معلقًا على تمرير «تيران وصنافير».. حازم حسني: بدأ العد التنازلي لرحيل النظام
رأى الدكتور حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن موافقة مجلس النواب على اتفاقية «تيران وصنافير»، أثرت بالسلب على شعبية النظام الحالي.
وكتب «حسني» مقالًا مطولًا عبر حسابه الشخصي على موقع «فيس بوك»، يوضح فيه رؤيته لتأثير قرار البرلمان على النظام الحاكم، ويؤكد من خلاله على مصرية الجزيرتين.
وقال حازم حسني: «يعتقد البهاليل الذين أسكرتهم نشوة الانتصار الزائف على جبهة مجلس النواب أن ملف الجزيرتين قد أُغلِق، وأن كل من يتمسك بعد هذه الموقعة المخزية بأن تيران وصناقير مصريتان هو من “أهل الشر” كما تكرم علينا السيد رئيس تحرير الأهرام صباح اليوم!.. الحقيقة التى لا يدركها البهاليل هى أن هذا التصويت الفاضح لم يغلق ملف الجزيرتين، لكنه فقط فتح ملفاً آخر هو ملف تعرية النظام وبدء العد التنازلى لرحيله غير مأسوف عليه».
وتابع «حسني»: «حديثى القادم ليس موجهاً للبهاليل، فهم بالنسبة لى مرضى لا شفاء لهم، وموقفهم من مصرية الجزيرتين هو والعدم سواء بسواء.. حديثى القادم موجه فقط للتائهين الذين أربكتهم أساليب النظام، ولأولئك السذج الذين يعتقدون أن من ارتدى يوماً البدلة العسكرية لا يمكنه أبداً أن يخون.. فالخيانة إثم يرتكبه الإنسان فى اللحظة التى يتعرى فيها من مرجعياته الأخلاقية فلا تعود تستره ملابس عسكرية ولا مدنية».
وأوضح «حسني»: «أخذت أبحث فى مكتبتى عن كتاب تاه فى أحشائها كان قد صدر عن مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منذ نحو ربع قرن – وتحديداً سنة 1993 – عنوانه “حدود مصر الدولية” … الكتاب يضم مجموعة أبحاث بأقلام خبراء من ألوان طيف متعددة .. أساتذة فى القانون الدولى، والعلاقات الدولية، وترسيم الحدود، واللواء متقاعد أحمد عبد الحليم نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة سابقاً، واللواء متقاعد محمد عبد الفتاح محسن مدير هيئة المساحة العسكرية سابقاً، ثم صاحبا الفصل السابع من الكتاب – وهو ما يعنينا الآن – وهما الدكتور صلاح الدين عامر (أستاذ القانون الدولى العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة)، والدكتور إبراهيم سلامة الذى كان يعمل وقتها مستشاراً بوزارة الخارجية المصرية.. أرجو التنبه لتاريخ تحرير الكتاب وإصداره وهو 1993، فهو لاحق لتاريخ إصدار القرار الجمهورى رقم 27 لسنة 1990، الصادر فى يناير 1990 بشأن تحديد نقاط الأساس، الذى قال السيد وزير خارجيتنا الهمام أمام مجلس النواب أنه حسم قضية ملكية المملكة العربية السعودية لتيران وصنافير اللتين لم يتضمن القرار المذكور – على حد زعم الوزير – أى نقاط أساس لهما».
وواصل أستاذ العلوم السياسية: «يقول الدكتور صلاح الدين عامر عن خطوط الأساس إنها الخطوط التى يبدأ منها قياس البحر الإقليمى للدولة .. هى إذن خطوط يبدأ منها القياس لا خطوط ينتهى عندها هذا القياس ! … ثم يقول الدكتور صلاح الدين عامر إن البحار الإقليمية للدول ، التى تبدأ قياساتها من خطوط الأساس، تعتبر أجزاءً من إقليم الدولة، وتخضع لسيادتها ! .. ويقول إن المادة 15 من اتفاقية الأمم المتجدة لقانون البحار لعام 1982، التى تقابل المادة 12 من اتفاقية جنيف لعام 1958 التى لم توقع عليها مصر وقتها اعتراضاً على بند فيها كان يسمح لإسرائيل بالمرور بالمضايق مروراً “بريئاً”، قد وضعت الحكم لمواجهة الحالة التى تكون فيها سواحل دولتين متقابلة أو متلاصقة على نحو لا يمكن معه لإحداهما أو لكلتيهما استيفاء امتداد البحر الإقليمى، طبقاً للحد الذى قررته الاتفاقية ، وهو اثنا عشر ميلاً بحرياً، فجعلت الأمر متروكاً لاتفاق الطرفين ، وفى حالة عدم وجود الاتفاق جعل خط الوسط أساساً للتحديد، ما لم يحل دون تطبيق ذلك المعيار سند تاريخى للادعاء بحقوق على المياه فيما يجاوز خط الوسط».
