
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 مايو 1971.. السادات يقيل نائبه على صبرى.. وشعراوى جمعة: “لقد فتح النار على نفسه”
الثلاثاء، 02 مايو 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 مايو 1971.. السادات يقيل نائبه على صبرى.. وشعراوى جمعة: “لقد فتح النار على نفسه” على صبرى
دق جرس التليفون، فأمسك سامى شرف بالسماعة، وكان الرئيس أنور السادات هو المتحدث على الطرف الآخر.
كان “شرف” مديراً لمكتب الرئيس، وهو نفس الموقع الذى شغله مع جمال عبدالناصر، وقال له السادات كلمات مقتضبة: “يطلع غداً خبر فى الجرائد من سطر واحد: تقرر إقالة على صبرى من جميع مناصبه”، كان “صبرى” يشغل فى هذا الوقت منصب نائب رئيس الجمهورية، ومسؤولاً عن متابعة إعداد سلاح الطيران وسلاح الدفاع الجوى للمعركة ضد إسرائيل، وطبقاً لمحمد حسنين هيكل فى كتابه “أكتوبر 1973 – السلاح والسياسة” عن “مركز الأهرام للترجمة والنشر – القاهرة”، فإن جمال عبدالناصر هو الذى أسند لـ”صبرى” هذه المهمة، وأعطاه رتبة “فريق جوى”، وشملت المهمة أن يكون ضابط اتصال مع السوفيت، وبالتحديد فيما يخص احتياجات هذه القوة الضاربة الحامية التى كانت لوازمها أهم البنود فى الاتفاقيات القائمة والجارية مع الاتحاد السوفيتى.
كان “شرف” أثناء اتصال السادات يشارك فى اجتماع “لجنة العمل” يوم 2 مايو “مثل هذا اليوم” 1971، وحسب شعراوى جمعة، وزير الداخلية وقتئذ: “كانت هذه اللجنة تعمل إلى جوار جمال عبدالناصر، ثم استمرت أيام أنور السادات، وكان عليها أن تدرس ما يحال إليها من موضوعات، وخاصة ما يتعلق بتحضير أجهزة الدولة كلها للمعركة جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، وكان عليها كذلك دراسة المستجدات السياسية التى تتعلق بقرارات قد تؤثر على سير المعركة، ويضيف شعراوى فى مذكراته “شهادة للتاريخ” إعداد محمد حماد “مركز الأهرام للنشر”: «كانت اللجنة تتكون من عبدالمحسن أبوالنور أمين عام الاتحاد الاشتراكى “التنظيم السياسى الوحيد الموجود وقتئذ”، محمود رياض وزير الخارجية، شعراوى جمعة وزير الداخلية، محمد فوزى وزير الحربية، سامى شرف مدير مكتب الرئيس، مدير المخابرات العامة”.
ويكشف “جمعة” رد الفعل الذى أحدثه اتصال السادات، قائلاً: “فوجئنا جميعا بالسرعة والحدة التى يتحرك بها أنور السادات، وهالنا أن يتصرف بهذه الطريقة مع شخصية بحجم وقيمة على صبرى، وكان من غير اللائق على الأقل استخدام لفظة “إقالة”، وحاول الأخ سامى شرف إقناع الرئيس السادات أن يجعلها “استقالة” لكنه رفض، فقال له: “طيب نجعلها “إعفاء”، ورفض أيضا، يضيف “جمعة”: انقلب مناخ الجلسة، وتحولت دفة المناقشات داخلها، ودارت كلها حول تحليل موقف السادات، وتوقعاتنا حول الخطوات التى يزمع اتخاذها بعد ذلك، وكان الجميع فى حالة ثورة عارمة، وفى هذه الأثناء أبلغ “شرف”، “على صبرى بالخبر”، فعلق: “كنت أتوقع ذلك، ولم أكن أستبعده”، يؤكد جمعة، أنه قال لصبرى يومها: “السادات فتح على نفسه معركة”.
كان اللافت أن القرار جاء فى اليوم التالى لخطاب السادات فى عيد العمال، الذى هدد فيه من أسماهم بـ”مراكز القوى”، “راجع ذات يوم 1 مايو”، وجاء بعد اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى الذى نوقش فيه إعلان “اتحاد الجمهوريات العربية” بين مصر وسوريا وليبيا، الذى وقعه السادات مع الرئيس الليبى العقيد معمر القذافى، والرئيس السورى حافظ الأسد، وقاد “صبرى” معارضته فى مواجهة السادات باجتماع يوم 25 إبريل 1971، والمعنى فى إقدام “السادات” على هذه الخطوة ضد الرجل الذى يعد صاحب ثانى أرفع منصب سياسى فى مصر “نائب الرئيس”، وأرفع منصب فى المجموعة التى تعارض السادات من داخل النظام، يلخصه “هيكل” بقوله: “كانت إشارة لكل من يعنيهم الأمر أن أنور السادات ممسك بحزم بزمام الأمور، حتى وإن كانت هناك مواقع أخرى للقوة والسلطة فى مصر، وأنه إذا كان على صبرى معتبرا فى رأى كثيرين، الصديق الأول للاتحاد السوفيتى، فإن أنور السادات أزاحه بقرار منه، ومعنى ذلك أن حريته مقيدة بما يريده أو لا يريده الاتحاد السوفيتى، وأن أنور السادات وإن لم تكن فى يده كل المفاتيح، ولكن الباب ليس عصيا عليه”، ويقود هذا الرأى لهيكل إلى البعد الخارجى فى هذا الموضوع، ففيما تمت الإقالة قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكية وليام روجرز إلى مصر بأيام، التقى السادات بالسفير السوفيتى فى القاهرة يوم 22 إبريل وقال له طبقا لهيكل، وتأكيد السادات فيما بعد: “لقد قررت تصفية على صبرى”.
بعد انتهاء اجتماع “لجنة العمل”، خرج شعراوى وسامى شرف، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد كامل، وساروا فى الحديقة، ودار الحديث بينهم حسب تأكيد شعراوى، عن الخطوات المقبلة، وطريقة تفكير السادات، والإجراءات التى يمكن أن يتخذها.
«خلصت من الأصفراوى»
الأربعاء، 03 مايو 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 مايو 1971.. غليان فى الاتحاد الاشتراكى ومنظمة الشباب.. والسادات: «خلصت من الأصفراوى» السادات
استمع الرئيس السادات إلى شرح عبدالمحسن أبوالنور، الأمين العام للاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى الوحيد فى مصر» حول سلبيات قرار الرئيس بإقالة نائبه على صبرى «راجع ذات يوم 2 مايو»، ثم رد: «أنت اللى خليتنى أعين على صبرى الأصفراوى، وجه الوقت اللى لازم أخلص فيه منه» ثم فوجئ أبوالنور حسب روايته فى مذكراته «الحقيقة عن ثورة 23 يوليو» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة»، بأن السادات يعرض عليه تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية بدلاً من «صبرى» مع بقائه كأمين عام للاتحاد الاشتراكى، لكن «أبوالنور» رفض هذا العرض.
كان لقاء السادات بـ«أبوالنور» يوم 3 مايو «مثل هذا اليوم» 1971، وهو نفس اليوم الذى نشرت فيه الصحف اليومية الصادرة فى الصباح خبر إقالة «صبرى» فتوالت ردود الأفعال، التى أكدت أن الصراع بين السادات وخصومه ممن عملوا بجوار جمال عبدالناصر يدخل مرحلة تكسير العظام، وحسبما يذكر أبوالنور: «كان لنشر هذا القرار بهذه الصورة وقع شديد بين أعضاء الاتحاد الاشتراكى لسببين، أولهما: أن كثيرا من الأعضاء كانوا على علاقة طيبة بعلى صبرى الذى شغل أمانة الاتحاد الاشتراكى سنين عديدة، وثانيا: أن غالبية الأعضاء كانوا ضد اتفاقية الوحدة «اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا»، وكانوا ضد اختيار السادات نفسه رئيساً للجمهورية لولا ضغطنا عليهم محتجين بظروف المعركة ضد إسرائيل، والحرص على عدم وجود تصدع داخل القيادة فى هذه الفترة الدقيقة».
