الرئيسية / سامى شرف يكتب : التعليم ومشروع النهضة

سامى شرف يكتب : التعليم ومشروع النهضة

http://www.elw3yalarabi.org/samy-sharaf/88.jpg

التعليم ومشروع النهضة
18 مارس 2017
نقلا عن الأهرام
التعليم أول خطوة لتطور الشعوب، وتقدمها في كثير من المجالات، فالتعليم يخلق مجتمعا منظما، ويطور العمل الثوري والتحرري، ويبني الثقة بين الأجيال، ويجعل التعاملات بينهم بكل احترام، ويرسخ قبول الرأي الآخر، ويعمق ثقافة الحوار، وتبادل الخبرات للوصول إلي أفضل النتائج التي تسهم في تقدم البلاد وتطورها.

ويثبت التاريخ أن إصلاح مصر ورقيها وتقدمها لن يكون إلا برقي وتطوير التعليم؛ فعندما تولي محمد علي حكم مصر دشن مشروع نهضة كبيرا، كان التعليم ركنا ركينا فيه؛ فلجأ إلي إصلاح النظام التعليمي، وأسس نظاما قويا وحديثا يضمن إنشاء جيل واع ومتحمل للمسئولية وقادر علي التغيير والنهوض بالبلاد، وأبقي علي الأزهر كمنبع للعلوم الدينية والاستفادة من علمائه النوابغ؛ للتعاون مع الطلبة في المدارس النظامية، وقد اهتم بالطباعة وترجمة الكتب الأوروبية للاستفادة مما فيها.

كما أرسل البعثات المدرسية إلي أوروبا ليتم الشباب المصريون دراستهم في معاهدها العلمية، فهو لم يكن يكتف بأن يؤسس المدارس والمعاهد العلمية بمصر ليتلقي فيها المواطنون العلوم التي تنهض بالمجتمع، بل اعتزم أن ينقل إلي مصر معارف أوروبا وخبرة علمائها ومهندسيها ورجال الحرب والصنائع والفنون فيها.

وأراد أن تجد مصر من خريجي هذه البعثات كفايتها من المعلمين في مدارسها العالية، والقادة والضباط لجيشها وبحريتها، ومهندسيها والقائمين علي شئون العمران فيها وإدارة حكومتها؛ لكي لا تكون عالة علي العالم. ومع المؤامرة الدولية التي أجهضت مشروع محمد علي، حدثت انتكاسة كبيرة لمدخلات المشروع وركائزه، ومنها التعليم.

مع ثورة 23 يوليو 1952 عاشت مصر مرحلة مد ثوري حقيقي في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والتعليمية، وأيقن عبد الناصر أن بناء دولة قوية حديثة تعتمد علي أبنائها في ملاحقة التقدم والتطور، لابد أن يعتمد علي ركيزة تعليمية قوية متطورة تواكب التغييرات العلمية والبحثية. ووضع الرئيس التعليم علي رأس الأولويات الوطنية؛ فقد كان مؤمناً بأن التعليم لابد أن يكون متاحاً ومجانياً لكل المصريين، وأنشأ نظام تعليم أقر حق الجماهير في مستقبل أفضل من خلال تحسين وتطوير أنفسهم من خلال التعليم .

وهدفت مجانية التعليم في جميع المراحل إلي الارتقاء بالأسر الفقيرة درجة في السلم الاجتماعي ووصولهم إلي الطبقة الوسطي، وكان حرص عبد الناصر علي مجانية التعليم وتوفير فرص عمل للخريجين، بجانب منح الفلاحين الفقراء أراضي الإصلاح الزراعي، ومع إنشاء المصانع ما وسع من مساحة هذه الطبقة حتي أصبحت لها الغلبة في المجتمع المصري.

واهتم الرئيس عبد الناصر بالتعليم الجامعي؛ فقد كان هناك ثلاث جامعات فقط هي القاهرة والإسكندرية وعين شمس، ومع تبني الدولة لسياسة مجانية التعليم ازدادت أعداد الطلاب مما دعم فكرة إنشاء فروع لتلك الجامعات في الأقاليم، ثم أنشئت أول جامعة إقليمية وهي جامعة أسيوط عام1957، ثم توالي بعد ذلك ظهور الجامعات الإقليمية في طنطا والمنصورة والزقازيق. كما تم التوسع في إنشاء المدارس الفنية والتجارية والصناعية التي تخرج أعدادا من الفنيين يتم استيعابهم مباشرة فور تخرجهم في المشروعات الكبري التي كانت الدولة توليها الاهتمام الأكبر. وفي عهده أرسل أكبر عدد من الطلاب لتحصيل العلم من الخارج في شتي مجالات المعرفة. وهكذا استطاع جمال عبد الناصر إنشاء طبقة وسطي كبيرة.

وتم تطوير الأزهر الشريف وتحويله لجامعة عصرية تدرس فيها العلوم الطبيعية المدنية بجانب العلوم الدينية، وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر في العديد من الدول الإسلامية، وأنشأ مدينة البعوث الإسلامية التي كان ومازال يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين علي مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون في الأزهر مجانا ويقيمون في مصر إقامة كاملة مجانا أيضا، وقد زودت الدولة المصرية بأوامر من الرئيس عبد الناصر المدينة بكل الإمكانيات الحديثة،

كما اعتمد عبد الناصر في نظام التعليم علي مبدأ العدالة الاجتماعية التي تتضمن حق المساواة بين المصريين، ولذلك ساوي في التعليم بين أبناء الفقراء والأغنياء، وأجلس أبناء العمال والفلاحين بجوار أبناء الأغنياء وكبار موظفي الدولة في فصول واحدة، وفق الذكاء والتفوق وليس وفق الاعتبارات الطبقية والمادية. وهكذا، كان التعليم في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مشروعا وطنيا مكتمل الأركان، لم يكن للتجارة والبزنس دخل فيه علي الإطلاق، ولذلك لم تشهد مصر في حقبتي الخمسينيات والستينيات مدارس خاصة علي غرار الوقت الحالي.

وأختم حديثي، بأن الدول التي تبدأ في أي مشروع نهضة تبدأ من حيث انتهي الآخرون، وهي بذلك توفر الوقت والمال والجهد، من خلال الاستفادة من تجاربها في الماضي، وخبرات الدول المتقدمة وانجازاتها العلمية والتقنية وإتباعها الخطوات نفسها التي اتخذتها هذه الدول في المسار الصحيح، والتي كان في المقدمة منها التعليم، وتقدير العلم والعلماء، كمدخل أساسي لمشروع النهضة، لأنه لا يمكن أن يحدث تقدم بدون إنسان واع متعلم. وأشدد علي ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مداخلته بالمؤتمر الوطني الأول للشباب الذي عقد بشرم الشيخ عن التعليم، بأن التعليم هو الأساس، وأن التعليم ليس معرفة علمية لكن صياغة شخصية؛ فهو مجموعة متكاملة من القيم والمبادئ والمعرفة.

عن admin

شاهد أيضاً

ما بين المسيرى وجمال حمدان: معادلات الأمن القومى الـ ١٤

بقلم خالد أمين20 فبراير، 2025 من أهم وأبرز معادلات (الأمن القومي) المصرى والعربى .. تلك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *