الرئيسية / سحب تقرير الاسكوا تواطؤ مع العنصرية الصهيونية

سحب تقرير الاسكوا تواطؤ مع العنصرية الصهيونية

http://www.akher7gate.com/uploads/original_images/4cd8deO_Ofb_img_1471640786668.jpg

بقلم : عوني فرسخ

     أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” قبل نحو اسبوعين تقريرا باعتبار اسرائيل دولة تمارس التمييز العنصري ضد الشعب العربي الفلسطيني صاحب الوجود الطبيعي الممتد في وطنه  المحتل من النهر الى البحر . ولما كانت جريمة التمييز العنصري تعتبر في القانون الدولي بمنزلة تالية لابادة الجنس ، وتحسبا من تداعيات القرار الدولي على الكيان الصهيوني سارعت حكومة نتنياهو بطلب سحب تقرير الإسكوا ، وايدتها في طلبها الإدارة الأمريكية ، بأن مارست ضغوطا على أمين عام الأمم المتحدة بحيث اصدر بيانا باعتبار تقرير الإسكوا معبرا عن مصدريه وليس عن الأمم المتحدة ، ولم يلبث أن طالب بسحبه ، دون أن يتضمن بيانه أي طعن في مضمون تقرير اللجنة الدولية ما دعا د. ريما خلف ، المديرة التنفيذية للجنة الإسكوا لتقديم استقالتها من الأمم المتحدة ، في موقف شجاع يذكر لها وطنيا وقوميا، وعقدت مؤتمرا صحفيا في بيروت يوم السابع عشر من مارس / آذار الجاري . بحضور نقيب الصحافيين اللبنانيين والصحافي المخضرم الأستاذ طلال سلمان ، أوضحت فيه أن التقرير اعده باحثان مختصان بالقانون الدولي استنادا لدراسات معمقة في معطيات الواقع في الأرض العربية المحتلة .

        ولما كانت اسرائيل لم تقدم ما ينفي مصداقية تقرير الإسكوا ، ولما كان أمين عام الأمم المتحدة لم يطعن في مضمون التقرير او منهجية مصدريه ، وإنما طالب بسحبه تحت الضغوط التي مورست على الأمانة العامة للأمم المتحدة ، يغدو منطقيا اعتبار سحب التقرير الدولي تواطؤا مع الكيان الصهيوني . إلا أنه ليس التواطؤ الأول للمنظمة الدولية مع العنصرية الصهيونية . فضلا عن أنه لا يعود مطلقا لفعالية جماعات الضغط “اللوبيات” اليهودية واسعة النفوذ في دوائر صناعة القرارات الأمريكية والأوروبية ، كما هو التصور الشائع . وإنما هو تواطؤ يقع في صلب الاستراتيجية الاستعمارية لإدارة الصراع مع الأمة العربية .

     فحين دعا نابليون سنة 1799 يهود أوروبا للعودة إلى فلسطين وإقامة دولتهم فيها لم يكن في فرنسا لوبي يهودي له ادنى اثر في صناعة القرارات الفرنسية . ولا كان في بريطانيا فعالية تذكر لمواطنيها اليهود سنة 1840 عندما طرح بالمرستون فكرة إقامة الكيان الصهيوني في أعقاب دحر الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا من بلاد الشام . والثابت أن لا نابليون ولا بالمرستون استهدف إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين ، وإنما كان هدف كل منهما الاستراتيجي ايجاد تجمع بشري غريب يفصل بين جناحي الوطن العربي الأسيوي والإفريقي ، وعلى تخوم مصر لكبح فعاليتها القومية ، بما يشكل مانعا لوحدة العرب وتحررهم وتقدمهم ، بحيث يتأصل استغلال الوطن العربي موقعا ومواردا وأسواقا وقدرات بشرية .

     كما لم تكن فعالية الجاليات اليهودية الصاعدة في الولايات المتحدة واوروبا ، ولا افتقار صناع القرار العربي العام ، والفلسطيني منه الخاص ، لاستقلال الارادة والقرار ، العامل الحاسم في إصدار الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1947 القرار 181 بتقسيم فلسطين ، ومصادرة حق شعبها العربي في تقرير مصيره ، في وقت كان فيه صاحب الأغلبية السكانية ، ومالك أغلبية الاراضي الزراعية ، بحيث كانت فلسطين عربية كما يقرر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه . إلا أن صناع القرار الدولي بانحيازهم للصهاينة حينها تواطأوا مع الصهاينة ضد الشعب العربي الفلسطيني ، ما يعتبر باكورة مسلسل التواطؤ الدولي مع العنصرية الصهيونية .

     وفي 11 مايو /آيار 1949 أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة القرار 273 بقبول اسرائيل عضوا في المنظمة الدولية ، متضمنا القول : إن اسرائيل دولة محبة للسلام ، راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق ، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات ، وراغبة في ذلك” . في تناقض تام مع الواقع ، إذ لم تكن اسرائيل قد التزمت بقرار التقسيم باحتلالها منطقة القدس الدولية ، وأكثر من 50 % مما خصص للقسم العربي ، ومارست التطهير العرقي بحق المواطنين العرب في المناطق التي سيطرت عليها ، كما أنها لم تنفذ التزاماتها بالقرار 194 بعودة اللاجئين ، كما تعهدت بذلك في مؤتمر لوزان سنة 1951 .

     وفي العام 1950 اصدرت حكومة بن غوريون قانون العودة ، الذي يعطي كل يهودي أيا كانت جنسيته حق العودة للارض المحتلة ، ونيل الجنسية الاسرائيلية فور قدومه ، فيما منعت ولا تزال عودة ما يجاوز الستة ملايين عربي فلسطيني إلى ديار آبائهم وأجدادهم . فضلا عن اغتصابها أملاك اللاجئين الذين شردتهم ، وما يزيد عن 50 % من أملاك العرب الباقين ، بحيث امتلك الصندوق القومي اليهودي “الكيرين كايمت ” 17 مليون دونم من الاراضي تشكل 92 % من الأرض التي قامت عليها  اسرائيل سنة 1949 ، ومقررا عدم بيع اي جزء منها او تأجيره لغير يهودي .

    ولقد جرى التمييز ضد العرب في المياه بحيث لا يتساوون مع المستوطنين الصهاينة في نصيبهم من المياه سواء للاستعمال الشخصي او للزراعة . كما يجري التمييز ضدهم في تولي الوظائف ، وإن امتلكوا المؤهلات المطلوبة . وحسب التقارير الإسرائيلية ، كما تذكر الباحثة اليهودية سوزان نايثن أنه في مطلع القرن الحادي والعشرين فإن اقل من 1 % من أساتذة الجامعات العبرية هم من العرب . وحين تُراجع  جميع القوانين التي توالى صدورها في اسرائيل منذ إعلان “وثيقة الاستقلال” في 15 مايو / آيار 1948 يتضح أنها جميعها صيغت بالفاظ يهودية ، وليس لأي منها ادنى صلة بالانتماء القومي للاقلية العربية .

     وكانت الجمعية العامة للامم المتحدة قد اصدرت في 10 نوفمبر 1975 القرار 3379 باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري . وطالب القرار جميع دول العالم بمقاطعة الايدولوجية الصهيونية التي تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين ، وقد عملت الإدارة الأمريكية سنة 1991 على اتخاذ قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالغاء قرارها السابق في حالة غير مسبوقة في تاريخ المنظمة الدولية . وبرغم ذلك يكثر في أوساط المثقفين الأمريكان والأوروبيين ، وبخاصة اساتذة وطلاب الجامعات ، من باتوا يعتبرون الإجراءات الصهيونية تجاه مواطني الضفة والقطاع ممارسات عنصرية .

     وبرغم سحب قرار الإسكوا بطلب أمين عام الأمم المتحدة إلا أنه بات وثيقة دولية ذات حجية في المحافل الدولية ، وبالذات محكمة العدل الدولية ، والمحكمة الجنائية الدولية ، إن وجد بين صناع القرار العربي من يفعل القرار الدولي ، ويوظفه ضد العنصرية الصهيونية المنفلتة من عقالها .

عن admin

شاهد أيضاً

فورين افيرز: ما يريده أهل غزة-حرب وحشية أضعفت الدعم لحماس – لكنها جعلت السلام مع إسرائيل أكثر صعوبة

سكان يعودون إلى مدينة غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، فبراير 2025 داود أبو الكاس / رويترز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *