دورية، على أن تتم الاجتماعات بالتناوب لدى الطرفين.

وفى إطار هذه الاتفاقية تم توقيع عدد من البروتوكولات التنفيذية فى المجالات المختلفة، منها الاتفاق بين ممثلي وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية وممثلي المجلس الأعلى للشباب والرياضة المصرى، فى 25 فبراير 1981 بشأن تبادل الوفود الشعبية، وينص على زيارة وفود من الشباب المصريين لإسرائيل، ويحضر فى الوقت ذاته إلى مصر وفد من الشباب الإسرائيلى، وكذلك فى بداية عام 1982 جرى التوقيع بين إدارة العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية المصرية والسفير الإسرائيلى فى القاهرة موشيه ساسون، على بروتوكول إنشاء المركز الأكاديمى الإسرائيلى ليكون بمثابة قناة للاتصالات مع المؤسسات التربوية والعلمية الإسرائيلية”. وفى 28 يناير 1982 تم الاتفاق فى القدس بين وفد الإذاعة المصرية ووفود من وزارة المواصلات فى إسرائيل على منع التشويش المتبادل على الإرسال التليفزيونى، على أن يتم تطبيق هذا الاتفاق تدريجيا ، بحيث يتم تطبيقه كاملا فى أكتوبر 1982.

وفى فبراير 1982 وقع ممثلو الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلية وهيئة الإذاعة فى القاهرة بروتوكولاً لتبادل البرامج والتسجيلات والأفلام والمسلسلات. ثم توالت الاتفاقات والزيارات مع المؤسسات المصرية الرسمية ونفر قليل من النخبة (التى يطلق عليها إسرائيلياً لفظ عملاء) حتى لحظات من قيام ثورة يناير 2011 .

***

التطبيع الاجتماعى

هذا وتؤكد حقائق التطبيع بين مصر وإسرائيل خلال الفترة (1979 – 2011) على أن إسرائيل لم تتوقف عن استخدام الوسائل والآليات الاجتماعية فى فرض التطبيع والاختراق للمجتمع المصرى طيلة الفترة الممتدة من (1979-2011) ، إيماناً منها أن هذه الوسائل هى الأبقى والأكثر تأثيراً – جنباً إلى جنب مع الآليات الثقافية والإعلامية – وانطلقت فى هذا الفهم من دراسات استراتيجية عديدة ، قامت بها مراكز بحثية ومؤسسات مخابراتية داخل الكيان الصهيونى طيلة الفترة السابقة على توقيع اتفاقات كامب ديفيد (1978) واللاحقة عليها ، وقامت خلال فترة الاثنين وثلاثين عاماً (1979-2011) بتنفيذها تدريجياً ، وكان من أبرز هذه الوسائل (التطبيع الرياضى) والتطبيع من خلال (زواج المصريين بإسرائيليات) و(التطبيع السياحى) والتطبيع عبر آليات (التجسس الأكاديمى والتجسس السياسى) . وقد تم تخصيص الباب الخامس من الموسوعة لتحليل وتوثيق هذه المجالات .

***

التطبيع الدينى

ظل السادات ومن بعده حسنى مبارك فى مجال تعاملهما مع إسرائيل والولايات المتحدة (طيلة الـ32 عاماً– فترة دراستنا هذه – 1979/2011)، يستخدمان (الدين) كغطاء لإضفاء “الشرعية” على سياستهما وقراراتهما بشأن التطبيع ، لما مثله هذا ” التطبيع ” من خيانة للدين ، وخرقاً لمفاهيمه عن العدل والحق ، من وجهة نظر العلماء الثقاة ، والفهم الصحيح للدين ، ومواقفه من الصلح مع من اعتدى أو اغتصب حقوقاً وأرضاً من المسلمين ، ولقد استخدم الحاكم ، الدعاة والفتاوى لصالحه لإعطاء سياسته التطبيعية غطاءً شرعياً ، وبالمقابل كان هناك من يرفض أو يقاوم من العلماء والشيوخ والمفكرين والمؤسسات ، تلك السياسات الخاطئة التى تقحم (الدين) – الإسلامى أو المسيحى – فيما لا يصح إقحامه فيه ، بل فيما يرفضه .

* وفى الباب السادس من الموسوعة تم التفصيل والتوثيق للتطبيع الدينى خلال فترتى حكم السادات ومبارك وتم الكشف عن دور بعض علماء الأزهر (أمثال الشيخ محمد سيد طنطاوى والشيخ فوزى الزفزاف) وكذلك بعض رجال الكنيسة وشركات السياحة الدينية لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة  .

* هذا ويحدثنا التاريخ أنه من المهم قبل الشروع في تناول صور التطبيع الديني ، ونماذجه ، وأخطاره ، أن نقدم تعريفاً إجرائياً لمصطلح ” التطبيع الديني ” ، يوضح مفهومه ، ويبين حدوده وأبعاده في الذهن ، ليسهل التعامل مع الظاهرة التي نحن بصددها .

ولعل الإشكالية هنا ستتعلق بوصف التطبيع بـ” الديني” ، فـ” التطبيع” كمصطلح أخذ نصيبا كبيرا من التعريف والدراسة في الأدبيات السياسية ، وما يحتاج لتحديد دقيق حقا ، هو ما نقصده بالتطبيع حين يصبح دينيا ، ويأخذ أبعاداً دينية : إسلامية أو مسيحية .

على أية حال ، إن التطبيع الديني هو : التطبيع الذي يقع من أحد أو بعض علماء الدين الإسلامي ، أو رجال الدين المسيحي ، بصفتهم الدينية ، أو هو التطبيع الذي يُستخدم فيه الدين كمبرر ومسوغ ، للاعتراف بالكيان الصهيوني ، وإقامة العلاقات معه .

فالمعيار هنا أن يأتي التطبيع ممن يتحدثون أو يتصرفون بصفتهم الدينية ، ما يجعل ذلك التطبيع محسوبا على الدين ومؤسساته  ، أو أن يأتي التطبيع مستندا لخطاب ديني ، ونصوص الدين الواجب اتباعها في الإسلام أو المسيحية ، هنا يوصف التطبيع بالديني ، لأنه انتسب للدين ، واعتمد رجل الدين القائم به على السلطة والمكانة التي منحه الدين  إياها في نفوس الناس.

هذا وتحدثنا وقائع وأسرار التطبيع الدينى أنه عبر اثنين وثلاثين سنة من الصلح والعلاقات الرسمية المصرية – الإسرائيلية يمكن رصد عدة صور ومظاهر لاستخدام الإسلام في خدمة قضية التطبيع على النحو التالي :

توظيف القرآن والسنة في خدمة التطبيع:

كما قلنا ، كان النظام المصري سَبَّاقا في توظيف الخطاب الإسلامي لإضفاء الشرعية الدينية على التصالح مع العدو الصهيوني ، فوجد السادات من العلماء الرسميين ومشايخ السلطان من يقرونه على ذلك التصالح ، مستدلين بآيات من القرآن في غير مواضعها ، مثل قوله (تعالى):  ” وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) ” (الأنفال : 61)  ، وقوله (تعالى) : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً “(البقرة :209) وأكبر مثال عن هذا الموقف هو فتوى الشيخ جاد الحق على جاد الحق الذى كان فى موقع مفتى الجمهورية إبان توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام (عام 1979) . وخرج أيضاً من العلماء من شبه صلح السادات مع الإسرائيليين بصلح الحديبية الذي أبرمه النبي (صلى الله عليه وسلم) مع قومه ، واجتهد ” فقهاء النظام”  في إيجاد سند شرعي للتصالح مع العدو الصهيوني ، وفق منطق مغلوط يقوم على التدليس ، وتنزيل الأحكام الشرعية على غير موضعها ، وهو عينه ما قام محمد سيد طنطاوى الذى لم يكتف بلقاء الإسرائيليين والحاخامات فى داخل الأزهر بل أفتى بحرمة العمليات الاستشهادية الفلسطينية أيام الانتفاضة الثانية ومعه بعض علماء الأزهر ، ولكن فى المقابل كانت الأغلبية من علماء الأزهر ورجال الكنيسة ضد هذا التطبيع وأصدروا عشرات الفتاوى التى تحرم التطبيع (ولقد أفردت لها الموسوعة قرابة المائة صفحة فى نهاية الباب السادس) الخاص بالتطبيع الدينى .

 

 

 

(5)

التطبيع بعد ثورة يناير ..

المسارات والمستقبل الغامض

* رغم أن (الموسوعة) تتوقف زمانياً عند 2011 إلا أننا أضفنا إليها فصلاً ختامياً مهماً عن التطبيع بعد ثورة يناير حتى تكتمل صورة المشهد التطبيعى ومخاطره على الأمن القومى المصرى .

لقد كانت ثورة 25 يناير 2011 ، رغم كل ما يقال وما يكتب عنها ، ثورة شعب ضد نظام حكم فاسد ، وتابع ، وفاقد للاستقلال الوطنى ، نظام حكم رهن بلاده لعلاقات تبعية مع واشنطن، وتل أبيب ، عبر اتفاقات ، وديون وسياسات أفقدته الاستقلال ، والإرادة الحرة . لقد كانت ثورة يناير رغم قفز بعض (الحركات الإسلامية) والانتهازيين  من بقايا النظام السابق ، عليها ، ومحاولة سرقتها، أو أمركتها ، نقطة تحول استراتيجية فى مسار العلاقات المصرية – الإسرائيلية ، فالكنز الاستراتيجى للدولة العبرية (حسنى مبارك)، كما أسمته إسرائيل ، سقط ، لقد كان هو بذاته ، ثم بنظامه ، ضمانة مهمة لاستمرارية التطبيع فى كافة مجالاته ، لذلك شعرت إسرائيل وخاصة القيادات المتنفذة فيها ، بالألم وبخيبة أمل شديدة، نتيجة سقوطه بعد ثورة شعبية واسعة ، إلا أن الحقائق التالية لسقوط مبارك بعد 11/2/2011 ، تؤكد أن التخلص النهائى من العلاقات المكبلة التى خلفتها كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام (1979) ، لم يكن سهلاً ، فالقوى المستفيدة من التطبيع داخلياً وخارجياً ، حالت دون ذلك ، إلا أن الواقع أيضاً أثبت تعرض العلاقات بين القاهرة وتل أبيب إلى هزة عميقة ، ولم يغن معها محاولات  التهدئة أو التقرب التى مارسها المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى أو اثناء فترة الحكم الإخوانى فى عهد (محمد مرسى) منهم،ولم تغن رسالته الشهيرة إلى (شيمون بيريز) ونعته بـ(الصديق) فلقد تغيرت مصر، واقتحم شبابها سفارة إسرائيل مرتين فى أقل من عام واحد (2011) ثم أحرقوها بعد ذلك .

إن التطبيع تأثر بلا شك ، لكنه لم ينته ، وكامب ديفيد وقيودها لاتزال حاضرة خاصة فى (سيناء) التى تحاول احتلالها الان تنظيمات القاعدة والقوى المتشددة والمخترقة إسرائيلياً ، لكن المستقبل بتطوراته المتلاحقة فى مصر يحمل بلاشك احتمالات تغيير – إن لم يكن إلغاء – هذه الاتفاقية ومعها معاهدة السلام . هكذا نتوقع ونتمنى ! .

***

نماذج من التطبيع بعد الثورة

إن من الأمور اليقينية لدينا أن ما جرى فى المنطقة من ثورات ليس به ثورة حقيقية سوى ثورتى تونس ومصر والباقى مجرد ثورات لحلف الناتو ، لتحقيق هدفين رئيسين لا ثالث لهما : النفط ، وحماية إسرائيل ، ولنطبق هذه الحقيقة على ما جرى ، سنجد أنها صحيحة ، ولأن ثورة مصر هى الثورة الأم والأهم ، فهى لذلك مثلت خطراً على العدو الإسرائيلى وعلى علاقات التطبيع معه.

* تحدثنا وثائق ، ما بعد الثورة أن محاولات الاختراق تجلت في أكثر من موقف ومشهد، فقد نشرت يديعوت أحرونوت يوم 13 فبراير 2011م عن اتصال إيهود باراك، مع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، محمد حسين طنطاوي، هاتفياً، وغرض هذه المحادثة كان هو الاطمئنان على موقف القيادة الجديدة من المعاهدة، ومن الكيان الصهيوني ككل، ومحاولة استشفاف ما يمكن من سياسات المجلس العسكري خارجياً وداخلياً ، وتم طمأنته وإصدار بيان عسكرى فى هذا الصدد عشية انتصار الثورة.

كذلك حرص الإسرائيليون على إعادة فتح سفارتهم في القاهرة عقب خلع حسني مبارك، بعد أن ظلت مغلقة طوال أيام الاعتصام في ميدان التحرير، لتكون منطلقاً للتحركات الدبلوماسية الإسرائيلية في القاهرة.

وفي اليوم الذي أعلنت فيه صحيفة (يديعوت أحرونوت) عن إعادة فتح مكتب السفارة بالقاهرة من جديد وإعادة جميع الدبلوماسيين إلى العمل بشكل اعتيادي (عدد 24 فبراير 2011م)، كشفت الصحيفة عن مفاجأة وهي أن أفرايم هليفى، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لفتح حوار مطول مع الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين!! وهو الأمر الذى لم يتم مباشرة وإن تم بوسائل أخرى ليس هنا مجال ذكرها ، ولقد نجحت أيضاً محاولة الحوار مع الناشط المصري وائل غنيم، المعدود ضمن المشاركين في صنع أحداث الثورة المصرية، فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت (بتاريخ 18 فبراير 2011م) حواراً صحفياً قامت به محررتها سيمدار بيري مع وائل غنيم عبر الهاتف، ورغم أن الصحفية لم توضح ما إن كانت قد عرفته بشخصيتها أم لا، ورغم أن وائل لم يصدر منه أي تعليق على هذا الحوار، رغم الضجة التي أثارها حين نشرته مترجماً مجلة “مختارات إسرائيلية” في عدد إبريل 2011م ، فقد نجح الحوار، حين انتشر خبره في الصحف المصرية ومواقع الانترنت، أن يُسقط بعض شباب الثورة في الفخ، حين دافعوا عن قبول بطلهم أن يدلي بحوار لصحيفة إسرائيلية، بأنه تصرف لا يقع في نطاق التطبيع والاعتراف بالعدو الصهيوني!!

ويوم الأربعاء 9 مارس 2011م نشرت صحيفة معاريف، الإسرائيلية، على موقعها الإلكتروني أن رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال “عاموس جلعاد” سيزور القاهرة ذلك اليوم، وأنه من المتوقع أن يلتقي برئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي، لافتة إلى أنها ستكون المرة الأولى التي يزور فيها مسئول إسرائيلي كبير، القاهرة منذ رحيل الرئيس المصري السابق حسنى مبارك.

وأوضحت معاريف، أنه من المتوقع أن يناقش جلعاد مع جهات مصرية أخرى مواضيع مختلفة مرتبطة بالحفاظ على الاتفاقيات الموقعة بين الكيان الصهيوني ومصر، وكذلك الطلب من الجهات المصرية السماح لوزير الدفاع إيهود باراك بزيارة رسمية لمصر. (وهو ما جرى بالفعل فى مصر !!) .

وأشارت معاريف إلى أن إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي كان قد أعرب في اليوم السابق خلال لقائه مع إحدى الصحف الأمريكية، عن مخاوف تل أبيب من أن يؤدى الضغط الجماهيري إلى تعكير اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، وأن ينعكس ذلك على التعاون الأمني بين البلدين. وفي عدد السبت 26 مارس 2011م ذكرت صحيفة معاريف، الإسرائيلية، أن وفداً إسرائيلياً زار ميدان التحرير مؤخراً خلال تواجده في القاهرة، لإجراء مفاوضات بشأن تعديل بنود صفقة الغاز الطبيعي، المصدر من مصر للكيان الصهيوني!!

***

 

 

***

مسارات متضاربة للتطبيع

بعد الثورة حاولت دولة الكيان الصهيونى احتواء الثورة وتعويض فقدانها لكنزها الاستراتيجى المتمثل فى الرئيس المخلوع شعبيا(حسنى مبارك).

وربما لم ترتفع شعارات واضحة برفض التطبيع كجزء من أهداف الثورة أو أولوية من أولوياتها إلا أن هذا الرفض الشعبى للتطبيع من الأمور المفروغ منها, ولكن لم يلتفت اليها الثوار كجزء يجب فرضه فرضا لمنع الاختراق وإعادة الحالة التى يجب خلعها بالتوازى مع خلع اشخاصها.

وقد افادت التقارير بعد الثورة أن هناك متغيرات ربما صدمت كثيراً من غير المتابعين أو الباحثين فى الحركات الاسلامية الوهابية كجماعة الإخوان والسلفيين , الا انها لم تكن خافية عن الباحثين فى نشأتهم وتحالفاتهم والستار الدينى والقيمى الذى يستخدمونه لإخفاء حقيقتهم المتمثلة فى أنهم امتداد لذات المدرسة البرجماتية ، والتابعة بدرجة أو بأخرى للغرب .

(1) من مجمل التقارير نجد أن حزب النور السلفي في مصر، الذي صعد نجمه في فضاء الانتخابات المصرية البرلمانية عام 2012 ، وحل في المرتبة الثانية بعد حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين – قد وجه لطمة قوية لرافضي التطبيع عندما أجرى الناطق باسمه حديثا لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ففي هذه المقابلة قال الناطق باسم حزب النور السلفي يسري حماد إن: «حزبه حريص على الحفاظ على الاتفاقيات الدولية مع إسرائيل وكذلك ترحيبه بالسياح الإسرائيليين بالمجيء إلى مصر».

وأشار الى أن الإعلام يحاول تشويه صورة الإسلام وصورة حزبه، مؤكدًا أن اجراء أي تغييرات في اتفاقية السلام بين اسرائيل ومصر يجب ان تتم عبر التفاوض، مؤكداً أن حزب النور لم ينتخب من أجل الحرب، لأن مصر بحاجة إلى إعادة البناء والسلام على حد قوله.

وتابع: «إننا نرحب بكل السياح حتى الإسرائيليين، فهم مرحب بهم دائما ولا مانع لدينا من قدومهم الى بلادنا».

(2) التطبيع الاخوانى:

أكدت الحقائق بعد ثورة 25 يناير أن الإخوان وافقوا على استمرار التطبيع والعلاقات الخاصة مع واشنطن وتل أبيب، خاصة بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية ووليم بيرينز إلى مصر ولقائه قادة الإخوان، ثم لقاء العديد من القيادات السياسية الأمريكية بهم بعد الثورة من أمثال (جون كيرى – جون ماكين – هيلارى كلينتون وغيرهم) مما يعني أن الحلف الإخواني الأمريكي قد أضحى واقعًا فعليًّا، واجتاز مرحلة البدايات والتأسيس، ليبقى السؤال: على ماذا تم الاتفاق؟

من المعروف أن أكثر ما تريده واشنطن من مصر هو استمرارها بنفس الدور الذي كانت تؤديه خارجيًّا، لجهة ضمان مصالح واشنطن في المنطقة، وضمان مصالح إسرائيل، المتمثلة بالإبقاء على معاهدة السلام كما هي، إضافة إلى استمرار تأمين إسرائيل بالطاقة، والضغط على الفلسطينيين، للدفع باتجاه سلام يوائم إسرائيل وواشنطن على حساب فلسطين التاريخية.

