Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

كتب جمال عبدالناصر لصديقه حسن النشار عام 1935

يقول

لا بد من عمل يوقظ الأمة

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 23 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 23


في عام ،1935 بعث الطالب جمال عبدالناصر برسالة إلى صديقه حسن النشار يقول فيها:

“صديقي حسن..

اتصلت تليفونياً بوالدك لأتنسم أخبارك فأخبرني بأنك موجود في المدرسة لذلك أكتب لك ما كنت سأكلمك فيه تليفونياً..

قال تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”. فأين يا صديقي هذه القوة التي نستعد لهم بها؟! إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق، ونحن نكاد نودع الحياة ونصافح الموت. إن بناء اليأس عظيم الأركان.. فأين من يهدم هذا البناء؟ إن في الحكم حكومة قائمة على الفساد والرشوة.. فأين من يغير هذا الحال؟ والدستور معطّل والحماية على وشك الإعلان.. فأين من يقول للاستعمار قف عندك.. ارجعوا عن غيكم فإن في مصر رجالاً ذوي كرامة لا يريدون أن يموتوا كالأنعام؟ أين هذه الكرامة؟ أين الوطنية؟ أين ذلك الذي يسمونه رعونة الشباب؟ كل ذلك قد غاب في الآفاق وظهرت الأمة نائمة كأهل الكهف، فأين من يوقظ هؤلاء التعساء الذين هم عن حالتهم لا يعلمون؟! لقد قال مصطفى كامل: “لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة”، ولكننا نجد الآن حياة مع يأس ويأساً مع حياة. لقد انقلبت الآية يا أخي.. فرجعنا إلى الوراء.. رجعنا خمسين سنة إلى الوراء.. رجعنا إلى حكم “كرومر”، ولكن “كرومر” وجد من أذلّه وشنّع به في عرض المعمورة فكانت النتيجة أن استقال، ولكن أين من يشنّع الآن؟ إن الجميع يتمسحون بأذيال الاستعمار ولا يعرفون إلا الملق والتزلف.. أين ذلك البلسم الذي تستظل بظله الوطنية ويحتمي به الوطنيون ساعة الخطب المروع وهو أثبت من الأطواد رأياً وأشجع من الأسود قلباً؟!

أين كل ذلك وقد عزّ النصير واسودّ المصير؟! بل أين الوطنية التي كانت سنة 1919 تشتعل ناراً في الصدور؟! أين ذلك الذي يذود بدمه ولسانه وخطرات قلبه عن حياض هذا الوطن العزيز المقدّس مضحياً بالحياة والعمر في سبيل الاستقلال؟! لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس، ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب ذلك رأساً على عقب ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم؟!

أين من يخلق خلقاً جديداً حتى يصبح المصري الخافت الصوت.. الضعيف الأمل.. الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على حقه المهضوم ساهياً عن التلاعب بوطنه، يقظاً.. عالي الصوت.. عظيم الرجاء.. مرفوع الرأس.. يجاهد بشجاعة وجرأة في طلب الاستقلال والحرية؟!

يقولون إن المصري يجزع من حفيف ثيابه في وضح النهار، ولكن يجب أن يتقدم من يقودونه إلى موقف الدفاع ومواطن الكفاح، فيكون لهم صوت أعلى من صوت الرعد تتداعى لقوته أبنية الظلم والاستبداد، فكل روح سكنت جسماً جاء من أبوين مصريين لا ترضى بحالتنا الراهنة، ولا تأبى إلا أن تسيل دماؤها فداءً للوطن العزيز والجامعة الوطنية المقدسة.

قال مصطفى كامل: “لو نُقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرّك الأهرام من مكانه المكين، أو تغيّر مجرى النيل، فلن أتغير أو أحيد عن المبدأ”.

ذلك يا صديقي كان مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم، فقد تكلمنا مرات عديدة في عمل يوقظ الأمة من غفلتها، ويضرب على الأوتار الحساسة في القلوب، ويستثير ما كمن من القوى في الصدور، ولكن هذا لم يدخل في حيز العمل حتى الآن.

وعلى ذلك فأنا منتظرك في منزلي يوم 4 سبتمبر/ أيلول سنة 1935 الساعة الرابعة مساء لكي نتباحث في الموضوع.. وأملي أن تحضر في الموعد المحدد.

وسلامي إلى أشقائك والعائلة العزيزة”.

من عند جمال عبدالناصر

الخرنفش 3 حارة خميس العدس

في يوم الاثنين 2 سبتمبر 1935

4 جمادى الثاني 1354ه”

وفي اليوم نفسه، 2 سبتمبر/ أيلول 1935 كتب جمال عبدالناصر من القاهرة رسالة بالمعنى نفسه إلى صديقه وزميله عبدالرؤوف جبريل قال فيها:

“لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس.. إن في مصر حكومة قائمة على الفساد والرشوة، فأين من يغير هذا الحال؟! إن الدستور معطّل، والحماية على وشك الإعلان. فأين من يقول للاستعمار قف عند حدك فإن في مصر رجالاً ذوي كرامة لا يريدون أن يموتوا كالأنعام؟! أين الوطنية التي كانت سنة 1919 تشتعل ناراً في الصدور؟! بل أين ذلك الذي يذود بلسانه وخطرات قلبه عن حياض هذا الوطن العزيز المقدس مضحياً بالحياة والعمر في سبيل الاستقلال؟! أين من يخلق مصر خلقاً جديداً حتى يصبح المصري الخافت الصوت.. الضعيف الأمل.. الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على حقه المهضوم يقظاً.. عالي الصوت.. عظيم الرجاء.. مرفوع الرأس يجاهد بشجاعة وجرأة في طلب الاستقلال والحرية؟!

يقولون إن المصري يجزع من حفيف ثيابه في وضح النهار، ولكن يجب أن يتقدم من يقودونه إلى مواقف الدفاع ومواطن الكفاح فيكون لهم صوت الرعد تتداعى لقوته أبنية الظلم والاستبداد، وتبذل نفسها قرباناً للوطن العزيز...”.

وفي الثالث من مارس/ آذار 1939 كتب جمال عبدالناصر الرسالة التالية لصديقه حسن النشار:

“عزيزي حسن..

في محطة الجيزة فُتح باب ديوان القطار، ودخل منه شخص معه بندقية ومن حوله الخدم يرددون: حاضر يا سعادة الباشا.. طيب يا سعادة الباشا..

وبعد أن ألقى عليّ التحية ورددتها عليه أخذ مكانه إلى جانبي.. ووضع أمتعته على المقعد المقابل وهو يقول:

أنا بقى فلان الفلاني بتاع مجلس الشيوخ اللي بيقولوا عليه لتات وغلباوي.

فقلت له تشرفنا..

فأجابني قائلاً: أنا بقى الوحيد اللي عارضت معاهدة ،1936 ثم راح يحكي لي قصة حياته من سنة 1907.. وحتى لا أذكر إلى أي سنة أخرى.

كان يتحدث يا حسن بسرعة غريبة.. وكلما حاولت أن أرد عليه يقول لي: انتظر.. ثم يستمر في كلامه بصوت عالٍ.

عندها عرفت أنني لن أستطيع النوم ولن أستطيع الإصغاء.. فظللت ناظراً إليه وأنا لا أفقه حرفاً واحداً مما يقول حتى آلمتني رقبتي..

وحتى أطمئن نفسي.. انتهزت إحدى الفرص وقلت له: سعادتك نازل فين؟ فقال: إحمد ربنا اللي لقيت واحد يسليك حتى بني سويف..

وحمدت الله فعلاً في سري، وظل هو يحكي وأنا أستمع حتى وصلنا بني سويف، وهناك أنزل حوائجه بينما كان ينصحني بأن أحترس جيداً من الزحمة، ثم نسي نفسه وبدأ يحكي لي حكاية جديدة حتى خفت أن يغير رأيه ويستمر معي إلى محطة ثانية ليكمل الحكاية.. لكن الله سلّم ونزل والقطار يتحرك.

ومن يومها وأنا أشكو من الصداع الذي لا أعرف كيف أتخلّص منه إلى الآن.

أخوك.. جمال عبدالناصر”.



ومن منقباد بعث جمال عبدالناصر برسالة في يونيو/ حزيران 1939 إلى حسن النشار قال فيها:

“عزيزي حسن..

أهديك سلامي وأرجو أن تكون بخير..

أرسلت لك جواباً من زمان ولكن لم يصلني الرد للآن.. عايز أعرف السبب.

أعرّفك بأن وقتي مشغول جداً في هذه الأيام حتى انني لم أرسل لك ولا لعبدالرؤوف من مدة طويلة.

مسألة نقلي لم يُبت فيها للآن، وإن كان الباشا قد عرّفني أنها ستتم قريباً.

أرجو أن تسأل عن أخي عزالعرب وتزوده بنصائحك فهو كسعد شقيقك تماماً، وقد عرّفني الوالد أنه ذهب إلى المدرسة ولكني لا أعرف نصيب ذلك من الصحة، وعز لم يرسل لي ولا جواب، وهو غير مهتم جداً.

لم ترسل لي أي معلومات كما اتفقنا على المحطة عندما تركتك، وقد كنت فكرت أن آخذ إجازة هذا الأسبوع ولكنني أجلتها لشهر رمضان.. وأظن أن هذا أحسن.

عزيزي حسن..

عندي موضوع وأظنك تعرف له حل.. وهو رغبتي في إدخال شقيقي الليثي المدرسة مجاناً لأنه حصل على مجموع أكثر من 70%، وطبعاً هذا يقلل المصاريف عليّ أنا على وجه الخصوص لأن والدي يظهر موش ناوي يدفع المصاريف أو جزءاً منها، لأنه بالرغم من اتفاقي معه على دفع نصف المصاريف وأنا الباقي ابتداءً من أول أغسطس/ آب، فإنه لم يكتف بعدم الدفع، بل أرسل في طلب فلوس، وطبعاً لم أتردد في إرسالها له.

أرجو أن تهتم بمسألة أخي الليثي وتجاوبني بصراحة.. هل هذا في مقدورك؟.. حتى أعرفك بمجرد إرسال الطلب.

سلامي إلى العائلة وإلى محمد أفندي عارف، وعرفه بأني باقٍ في منقباد حتى يجيء إن شاء الله.. إذا لم أنقل.