مضيفًا: «هذا تحديداً هو ما لجأ إليه جمال عبد الناصر خلال أزمة إغلاق المضايق سنة 1967 إذ اعتبر تيران ضمن المياه الإقليمية المصرية لأنها تبعد عن الشاطئ المصرى بأقل من 12 ميلاً بحرياً، وأن سيادة مصر عليها مستقرة بشواهد تاريخية أهدرها النظام القائم فى مصر الذى يعمد للتفريط فى الجزيرتين بدم بارد فى بادرة لا سابقة تاريخية لها».
وتابع حازم حسني: «الدكتور إبراهيم سلامة يتناول بدوره حالة مضيق تيران وخليج العقبة على وجه التحديد، إذ يقول إن المادة السابعة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار قد تناولت حالات وضوابط استخدام خطوط الأساس المستقيمة فى تحديد البحر الإقليمى، ومنها وجوب ألا ينحرف رسم خطوط الأساس المستقيمة أى انحراف ذى شأن عن الاتجاه العام للساحل، ويتعين أن تكون المساحات البحرية التى تقع داخل نطاق الخطوط “مرتبطة بالإقليم البرى” ارتباطاً وثيقاً كافياً لكى تخضع لنظام المياه الداخلية».
موضحًا: «من الشروط الهامة التى وضعتها المادة السابعة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 أنه لا يجوز لدولة أن تطبق نظام خطوط الأساس المستقيمة على نحو يفصل البحر الإقليمى لدولة أخرى عن أعالى البحار … هذا تحديداً ما كان يمنع تعرج خطوط الأساس لتضم جزيرتى تيران وصنافير، فمثل هذا الإجراء لا تسمح به الاتفاقية وإلا لفصلت مصر المياه الإقليمية لإسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية فى خليج العقبة عن أعالى البحار، فهل يعنى عدم تضمين الجزيرتين داخل خطوط الأساس بموجب هذا تفريطاً فيهما أو إقراراً بسيادة الغير عليهما؟».
واستطرد «حسني» قائلًا: «هنا يتعرض الدكتور إبراهيم سلامة – مستشار وزارة الخارحية المصرية وقت صدور الكتاب – للقرار الجمهورى الخاص بتعيين خطوط الأساس، ولإيداعه هيئة الأمم، دون أن يرى فى هذا الإجراء أى تنازل عن السيادة المصرية على الجزيرتين، بل ويؤكد بموجب نص المادة 34 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أن نظام المرور خلال المضائق المقرر بالاتفاقية لا يمس النظام القانونى للمياه التى تتشكل منها هذه المضائق، ولا ممارسة الدول المشاطئة للمضائق لسيادتها أو ولايتها على هذه المياه وحيزها الجوى وقاعها وباطن الأرض … كما يقول إن الاتفاقية الدولية لا تهدر الاتفاقيات الدولية الخاصة، إذ تسرى هذه الاتفاقيات ما دامت “قائمة ونافذة منذ زمن طويل ومتصلة على وجه التحديد بمثل هذه المضائق».