وهو ما يبدو أنه تم الإعداد له مع دخول حركة حماس المعترك السياسي من أوسع أبوابه بعد أن أصبح النظام الرسمي في المنطقة كله بيد المرجعية الأيديولوجية لها “الإخوان”..وهنا يبدو أن الإخوان سلموا واشنطن كل ما تريد فعليًّا ، حيث أعلن الإخوان مواربة حينًا وصراحة حينًا أخرى، أنهم لن يلغوا معاهدة كامب ديفيد، مع ترويج فكرة أنهم قد يعيدون النظر بها أو يعرضونها على استفتاء شعبي، وهذا ربما لإسكات الشارع المطالب بإلغاء الاتفاقية، ويتم هذا الكلام مع ما صرح به نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون من أن “السلام بين بلاده ومصر مستمر حيث تلقت بلاده تأكيدات حول نوايا جماعة الإخوان المسلمين بالاعتراف باتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل… العلاقات بين البلدين لن تتغير كثيرًا في المستقبل بسبب  .التغيير السياسي في مصر”.

وفى العام 2011 وبعد الثورة أعلن أحد مرشحي الجماعة في سيناء الدكتور عبد الرحمن الشوربجي يعلن فيه أنه موافق علي تصدير الغاز الي اسرائيل طالما ان ذلك تم بالاسعار العالمية.

* وفى تلك الفترة قامت قناة فضائية تابعة للإخوان المسلمين في مصر بفصل مذيعة رفضت إجراء حوار مع شخصية سياسية إسرائيلية.وقال المنتقدون فى وسائل الإعلام : إن قناة «مصر 25» ،أثارت دهشتهم لهذا الموقف، ولم تفسره ما أعطى انطباعاً سلبياً عن توجهات القائمين عليها.

3 – في مجالات الثقافة والفن والرياضة:

اختفت – مؤقتاً – صور التطبيع في مجالات الفن والرياضة والثقافة، خلال أحداث الثورة وما تلاها خلال عام 2011 ، فلم تُرصد حالات محددة ، بل إن بعض الفنانين والمثقفين ممن اتهموا بالتطبيع إبان عصر حسنى مبارك ، ظهروا فى الميدان مشاركين فى المظاهرات ومنهم (خالد النبوى) – محمود قابيل وغيرهم وتم التخلص من النقباء المؤيدين لنظام مبارك عبر الانتخابات كما جرى فى نقابة الممثلين مع (أشرف ذكى) .

4 – في المجال الاقتصادي:

 توقفت مصانع الكويز عن العمل في بداية فبراير 2011م، بسبب إغلاق الموانئ وإغلاق سيناء والاضطرابات فى شبكة الإنترنت، وتم استئنافها في بدايات مارس التالي، حسبما نشرت صحيفة معاريف في عدد 6/3/2011م.

وهذا يعني أن التطبيع الصناعي لم يتوقف بعد الثورة، إلا أسابيع قليلة ولأسباب متعلقة بالأوضاع الأمنية ، بشكل رئيس، وعاد لما كان عليه، دون أي تغيير.

أما التطبيع الزراعي فقد ذكر بعض قيادات وزارة الزراعة المصرية أنه متوقف منذ قيام الثورة، بينما يؤكد بعض العاملين بالوزارة أنه مستمر ولكن دون غطاء إعلامي، وعموماً لم يذكر جديد في هذا الملف من بعد قيام الثورة بخلاف الطماطم الإسرائيلية التي وجدت في الأسواق في الأشهر التالية على خلع حسني مبارك – كما أشرنا من قبل – وإن كان بادياً أن رجال التطبيع كانوا لا يزالون يسيطرون على المناصب القيادية في وزارة الزراعة طيلة عام 2011 ، ولأن التطبيع الزراعي هو من أقدم مجالات التطبيع مع العدو الصهيوني، وأكثرها نشاطاً وتشابكاً، فلا نعتقد أنه توقف بمجرد خلع حسني مبارك، أو تغيير وزير الزراعة لأكثر من مرة، فذلك القطاع مقيد باتفاقات ومشاريع بحثية مشتركة لا يمكن وقفها وتفكيكها إلا بقرار سياسي واضح وحازم، وهذا ما لم يحدث فى المرحلة التالية لثورة يناير 2011 إلا أنه قد صدرت بعض القرارات للتخفيف من حدة التطبيع، أو للتعاطي مع الرأي العام الغاضب، كما حدث حين قرر وزير الزراعة المصري وقف تصدير سعف النخيل للكيان الصهيوني في أعقاب الاعتداءات الصهيونية على الحدود المصرية في أغسطس (2011م)، ولكن تبقى المزارع المشتركة والشركات التي تستورد البذور والمبيدات الإسرائيلية والخبراء الإسرائيليون دليلاً ملموساً على استمرار التطبيع الزراعي، حتى لو خفت درجته وفعالياته!!

على المستوى التجاري، ذكرت صحيفة معاريف في عدد 13 سبتمبر 2011م أن مركز الإحصاء المركزي الإسرائيلي في تقرير نشره مساء اليوم السابق أن نسبة الصادرات الإسرائيلية إلى مصر هبطت بصورة كبيرة للغاية بنسبة 33% خلال النصف الأول من 2011م، وهذا ما يعني تأثر التطبيع التجاري بالثورة وما تلاها من أحداث، وإن لم يتوقف ذلك التطبيع تماماً. ولا نملك أرقاماً رسمية عن الصادرات المصرية للكيان الصهيوني فى تلك الفترة.

6 – في المجال السياحي تأثرت أعداد السائحين الإسرائيليين القادمين إلى مصر بالثورة وما تلاها من فعاليات، فقد حذرت إسرائيل رعاياها من السفر إلى مصر عقب 25 يناير، ونصحت للموجودين بمصر أن يغادروها لعدم استقرار الأوضاع الأمنية، وذلك في بيان أصدرته وزارة الخارجية الإسرائيلية صباح 27 يناير2011 . ورغم ذلك فإن دخول الإسرائيليين لمصر لم يتوقف نهائياً، خاصة أن تواجدهم السياحي يتركز في محافظة جنوب سيناء البعيدة عن مراكز الثورة الساخنة في القاهرة والسويس والإسكندرية.ومن مؤشرات ذلك ما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية يوم 6 مارس 2011م عن نفي السفارة المصرية في إسرائيل ما نشر في اليوم السابق عن وقف إصدار تأشيرات الدخول لمصر، وقد أكد مصدر دبلوماسي في السفارة أنها تواصل إصدار تأشيرات الدخول.

ويوم 21 إبريل 2011 نشرت صحيفة معاريف، أن آلاف الإسرائيليين تجاهلوا التحذيرات التى أطلقتها “هيئة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية”، وجهاز الموساد الإسرائيلي من السفر إلى مصر والدول المجاورة، خوفاً من محاولات اختطافهم والمساومة عليهم، حيث وصلوا إلى سيناء عبر معبر طابا بهدف التنزه والسياحة والصيد ولقضاء إجازة عيد الفصح اليهودى.