وتقبل سلامي وأشواقي

أخوك.. جمال عبدالناصر”



الرسالة التالية من الخرطوم، وبعث بها جمال عبدالناصر في السادس من ابريل/ نيسان 1941 إلى صديقه حسن النشار وقال فيها:

“.. الضباط يا حسن كل واحد مختار له محل علشان البنت اللي في المحل.. واحد مختار الأجزخانة.. أما هذا الواحد فإذا ما دخلت حجرته فسوف تجدها عبارة عن مخزون أدوية.. كل يوم يذهب للأجزخانة ليشتري منها أي حاجة، ومرة قال لنا: إنني لم أشتر اليوم سوى اسبرينة واحدة بقرش تعريفة، ومع ذلك فقد وقف مع البنت البائعة في الصيدلية نصف ساعة تساوي شلن!

وثاني يوم ذهبت للأجزخانة وقابلت البنت فقالت لي:

إنتم كان عندكم إيه إمبارح؟ كل الضباط جاءوا واشتروا اسبرين.. هو كل الضباط رأسهم واجعاهم والا إيه؟!

حاجة تكسف يا حسن.. آدي يا سيدي الضباط!!

على فكرة أعرّفك بأن الخرطوم ما فيهاش مجاري.. وفي الجرادل متسع للجميع، والحكومة متعهدة بنزح الجرادل يومياً!!

هل تتصوّر يا حسن إن الأورطة بتدفع مبلغ 800 جنيه في السنة ثمناً لنزح هذه الجرادل؟! هل تعقل هذا يا أستاذ؟!

أخوك.. جمال عبدالناصر”

ومن جبل الأولياء في السودان كتب جمال عبدالناصر هذه الرسالة لحسن النشار سنة 1941: “.. من خلف الخزان تستطيع يا صديقي أن ترى مياه الفيضان محجوزة والنيل يصل إلى مد البصر في الاتساع.. المياه زرقاء والقمر يعكس نوره الفضي، تصوّر كل هذه المناظر وعليها شوية نسيم عليل كمان!

وبالرغم من كل ذلك فأنا لا أستسيغها ولا أحسّ طعمها.. فمثلها في عيني مثل أي صحراء علماً بأني كما تعلم لم أكن كذلك من مدة، فهل مات الشعور؟

هل ماتت عاطفتي يا حسن؟ سؤال أسأله لنفسي مرات عديدة ولكني لا أعرف الجواب. ربما يكون السبب هو أن المصريين في السودان ليس لهم في الحقيقة أي حس أو صوت.. سواء كان ذلك الحكومة المصرية أو الأهالي.. إنني أشعر بأن السودان ما زال إلى الآن مصرياً بالاسم فقط.

حسن.. دي حاجة تسد النفس!!

أخوك.. جمال عبدالناصر”.

ورسالة أخرى من جمال عبدالناصر إلى حسن النشار بعث بها من جبل الأولياء سنة 1941 قا فيها:

“عزيزي حسن..

أكتب إليك وأنا ثائر في نفسي ثورة داخلية..

.. على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي أني دوغري لا أعرف التملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسّح بالأذيال وشخص هذه صفاته يُحترم من الجميع، لكن الرؤساء يا حسن يسوؤهم ذلك الذي لا يسبّح بحمدهم، فهذه كبرياء وهم شبّوا على الذلّة في كنف الاستعمار والويل كل الويل لذلك المتكبر كما يقولون الذي تأبى نفسه السير على منوالهم يعاديه الجميع من تلاميذ العهد القديم.

يحزنني يا حسن أن أقول إن هذه السياسة قد نجحت نجاحاً باهراً فهم يصهرون نفوس الشبان.. وكلهم شبان لم تصهرهم الأيام.

ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم فأصبح منافقاً متملقاً!!

ويحزنني يا حسن أن أقول إننا نسير إلى الهاوية.. الرياء.. النفاق.. التملق.. تفشت في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار.

أما أنا فقد صمدت وما زلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم ومستمر مع هؤلاء الكبار.

أخوك.. جمال عبدالناصر”

في شهر أغسطس/ آب سنة 1941 بعث جمال عبدالناصر من الخرطوم بهذه الرسالة إلى حسن النشار:

“.. سيكون أمامك المستقبل ولكن يحتاج إلى جهد.. ولا لذة لمستقبل من دون جهاد، فالحياة الخاملة أو الطريق المرسومة المورقة تنعدم فيها اللذة.. وطبعاً حياة من دون لذة لا تُعد حياة. أقول ذلك حتى لا تتململ من جهادك بعد الليسانس إن شاء الله، أقول لك وأنا موقن به.. فأنا أعيش اليوم من دون جهاد وحتى لو حاولت ذلك لما كانت هناك أية نتيجة.

أخوك.. جمال عبدالناصر”

في أغسطس/آب 1941 كتب جمال عبدالناصر رسالة من الخرطوم إلى الصديق حسن النشار جاء فيها:

“إن الحياة الآن تختلف اختلافا كبيرا عما كانت عليه في الماضي.. وطبعا في هذا الاختلاف تأثير في النفس وفي الفكرة التي كونتها عن الحياة .. والحقيقة ان كل ما كنت أعتقده عام 1936 وما حولها من الأيام يتغير تغيرا مستمرا وتثبت الأيام الماضية أنه كان خطأ، وإن نظرياتي ونظرياتك أيضاً كانت كلها من نبت الخيال، وأن الحقيقة تهدم هذا الخيال بالنسبة لي.

تصور كلامي وتعجب!! جرى إيه لجمال عبدالناصر؟! ولكن إذا عشت في هذا الجو ربع المدة التي عشتها لكنت ألعن من ذلك.

الإخلاص معدوم .. والذمة مفقودة. .والضمير لا تسمع عنه.. حتى أني أعتقد الآن أني ابتدأت أفكر في نظرية.

وإذا كنت أنا الوحيد في هذه البيئة الذي يعترف بالضمير ويعترف بالذمة، فطبعا أكون مغبونا جدا. إذ أن كل البلاوي ستقع على هذا الذي لا يرضى عني بديلا. فاكر نظريات الاصلاح التي كنا نتباحث فيها زمان وقدرنا لها عشر سنين؟ لقد قدرت لها الآن مائة سنة!! ونكون كسبانين كمان.. طبعا في الجو الهايص الذي نعيش فيه.

برضه راح تقول جمال عبدالناصر جرى له إيه؟ ولكنني أقول لك أنا هذا الكلام عن خبرة بفئة من الفئات المفروض انها ترفع مجد البلاد”.

اخوك.. جمال عبدالناصر



في نهاية 1941 بعث جمال عبدالناصر بالرسالة التالية لحسن النشار:

“... ويبدو يا حسن أن الأخبار غير مطمئنة في مصر، ولو أن الجرايد لا يظهر بها شيء إلا أن الواحد ممكن يفهم شوية من بين السطور. قرأت أن مجلس النواب يتناول موضوع بعض الطلبة المعتقلين وغيرهم ممن فتشت منازلهم، ويظهر أن حمدي محبوب وسليم زكي (1) ليميتد عاملين همّة .. المهم أرجو أن يكون ظني في غير محله!!

أخوك.. جمال عبدالناصر

من مدينة طنطا كتب جمال عبدالناصر هذه الرسالة إلى صديقه حسن النشار سنة 1942:

“عزيزي حسن..

أهديك سلامي الزائد، وأرجو ان تكون بخير.

أرسلت لك جواباً من مدة ولكن لم يصلني أي رد حتى الآن.

أنا مازلت في طنطا.. وربما نبقى بها مدة طويلة إذا لم تقم الحرب بين مصر وإيطاليا، وإلا فإلى الحدود.

لقد سبق أن كلمتك في موضوع الليثي حتى يتمكن من أن يدخل المدرسة مجانا، وقد قدمنا له طلبا في مدرسة في المحلة الكبرى التي يقيم بها ويعمل بها عمه خليل.

فأرجو إن كنت تعرف أي شخص يعرف ناظر المدرسة فتكلمه خصوصا أنه أي الناظر منقول من الوزارة واسمه عبدالقادر عبدالعزيز غالي.

أما مسألة الزواج فأظن أنه ليس من المناسب الكلام فيها الآن..

إيه رأيك؟ بسبب الحرب والحياة غير المستقرة التي نحن فيها الآن..

هل محمد عارف سافر إلى منقباد؟ وفي أي أورطة هو؟

سلامي للجميع

جمال عبدالناصر

الكتيبة الخامسة طنطا

بعث جمال عبدالناصر هذه الرسالة في 16/2/1942 من العلمين في الصحراء الغربية المصرية لحسن النشار قال فيها:

“... خطابك يا حسن جعلني أغلي غليانا.. وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خانعين!!

الحقيقة إني أعتقد بأن الاستعمار يلعب بورقة واحدة في يده هي ورقة التهديد.. ولو أنه أحس بأن هناك من المصريين من ينوون التضحية بدمائهم ومن سيقابلون بالقوة لأنسحب كأي امرأة عاهرة .. وطبعا هذا حال الاستعمار وتلك عادته!!

أما نحن .. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث (2) تأثير جدي في الروح والإحساس فيه..فبعد ان كنت أرى الضباط لا يتكلمون إلا عن اللهو والملذات، أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الكرامة.. وأصبحت أراهم وكلهم ندم، لأنهم لم يتدخلوا مع ضعفهم الظاهر ليردوا للبلاد كرامتها، وليغسلوا عارها بالدماء، ولكن إن غدا لناظره قريب.

لقد حاول البعض يا حسن بعد الحادث أن يفعلوا شيئاً بهدف الانتقام ولكن الوقت كان قد فات. أما القلوب فلا تزال كلها غضب ونار..

عموماً، هذه الطعنة ردت الروح إلى بعض الأجساد.. وعرّفتهم أن هناك شيئاً اسمه كرامة الوطن.. وأن عليهم أن يستعدوا دائماً للدفاع عنها.

لقد كان هذا درساً ولكنه درس قاسٍ..

أخوك.. جمال عبدالناصر”

رسالة من تلميذ لأستاذة

كتب البكباشي جمال عبدالناصر نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الرسالة التالية لأستاذه محمد عبدالمنعم جامع، الذي تلقى على يديه أول دروس القراءة والكتابة وظلا يتراسلان حتى قيام الحرب العالمية الثانية، وأثناء حرب فلسطين رأى صورة منشورة له مع أبطال الفالوجا، وكان أن أخذ هذه الصورة واحتضنها وقال لزملائه: هذا ابني الذي أوحشتني أخباره.. ابني الذي يحارب على أرض فلسطين.. تلميذي في الخطاطبة أصبح بطلاً، ظللت أراسله حتى قيام الثورة وأحفظ خطاباته عن ظهر قلب، وكان الأستاذ محمد عبدالمنعم قد بعث له برسالة يهنئه فيها بالثورة وبتولي منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.

قال جمال عبدالناصر في رده على رسالة أستاذه:

“أستاذي الكريم..

