Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

 للحقيقة والتاريخ

 شهادتى حول ثورة يوليو والديموقراطية

وعن الفترة الناصرية

المثقفون والثورة .. ازمة ديموقراطية مبنى للمجهول

النص ".......


شهادة سامى شرف عن الفترة الناصرية-

 المثقفون والثورة .. ازمة ديموقراطية مبنى للمجهول

ماكدنا نطرح قضايا الثورة، خاصة ، قضية الديموقراطية، وما اثير حولها من حضور او غياب ، حتى جائتنا ردود كثيرة نكتفى منها هنا بشهادة الاستاذ سامى شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق وسكرتير الرئيس للمعلومات فى عهد الرئيس عبد الناصر شهادة نضعها هنا بالحرف بين يدى القارىء اللبيب " المحرر *

شهادة سامى شرف عن الفترة الناصرية المثقفون والثورة .. ازمة ديموقراطية مبنى للمجهول :

قبل كل شىء لابد من التمهل عن الديموقراطية .. وهو ما نقفز الى الامام قبل ان نعود الى الوراء ..
 
فالكلام عن أن ما حدث فى سنة 1967 يعتبر أزمة ديموقراطية كلام مبنى للمجهول ، بمعنى أنه لو كان هناك حزبين مثلا أحدهما يمينى والآخر يسارى لكانت الهزيمة العسكرية لم تقع ! قد يكون العكس هو الصحيح افتراضا ، لأنه يمكن القول أن عدم وجود تعددية سياسية هو الذى لم يجعل البلد تتفتت . فلو فرضنا مجرد افتراض أنه لو كان هناك حزبين فإن الحزب المعارض كان سيتكالب على المؤسسة العسكرية التى بقوتها كانت ـ بحسب رأيى ـ ستجذب إليها كل المعارضين ، والوحيد الذى كان يستطيع أن يحد من تجاوزات

المؤسسة العسكرية هو الرئيس جمال عبد الناصر الذى تعرفه تلك المؤسسة جيدا وتعرف قدراته الحقيقية سواء من ناحية أفكاره أو تأثيره على الجماهير أو عدم التأثير على جذبه . السؤال : هل الديموقراطية هى حرية المستغلين فى الاستغلال فقط ?

إن أبسط تعريف للديكتاتور هو الحاكم الذى يقهر الأغلبية من شعبه لمصلحة القلية المستفيدة من حكمه ونظامه . فهل كان جمال عبد الناصر يقهر الأغلبية ؟ ! لقد عاش الرجل ورحل وهو يحارب من اجل أن تسترد الأغلبية من شعب مصر وأمته العربية ـ ويمكن أن نقول بلا مبالغة ودول العالم الثالث أيضا ـ حريتها وإنسانيتها وحقوقها فى أن تصوغ حياتها بنفسها ، ولقد تمتع جمال عبد الناصر بما لم يتمتع به زعيم أو قائد من نفوذ وحب شعبى جارف ، وكانت جماهير الأمة العربية من البحر إلى البحر هى الدرع الواقى لجمال عبد الناصر ، وهذه الجماهير لم تكن بالقطع عمياء ولا عرجاء ، فالقول بأن جمال عبد الناصر كان ديكتاتورا فيه إهانة للشعب واستخفاف بوعيه . لقد كان جمال عبد الناصر ديكتاتورا بل كان طاغية بالنسبة للإقطاع والاستعمار والاستغلال ، لكنه كان بطلا وزعيما ومحررا عظيما بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب بعماله وفلاحيه ومنتجيه وفقرائه . .

الجماهير كانت مصدر إلهامه وقوته وعلاقته بها كانت مباشرة وعابرة لكل الوسائط . هل ننظر إلى الديموقراطية من المنظور الليبرالى الغربى ؟

هل هى فقط مجرد حرية التعبير ـ وكانت موجودة ـ دون النظر إلى المفهوم الاجتماعى للحرية ، إن ما ينقص جماهير الأمة العربية كلها ليست حرية التعبير بل ينقصها حقوق أكبر من ذلك وأخطر . المجتمع المصرى فى بداية الثورة كان فيه حرية سياسية بمفهوم ضيق ، حيث أن نصف المجتمع ـ المرأة ـ لم يكن له حق التصويت ، كما كان الترشيح حكرا على من كان يملك نصابا معينا من الثروة ، وبالنسبة لسن الترشيح فقد كان واحد وعشرين عاما فخفضت إلى سن الثامنة عشر ، وبالتالى فقد كان ـ من الناحية العملية ـ حوالى 80 % من الشعب خارج نطاق الحريات الليبرالية التى يتشدقون بها ، هذا بالإضافة إلى الأمية والجهل واحتكار نصف فى المائة تقريبا لثروات البلاد .

 أليست هذه هى المصادرة العملية ؟ !

لقد قالها جمال عبد الناصر عالية : " إن تحرير لقمة الخبز هو أول وأهم شرط لتحرير إرادة الناخب . "

وبدأ الرجل بعد ذلك فى إعطاء المواطن المصرى نصيبا معينا من ثروة بلاده وقضى على الاستغلال أو كاد فأسقط أعتى موانع الحرية . . الفقر . وبذل جهودا جبارة من أجل التنمية وتحديث المجتمع ، ثم وسع قاعدة الحقوق والخدمات فى البلاد وعلى رأسها حق التعليم المجانى فى الجامعات والعلاج المجانى ، وقفزت إلى السطح طبقات وقوى ما كان لها فى ظل الوضاع القديمة إلا أن تظل مقهورة على هامش الحياة فى المجتمع . كان الرجل يبنى الديموقراطية والحرية الحقيقية للمواطن ، وبدأ العد التنازلى لبناء القاعدة السليمة الصحيحة وهى تغيير الظروف الاجتماعية التى كان يستند إليها القهر السياسى . وكان الطريق طويلا . . .

وقد يسأل سائل : إن الثورة توقفت عند بناء القاعدة دون أن تكمل فوقه البناء للديموقراطية السياسية ؟

وأقول أن السياق الذى جرت فيه الأحداث مهم جدا لأنه هو الوحيد الذى يفسرها بواقعية فعشية الثورة كان على المسرح السياسى أحزاب الأقلية التابعة للسراى والإنجليز ، ثم حزب الوفد ، والإخوان المسلمين والشيوعيين . الوفد أعلن موقفا معاديا لتوجهات الثورة فى التغيير الاجتماعى مبكرا ورفض قانون الإصلاح الزراعى الأول ، وشاركه فى هذا باقى الأحزاب المرتبطة بالسراى وبالإنجليز وهى قوى تلاشت قدراتها على التأثير تحت ضغط التأييد الشعبى الجارف للثورة وبرنامجها للتغيير الشامل ن وانسحبت قاعدة حزب الوفد الجماهيرية من تحت قياداته وأيدت الثورة .

 أما الشيوعيون فلم يستطيعوا أن يفهموا ما حدث الفهم الصحيح ، وكانت نظرتهم قاصرة ووقعوا فى أخطاء تقييمهم للثورة وسجنوا أنفسهم فى داخل نماذج نظرية جامدة وبعيدة عن واقع المجتمع ورأى الأغلبية ، وكان رأى أكثرهم فى الثورة أنها مجرد انقلاب عسكرى فاشى باعتبار هذا الوصف والكليشيه الجاهز لديهم ولم يستطيعوا إلا متأخرا أن يضعوا أيديهم على الجوهر التحررى المتقدم لبرنامج ومنجزات الثورة . إن اليسار الحقيقى فى مصر هو الشعب . .

جماهير الناس الذين عاشوا وحملوا المسئولية ، مسئولية القضية الوطنية والاجتماعية ، والذين أصبحت مصر لهم . هؤلاء هم اليسار الحقيقى الذين لا يمكن أن يتجهوا يمينا أو أن يسمحوا لليمين أن يحكمهم أو أن يرتد بهم ولا أن يعيد الملاك والرأسماليين . إن اليسار ليس طائفة أو فرقة أو حزب ولكن مجموع الفقراء والمحرومين ومن يتطلعون إلى عالم أفضل وإلى مجتمع إنسانى ، هؤلاء هم اليسار .

أما الإخوان المسلمين فقد كانوا منذ البداية يبذلون المحاولات لفرض الوصاية على الثورة ومحاولة احتوائها ، وحاولوا تنصيب أنفسهم كالأب الروحى للثورة ، لتلتزم بالتالى بتوجيهاتهم السياسية وحينما شعروا بفشلهم فى احتواء الثورة وفرض وصايتهم عليها ـ خصوصا بعد فشل محاولاتهم بالاشتراك مع الوفد والشيوعيين فى التآمر على الثورة والقضاء عليها فيما سمى بأزمة مارس 1954 التى كان من مخططاتها أيضا احتواء اللواء محمد نجيب ، تلك المحاولة التى تصدى لها لشعب و عمال مصر بحق وأفشلوها بانحيازهم إلى مصالحهم بالوقوف إلى جانب استمرار الثورة ـ تحولوا إلى ممارسة نوع خطير من الضغط تمثل فى العنف والإرهاب المسلح التى بلغت ذروته فى أكتوبر سنة 1954 فى حادث المنشية بالإسكندرية حين حاولوا قتل جمال عبد الناصر ، هذا الحادث الذى كان له ردود فعل واسعة وجعلت منه نقطة تحول مهمة فى سلوك النظام الثورى وذلك بتدعيم وتقوية الأجهزة الأمنية كإجراء وقائى وهو حق مشروع وواجب وطنى فى مثل هذا السياق إذن فهناك أسباب موضوعية وليست تبريرات لما حدث من صدام مع القوى السياسية والقول بغياب الديموقراطية السياسية فيه كثير من التجنى . فلا يمكن إغفال إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح وقد سبقت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وبعض بلدان أوربا وتخفيض سن حق الانتخاب إلى 18 سنة ، كما ولا يمكن تجاهل حق العمال الذى كفلته لهم الثورة فى اختيار ممثليهم فى مجلس إدارات شركاتهم ومصانعهم ، مع توسيع قاعدة المشاركة فى الحكم .

ولم يقل أحد أن هذه الأمور قد تمت لاسيما أنه كانت هناك تحديات خارجية وداخلية تجابه الثورة طوال الثمانية عشر عاما دون ما انقطاع .

ولا ننسى فى هذا المجال ممارسة عبد الناصر للنقد الذاتى ، و هذا ظاهر فى أغلب محاضر اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى والمؤتمر القومى العام وأمام مجلس الأمة والقيادة العامة للقوات المسلحة واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى ، وبصفة خاصة تلك الجلسات التى عقدت بعد الانفصال بين سوريا ومصر وفى أعقاب عدوان يونيو1967 حتى رحيله عام 1970 .

و كل محاضر هذه الاجتماعات مسجلة ومحفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى وما أريد أن أؤكد عليه هو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد وصل إلى قناعة تامة فى أعقاب عدوان 1967 أن تجربة الاتحاد الاشتراكى هى ليست نهاية المطاف وحدد رؤية مستقبلية تتمثل فى ضرورة التعددية الحزبية . لقد كانت معوقات الديموقراطية فى تجربة عبد الناصر تتلخص فى العناصر التالية : المؤسسة العسكرية التى أصبحت شبه طبقة تستميت فى سبيل المحافظة على امتيازاتها ، وتقف حجرة عثرة أمام أى نظام سياسى شعبى يضعها فى مكانها الصحيح .

وهذه المؤسسة لم تسقط إلا بعد عدوان يونيو1967 . التنظيم السياسى كان يتم تكوينه من فوق ، من مواقع السلطة ، مما يترتب عليه تسرب البيروقراطية والانتهازية التى سعت إلى تجميد حيوية التنظيم السياسى وتفاعلاته .

كان الرئيس جمال عبد الناصر هو القيادة السياسية الوحيدة ، والزعامة التى يمكنها أن تستجيب لها الجماهير لينظمها ـ سواء فى مصر أو فى العالم العربى ـ ولكن انشغاله حال دون ذلك نتيجة أوضاع فرضت عليه فرضا ولم تكن أبدا بمبادرة منه كما أنه لم يكن له يد فى الابتعاد عن مجابهة هذه الأخطار الخارجية والداخلية بشخصه فى أغلب الأحيان لقد فرضت تحديات الأعداء سواء من الداخل أو من الخارج إلى الاستعانة بدور نشيط للأجهزة الأمنية الاستراتيجية المعادية كانت أيضا سببا ، فمصر مفتاح المنطقة ولابد أن يظل هذا المفتاح محفوظا فى مكان معزول وناء ، ولابد أن تجرد مصر من قوتها وثروتها ، وأهم من ذلك من شخصيتها ، وأن تصنع لها شخصية أخرى تابعة .

بعد كل هذا فإنه من الغريب أن يطالب البعض بحمد الله على مساحة الحرية الممنوحة لنا ، وأن نتقبل قيد الحريات مذكرين إيانا بأيام المعتقلات وكبت الحريات !

 أقول لهؤلاء لمن كانت ستمنح الديموقراطية فى بداية الثورة ؟

هل كانت ستمنح للباشوات ومجتمع المستغلين والإقطاعيين الذى كان يشكل النصف فى المائة ؟ أم تمنح للمواطن الحر ؟ للعامل وللفلاح وللمنتج وللمرأة وللفقير المحروم . إن الديموقراطية هى الحق الذى لا يمكن منحه .

والديموقراطية فى تجربة عبد الناصر قد طبقت بمفهوم حق المواطن فى التعليم والعمل وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع ، حق العامل فى المشاركة فى الإدارة ، وحق الفلاح فى امتلاك الأرض ، وحق المشاركة والترشيح فى المجالس الشعبية والنيابية والنقابية لكل فئات الشعب . لقد سلمنا جمال عبد الناصر الأمانة لكى نكمل المسيرة ، فهل نحن قادرون على أخذ حقوقنا ؟ وهل نحن قادرون على الدفاع عنها وحمايتها ؟ إن الديموقراطية والحريات طريق لا نهاية له ، وفى كلا الحالين سيظل جمال عبد الناصر رمزا حيّا للكبرياء الإنسانى .

المقال نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 2-8-2008

 

يمكن رؤية صورة ما نشرته جريدة الأهرام اليوم بشكل أوضح عندما ينقر على الصورة 

ماكدنا نطرح قضايا الثورة، خاصة ، قضية الديموقراطية

وما اثير حولها من حضور او غياب ، حتى جائتنا ردود كثيرة

نكتفى منها هنا بشهادة الاستاذ سامى شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق وسكرتير الرئيس للمعلومات فى عهد الرئيس عبد الناصر شهادة نضعها هنا بالحرف بين يدى القارىء اللبيب " المحرر "

* * * * *

شهادة سامى شرف عن الفترة الناصرية

المثقفون والثورة .. ازمة ديموقراطية مبنى للمجهول

قبل كل شىء لابد من التمهل عن الديموقراطية .. وهو ما نقفز الى الامام قبل ان نعود الى الوراء ..فالكلام عن أن ما حدث فى سنة 1967 يعتبر أزمة ديموقراطية كلام مبنى للمجهول ، بمعنى أنه لو كان هناك حزبين مثلا أحدهما يمينى والآخر يسارى لكانت الهزيمة العسكرية لم تقع !

قد يكون العكس هو الصحيح افتراضا ، لأنه يمكن القول أن عدم وجود تعددية سياسية هو الذى لم يجعل البلد تتفتت . فلو فرضنا مجرد افتراض أنه لو كان هناك حزبين فإن الحزب المعارض كان سيتكالب على المؤسسة العسكرية التى بقوتها كانت ـ بحسب رأيى ـ ستجذب إليها كل المعارضين ، والوحيد الذى كان يستطيع أن يحد من تجاوزات المؤسسة العسكرية هو الرئيس جمال عبد الناصر الذى تعرفه تلك المؤسسة جيدا وتعرف قدراته الحقيقية سواء من ناحية أفكاره أو تأثيره على الجماهير أو عدم التأثير على جذبه .

السؤال : هل الديموقراطية هى حرية المستغلين فى الاستغلال فقط ?

إن أبسط تعريف للديكتاتور هو الحاكم الذى يقهر الأغلبية من شعبه لمصلحة القلية المستفيدة من حكمه ونظامه .

فهل كان جمال عبد الناصر يقهر الأغلبية ؟ !

لقد عاش الرجل ورحل وهو يحارب من اجل أن تسترد الأغلبية من شعب مصر وأمته العربية ـ ويمكن أن نقول بلا مبالغة ودول العالم الثالث أيضا ـ حريتها وإنسانيتها وحقوقها فى أن تصوغ حياتها بنفسها ، ولقد تمتع جمال عبد الناصر بما لم يتمتع به زعيم أو قائد من نفوذ وحب شعبى جارف ، وكانت جماهير الأمة العربية من البحر إلى البحر هى الدرع الواقى لجمال عبد الناصر ، وهذه الجماهير لم تكن بالقطع عمياء ولا عرجاء ، فالقول بأن جمال عبد الناصر كان ديكتاتورا فيه إهانة للشعب واستخفاف بوعيه .

لقد كان جمال عبد الناصر ديكتاتورا بل كان طاغية بالنسبة للإقطاع والاستعمار والاستغلال ، لكنه كان بطلا وزعيما ومحررا عظيما بالنسبة للغالبية الساحقة من الشعب بعماله وفلاحيه ومنتجيه وفقرائه . . الجماهير كانت مصدر إلهامه وقوته وعلاقته بها كانت مباشرة وعابرة لكل الوسائط .

هل ننظر إلى الديموقراطية من المنظور الليبرالى الغربى ؟

هل هى فقط مجرد حرية التعبير ـ وكانت موجودة ـ دون النظر إلى المفهوم الاجتماعى للحرية ، إن ما ينقص جماهير الأمة العربية كلها ليست حرية التعبير بل ينقصها حقوق أكبر من ذلك وأخطر .

المجتمع المصرى فى بداية الثورة كان فيه حرية سياسية بمفهوم ضيق ، حيث أن نصف المجتمع ـ المرأة ـ لم يكن له حق التصويت ، كما كان الترشيح حكرا على من كان يملك نصابا معينا من الثروة ، وبالنسبة لسن الترشيح فقد كان واحد وعشرين عاما فخفضت إلى سن الثامنة عشر ، وبالتالى فقد كان ـ من الناحية العملية ـ حوالى 80 % من الشعب خارج نطاق الحريات الليبرالية التى يتشدقون بها ، هذا بالإضافة إلى الأمية والجهل واحتكار نصف فى المائة تقريبا لثروات البلاد .

أليست هذه هى المصادرة العملية ؟ !

لقد قالها جمال عبد الناصر عالية :

" إن تحرير لقمة الخبز هو أول وأهم شرط لتحرير إرادة الناخب . "

وبدأ الرجل بعد ذلك فى إعطاء المواطن المصرى نصيبا معينا من ثروة بلاده وقضى على الاستغلال أو كاد فأسقط أعتى موانع الحرية . . الفقر .

وبذل جهودا جبارة من أجل التنمية وتحديث المجتمع ، ثم وسع قاعدة الحقوق والخدمات فى البلاد وعلى رأسها حق التعليم المجانى فى الجامعات والعلاج المجانى ، وقفزت إلى السطح طبقات وقوى ما كان لها فى ظل الوضاع القديمة إلا أن تظل مقهورة على هامش الحياة فى المجتمع .

كان الرجل يبنى الديموقراطية والحرية الحقيقية للمواطن ، وبدأ العد التنازلى لبناء القاعدة السليمة الصحيحة وهى تغيير الظروف الاجتماعية التى كان يستند إليها القهر السياسى .

وكان الطريق طويلا . . .

وقد يسأل سائل :

إن الثورة توقفت عند بناء القاعدة دون أن تكمل فوقه البناء للديموقراطية السياسية ؟

وأقول أن السياق الذى جرت فيه الأحداث مهم جدا لأنه هو الوحيد الذى يفسرها بواقعية فعشية الثورة كان على المسرح السياسى أحزاب الأقلية التابعة للسراى والإنجليز ، ثم حزب الوفد ، والإخوان المسلمين والشيوعيين .

الوفد أعلن موقفا معاديا لتوجهات الثورة فى التغيير الاجتماعى مبكرا ورفض قانون الإصلاح الزراعى الأول ، وشاركه فى هذا باقى الأحزاب المرتبطة بالسراى وبالإنجليز  وهى قوى تلاشت قدراتها على التأثير تحت ضغط التأييد الشعبى الجارف للثورة وبرنامجها للتغيير الشامل ن وانسحبت قاعدة حزب الوفد الجماهيرية من تحت قياداته وأيدت الثورة .

أما الشيوعيون فلم يستطيعوا أن يفهموا ما حدث الفهم الصحيح ، وكانت نظرتهم قاصرة ووقعوا فى أخطاء تقييمهم للثورة وسجنوا أنفسهم فى داخل نماذج نظرية جامدة وبعيدة عن واقع المجتمع ورأى الأغلبية ، وكان رأى أكثرهم فى الثورة أنها مجرد انقلاب عسكرى فاشى باعتبار هذا الوصف والكليشيه الجاهز لديهم ولم يستطيعوا إلا متأخرا أن يضعوا أيديهم على الجوهر التحررى المتقدم لبرنامج ومنجزات الثورة .

إن اليسار الحقيقى فى مصر هو الشعب . . جماهير الناس الذين عاشوا وحملوا المسئولية ، مسئولية القضية الوطنية والاجتماعية ، والذين أصبحت مصر لهم . هؤلاء هم اليسار الحقيقى الذين لا يمكن أن يتجهوا يمينا أو أن يسمحوا لليمين أن يحكمهم أو أن يرتد بهم ولا أن يعيد الملاك والرأسماليين . إن اليسار ليس طائفة أو فرقة أو حزب ولكن مجموع الفقراء والمحرومين ومن يتطلعون إلى عالم أفضل وإلى مجتمع إنسانى ، هؤلاء هم اليسار .

أما الإخوان المسلمين فقد كانوا منذ البداية يبذلون المحاولات لفرض الوصاية على الثورة ومحاولة احتوائها ، وحاولوا تنصيب أنفسهم كالأب الروحى للثورة ، لتلتزم بالتالى بتوجيهاتهم السياسية وحينما شعروا بفشلهم فى احتواء الثورة وفرض وصايتهم عليها ـ خصوصا بعد فشل محاولاتهم بالاشتراك مع الوفد والشيوعيين فى التآمر على الثورة والقضاء عليها فيما سمى بأزمة مارس 1954 التى كان من مخططاتها أيضا احتواء اللواء محمد نجيب ، تلك المحاولة التى تصدى لها لشعب و عمال مصر بحق وأفشلوها بانحيازهم إلى مصالحهم بالوقوف إلى جانب استمرار الثورة  ـ تحولوا إلى ممارسة نوع خطير من الضغط تمثل فى العنف والإرهاب المسلح التى بلغت ذروته فى أكتوبر سنة 1954 فى حادث المنشية بالإسكندرية حين حاولوا قتل جمال عبد الناصر ، هذا الحادث الذى كان له ردود فعل واسعة وجعلت منه نقطة تحول مهمة فى سلوك النظام الثورى وذلك بتدعيم وتقوية الأجهزة الأمنية كإجراء وقائى وهو حق مشروع وواجب وطنى فى مثل هذا السياق

إذن فهناك أسباب موضوعية وليست تبريرات لما حدث من صدام مع القوى السياسية والقول بغياب الديموقراطية السياسية فيه كثير من التجنى .

فلا يمكن إغفال إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح وقد سبقت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وبعض بلدان أوربا وتخفيض سن حق الانتخاب إلى 18 سنة ، كما ولا يمكن تجاهل حق العمال الذى كفلته لهم الثورة فى اختيار ممثليهم فى مجلس إدارات شركاتهم ومصانعهم ، مع توسيع قاعدة المشاركة فى الحكم . ولم يقل أحد أن هذه الأمور قد تمت لاسيما أنه كانت هناك تحديات خارجية وداخلية تجابه الثورة طوال الثمانية عشر عاما دون ما انقطاع .

