الرئيسية / زيارة السيسي لواشنطن وتفاؤل في غير محله – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

زيارة السيسي لواشنطن وتفاؤل في غير محله – بقلم : محمد عبد الحكم دياب

Apr 08, 2017

حين تطغى المصالح الشخصية والنفعية الضيقة على مجمل السياسات الرسمية العربية، وحين يغيب الاكتراث بالحاضر الذي يعيشه سكان «القارة العربية» والمستقبل الغامض الذي ينتظرهم، والمصير الدامي الذي يندفعون نحوه ويساقون إليه طوعا، حين يكون ذلك طاغيا وغائبا فإن نظرة أغلب أولي الأمر تكون قاصرة، وتعتصم بأجهزة إعلام وصحافة ودعاية؛ تبالغ في وصف الحدث بما ليس فيه، وعبرت زيارة الرئيس المصري لواشنطن عن ذلك الحال أصدق تعبير، فصحيفة «الجمهورية» المصرية وصفت الزيارة ولقاء الرئيسين الأمريكي والمصري بـ»قمة الرؤى الشاملة». وقالت في افتتاحيتها إنها «قمة تاريخية بكل المعاني من حيث التوقيت والهدف والملفات المطروحة».
والحقيقة أن الرئيس الأمريكي رأى في السياسة المصرية المتهافتة والساعية إلى طلب المال والإشادة من كل من هب ودب، وجد في أكبر راع لها فرصة تتيح له الاعتماد عليه في حربه ضد الإرهاب، وفي التصدي للنفوذ الإيراني، واستغلاله لملء الفراغ المتوقع من غياب تركيا عن التأثير بسبب ما لحق برئيسها من وهن بعد الانقلاب الفاشل عليه، وبما لديه من طموح قد يبعد تركيا عن بيت الطاعة الأطلسي، ويقربها من موسكو وطهران، بجانب ما يُبذل من جهد لاستعادة مكانته السابقة لدى تل أبيب.
في الوقت نفسه فإن الرئاسة المصرية تعتبر نفسها طرفا أساسيا فيما يتعلق بملفات ترى أنها تستطيع أن تقوم فيها بدور مؤثر، وعلى استعداد لتقديم الأوراق اللازمة التي تزكيها وتقربها من سيد البيت الأبيض. وهي أوراق تتعلق بملفات فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا، بجانب أوراق أخرى تخص الإرهاب وتنظيماته؛ بدءا من تنظيم «القاعدة» وصولا إلى تنظيم «داعش»، ومن الطبيعي أن يستغل الرئيس الأمريكي هذا الاستعداد لتذليل عقبات قد تواجه الحلف العسكري «الصهيو عربي» أو الناتو المصغر، المزمع تكوينه في الفترة المقبلة. وقد وردت أخبار أثناء كتابة هذه السطور عن اجتماع خماسي من الأردن ومصر والدولة الصهيونية وفلسطين والولايات المتحدة في يوليو القادم.
ومن المحتمل فشل الحلف المقترح بسبب تعقيدات الداخل المصري، رغم ضحالة الوعي الرسمي العربي عموما والمصري خصوصا، وجهله بمخرجات السياسة الداخلية ومدخلات النشاط الخارجي، وهي معلومات متاحة للدارس المبتدئ في العلوم السياسية والاستراتيجية؛ تجعله يعلم بوجود علاقة عضوية بين السياستين الداخلية والخارجية، فما السياسة الخارجية إلا إنعكاس للسياسة الداخلية، بشرط سلامة الخطاب الوطني، وبعده عن الازدواجية بين ما يوجه للمواطنين وما يُقدمه ويتطلع إليه هذا الخطاب وهو يتوجه إلى الخارج.
ولا يمكن لسياسة خارجية يحركها فرد ومنغلقة وانعزالية أن تؤثر في عالم منفتح يقوم على الندية، ولا يمكن له أن يكتفي بعلاقاته مع الأشقاء على مجرد طلب العون والحصول على منح وقروض فقط دون تعاون حقيقي؛ أساسه المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، ولا تنجح سياسة «حسن الجوار» بدون تواصل بالجيران، ومن الصعب إسداء النصح للغير والحض على المشاركة مثلا من ناصح يتفنن في اختلاق القيود المانعة، والإمساك بمفاتيح المشاركة في يد الحاكم الأوحد، والتغني بدعم القضية الفلسطينية مع إعطاء الأولوية للمصلحة الصهيونية، وكأن الزمن عاد إلى ما كان بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى توقيع اتفاقية جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر في 1954، وكانت القاهرة فيها من مراكز النشاط الصهيوني المنظم.