يؤكد «أبوالنور» أنه على الفور جاءه أعضاء كثيرون من الاتحاد الاشتراكى يقولون: لقد أجبرتمونا على القبول بالسادات رئيسا للجمهورية، وأجبرتمونا على قبول قراراته المنفردة والخاطئة بحجة عدم فتح مجال للخلاف فى تلك الظروف، كما أن إقالة على صبرى بهذه الصورة وقبل مقابلة وزير الخارجية الأمريكية «وليام روجرز» ليس له معنى إلا أنه يقدم على «صبرى» عربونا للولاء لأمريكا، حيث إن أمريكا تعتبر على صبرى رجل الاتحاد السوفيتى فى مصر»، ويذكر «أبوالنور» أن أعضاء الاتحاد الاشتراكى الذين تحدثوا إليه علموا أن السادات اجتمع مع كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية ورجل المخابرات الأمريكية فى المنطقة، وربطوا بين كل ذلك وخرجوا بنتيجة أن السادات يريد أن يضع مصير المنطقة فى يد أمريكا».
كان لمنظمة الشباب موقفها الغاضب أيضا مما حدث، ووفقاً لما يذكره شعراوى جمعة وزير الداخلية وقتئذ فى مذكراته «شهادة للتاريخ» إعداد محمد حماد «مركز الأهرام للنشر – القاهرة»: «كان يوم 3 مايو يوماً عصيباً فى منظمة الشباب الاشتراكى، وكانت إقالة على صبرى نشرت فى الجرائد، وكان على علاقة جيدة بها، وهو المؤسس الأول لها، واجتمعت قيادات المنظمة فى نفس اليوم «3 مايو» لدراسة الموقف، وكانت سخونة الاجتماع قد وصلت إلى ذراها، وظل الاجتماع منعقدا حتى اليوم التالى، وفى اليوم الذى اجتمعوا فيه كان أنور السادات يجتمع مع كمال أدهم، وهدد الشباب بالاعتصام داخل مقر المؤتمر السنوى لهم، وإذا بالدكتور مفيد شهاب يتصل بنا ويقول: الأولاد موجودون بمقر المنظمة ومعتصمون وقرروا أن يستمر اعتصامهم لحين إجراء مقابلة يحضرها أحد القيادات، واقترح عليه «أبوالنور» أن يعمل على تأجيل الاجتماع، وأبلغه «شهاب» أنه لا يستطيع السيطرة على الموقف وسط سخط الشباب العارم، وأصدروا بياناً حدد أهداف الثورة ومظاهر الخروج عليها، وهاجم «السادات» بضراوة.
توالت الأحداث الساخنة، وأقدم على صبرى بعد إقالته من منصبة نائباً لرئيس الجمهورية على تقديم استقالة مسببة من عضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى، وتقدم بها إلى عبدالمحسن أبوالنور طالباً منه عقد اجتماع للجنة المركزية التى انتخبته لتنظر فيها، كما طالب بتوزيع الاستقالة على كل الأعضاء، ويذكر «أبوالنور» أنه قال للسادات فى لقائهما يوم 3 مايو وهو نفس اليوم الذى تلقى فيه الاستقالة: «لن أرد على خطاب على صبرى، ولن أدعو اللجنة المركزية للاجتماع حتى لا أوسع الخلاف، وأرجو أن تجتمع مع أعضاء اللجنة التنفيذية العليا مع فنجان شاى ونتصافى، وفعلا جمع أعضاء اللجنة التنفيذية ماعدا على صبرى وضياء الدين داود، وفى هذا الاجتماع هاجم «السادات» على صبرى وضياء، ولكننا حاولنا جميعا تهدئته، وانتهى الاجتماع على تصفية أى خلافات، لكن الجو العام للاتحاد الاشتراكى وقياداته كان مازال مفعما بالغليان».