أحييكم من كل قلبي وأدعو لكم بالصحة وموفور السعادة وبعد، فقد وصلني كتابكم الكريم وأسعدني أن أتلقى من أستاذي العظيم بعد هذه الفترة الطويلة خطاباً يحوي أعزّ الذكريات وفترة من الزمن هي أغلى أيام العمر.

إنني يا أستاذي لم أفعل سوى ما يحتمه واجبي عليّ كجندي مخلص من جنود هذا الوطن، وإني أرجو أن يطول بي وبك العمر حتى نرى مصر فوق الجميع مرفوعة الرأس عالية القدر، وأن نرى المصري يعتز بمصريته ويفخر بقوميته..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بكباشي جمال عبدالناصر

إمضاء”



الهوامش

(1) حمدي محبوب كان وكيل وزارة الداخلية ومدير الأمن العام في ذلك الوقت، واللواء سليم زكي كان ضابط شرطة وحكمدار بوليس القاهرة، وأول مصري يتولى هذا المنصب بعد الإنجليزي اللواء راسل باشا.

(2) (حادث 4 فبراير/ شباط 1942)






الخليج الإماراتية
26.10.2003 'سنوات مع عبد الناصر 22 - سامي شرف' '"سنوات مع عبدالناصر
شهادة سامي شرف ..................الحلقة 22
الجزء الأول البداية الأولى


الحلقة 22



عبدالناصر الرجل والإنسان.. رؤية من قريب


في عام 1957 ظهرت بالقرب من “بني مر” جزيرة مساحتها 140 فداناً من أراضي طرح النهر، فقام الأهالي ومن بينهم بعض أقارب الرئيس جمال عبدالناصر بزراعتها، وحدث خلاف بينهم وبين باقي أهالي القرية الذين سارعوا بتقديم شكاوى ضدهم، وتدخلت الشرطة للتوفيق بينهم لفضّ النزاع. لكن الأهالي اتهموا الشرطة بالانحياز إلى صف أقارب الرئيس، وقاموا بإرسال شكاوى وتلغرافات إلى الرئيس، كما توجه بعض منهم إلى القاهرة حيث تقدموا بشكواهم إلى سكرتارية الرئيس. وما إن علم الرئيس بالأمر حتى أصدر قراراً جمهورياً بسحب كل أراضي هذه الجزيرة وما فيها من محاصيل زراعية وتوزيعها على المعدمين من أهالي القرية والمسرّحين من الخدمة العسكرية في “بني مر” والقرى المجاورة، وقام بتنفيذ هذا القرار المهندس كمال سري الدين مدير الإصلاح الزراعي في محافظة أسيوط في ذلك الوقت.

وقد علّق أحد أبناء القرية على هذه الواقعة بقوله: “كان ينصفنا نحن وإن اضطر إلى أن يظلمهم يقصد أقارب الرئيس وكان يفضِّل أن يتمتع أبناء القرى الأخرى بمشروعات الثورة قبلنا. نحن لم نشعر أبداً بعد هذا الحادث بأن بيننا أقارب رئيس الجمهورية وأهله، وإنما كنا نشعر بأنهم إخوتنا وجيراننا ورفاقنا في كل شيء”.

عم وابن عم الرئيس في قصر الطاهرة

يروي الحاج عطية حسين خليل، عم الرئيس جمال عبدالناصر الحكاية التالية: “كان لي ابن في المدرسة الثانوية في أسيوط اسمه حسين، ولم يسبق له أن رأى ابن عمه الرئيس جمال عبدالناصر من قبل، وفي يوم قال لي: لا بد أن أرى ابن عمي وأقعد أتكلم معاه”.

فقلت له: “يا حسين يا ابني ده مشاغله كثيرة وموش فاضي لنا”.

فردّ حسين: “مهما كانت الظروف سوف أسافر إلى القاهرة وأصرّ على مقابلته”.

ويستطرد عم الرئيس “اضطررت للسفر معه إلى القاهرة وسألنا وتوجهنا إلى منشية البكري وكان في هذا الوقت الرئيس يقيم بصفة مؤقتة في قصر الطاهرة في منطقة القبة إلى حين الانتهاء من إجراء بعض الإصلاحات في منزله في منشية البكرى، رحنا إلى هذا القصر واستوقفنا الحرس والأمن، وبعد الاتصال بالسكرتارية والتأكد من شخصيتنا سمح لنا بالدخول حيث استقبلنا محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس والذي أدخلنا إلى غرفة انتظار وقال لنا:

معلش ستنتظر شوية لأن الرئيس بيستقبل الآن رئيس وزراء الأردن”.

ويقول الحاج عطية: لم أصدق حتى هذه اللحظة أنني سأقابل ابن أخي في هذا المكان، ولم يكن ابني حسين أقل مني دهشة. ولم نلبث كثيراً حتى حسّيت إن فيه يد توضع على كتفي من الخلف.. ونظرت فوجدت الرئيس بنفسه جاء إلينا حتى غرفة الانتظار وتعانقنا وقدمت له ابني حسين، ابن عمه، فقبّله وسألنا عن أخبار العائلة، وعندما طمأنته بدأ يسأل حسين عن دراسته. قال له حسين: “يا سيادة الرئيس أنا بامشي كل يوم على رجلي ثلاثة كيلومترات من البلدة حتى أسيوط حيث مدرستي وأذاكر على لمبة جاز، فكيف هذا وأنا ابن عم رئيس الجمهورية”؟!