تبقى القضية الأكثر استفزازاً للمصريين خلال السنوات السابقة لثورة يناير والشهور التالية لها – كما سبق وأشرنا – وهي قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، فرغم ما تحتويه هذه القضية من إضرار بالمصالح المصرية، يتمثل في تصدير سلعة إستراتيجية مثل الغاز، يجب قصر الاستفادة منها على المصريين وحدهم، والأدهى أنها تُصدر لعدو مصر والعرب (بحسب المصادر الإسرائيلية ، فإن الغاز المصرى يلبى 43% من احتياجات إسرائيل من الغاز الطبيعى)، وليت ذلك بالثمن المتعارف عليه في الأسواق، بل بثمن بخس يوفر ملايين الدولارات للإسرائيليين يوميا!! رغم كل ذلك فإن المجلس العسكري لم يقم بإلغاء هذه الصفقة، وكل ما فعله هو التفاوض مع الصهاينة لرفع سعر التصدير إلى السعر العالمي، وكأن المشكلة كلها تكمن في الثمن البخس للتصدير، وليست في التصدير ذاته، وعقب كل مرة من المرات الـ14 لتفجير خط الغاز في عهد المجلس كان المجلس يعيد تشغيله، رغم أنه لا توجد اتفاقية رسمية أو دولية تلزم مصر بتصدير الغاز لإسرائيل ولكنها اتفاقات شركات خاصة – كما سبق وأشرنا – وكان حسين سالم هو صاحبها أو المشارك الأبرز فيها . لقد توقف تصدير الغاز لاحقاً (2013) ولفترة تحت دعوى أسباب لها علاقة بالأسعار وليس بالسياسات !! .

***

* هذه المعلومات والحقائق وغيرها وردت كلها بعد قيام ثورة يناير 2011 ، واليوم عام 2014 بدأت نتائجها تظهر خاصة مع تراجع حكم (الإخوان) الذين كانت واشنطن وتل أبيب قد نجحتا فى ترويضهم ليقبلوا بكامب ديفيد ومعاهدة السلام بل ويكونوا وسطاء مع (حماس) عام 2012 بعد العدوان الأول على غزة ، إلا أن مصر مع قيادة المشير عبد الفتاح السيسى (2014) مفتوحة جبهتها السياسية والعسكرية مع إسرائيل على احتمالات عدة .

وإن كنا نرجح بقاء الأوضاع على ما هى عليه لفترة لن تقل عن ثلاثة أعوام، فى كافة جوانب التطبيع ، ليصبح ، تطبيعاً قائماً ولكنه ليس تطبيعاً دافئاً ، وقوياً كما كان فى الاثنين والثلاثين عاماً (فترة البحث) ؛ وستكون للأوضاع الأمنية القلقة فى سيناء ، وظهور متغير تنظيم القاعدة القادم من شرق ليبيا وفى جبل الحلال فى سيناء ،  فضلا عن الأوضاع القبلية والعرقية المتفجرة فى أسوان  والنوبة ،له تأثير مهم على مسارات التطبيع والعلاقات مع تل أبيب ، إلا أن العدوانية الإسرائيلية المستمرة على كافة الجبهات العربية بما فيها جبهة مصر وإن بوسائل تجسس ناعمة ، قد تدفع مصر – الشعبية ، إلى إنهاء معاهدة السلام وقيودها أو على الأقل إعادة تغيير  وتفكيك تلك القيود بما يكفل استقلالاً أكثر للإرادة والقرار المصرى .

إن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات ولكنه حتماً لن يعود إلى الوراء ثانية، ولن تستقر الأوضاع مع إسرائيل مثلما كانت فى العهود السابقة ، فلقد استيقظت روح المقاومة الوطنية والقومية المصرية مع ثورتى يناير 2011 و30/6/2013 ونحسبها لن تخمد ثانية بـإذن الله؟!.

***

[ وبعد .. تلك بعض الصفحات من موسوعة (التطبيع والمطبعون فى مصر 1979 2011) التى استغرق العمل فيها زهاء الـ 7 سنوات واكتمل بعد ثورة يناير 2011 .. وهي الان   فى الأسواق ملكاً للقارئ العربى وللتاريخ.

رابط التحميل

https://drive.google.com/file/d/1h1VETACgj1ueElxVgS92J4TQ9Pa3wdIp/view?usp=sharing

عن admin

شاهد أيضاً

كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق (حقيقة الدعم و أزمة الاقتصاد المصري)

  الدكتور عبدالخالق فاروق من أهم الباحثين الاقتصاديين في مصر وقدم العديد من الأبحاث والكتب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *