الرئيسية / العواقب البعيدة لاتفاقية الجزيرتين – بقلم : زياد بهاء الدين

العواقب البعيدة لاتفاقية الجزيرتين – بقلم : زياد بهاء الدين

مصر بعد اتفاق الجزيرتين
زياد بهاء الدين

نشر فى : الإثنين 19 يونيو 2017 – 9:45 م | آخر تحديث : الإثنين 19 يونيو 2017 – 9:45 م
لا أتذكر خلال السنوات الثلاث الماضية ما يكون قد أثار صدمة وغضب واستياء الناس قدر ما أثارته اتفاقية الجزيرتين. ومن يتصور أن عدم استجابة الجماهير لدعوات التظاهر يوم الجمعة الماضية علامة مطمئنة، أو يرى أن الإسراع بالتصديق على الاتفاقية كفيل بجعل الموضوع ينحسر، يكون واهما لأن إقرار الاتفاقية لحظة تحول فارقة.
مصر بعد الاتفاقية لم تعد كما كانت قبلها. ولا يعنى ذلك التسليم بأن الموضوع قد حُسم بشكل نهائى، فلا أظنه كذلك، بل الأرجح أن يظل مجالا للصراع القانونى والسياسى لفترة طويلة مقبلة، بل وأن يتحول مع الوقت إلى تعبير رمزى عن كل ما يراه الناس من عيوب فى المجتمع، غلاء كان أم فسادا أم ظلما أم غير ذلك.
ومع ذلك فما يهمنى هنا ليس الصراع المقبل حول الاتفاقية، فهذا مجاله حديث آخر، بل النظر إلى ما جلبه سوء إدارة هذا الملف من تغيرات على الساحة العامة يصعب تجاهلها أو اعتبارها مجرد ظواهر عابرة.
وأول هذه التغيرات هو ترسيخ حقيقة أن الحكومة (بمعنى مجلس الوزراء) ليست الجهة المعنية باتخاذ القرارات الكبرى فى البلد بل جهة تنفيذ وحسب. والذى ظهر فى موضوع الجزيرتين أن الحكومة كانت تنتظر القرارات من الرئاسة ومن الأجهزة الأمنية والرقابية التى تشكل دائرة صنع القرار، ثم تبدأ فى التعامل بموجبها. ولكن اللافت هذه المرة أن رئيس الحكومة هو الذى وقع الاتفاقية، وهو الذى ظهر على شاشات التلفزيون يتبادل مستنداتها مع نظيره السعودى، إلا أن أصوات الاعتراض والاحتجاج لم تذكر الحكومة ورئيسها لا بالخير ولا بالشر، مفترضة أن القرار صادر من مكان آخر.
ثانى هذه التغيرات يخص البرلمان، والذى تلاشى للأسف ما كان متبقيا له من اعتبار وما كان يمثله من أمل فى أن يقوم بدور ولو متواضعا فى التشريع والرقابة على الحكومة. فالواقع أن مجلس النواب لم يعد فى ذهن الناس كيانا ذَا شأن بعدما تابعوا الأسلوب المهين الذى أديرت به جلساته، وبعد أن شاهدوا خبراء تطلب شهادتهم ثم يتهمون بالخيانة، ونوابا يصوتون لصالح الاتفاقية ثم يتنصلون، وأغلبية ترفض الاقتراع بالاسم كى يختلط الحابل بالنابل، وتهديدا وإهانة لأصحاب الآراء المخالفة كما لو كانوا أعداء للوطن. ولا أظن أن البرلمان سوف يتجاوز هذه المحنة التى أوقع نفسه وأوقعته الدولة فيها، بل أتصور أن يستكمل مدته ضعيفا مهمشا بعد أن فقد الكثير من المصداقية.
التغير الثالث والخطير أن خطوطا لم يكن قد جرى تجاوزها من قبل فى انتقاد الدولة وقياداتها ومؤسساتها، صارت مستباحة ليس فقط فى فضاء التواصل الاجتماعى المعروف بحدة لغته وقسوة تعبيراته، وإنما أيضا فى مساحات جديدة، ومن أصوات تجنبت حتى هذه اللحظة الوصول بالخلاف فى الرأى إلى حد الخصومة والقطيعة. وإذا كانت الأجهزة المحيطة بدوائر صنع القرار فى الدولة تزين للمسئولين أن هذه ليست سوى أصوات نخبوية وهدامة وخاضعة لأهواء وتدخلات أجنبية، فإنها تسدى لهم بذلك نصحا بالغ الخطأ، وتستهتر بتغير أكثر عمقا فى المزاج العام للبلد، وهو أشد خطورة ودلالة من مظاهرات متفرقة يجرى تفريقها ومطاردتها فى الشوارع الجانبية.
الحقيقة التى يجب الاعتراف بها أن الدولة أقدمت على خطوة غير محسوبة العواقب، وكل تصرف اتخذته للدفاع عن موقفها زاد الطين بلة، وأنها تخطئ فى الاعتقاد بإمكان تجاوز هذه العواقب بالمزيج المعتاد من الحشد الاعلامى، والتهديد بمصير الدول المجاورة، وتشويه الأصوات المعارضة. فالوضع هذه المرة مختلف والغضب المكتوم حقيقى ولا يصح تجاهله أو الاستخفاف به. وهذا ليس من باب تصيد الأخطاء، ولا تضخيم المشكلات كما يحلو للإعلام التابع للدولة أن يصور لنا. هذا التعليق مصدره الوحيد هو القلق على البلد، والحزن على تضحيات الناس التى تذهب هباء نتيجة الإدارة الحكومية بالغة السوء وقليلة الحكمة، والدعوة للتوقف والتفكير واعادة توجيه المسار قبل فوات الأوان.
العواقب البعيدة لاتفاقية الجزيرتين
زياد بهاء الدين

نشر فى : الإثنين 12 يونيو 2017 – 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يونيو 2017 – 9:50 م
أكتب هذه الكلمات والمناقشات لا تزال جارية تحت قبة البرلمان بشأن اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، والشواهد ترجح اتجاه البرلمان لإقرارها وبالتالى تنازل مصر عن جزيرتى «تيران» و«صنافير». وإن حدث ذلك، فإننا نكون قد دخلنا مرحلة جديدة ومختلفة عن كل ما سبق، وسوف تكون عواقبها وخيمة، ولو بعد حين.
منذ الإعلان عن توقيع الاتفاقية فى العام الماضى، فضلت ألا أتطرق إلى جوانبها التاريخية والقانونية، من منطلق أن كثيرين غيرى قد تناولوها بتفصيل شديد وبعد دراسة مستفيضة للمستندات والأدلة، ولذلك اقتصرت تعليقاتى على جانبها السياسى، وعلى الأسلوب الذى تعاملت به الحكومة مع هذه القضية بالغة الخطورة، وما انطوى عليه هذا الأسلوب من مباغتة فى الإعلان عن قرار يمس السيادة الوطنية، واستخفاف بالرأى العام، وتجاهل لأحكام القضاء، وتنكيل بمن أبدوا اعتراضًا على اتفاقية أبرمت فى ظروف وملابسات غامضة.
لذلك كنت ولا زلت مقتنعًا بضرورة رفض الاتفاقية ليس فقط لما تمثله من تنازل عن السيادة بالمخالفة الصريحة للدستور، وإنما أيضا لما عبرت عنه من حالة صارخة فى الانفراد بالقرار وعدم الإفصاح عن المعلومات وتجاهل وجود مجتمع يحق له الفهم والمشاركة والاعتراض. وفى تقديرى أن هذا الأسلوب فى إدارة الملف هو ما سوف يجعل للاتفاقية ــ إذا أقرها البرلمان ــ عواقب وخيمة وطويلة المدى حتى وإن نجحت عملية تمريرها هذا الأسبوع.
أول هذه النتائج اهتزاز ثقة الناس فى الحكومة على نحو لم تتعرض له من قبل، برغم كل ما واجهته من مشكلات وصعوبات وما انتهجته من سياسات خلافية حتى الآن. فنحن هنا لسنا أمام خلاف حول سعر الوقود أو تعويم الجنيه أو قانون ينظم الجمعيات الأهلية، مما يمكن تمريره اعتمادًا على خوف الناس من عدم الاستقرار أو انشغالهم بمسلسلات رمضان وإعلاناته. نحن أمام قرار مصيرى سوف يظل حاضرًا لسنوات مقبلة فى أذهان الناس. ومهما ساق أنصار الاتفاقية من حجج وأسانيد، واستعانوا بخبراء فى القانون والتاريخ والجيولوجيا لدعم موقفهم، وحشدوا أصواتًا فى البرلمان والإعلام، فإن الاعتقاد بأن الحكومة تقاعست عن القيام بواجبها فى حماية السيادة الوطنية، لن يختفى بل سوف يتصاعد مع الوقت ويهدد مصداقيتها.
والنتيجة الثانية التى لا تبدو الحكومة مكترثة بها هى حجم الانقسام العميق الذى دفعت إليه هذه الاتفاقية داخل المجتمع المصرى، وهو انقسام فى الأرجح سوف يزيد ويحتدم كلما اقتربت لحظة تسليم الجزيرتين. وبينما ظلت الأصوات العاقلة تطالب الدولة طوال الفترة الماضية بالعمل على تهدئة الاحتقان فى الشارع، وتقريب وجهات النظر فى مختلف القضايا الخلافية، وضم الصفوف من أجل مواجهة مخاطر الإرهاب ومصاعب الوضع الاقتصادى، إذا بالحكومة تفتح جبهة جديدة لنفسها، كما تفتح بابًا جديدًا للانقسام الداخلى، على نحو لا تقدم عليه حكومة رشيدة.
أما النتيجة الثالثة التى أتوقعها فتخص الحكومة والبرلمان، لأنه حتى لو مرت عملية التصديق على الاتفاقية مرور الكرام، فلا أظن أن الحكومة سوف تقدر على الاستمرار فى موقعها لفترة طويلة وهى تحمل هذا العبء، أو أن البرلمان سوف يتجاوز هذه النقطة السوداء فى تاريخه، وإن كانت هذه ليست أسواء العواقب.
وأخيرا فإن كان التبرير الرسمى لاتفاقية ترسيم الحدود هو الحفاظ على العلاقات الطيبة بين مصر والسعودية، فإننى أخشى أن تكون نتيجة هذا الاضطراب الشديد فى إدارة ملف الجزيرتين سببًا لفساد العلاقة بين الجانبين مستقبلًا. وليكن واضحًا أننى أتحدث هنا عن العلاقات بين الشعبين المصرى والسعودى وليس بين الحكام على الجانبين. هذه علاقة وطيدة ومهمة وتحكمها علاقات أسرية ومصالح تجارية وروابط إنسانية لا يجوز الاستهانة بها. وفى تقديرى أن أسلوب إدارة الدولة لهذا الملف سوف تفتح جرحًا فى جنب العلاقة بين الشعبين لم نكن بحاجة إليه.
إن كانت الفرصة لا تزال متاحة، فعلى البرلمان أن يرفض مناقشة الاتفاقية ويردها للحكومة ويطوى صفحة بالغة السوء فى الإدارة الحكومية وغياب الحكمة فى اتخاذ القرار، لعله بذلك يمنحها فرصة لإعادة النظر وتصحيح المسار قبل فوات الأوان.
زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.

عن admin

شاهد أيضاً

فورين افيرز: ما يريده أهل غزة-حرب وحشية أضعفت الدعم لحماس – لكنها جعلت السلام مع إسرائيل أكثر صعوبة

سكان يعودون إلى مدينة غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، فبراير 2025 داود أبو الكاس / رويترز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *