
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي أبا خالد يا حبيب الملايين
لماذا تراني أكتب في ذكرى رحيلك؟ ولماذا كلما اشتدت النوائب ربت الأمة واهتزت تناديك مفتقدة غيث فكرك المعطاء؟
يا ابا خالد…جن الليل علينا واكتوينا بنيران المذاهب وملوك الطوائف,واحترقنا كالهشيم بجحيم الجهل والتفتت والضياع,هائمين على وجوهنا لا نجد مجالسا إلا على موائد اللئام.. واي لئام؟.عدو يتربص شرقا,واخر غربا,والبحر الملئ بالحيتان من ورائنا,والبر الملوث بالحكام امامنا,والباطل ياتينا من تحتنا ومن خلفنا وعن يميننا ويسارنا ,اما من فوقنا فرحمة الله لا تنزل لأنها اطهر من ان تتلوث بتخلفنا ونفاقنا وضغائن الاعراب الركع على ابواب عصابات سرقة الاوطان وقتلة الاحلام ومحرفي التاريخ والكلم.
يا أبا خالد…يا يوسف عصرك الذي خرج من الجب وغفر للاخوة غدرهم وفتح لهم مصر ليدخلوها آمنين,فإذا بهم يسطون على التاج ويحرقون العرش ويفتحون ابواب الوطن الكبير لقتلة الانبياء.يا ابا خالد…يا موسى زمانك الذي عبرت بهم من جور فرعون الى بر الحرية,وفجرت بقلمك منابع ومشارب الفكر والعزة في ارض الوحدة رفضا لسايكس – بيكو اللعين,فإذا بهم في الليلة الظلماء يكفرون بالكرامة,ويجحدون بالمروءة ويكسرون الواحك الدرية على صخرة الاوثان والشياطين ويتبعون السامري الذي اضلهم سوء السبيل.
يا ابا خالد…
أذكرك في يوم رحيلك رجلا لا يخاف الا الله,وعظيما لم تاخذه العزة بالحكم ولا الغرور بالمناصب,وكبيرا كان يخفض جناح الذل من الرحمة لامته,واخا ودودا ما ثأر لنفسه قط, تاركا كل من حاربه طليقا الا من امتدت يده الى امن وسلامة ومقدسات الامة ونسيجها الاجتماعي الدقيق متذرعا بالدين ومتخفيا تحت شعارات لا تمت بصلة الى الشرع الحنيف.
أذكرك وانت تقارع الخصوم والخطوب برباطة الجأش وثقة المومن بنصر الله وعونه.اذكرك ذلك الثائر الذي لم يضل الطريق ولم تثنه الكوارث عن حث الخطى نحو الهدف الاهم والاكبر.في عيون الفقراء الذي حل بهم اليتم من بعدك أراك,وفي لوعة العمال الذين استبد بهم الطغاة من دونك اشاهدك,وفي محفظة طالب لم يستطع ان يكمل دراسته لظروفه المالية احس بك,بعد ان كنت الاب الذي حرص على ان ينال كل ابنائه شرف العلم وابصار نور الحرف,وفي آه الفلاح الذي اجهدته انياب البنوك المفترسة ومخالب الاقطاع المستكلبة اسمع صوتك,أراك في عين كل مظلوم تصرخ جوارحه في وجه الظالم وممالك البغي والبهتان.ما غادرتنا قط وما نسيناك,وكيف ننسى من يعيش في كل تفاصيل حياتنا؟ وكيف ننسى في زمن الخنوع من كان يصرخ اننا سنقاتل ولن نستسلم؟ وكيف ننسى في زمن تبديد الثروات من اقتلع القنال من فم الكلاب المسعورة وامم الموارد واعادها لاصحابها الشرعيين؟ وكيف ننسى في زمن الجهل والامية من حملنا بيديه الى ابجدية المعرفة ودار الكتاب والقلم؟.
ما نسيناك وما انصفناك,غيبنا بايدينا نور القومية العربية,فاذا بجيف المذاهب المتناحرة المتخلفة تطفوا على وجه مستنقعات تقهقرنا وذلنا المريرين.ما انصفناك ونحن ندعوا ونقاتل ونرسل (المجاهدين) زرافات ووحدانا الى ارض تبعد عنا آلاف الاميال,بينما فلسطين على مسافة حبل وريد منا تصرخ وتستغيث,فحق الجهاد ضد عدو وهمي,وحرم ضد عدو فض بكارة امة بشيبها وشبانها.ما انصفناك ونحن نشتري حتى الفول من قاتلنا,وتركنا ارضك التي حاربت لتعيدها الينا صعيدا جزرا,لا تنبت إلا شجر الغرقد وشوك الضغينة.ما انصفناك ونحن نلبس عباءاتنا المصنوعة في مصانع اعدائنا,سترنا فيها سوؤاتنا,وكشفنا بها عوراتنا الخلقية والرجعية الغارقة في محيط الكسل والاتكالية.
يا ابا خالد…
اقول وما انا بشاعر…
كبرت بحبك يا جمال وانني
في درب فكرك سائر ومفاخر
لاءات سيفك لن ننس بيارقها
إن غيبوها فإن الحق منتصر
في درب فكرك سرنا لن يؤخرنا
عن الجهاد نظام فاسد قذر
لا السجن يفزعنا لا الموت يرهبنا
لا السلم يخدعنا… فليسلم الحجر
ابا الثورات كم ابكيك مفتقدا
والنيل يغلي حين فيك يفكر
ترنو الجزائر والسويس لفارس
هب إماما بالجهاد يزمجر
رد الغزاة على اعقابهم دبرا
فدماؤهم في نحرهم تتخثر
يا مارد الاهرام ان صباحنا
من دون نورك مغرب يتحسر
ومياه دجلة والفرات كأنها
من دون طيفك بدرها لا يظهر
من المحيط الى الخليج سواعد
لبيك نحن كلنا يا ناصر.
يا ابا خالد…
ذرفنا الدموع حتى تبللت الصفحات,ووجع الغياب اخرس القلم,والشوق لمناقبك العظام خنق القريض,فأذن لي ان اغادر السطور حالما انك يوما ستعود,رغم انك (تأخرت يا اغلى الرجال فليلنا… طويل واضواء القناديل تسهر),وان الخوارق لا تتكرر.
حسان محمد السيد