وسرد «حسني» جزءً مما جاء في الكتاب، وكتب: «أهم ما ذكره الدكتور إبراهيم سلامة فى هذا الجزء من الكتاب هو نص الإعلان الذى أرفقته الحكومة المصرية بتصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهذا نصه:
“إن جمهورية مصر العربية إذ تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والمعبر عنها فيما بعد بالاتفاقية، وإعمالاً لحكم المادة 310 منها
تعلن
أن ما ورد فى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 من نص خاص بالمرور فى مضيق تيران وخليج العقبة يسير فى إطار التنظيم العام للمضائق كما ورد بالجزء الثالث من الاتفاقية بما يتضمنه هذا التنظيم من عدم المساس بالنظام القانونى لمياه المضيق، ومن واجبات تكفل سلامة وحسن نظام دولة المضيق”.ـ
الإعلان – كما نرى – يتحدث باسم “دولة المضيق” لا باسم دولتىّ أو دول المضيق، ولا بأنه مضيق لا صاحب له ! … وأرجو أن يكون فى هذا البوست – الذى ربما طال بما قد يرهق قارئه – ما يستفيق به الغافل، وأن يعرف الجميع حجم التدليس على العقل المصرى بأكذوبة قرار 1990 الذى لم يعمل السيسى إلا على الالتزام به ! … الحقيقة هى أن شغل الحواة لن يجعل من أصحابه حكماءً ولا وطنيين، وإنما هو يعريهم ويعرى أغراضهم الدنيئة، فهم فى أسوأ الأحوال قد خانوا الوطن وحنثوا بالقسم، وفى أفضل الأحوال مجرد هواة يديرون دولة أكبر بكثير من قدراتهم العقلية، وهى فى النهاية ستنتصر على خيانتهم إن كانوا قد خانوا، وعلى ضمورهم العقلى إن كانوا بلا عقل يصلح لإدارة أقدم دولة عرفها التاريخ الإنسانى ولن تكون برحمة الله أول دولة تغادره .. فى كل الأحوال، وبإذن الله، ستبقى.. تيران وصنافير مصرية».
وأقر البرلمان، أول أمس الأربعاء، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، المعروفة إعلاميًا باتفاقية «تيران وصنافير»، والتي يتم بمقتضاها نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية.
وأعلن علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، خلال جلسته العامة، موافقته على الاتفاقية، حيث جرى التصويت برفع الأيدي من قبل الأعضاء.
المعارك على تسليم الجزيرتين تتصاعد ويشارك فيها أشد أنصار السيسي، منتقدين قرار تسليمهما للرياض ومنهم، حمدي رزق في «المصري اليوم»: «أليس بينهم رجل رشيد ينظر عاقبة الأمور. من يظنها معركة جزيرتين واهم، المعركة إسقاط نظام السيسي بأكمله، ومن لا يرى الوجوه القبيحة المركوبة إخوانيا تتصدر الواجهة مجددا وترسم نفسها أبطالا، المرابطين في مواجهة المفرطين، يبقى البعيد أعمى أول السقوط، ونحن نصرخ ليل نهار بحديث المؤامرة، وإسقاط النظام ومؤامرات الإخوان والتابعين، من العته والخبل السياسى العبث في قضية مصيرية مثل مصرية الجزيرتين، هل هناك نظام محاصر على هذا النحو، من الأربع جهات، وتتكالب عليه الأكلة تكالبها على قصعتها، ويسلم للإخوان والتابعين وتبع التابعين بأسباب يرومونها لنهش عرضه، تخيل من حرر البلاد من ربقة الاحتلال الإخوانى البغيض، وأعاد مصر كاملة للمصريين، وأغار على المعتدين خارج الحدود مرات، أصبح في دعايات المركوبين إخوانيا عواد وباع أرضه، وحتى لا يظن بنا سيّئو الظن الظنون، القضية لا تختصر أبدا في الإخوان وتابعيهم، حقيقة فيه ناس كتير محترمين بجد، ومفجوعين بجد في قضية الجزيرتين، وهؤلاء ليسوا إخوانا ولا تابعين ولا سلفيين ولا حتى ناشطين معروفين، ويكرهونهم كراهية التحريم، ناس كتير عاديين، ومحبين للسيسي ومتعاطفين جدا، لكنهم كارهون للاتفاقية، وفي قرارة أنفسهم ما بني على باطل فهو باطل، وعليه إحالتها لمجلس النواب باطل، كمن يحيل العدم في الفراغ ويرون، حقاً، يجب احترام حكم القضاء، القضية أخذت مسارا قضائيا معتبرا، والأحكام صدرت تباعا في مواجهة الحكومة، حتى بلغت نهاية الشوط بتقرير ما هو ثابت تاريخيا وعسكريا، قطعت بمصرية الجزيرتين عجبا الحكومة المصرية تناضل من أجل سعودية الجزيرتين».
المستفيد إسرائيل
لماذا تصر سلطة السيسي على التنازل عن الجزيرتين؟ «الشعب» اهتمت بالقضية: «إسرائيل هي المستفيد الأول على المستوى العسكري والتجاري من تبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، وهذا ما أكدته الدكتورة علياء المهدى- عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة في جامعة القاهرة، حيث قالت إن: «أول وأهم مستفيد من إعلان تبعية الجزيرتين للسعودية، هي إسرائيل، لأنه بوجود أكثر من دولة تتقاسم الإشراف على ممر تيران يتحول لممر دولي، ولا يحق بذلك لمصر منع أي سفينة إسرائيلية أو غيرها من المرور به. وأضافت أن: «هذا الوضع سيسمح للكيان الصهيوني بمد قناة من البحر الأحمر إلى المتوسط موازية لقناة السويس، ولا تستطيع مصر منع أي سفن متجهة لإسرائيل من المرور بها. وفي فترة قصيرة ممكن أن يتضآل دور قناة السويس الملاحي بشدة، وكل ذلك يمثل أداة ضغط اقتصادي على مصر في المستقبل القريب. تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب بدأ يوم الأحد، 11/6/2017، إجراءات البحث عن تمرير اتفاقية العار «تيران وصنافير المصريتين» للتنازل عنهما لصالح السعودية، كان السيسي وقع اتفاقية التنازل عن الجزر في أبريل/نيسان 2016 مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، أثناء زيارته لمصر، فيما أحبط القضاء الإداري هذه الصفقة، ولكن أصرت حكومة العسكر وبرلمانه على التنازل رغم حكم القضاء».
لماذا لا يغار على بلده؟
أي مواطن غيور على استقرار البلد وأمنه، إذا عجز عن وقف الاندفاع نحو تمرير الاتفاقية، فالحد الأدنى لاحترام شعوره أن يؤجل عرضها على البرلمان إلى ظرف أهدأ وأكثر احتمالا للصدمة، هذا ما يراه فهمي هويدي في «الشروق»: «ربما وفّر ذلك فرصة لتحقيق التوافق وامتصاص الغضب، من خلال حل مبتكر. ورغم شعوري بالاستياء جراء إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجائر، إلا أن كثيرين لاحظوا أنه حين أحدث عرضه على البرلمان دويه في المجتمع الرافض له، فقد تم تأجيل إصداره مدة ستة أشهر، ثم فوجئنا به يطل علينا ذات صباح. وإذا تم ذلك في شأن يهم الناشطين والطبقة السياسية، فأولى أن يحدث مع قضية تخص التراب الوطني وتمس مشاعر المصريين باختلاف فئاتهم وأطيافهم. إن عرض الموضوع على البرلمان تمهيدا لتمريره، من شأنه أن يرتب تداعيات وآثارا جانبية لا قبل لمصر بها، فضلا عن أنه يحمل المجتمع بتبعات لا قبل لصبره عليها، وليس بوسعي أن أرصد تأثير هذه الخطوة وتفاعلاتها في الجزء الغاطس من المجتمع، إلا أننا نستطيع أن نتحدث عن مؤشرات تلوح في الأفق المرئى والمرصود، منها ما يلى أن عرض الموضوع على البرلمان يمثل تحديا سافرا لسلطة القضاء، وإهدارا لقيمة القانون، هو أيضا تعبير عن الاستهانة بالرأي العام وعدم الاعتداد به، رغم رسائل الرفض التي لم تعد تخطئها عين. لا يستبعد والأمر كذلك أن يستغل الموقف لإذكاء وتيرة العنف، باعتبار أن التحرك السلمي والمعالجة القانونية ما عادت لهما جدوى. الاحتمال كبير أن يعمق ذلك الفجوة ويضعف الثقة بين السلطة والمجتمع. وحين تكون القوات المسلحة هي القائمة على أمر السلطة، فيخشى أن تمتد الآثار السلبية إلى تلك الدائرة. من شأن تمرير الاتفاقية الإجهاز على النزر البسيط من الثقة المتبقية في البرلمان، بحيث يصبح بمثابة إشهار لموته. الميزة الوحيدة لما يجري أنه يمثل ضربة قوية للقوى الوطنية المصرية ربما تدفعها للإفاقة».
التفريط خيانة
نبقى مع الجزيرتين ومحمد عصمت في «البديل»: «تجاهلت هذه الحملة الإعلامية المنوط بها تسويق مزاعم سعودية الجزيرتين، عشرات الوثائق والأدلة المعتبرة، التي استندت إليها المحكمة الإدارية العليا في حكمها بمصرية الجزيرتين، ومنها ما يتعلق بخريطة 1906 بين مصر والدولة العثمانية، واتفاقية قانون البحار، التي تؤكد انتماء تيران وصنافير لشبه جزيرة سيناء، وأحكام محكمة العدل الدولية في النزاع بين النرويج والدنمارك عام 1933، وتطبيق حكومات مصر كل اللوائح الخاصة بالدولة المصرية على الجزيرتين منذ عام 1881، منها المتعلقة بتطبيق إجراءات الحجر الصحي عليهما، والجمارك عام 1884، إضافة إلى طباعة وزراة المعارف منذ عام 1922 أطلس لخرائط العالم، ليتم تدريسه في المدارس المصرية ويضم جزيرتي تيران وصنافير ضمن الأراضي المصرية، بالإضافة أيضًا إلى وثائق تعود لوزارتي الحربية والمالية في الخمسينيات من القرن الماضي، تفيد بوجود قوات مصرية على الجزيرتين، وتخصيص موارد مالية لهذه القوات، وغير ذلك الكثير الذي يمكن الرجوع إليه في حيثيات حكم المحكمة، التي لا تدع أي مجال للشك في مصرية الجزيرتين ما بين مزاعم الحكومة وحكم المحكمة، لا يمكن فهم مسار الأمور بدون رصد ثلاث ملاحظات مبدئية، أولها: عدم احترام الإجراءات الدستورية كافة فيما يتعلق بقضية الجزيرتين، سواء بعدم توقيع الرئيس السيسي بداية على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، رغم نص الدستور الواضح في هذا الشأن، أو إصراره على المضي في اتخاذ هذا القرار الخطير بالتنازل عن الجزيرتين، رغم الانخفاض الحاد في شعبيته، الذي لا يؤهله لاتخاذ قرارات مصيرية من هذا النوع. ثانيا: الاستخفاف الواضح لدى صناع القرار في مصر بأي صدام محتمل بين السلطتين التشريعية والقضائية، وبمصير الاتفاقية، إذا أقرها البرلمان، كما هو متوقع، ثم صدور حكم مثلًا بحل البرلمان، خاصة إذا كان قد تم بالفعل تسليم الجزيرتين للسعودية».
إعلاميو النظام موعدهم القيامة
نتحول نحو مشاهد يوم القيامة التي استمدها محمود خليل في «الوطن» من سورة الواقعة: «عندما تقع الواقعة ينقسم البشر إلى فرق وتكتلات، كل منهم يفارق الآخر في السمات والتفاصيل والتوجهات، يقول الله تعالى واصفاً حال البشر بعد أن تقع الواقعة: «وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً»، والأزواج الثلاثة كما تفصلهم الآيات الكريمات هم مجموعة «السابقون»، وهم كثرة من الأولين وقليل من الأجيال التالية، وأصحاب الميمنة وهم كثرة في كل جيل، وأصحاب المشأمة وهم بلا عدد (من كثرتهم بالطبع)، كذلك ينقسم الناس عند وقوع أي واقعة أو حدث يزلزل كيانهم إلى ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهى القلّة التي تحاول رد الأمور إلى نصابها وإعـــــادتها إلى أوضــــاعها الأصلية الصحيحة، وكثرة تبحث عن فائدة أو مصلحة أو جائزة في ما يحدث، فتجتـــهد في اســتثمار حالة الارتباك التي تصيب الناس بعـــد أن يرجّ الحدثُ الكبيرُ حياتَهم، وتسعى سعياً حثيثاً نحـــو الحصـــول على ما يمكـــنها من مكاسب وغنائم، أما الغالبية فهـــى تنظر إلى ما يحدث دون اكتراث، ورغم أنه من الممكن أن تكون هذه الفرقة الأكثر ضرراً، أو المسؤولة عن دفع جميع المغارم المترتبة على الحدث المزلزل، فإنها تتعامل مع الأمر بلا مبالاة. من الآيات الأخرى بالغة الدلالة في «سورة الواقعة» تلك الآية التي يقول فيها المولى عز وجل: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» وهي تصف حال أقوام جعلوا من الكذب بضاعة لهم يتحصلون من ترويجه على أرزاقهم في الحياة، أمثال هؤلاء في كل عصر هم مَن يقفون وراء تلك الصناعة الخطيرة في حياة البشر: صناعة الكذب».