فقال له الرئيس: “يا حسين.. الظروف اللي بتتكلم عنها أحسن حالاً بكثير من اللي عشته أنا وعمك الحاج عبدالناصر. أنا كنت مثلاً باذاكر على نور مصباح الغاز.. وربما نور أقل من اللي بتذاكر إنت عليه دلوقت. وبتقول إنك بتمشي ثلاثة كيلومتر.. أنا مشيتها قبلك مراراً. ولم يكن عندي وسيلة أخرى غير المشي، فلا بد من أن تكدّ وتتعب حتى تستريح في النهاية.. وهي دي قيمة الكفاح، موش مهم يكون والدك غنياً يوفر لك كل أسباب الراحة وإنما المهم أن تحقق كل آمالك بمجهودك وعرقك وكدّك”.

لاحظ الرئيس أثناء الحديث أن حسين يحلِّق ببصره في أنحاء الغرفة الكبيرة وقد أخذته الدهشة، فقال عبدالناصر: “إنت دلوقتي يا حسين بتنظر حولك في دهشة واستغراق، إن ما تراه أمامك ليس ملكي.. إنه ملك لمنصب رئيس الجمهورية، والمنصب ده أنا باشغله دلوقت وبكرة حاييجي واحد ثاني من بعدي يشغله وهكذا.. أنا يا حسين لا أملك حتى الكرسي اللي قاعد عليه الآن”.

ابن مين في مصر؟

في اختبار كشف الهيئة للالتحاق بالكلية الحربية دار هذا الحديث:

اسمك إيه؟ جمال عبدالناصر حسين.

أبوك بيشتغل إيه؟ موظف في مصلحة البريد.

موظف كبير؟ لأ.. موظف صغير.

بلدكم إيه؟ بني مر.. مديرية أسيوط.

يعني فلاحين؟ أيوه

فيه حد من عيلتكم ضابط جيش؟ لأ.

أمّال انت عاوز تبقى ضابط ليه؟ علشان أبذل دمي فداء للوطن.

عندكم أملاك؟ إحنا ناس كادحين.

فيه حد اتكلم علشانك؟ واسطة يعني؟ أنا واسطتي ربنا.

إنت اشتركت في مظاهرة 1935؟ أيوه.

كده؟!.. طيب اتفضل إنت!!

بعد هذا الحوار، دخل جمال عبدالناصر كلية الحقوق في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) لمدة عام، وفي العام التالي تقدم مرة أخرى للالتحاق بالكلية الحربية بعد أن تمكّن من مقابلة اللواء إبراهيم خيري باشا وكيل وزارة الحربية الذي استفهم منه عن طلب لقائه فقال جمال عبدالناصر إنه يريد الالتحاق بالكلية الحربية ثم سأل الباشا:

هي الكلية الحربية يا باشا ما تقبلشي الطلبة إلا إذا كان عندهم واسطة أم ان هناك قواعد عامة تسري على الجميع؟

فسأله الباشا: هل قدمت طلباً ورفضت؟

فرد عبدالناصر: أيوه ونجحت في الكشف الطبي ولكن كشف الهيئة يحتاج لواسطة وأنا ليس لي واسطة ومعنى ذلك أن أعود لكية الحقوق.

فقال اللواء خيري: يا ابني تقدم مرة ثانية للكلية..

وتقدم جمال عبدالناصر للمرة الثانية وفوجئ أن اللواء إبراهيم باشا خيري وكيل وزارة الحربية على رأس لجنة كشف الهيئة وأمر بقبوله.

موقف مع السفير الأمريكي في القاهرة

في عشاء في منزل السفير أحمد حسين سفير مصر في واشنطن خلال سنة 1955 حضره جمال عبدالناصر وبعض أعضاء مجلس الثورة، و”إريك جونستون” المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي “أيزنهاور” وصاحب المشروع الشهير باسمه لاستغلال مياه الأردن و”كيرميت روزفلت” حفيد تيودور روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن الماضي، و”هنري بايرود” السفير الأمريكي في القاهرة (1).

دارت أحاديث طويلة وكثيرة واستفسارات من كل من “جونستون” و”روزفلت” وكان الرئيس جمال عبدالناصر يقول بين الوقت والآخر، إن “بايرود” يعرف الإجابة عن كل ما تسألون عنه يقصد مواقف مصر الرسمية من كل من هذه الأسئلة ولقد قلت له رأينا في كل ما تسألون عنه أكثر من مرة.

وفجأة قال السفير “بايرود”: “سيدي الرئيس إنني أعرف هذا كله، ولكنني لا أعرف لماذا ضُرب أحد رجالي اليوم في مدينة السويس”.

نظر كل الحضور إلى “بايرود” بدهشة كبيرة لتحويله مجرى الحديث والمناقشة، وللعصبية المكبوتة في كلماته، واستمر “بايرود” قائلاً: “إن المستر “فينش” الملحق العمالي في سفارتي كان يقوم بزيارة لمصنع تكرير البترول في مدينة السويس، وقد ضربه العمال هناك إلى حد كاد يفضي به إلى الموت”.