ولا ننسى فى هذا المجال ممارسة عبد الناصر للنقد الذاتى ، و هذا ظاهر فى أغلب محاضر اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى والمؤتمر القومى العام وأمام مجلس الأمة والقيادة العامة للقوات المسلحة واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى ، وبصفة خاصة تلك الجلسات التى عقدت بعد الانفصال بين سوريا ومصر وفى أعقاب عدوان يونيو1967 حتى رحيله عام 1970 .

و كل محاضر هذه الاجتماعات مسجلة ومحفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى

وما أريد أن أؤكد عليه هو أن الرئيس جمال عبد الناصر كان قد وصل إلى قناعة تامة فى أعقاب عدوان 1967 أن تجربة الاتحاد الاشتراكى هى ليست نهاية المطاف وحدد رؤية مستقبلية تتمثل فى ضرورة التعددية الحزبية .

لقد كانت معوقات الديموقراطية فى تجربة عبد الناصر تتلخص فى العناصر التالية :

المؤسسة العسكرية التى أصبحت شبه طبقة تستميت فى سبيل المحافظة على امتيازاتها ، وتقف حجرة عثرة أمام أى نظام سياسى شعبى يضعها فى مكانها الصحيح . وهذه المؤسسة لم تسقط إلا بعد عدوان يونيو1967 .

التنظيم السياسى كان يتم تكوينه من فوق ، من مواقع السلطة ، مما يترتب عليه تسرب البيروقراطية والانتهازية التى سعت إلى تجميد حيوية التنظيم السياسى وتفاعلاته .

كان الرئيس جمال عبد الناصر هو القيادة السياسية الوحيدة ، والزعامة التى يمكنها أن تستجيب لها الجماهير لينظمها ـ سواء فى  مصر أو فى العالم العربى ـ ولكن انشغاله حال دون ذلك نتيجة أوضاع فرضت عليه فرضا ولم تكن أبدا بمبادرة منه كما أنه لم يكن له يد فى الابتعاد عن مجابهة هذه الأخطار الخارجية والداخلية بشخصه فى أغلب الأحيان 

لقد فرضت تحديات الأعداء سواء من الداخل أو من الخارج إلى الاستعانة بدور نشيط للأجهزة الأمنية

الاستراتيجية المعادية كانت أيضا سببا ، فمصر مفتاح المنطقة ولابد أن يظل هذا المفتاح محفوظا فى مكان معزول وناء ، ولابد أن تجرد مصر من قوتها وثروتها ، وأهم من ذلك من شخصيتها ، وأن تصنع لها شخصية أخرى تابعة .

بعد كل هذا فإنه من الغريب أن يطالب البعض بحمد الله على مساحة الحرية الممنوحة لنا ، وأن نتقبل قيد الحريات مذكرين إيانا بأيام المعتقلات وكبت الحريات ! أقول لهؤلاء لمن كانت ستمنح الديموقراطية فى بداية الثورة ؟ هل كانت ستمنح للباشوات ومجتمع المستغلين والإقطاعيين الذى كان يشكل النصف فى المائة ؟ أم تمنح للمواطن الحر ؟ للعامل وللفلاح وللمنتج وللمرأة وللفقير المحروم .

إن الديموقراطية هى الحق الذى لا يمكن منحه .

والديموقراطية فى تجربة عبد الناصر قد طبقت بمفهوم حق المواطن فى التعليم والعمل وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع ، حق العامل فى المشاركة فى الإدارة ، وحق الفلاح فى امتلاك الأرض ، وحق المشاركة والترشيح فى المجالس الشعبية والنيابية والنقابية لكل فئات الشعب . 

لقد سلمنا جمال عبد الناصر الأمانة لكى نكمل المسيرة ، فهل نحن قادرون على أخذ حقوقنا ؟ وهل نحن قادرون على الدفاع عنها وحمايتها ؟

إن الديموقراطية والحريات طريق لا نهاية له ، وفى كلا الحالين سيظل جمال عبد الناصر رمزا حيّا للكبرياء الإنسانى

 
............."
 
 
إنتهى نقل المقال
 
 
يحى الشاعر


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's

Web guest

Thank you for your visit






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US