كابتن غزالى «1»
الثلاثاء، 04 أبريل 2017 07:00 ص
الاسم: محمد أحمد غزالى، الشهير بـ«كابتن غزالى».
تاريخ وجهة الميلاد: 10 نوفمبر 1928 حى الغريب «قلب السويس القديمة».
محل الإقامة: قلوب المصريين.
المهنة: الحياة من أجل الدفاع عن الأرض.
بقلم : سعيد الشحات
داخل منزله بالسويس، لفظ «كابتن غزالى»، أنفاسه الأخيرة، أول أمس، الأحد، بعد صراع مع المرض. استدعى خبر وفاته الكثير من الأحزان والآمال، فالبذرة التى غرسها فى الأرض ستطرح ثمارًا من رائحته، لكن ولأن الكثير مما عاش له لم يتحقق، يمتزج الأمل بالحزن كلما يختطف ملك الموت أرواحًا طاهرة وذكية مثل غزالى، الذى يعد من أجمل الرموز الشعبية المدافعة عن الأرض ضد مغتصبيها.
«فى كتاب» شموس فى سماء الوطن، للكاتب الصديق محمد الشافعى يتحدث «غزالى» عن نفسه، فيعيد تكوينها إلى البيئة التى ولد وتربى فيها.حى «الغريب» الذى ولد فيه كان نقطة التقاء مع كل ما يمر من السويس متجهًا إلى القاهرة، كما أن مقار الأحزاب والحركات السياسية التى عرفتها مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 كانت متواجدة فى هذا الحى مثل «الوفد، الإخوان المسلمين، الأحرار الدستوريين، الكتلة الوفدية، الحزب الاشتراكى، السعديين»، بالطبع فإن تواجدًا سياسيًا مثل هذا سيلقى بتأثيره على كل من يجد نفسه من صغره مشدودًا للأفكار النبيلة والمثل العليا.
يعود«غزالى» فى جذوره إلى محافظة قنا، وبالتحديد قرية «أبنود»، وكان والده ذا سمعة طيبة وكبير قومه وموظف بسيط، وفى هذه البيئة تربى كما يقول هو: «تربية بسيطة ونشأت لأجد الإنجليز يسكنون معنا فى البيوت ويملأون شوارع السويس التى كانت محاطة بالكثير من المعسكرات الإنجليزية، ونشأت لأجد الحس الوطنى مشتعلًا، والتصادم اليومى مع الإنجليز دائمًا ومستمرًا، واضطرنى ذلك إلى عدم إتمام تعليمى الرسمى لأن طموحاتنا كجيل كانت متعددة، وبعد أن أنهيت مرحلتى الابتدائية اتجهت إلى الثقافة الحرة من خلال المناقشة الدائمة فى شتى نواحى المعرفة، ولم أكن وحدى فى ذلك، لكن الجيل كله كان يعيش فى مناقشة دائمة فى كل شىء حسن ونافع».
هكذا نجد القسمات الأولى التى شكلت شخصية «غزالى» فجعلته مقاومًا من طراز فريد ضد كل محتل غاصب للأرض: «أصبحت مشاركًا بصورة فاعلة فى العمل الفدائى منذ عام 1946، حيث شاركت فى العديد من الأعمال الفدائية ضد معسكرات الإنجليز، وفى عام 1948 عند مشاركة الجيش المصرى فى حرب فلسطين، كانت السويس من مراكز التدريب الرئيسية التى أنشأتها الأحزاب، التى كانت تحارب ضد الاحتلال، وبدأت هذه المراكز منذ عام 1946، واشتركت فيها بحكم أننى منذ هذا التاريخ أصبحت مشاركًا فى العمل السياسى».
يواصل «غزالى»: «بعد التدريبات اتجهت مع زملائى إلى فلسطين عام 1948، ووصلنا إلى ما بعد غزة، ومكثنا حوالى عشرين يومًا، وعدنا دون أن نشارك فى الحرب، ولكننا عدنا بخبرات أفادتنا كمدربين فى تلك المراكز. بعد إلغاء معاهدة 1936 فى عام 1951 شاركت مع زملائى فى أحداث كفر عبده، الشهيرة «قام الاحتلال الإنجليزى بتدمير القرية فى 8 ديسمبر »، وفى ذلك الوقت تحولت من ممارسة الجمباز إلى المصارعة الحرة والرومانى، ولعبت فى البطولات القومية، وبعد ذلك أصبحت مدربًا عامًا لإقليم شرق الدلتا فى المصارعة، كما احترفت الرسم، وتعلمت الخط وأصبح مهنتى، كما أن قراءتى المستمرة قربتنى من الأدباء والسياسيين والمثقفين».
هكذا تكون غزالى ليدخل إلى المرحلة الأهم فى حياته، وهى مرحلة ثورة 23 يوليو 1952،
كان كابتن غزالى من قيادات حركة المقاومة الشعبية فى السويس، منذ العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وارتبط بثورة 23 يوليو 1952 وقائدها جمال عبدالناصر، ويذكر الكاتب الصحفى الصديق محمد الشافعى فى كتابه «شموس فى سماء الوطن» الذى يقدم فيه رموز المقاومة الشعبية فى مدن القناة: «كان عبدالناصر أنضج ما فى حياتنا وعشنا معه منذ 1952 حتى وفاته «28 سبتمبر 1970» مؤمنين بفلسفته وسياساته وانحيازه للوطن، وجعلنا هذه جزءا من الشعب المصرى الذى دعم الثورة وساندها».
كانت نكسة 5 يونيو 1967 ومرحلة حرب الاستنزاف التى تلتها هى العنوان الأبرز فى حياة «غزالى»: «لم ننكسر بل بدأنا على الفور ندافع عن مصر وعن الجيش لأننا وجدنا فى النكسة مجرد هزيمة فى معركة، ولكنها ليست خسارة لكل الحرب، وبدأنا نتقدم لمساعدة المنسحبين من الجنود، وتقدم الشباب والرجال رافضين للهزيمة، وكنت فى قلب القيادة داخل السويس، ورفعنا شعار حرب الشعب، وابتكرنا العديد من الوسائل الدعائية والإعلامية للتغلغل داخل الناس واستنفار همتهم، وإعادة تجييشهم ليقاوموا الهزيمة وحتى لا يحدث الهلع، وذلكبعد أن عبر شباب السويس القناة على المراكب لإحضار المنسحبين، وكانت أعدادهم كبيرة جدا، وكان منظرهم يدفع الإنسان للانتحار وليس للمقاومة».
يتذكر «غزالى» هذه الأيام القاسية ومحنتها، وقدرة أهل السويس الفريدة على المقاومة ودوره هو فيها: «وعى أهل السويس وخبراتهم كانت من العوامل الهامة للتعامل مع الكارثة، وبدأنا نحرس المدينة ونوزع أنفسنا، ونشكل اللجان للمقاومة الشعبية، ولأن التنظيم السياسى (الاتحاد الاشتراكى) انهار داخل المدينة تولى الناس عنه هذا الدور الخطير، وهو الدفاع والوقوف فى وجه اليهود الذين أصبحوا يوم 7 يونيو على البر الشرقى عند بورتوفيق، وكان علينا أن نقاوم ونمنعهم من العبور إلى الغرب، واستشهد بعض شباب السويس وهم يأتون بالجنود من الضفة الشرقية، حيث سقط شهيدان فى اليوم الأول».
مارست القوات الإسرائيلية استفزازها للناس بأشكال استعراضية مثل الاستحمام فى القناة، وفى المقابل انطلقت الإرادة الوطنية لتتحدى، وتجلت العظمة فى أن هذا الانطلاق خرج رغم شح الإمكانيات فى البداية، يقول غزالى: «بالفعل كانت الأسلحة قليلة والناس غير مدربين، ويحتاج ذلك إلى وقت وتفرغ، فقررنا أن يكون هذا مهمة الزملاء الذين أدوا الخدمة العسكرية».
يتذكر كيف كانت المواجهة مع القوات الإسرائيلية، حين حاولت رفع العلم الإسرائيلى على القناة قبل وقف إطلاق النار، وفيه سيرة عظام من أبناء السويس أفشلوا محاولة إسرائيل: «قام الزملاء مصطفى أبوهاشم، وغريب محمد غريب، ومحمد عبد ربه، بأول عملية فدائية لإفشال هذه العملية، ونجحوا وأسروا بعض جنود العدو، وفرض علينا ذلك تنظيم حراسات ليلية وذلك بالخبرات العفوية، وبدا اليهود ينتشرون على طول القناة ويبنون خطوطا دفاعية، ولم يكن الجيش المصرى وقتها فى ظرف يسمح له بالمقاومة وبدأ اليهود فى إزعاج المدينة بالنابل والمدافع، وكنا متوقعين لهذا فنظمنا فرق الإسعاف والتمريض والحراسة ثم محاولة تدبير السلاح، وأخذ ذلك حوالى عشرين يوما وبدأت الحكومة تساعدنا ثم بدأت عملية التهجير لما يقرب من ثلاثمائة ألف مواطن».
بدأت حرب الاستنزاف وهى الحرب التى خاضها الجيش المصرى ببطولات رائعة، وتعمل إسرائيل كل جهدها لمسحها من الذاكرة التاريخية، وخلالها انطلق كابتن غزالى بفرقة «أولاد الأرض»، فماذا فعلت؟
كابتن غزالى من «ولاد الأرض»
الخميس، 06 أبريل 2017 07:00 ص
أصبح شباب السويس فى مواجهة مفتوحة مع العدو الصهيونى بعد نكسة 5 يونيو 1967، وبدأت حرب الاستنزاف ومعها تم تكوين منظمة سيناء العربية كجماعة سرية تابعة للمخابرات الحربية لشن عمليات فدائية ضد القوات الإسرائيلية، وقصة هذه المنظمة تحتاج إلى تأريخ كامل لأنها صفحة مهمة فى تاريخنا الوطنى، ومع هذه المنظمة كان هناك شىء آخر يولد ويعطى مفعول السحر فى التعبئة الشعبية وهو فرقة «ولاد الأرض» التى أسسها كابتن غزالى، وقدمت أغانيها على آلة السمسمية.
يتذكر كابتن غزالى هذه الأيام للكاتب الصحفى محمد الشافعى فى كتاب «شموس فى سماء الوطن» قائلا: «تم تقسيم شباب السويس إلى عدة أقسام، قسم مشغول فى الأعمال الفدائية لمنظمة سيناء العربية، وقسم مشغول فى الحراسات الليلية حتى يتفرغ الجيش للأعمال المهمة، وانشغلت فى عمل الندوات لإلقاء قصائدى الشعرية مع زملاء آخرين، تلك القصائد التى تشعل الحماس وترفع الروح المعنوية، وفكرت فى تحويل هذه القصائد إلى أغانٍ حتى يسهل استيعابها ويزداد تأثيرها على الجنود وعلى الشعب».
يضيف «غزالى»: «بدأنا بشكل عفوى حيث كنت أثناء حرب الاستنزاف قائد المجموعة السابعة وهى أكبر مناطق التجمع الشعبى وأنشطها بما فيها من أدباء ومثقفين، وأثناء حضورنا أحد الاجتماعات العسكرية، غنينا بعد الاجتماع بعض الأغانى التى كتبتها فحازت على إعجاب الجميع، وطلب منى قادة الجيش أن نزور كل المواقع العسكرية من الغردقة وحتى بورسعيد أى على طول كل الجبهة، وأصبحت هذه الأغانى أحد الأسباب الرئيسية فى رفع الروح المعنوية من خلال لغة الشعب الحرة».
حمل «غزالى» آلة السمسمية ولف بـ«ولاد الأرض» شوارع وحوارى مدن القناة وكذلك المحافظات التى هاجر أبناء محافظات القناة إليها بعد النكسة، كانت «ولاد الأرض» تنشد الأشعار والأغانى فى جولاتها، مثل: «غنى يا سمسمية لرصاص البندقية.. ولكل إيد قوية.. حاضنة زنودها المدافع.. غنى لكل دارس.. فى الجامعة والمدارس.. لمجد بلاده حارس.. من غدر الصهيونية.. غنى لكل عامل.. فى الريف وفى المعامل.. بيأدى الواجب كامل.. وأديله وردة هدية.. غنى ودق الجلاجل.. مطرح ضرب القنابل.. راح تطرح السنابل.. ويصبح خيرها لى»، وغنت الفرقة: «فات الكتير يا بلدنا مابقاش إلا القليل» وغنت: «يا شعرا.. يا كتاب.. يا نضال ع القهاوى.. ياهم.. ياغم.. يا سبب البلاوى.. بينا يلا بينا.. نحرر أراضينا».. حملت هذه الكلمات بساطة وفخامة وقوة وجمالا فحفزت الناس على المقاومة، وتكونت «ولاد الأرض» فى بدايتها كما يقول «غزالى» من: أحمد غزالى، مصطفى محمود حنفى، عز الدين محمد منسى، ضيف محمود خليل، شحتة أبوالجدايل، رمزى عثمان، غريب حسن النوبى، على محمود صبره، فتحى السيد طه، منصور نصارى محمد، زكى عثمان».
يقول «غزالى»: «تحولت فرقة» ولاد الأرض إلى فرقة فنون شعبية تقدم الرقصات الحربية المعبرة على المسرح، وتحولنا أيضا إلى العمل المسرحى فقدمنا مسرحية «أغنية على خط النار» التى قدمت الشهداء وكيف ماتوا، وزرنا بهذه المسرحية مصر كلها، وكنا نعود للسويس للقيام بأعمال المقاومة».
يؤكد «غزالى» أنه بعد رحيل جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 جاء أنور السادات وقام بتسريح كل التشكيلات الشعبية، وتم القبض على «ولاد الأرض»، ويضيف: «ورفض هو وترك السلاح فصدر قرار بإبعاده عن السويس فى 7 مارس 1973 وتحديد إقامته فى «كفر السرايات» بمدينة بنها محافظة القليوبية، عاد غزالى فى عام 1974 إلى السويس ورشحه الناس لانتخابات المحليات، ودفعوا له الرسوم وحصل على أعلى الأصوات ليبدأ مرحلة جديدة من حياته.. رحمه الله.