قال عبدالناصر بهدوء: “إن المستر “فينش” كما تقول معلوماتنا ليس مجرّد ملحق عمالي بالسفارة، ولكنه ممثل للمخابرات المركزية الأمريكية ال “CIA”. ولقد طلبنا إليكم أكثر من مرة أن يمتنع عن الذهاب إلى المناطق العمالية، لكنه ما زال مصراً على عدم الالتزام بما نصحنا به وعليه أن يتحمل نتائج أية مشاكل تقع له من جانب نقابات العمال التي تعرف طبيعة مهمته وترفض دخوله وسط عمالنا”.

قال “بايرود”: “أخشى أن أقول يا سيدي الرئيس إن عمالكم تصرفوا بطريقة غير متحضرة”.. فنظر إليه جمال عبدالناصر وقام بإطفاء سيجارته على مائدة أمامه ثم قال: “سوف أتركك الليلة تقرأ كتاباً عن الحضارة المصرية وتاريخها البعيد، وعندما تتعلم منه شيئاً نتكلم مرة أخرى..”.

قام عبدالناصر ومبعوثا أيزنهاور اللذان سارا معه حتى باب السيارة يحاولان الاعتذار، وبقي “بايرود” وحده في الصالون.

عنوانه إيه؟

أحسّت القيادات السياسية والعسكرية والقصر الملكي والبوليس السياسي قبل الثورة بتحركات الضباط الأحرار وبالذات نشاط جمال عبدالناصر في ما يختص بتدريب الفدائيين، فاصطحبه اللواء عثمان باشا المهدي رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري لمقابلة إبراهيم باشا عبدالهادي رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت وبحضور اللواء أحمد طلعت رئيس القلم السياسي.

اتهم إبراهيم عبدالهادي الصاغ جمال عبدالناصر بالعمل في منظمات سرية وتدريب أفرادها على الأسلحة والمتفجرات، فردّ عليه عبدالناصر بأنه كان يحارب في فلسطين من 15 مايو/ أيار 1948 حتى 6 مارس/ آذار ،1949 وقال له إنه لو أتيحت له الفرصة لما تأخر عن تدريب المتطوعين لحرب فلسطين لأنه من صميم العمل الوطني.

فقال إبراهيم عبدالهادي: “حاجة عجيبة.. لكن أنا عندي أكثر من تقرير بيقول إنك كنت بتدرب المنظمات السرية دي، ثم إن المعتقلين من أعضاء هذه المنظمات اعترفوا بأنك كنت بتدربهم. أنا على كل حال موش عاوز منك حاجة كبيرة قوي، أنا عاوزك ترشدنا للضباط اللي اشتركوا معك في تدريبهم.. إنت تعرف محمود لبيب؟”.

فردّ الصاغ عبدالناصر: “طبعاً.. كانت حرب فلسطين هي العلاقة الوحيدة اللي تربطني به، وكنا بنجتمع لتنظيم الدفاع عن فلسطين”.

إبراهيم عبدالهادي: مين عرّفك به؟

عبدالناصر: اليوزباشي أنور الصيحي.

وفرح إبراهيم عبدالهادي بهذه الإجابة وأمسك بالنوتة والقلم ليكتب ما اعتقد أنه نجح في استدراج عبدالناصر للاعتراف على زملائه وبدا مستعداً ليكتب أسماء الضباط الأحرار وسأل: “أنور الصيحي عنوانه إيه بقى؟”.

فأجاب عبدالناصر بهدوء: “عند الله.. لقد استشهد في فلسطين”.

ثار إبراهيم عبدالهادي وابتسم جمال عبدالناصر وصرخ الباشا رئيس الوزراء:

“إنت بتسخر مني؟.. إنت فاكرني إيه؟! أنا حاوديك في داهية وأسلّمك للبوليس.. إنت فاهم كويس؟!”.

وظل عبدالناصر مسيطراً على أعصابه هادئاً في رد فعله إلى أن التفت إبراهيم عبدالهادي إلى اللواء عثمان المهدي باشا قائلاً: “يروّح دلوقت.. لكن يكون في علمك إننا حناخذ بالنا من الضابط ده كويس.. وإنت يا عثمان باشا تروح تفتش بيته وتستولي على الأسلحة والذخيرة اللي فيه”.

وفعلاً توجه اللواء عثمان المهدي إلى منزل الصاغ جمال عبدالناصر واستولى على 200 طلقة ظلت محفوظة في مكتب القائمقام عبدالعزيز فتحي حتى استردت يوم 23 يوليو/ تموز 1952.

حوار مع مصطفى أمين

قرأ الرئيس جمال عبدالناصر جريدة “الاخبار” وطوى صفحاتها ثم أخذ يفكر، ولكنه لم يطل تفكيره حيث امتدت يده ليدير قرص التليفون طالبا مصطفى أمين ودار الحديث التالي:

* يا مصطفى، هل قرأت الصفحة الاخيرة؟

- أيوة يا سيادة الرئيس.. هل تقصد سيادتك صورة الوالد؟

* فقال الرئيس جمال عبدالناصر بلهجة حازمة:

أنا ما بأحبش ان تنشر صور والدي او صور عائلتي بين الناس، يا مصطفى انا عايز أبي واخواتي وعائلتي تعيش مثلهم مثل باقي الناس العاديين.. وانا ما أحبش ان يفسدهم منصبي!

نماذج من الرسائل المتبادلة

بين جمال عبدالناصر

والمستشار حسن النشار (صديق عمره)

تخرج جمال عبدالناصر في الكلية الحربية عام 1938 واصبح ضابطا في الجيش المصري وعين بسلاح المشاة في الكتيبة الخامسة التي كانت تعسكر في منقباد في ضواحي مدينة أسيوط في صعيد مصر.

ومن منقباد بعث الملازم جمال عبدالناصر بأول رسالة له بعد تخرجه في الكلية الحربية الى صديقه حسن النشار - الذي كان يقيم في الفيلا رقم 19 شارع المنيل بمنيل الروضة بالقاهرة، وأقام معه عبدالناصر فترة قاربت ثماني سنوات في هذا المنزل، وقد زرت المستشار حسن النشار شخصيا في بداية الثمانينات بعد خروجي من السجن وشاهدت الغرفة التي كانت مخصصة لإقامة عبدالناصر والتي احتفظ المستشار حسن بكل محتوياتها كما كانت، ولم يغير حتى قماش العفش بل كان كما هو، ثم سلمني الرسائل المتبادلة بينه وبين جمال عبدالناصر للاطلاع عليها، كما اجريت معه حديثا مسجلا على شريط كاسيت منشورا نصه في الملحق الوثائقي.

تقول الرسالة:

صديقي حسن

تسلمت عملي أمس في منقباد وهي مكان جميل وشاعري يبعث على التأمل، وهي تجمع بين الصحراء والجبال والمزارع والبرك والانهار. ففي الشمال مزارع وفي الجنوب سلسلة جبال تمتد من الجنوب الشرقي الى الجنوب الغربي وتطوق الصحراء بسواعد جبارة عاتية. ويسرني يا حسن ان تعلم ان اخلاقي ما زالت متينة... وان جمال عبدالناصر الحاضر او الموجود في منقباد هو طبعا عبدالناصر الذي تعرفه من زمن بعيد، والذي كان يبحث عن آماله في الخيال لكنها تفر منه كالاشباح ودخل في صراع بين ما يراه وبين ما يؤمن به..

جمال القوي الذي يبحث في المحن عن أسباب الأمل.

والى ان أراك لك وللاسرة العزيزة تحيات اخوك

جمال عبدالناصر

منقباد في 8 اغسطس 1938



وفي نفس اليوم بعص الملازم جمال عبدالناصر برسالة الى صديق الدراسة عبدالرؤوف جبريل (مدير مكتب الشكاوى برئاسة الجمهورية فيما بعد) نصها:

عزيزي عبدالرؤوف

أبلغ تحياتي واشواقي الزائدة لرؤياكم

وصلت منقباد.. والقشلاق يبعد عن المحطة ثلاثة كيلومترات ويوجد طريق جميل يوصل بينهما بالاسفلت وشجر السنط على جانبي الطريق لا يحجب عن الرؤية المنظر الجميل لتلك الحقول الكثيرة جدا المزروعة ذرة “عويجة”. أظنك لاتعرفها لأنها لا توجد في الوجه البحري. إن كل عود ذرة ينبت “كوز” واحد فقط.. شايف العز؟! وهذه الارض تملأ بالمياه ايام الفيضان وتبقى ملآنة حتى أوان البرسيم.. طبعا مناظر جميلة.. وجميلة جدا فهي تستمر حتى مسافة 9 كيلومترات وتحد بسلسلة جبال عالية جدا من الجنوب الشرقي الى الجنوب الغربي اما الشمال فمزروعات جميلة ايضا.

وقد وجدت بندقية عيار ،16 وسأخرج يوم الخميس لصيد الطيور اذ انها تكثر في شجر السنط..

الحياة يا عبدالرؤوف في منقباد ظريفة اذ اننا 14 ضابطا منهم 7 ضباط في الأورطة الرابعة وكذلك 7 آخرون في الأورطة الخامسة.. ونحن اصدقاء جميعا ومكونين مجموعة مسلية ويوجد مجموعة من الضباط اخلاقهم حسنة جدا.. وأسيوط بالمناسبة اقل حجما من طنطا، وسوف أنزل في كل اسبوع مرة واحدة.

ولك تحيات أخوك جمال عبدالناصر

منقباد في 8 اغسطس 1938

وفي رسالة اخرى من منقباد في فبراير/ شباط 1939 الى الصديق حسن النشار جاء فيها: “.. نحن نشتغل يا حسن تحت رئاسة شوية (..) اكثرهم او جلهم يتمنون عودة الاستعمار للسيطرة عى الجيش المصري، وكلهم مجردين من الاخلاق، وربنا ما يوريك. وكل عيبي هنا في عملي اني دغري لا اعرف الملق او الكلمات المنمقة ولا أتمسح بالأذيال وان شخصا هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن الرؤساء!.. الرؤساء يا حسن يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوءهم الذي لا يتملقهم وهم الذين اعتادا الذل في كنف الاستعمار.. يقولون: كما كنا، يجب ان تكونوا، وكما رأينا.. يجب ان تروا، كما يحزنني يا حسن ان أقول ان هذه السياسة نجحت نجاحا باهرا، ويحزنني يا حسن ان هذا الجيل الجديد قد افسده الجيل القديم فأصبح منافقا متملقا، ويحزنني يا حسن ان اقول اننا نسير الى الهاوية بالرياء والنفاق والملق. اما انا فقد صمدت ولذلك تجدني في عداء مع هؤلاء الكبار... ولا حول ولا قوة الا بالله.

أخوك.. جمال عبدالناصر




الخليج الإماراتية
25.10.2003" "

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US