و»الانفصام السياسي» ذو اثر سلبي بالغ على الداخل، وله إنعكاساته على العمل الخارجي، فضلا عن أثر انهيار الأوضاع المعيشية، وتراجع الحريات السياسية، وافتقاد النزاهة والاستقامة المالية والاقتصادية وغياب المحاسبة، وتفاقم الفساد وزيادة نفوذ الفاسدين المنتشرين كالفطر في الإدارات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية، فضلا عما يجري من تأليب سلطات الدولة ضد بعضها البعض، ومن تغول السلطة التنفيذية على باقي سلطات الدولة، ومؤسساتها، وإذعان السلطة التشريعية (مجلس النواب). بعد نجاح «أجهزة سيادية» في هندسة الانتخابات البرلمانية، وضمنت بذلك ولاء أغلب النواب لها، وجاء وضع الموقف من جزيرتي تيران وصنافير كاشفا لهذا العوار، فضلا عما يمكن أن ينجم من رد فعل على مقترح قيام «الناتو العربي» المصغر!!
وجاء اهتمام المراقبين بزيارة الرئيس المصري لواشنطن لكونها أتت في موسم حج المسؤولين العرب إلى البيت الأبيض، وافتُتح الموسم بحفاوة الرئيس الأمريكي برئيس وزراء الدولة الصهيونية، وتلاه استقبال ولي ولي العهد السعودي، ثم ملك الأردن ورئيس مصر، وهذا الجمع قد يضمن نجاح مشروع الحلف العسكري الرباعي المرتقب؛ بأضلاعه العربية الأربعة «المعتدلة»، وخامسها؛ ضلع صهيوني يمثل تل أبيب، ويبدو أن الضلع الخليجي ما زال يدرس اقتراح وزير الدفاع الصهيوني بشأن إقامة هذا الحلف المشترك على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو). وجاء في ثنايا حديثه لصحيفة «دي فيلت» الألمانية في 28/ 02/ 2017


والدول المرشحة للحلف لا تمتلك خيارات بديلة عن خيارات واشنطن، وذلك أضعفها وجعلها مستعدة لدفع ما يطلب منها من ثمن للاعتراف بالوجود الصهيو أمريكي أيا كان حجمه ومداه.
وكان ترامب قد صرح مرارا بأن هناك أثمانا على العرب دفعها مقابل ما تقوم به الولايات المتحدة في حربها المفتوحة ضد الإرهاب، وهزيمة «داعش»، وهي أثمان سياسية وعسكرية واقتصادية ومالية وبشرية وجغرافية، وبهذا يصبح الوجود الأمريكي غالبا، ومرتكزا لمعادلة مختلة وغير متوازنة بين طرف أمريكي وأطلسي قوي ومهيمن، وأطراف اخرى تابعة؛ متهافتة وضعيفه تتطلع لمن يحميها
 

وعليه فإن الأسابيع القادمة بالغة الخطورة، وقد تواجه خلالها «القارة العربية» حملات إعلامية ونفسية وضغوط سياسية وتدخل وغزو عسكري، ورسم الشكل النهائي لـ»القارة العربية» ولإقليم الشرق الأوسط.ومن الممكن التنبؤ بوقوع أحداث جسام، ومزيد من الضغوط على من هللوا لوصول ترامب إلى البيت الأبيض، والحقيقة أنه لا مجال للتفاؤل وادعاء الحكمة في الترويج لزيارة واشنطن، واعتبار اللقاء مع ترامب اعترافا بـ«أهمية» السياسة المصرية وتزكيتها، وللعلم فإن النشاط الخارجي الصحيح لا يعتد بالجهد الفردي، ويعتمد العمل المؤسسي، الذي يُمارس في النور، بما يرفع قيمة العمل ويرتقي به.


قد تتصاعد صراعات وحروب وفتن التقسيم؛ الطائفية والمذهبية والمناطقية، وتتطور النزاعات الأهلية من طورها نصف الساخن إلى حروب ملتهبة؛ تتسع لغلق باب الحلول السلمية التي هبت منه رياح حملها الحضور المتنامي للدور الروسي في إقليم الشرق الأوسط، والاسراع في إنشاء التحالف العسكري الصهيو عربي، والتعجيل باستكمال مشروع الشرق الأوسط «الصهيوني» الجديد.


ومن المتوقع أن تنتعش جماعات التطبيع، والأرجح أن تستعرض قوتها؛ بالترغيب والترهيب، مع مساعدتها في إشاعة ونشر تفاصيل المجهود الصهيو غربي لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، وما قيل عن اهتمام مؤتمر القمة العربية في عمان بقضية فلسطين يمثل غطاء ودعما لبرنامج ترامب في تبني الحل الصهيوني، وهو حل يمنح تل أبيب مزيدا من الأرض والمال والسلاح، فتتمكن من وضع اللمسات الأخيرة في مشروع إعلان يهودية الدولة الصهيونية، والبدء في التنفيذ الفعلي لـ«الوطن الفلسطيني البديل» في سيناء وقطاع غزة!.

عن admin

شاهد أيضاً

فورين افيرز: ما يريده أهل غزة-حرب وحشية أضعفت الدعم لحماس – لكنها جعلت السلام مع إسرائيل أكثر صعوبة

سكان يعودون إلى مدينة غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، فبراير 2025 داود أبو الكاس / رويترز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *