
حقيقة دور ” يوسف صديق ” فى ثورة 23 يوليو 1952
بقلم : عمرو صابح
فقالوا أنه أول من أقتحم مبنى قيادة القوات المسلحة لخروجه مبكراً ساعة عن موعده ، وأنه قابل جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بالملابس المدنية ، لذا قامت قواته بالقبض عليهما ثم أُطلق سراحهما عندما تعرف عليهما يوسف صديق ،فذهبا لمنزليهما واستبدلا زيهما المدنى بالزى العسكرى ، وعادا بعدما كان “يوسف صديق” وقواته قد قاموا بالاستيلاء على قيادة القوات المسلحة.
تلك الرواية شائعة جداً وأستغلها خصوم جمال عبد الناصر طويلاً لمهاجمته ولكن الحقيقة التاريخية غير ذلك، وهذا ما سنراجعه عبر السطور التالية
تحرك “يوسف صديق” بالفعل ساعة مبكراً بقواته من معسكر الهايكستب ، عند منشية البكرى ألقت قواته القبض على ضابطين هما المقدم”جمال عبد الناصر” والرائد “عبد الحكيم عامر” .
ألقى القبض على “جمال عبد الناصر” لأن من ضمن أوامر خطة الثورة القبض على أى ضابط من رتبة مقدم فيما فوق من غير قوات الثورة ،وعندما رفض “عبد الحكيم عامر” ترك “جمال عبد الناصر” تم إلقاء القبض عليه أيضاً حتى حضر “يوسف صديق” وتعرف عليهما
معنى ذلك ان قصة ارتداءهما للزى المدنى كاذبة والإ لماذا تم القبض عليهما؟!!
كان ناصر وعامر هما من أخبرا يوسف صديق بإكتشاف القصر الملكى لتحرك الثوار وبإجتماع كبار القادة بمبنى قيادة القوات المسلحة لإجهاض الثورة ،بعد وصول تلك المعلومة لعبد الناصر من ضابط موالى للأحرار بالمخابرات الحربية لذا خرج عبد الناصر بصحبة عامر لانقاذ الثورة من الفشل.
مهمة الكتيبة التى كان يقودها يوسف صديق لم تكن موجهة لحصار مبنى قيادة القوات المسلحة ، بل كانت تلك المهمة موكولة للكتيبة 13 عندما وصلت قوات يوسف صديق وبصحبته ناصر وعامر لمبنى قيادة القوات المسلحة ، وجدوا هناك قوات الكتيبة 13 التى يقودها اليوزباشي “عمر محمود على” ، وكاد أن يحدث اشتباك بين القوتين ،لولا تدخل “عبد الحكيم عامر” الذى كان يعرف “عمر محمود على” شخصياً لأنه هو الذى قام بتجنيده فى تنظيم الضباط الأحرار
“عبد الحكيم عامر هو أول من أقتحم بوابة مبنى رئاسة الأركان ، وعندما رفض جندى حراسة المبنى فتح البوابة أطلق عليه الرصاص وأرداه قتيلاً.
خطة الثورة الأصلية مكتوبة بخط يد جمال عبد الناصر وعليها تعديلات بخط يد كلاً من “عبد الحكيم عامر” و”زكريا محيي الدين”
فى 18 يونيو عام 1962 أدلى الرئيس “جمال عبد الناصر” بحديث صحفى لدافيد مورجان مندوب جريدة “الصنداى تايمز” أنقل لكم الجزء التالى منه :
–
مورجان”: لقد كانت ليلة الثورة مثيرة دون شك، ولا بد أن ذكرياتها ستبقى زماناً طويلاً، فهل نستطيع أن نعرف الخطوط الرئيسية فى سير الأحداث تلك الليلة ؟
* الرئيس: فى نحو الساعة العاشرة من مساء ٢٢ يوليو جاء إلى بيتى ضابط من ضباط المخابرات وعضو من جماعتنا، وإن كنا لم نخطره بما اعتزمنا القيام به؛ لتحذيرى بأن القصر قد تسرب إليه نبأ استعداد الضباط الأحرار للتحرك، وأنه قد اتصل برئيس أركان حرب الجيش، الذى دعا إلى عقد اجتماع عاجل فى الساعة الحادية عشرة لاتخاذ الإجراءات ضدنا.
وكان لابد من اتخاذ قرار فورى؛ فلو أننا تركنا كل شىء ليتم فى ساعة الصفر المتفق عليها، وهى الواحدة صباحاً؛ فقد يدركوننا قبل أن ندركهم، ومن ناحية أخرى كانت الأوامر قد وزعت، وكان من أصعب الأمور الاتصال بكل من له صلة بالموضوع.
وانضم إلينا ضابط المخابرات، وخرجت مع عبد الحكيم عامر لنجمع بعض القوات من ثكنات العباسية، ووصلنا متأخرين؛ فقد وجدنا أن البوليس الحربى قد أغلق الثكنات، فمضينا إلى ثكنات الفرسان والمصفحات، فوجدنا أيضاً أنهم سبقونا، وكان البوليس الحربى يحرس كل المداخل.
وبدا للحظات أن خطتنا كلها فى خطر، ولم يبق على ساعة الصفر إلا تسعين دقيقة، وبدا أن خطة الثورة كلها تدخل فى مرحلة من تلك المراحل الخطيرة فى التاريخ؛ عندما تتدخل قوى أكبر منا لتوجيه الحوادث.. ولقد تأكد لى من تطورات الأمور أن عناية الله كانت تلك الليلة معنا.
فقد انطلقنا لنتوجه إلى ثكنات ألماظة كحل أخير، وكنت أسير بسيارتى الأوستين الصغيرة ومعى عبد الحكيم عامر، وفى طريقنا التقينا بطابور من الجنود قادمين فى نفس الطريق تحت الظلام، وأخرجنا الجنود من السيارة، وألقوا القبض علينا؛ لكن الجنود كانوا فى الحقيقة من قوات الثورة، وكانوا ينفذون أوامرى بإلقاء القبض على كل الضباط فوق رتبة القائمقام دون مناقشة، ولم يكن الجنود يعرفون من أكون فتجاهلوا كل كلامنا لمدة عشرين دقيقة تقريباً، كل دقيقة منها أثمن ما يكون. ولم تصدر الأوامر فوراً بإطلاق سراحى وسراح عبد الحكيم عامر، إلا حين تقدم البكباشى يوسف صديق قائد المجموعة وأحد زملائى المقربين ليستطلع سر الضجة، ولم أسعد لرؤية أحد فى حياتى كما سعدت حين رأيت يوسف صديق يخرج من الظلام؛ فقد تحرك فى الوقت المحدد له، وكان ينتظر حتى تحل ساعة الصفر المعينة ليبدأ الهجوم.
وانضممنا إلى الطابور، وقررت ألا ننتظر، واتجهنا فوراً إلى القيادة، وكانت قواتنا لا تزيد عن قوة سرية، لكن عنصر المفاجأة كان فى جانبنا.
لقد اعتقلنا فى الطريق عدداً من قادة الجيش الذين كانوا يحضرون الاجتماع فى القيادة لتوجيه الضربة ضدنا.
وحدثت مقاومة قصيرة خارج القيادة، ثم اقتحمنا مبنى القيادة نفسه، ووجدنا رئيس هيئة أركان حرب، وكان على رأس المائدة يضع مع مساعديه خطة الإجراءات التى ستتخذ ضد الضباط الأحرار، وقبضنا عليهم جميعاً.
عند وفاة الرئيس عبد الناصر رثاه يوسف صديق بقصيدة أسمها “دمعة على البطل”
قال فيها :
أبا الثوار هل ســامــحــت دمـــعـــي .. يفيـض و صـوت نعـيـك مـلء سمعي
و كــنــا قـد تـعـاهـــدنــــا قـــديــمـــاً .. عـلــى تـرك الــدمــوع لـــذات روع
و إن الخـطــب يـحـسـم بالـتـصــدي .. لهـول الـخـطــب في سـيــف و درع
و لكـــن زلـــزل الأركـــان مــنــي .. و هـــز تمــاسـكـي مـن جــاء ينـعي
نعــاك و أنت مـــلء الأرض سعيــاً .. و ذكـــرك قـــائـم فـــي كــل ربـــع
بكتك عيون أهـل الأرض حــولـــي .. فـكـيـف أصـون بيـن النـاس دمعـي
قـضـيـت شهـيـد وحـدتـنـــا تـقـــوي .. روابـطـهـا و تـجـبـر كـــل صــدع
فــمــا للـعــرب في الدنـيــــا مكــان .. بـغـيـر تــمـــاســك و بـغيـر جـمـع
رسمت لنا الطريق و سوف نمضي .. عـلـى هـذا الـطـريــق بـغـيـر رجع
سنمضي في طريق الحــق حـتـــى .. نـطـهـر مـــن ثــراثــا كــل صـقـع
و للعمــــال بــالعمــــال نـبـنـــــي .. و نصنـع بـالـمـصـانـع خـيـر صنـع
و لــلفــــلاح بـــالفـــلاح نــــروي .. صـحــاريـنــا و نــزرع خـيـر زرع
فــفــي العمـــال و الـفـــلاح درع .. لــثـــورات الشــعـــوب و أي درع
جــــزاك الله عـنــــا كــــل خيــر .. و رواك الــرضـــا مــن كـــل نبع
—
ليوسف صديق دور مهم ولكنه لم يصنع الثورة ولم ينقذها ،بالفعل تحرك مبكراً لكنه لم يصل لمبنى قيادة القوات المسلحة إلا بعد لقاءه بناصر وعامر وبناء على توجيههما له ، وهذا لا ينتقص من دوره ، ولكن محاولة تضخيم دوره بلا داعى للانتقاص من الرئيس جمال عبد الناصر يجافى الحقيقة والتاريخ