الرئيسية / أخــبار / مجمع الحديد و الصلب …قرار التصفية.. قرار انتحارى

مجمع الحديد و الصلب …قرار التصفية.. قرار انتحارى

1435311_0

د.هدى أبو رميلة

قرار التصفية.. قرار انتحارى

السبت 13/فبراير/2021 – 09:38 م

مجمع الحديد والصلب يمثل كيانا اقتصاديا صناعيا محوريا خاصة في إطار توجه الدولة للرؤية المستقبلية 2030 نحو دعم الصناعات المحلية ودعم الصناعات الوسيطة والنهائية وتحويل واستغلال المواد الخام الطبيعية بدلا من تصديرها، في هذا الإطار تقدم الدولة الكثير من التسهيلات من خلال قانون الاستثمار الجديد لدعم الصناعات التحويلية الإنتاجية الصناعية.

مجمع الحديد والصلب يمثل الكيان الوحيد الذى تمتلكه الدولة القائم على تحويل المواد الخام للحديد المستخرج من مناجم أسوان والواحات البحرية إلى مجموعة عديدة من السلع الوسيطة اللازمة لتغطية عديد من القطاعات الصناعية وليس قطاع التشييد والبناء فقط.

ومن هنا قرار تصفية كيان اقتصادي بهذا الحجم يجب أن يكون نتيجة خلل هيكلى وليس خللا إداريا وبناء على خطة استراتيجية للدولة خاصة بقطاع التعدين عامة وصناعه الحديد والصلب خاصة وإلا تعتبر جريمة اقتصادية مكتملة الأركان وإهدار للمال العام.

تاريخيا مجمع الحديد والصلب كان حلما قوميا منذ عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان وظلت محاولات ذلك الحلم تتعثر حتى تحول إلى واقع عام 1954 بإصدار قرار بإنشاء أول مجمع للحديد والصلب في العالم العربى بمنطقة التبين بحلوان برأس مال 21 مليون جنيه وباكتتاب شعبى بقيمة جنيهين مصرين، وتم وضع حجر الأساس على مساحة تزيد على 2500 فدان شاملة المصانع ومدينة سكنية للعمال والمهندسين وبتكنولوجيا وخبرات المانية ثم روسية.

1-1407939

وبرغم الظروف القاسية التى كانت تمر بها مصر أثناء تلك الفترة من حرب العدوان الثلاثى، إلا أن جهود الدولة تظافرت لإنجاز المشروع وتم تشغيل ميناء الدخيلة لتوريد الفحم اللازم لتشغيل الأفران وكذلك مد خطوط السكك الحديدية لتوصيل خام الحديد من أسوان والواحات البحرية إلى حلوان، وفى عام 1957 بدأت الأفران في العمل وتم افتتاح المشروع عام 1958 ليصل حجم الإنتاج إلى 1.5 مليون طن من الصلب بأنواعه (صلب مشكل – قضبان سكك حديدية – كمرات حديدية – بلنجات السكك الحديدية – الستائر الحديدة) كمدخلات إنتاج لأزمة لقطاعات عديدة وليس فقط قطاع البناء والتشييد ولكن قطاعات النقل والتعدين والسماد الفسفوري من خبث الأفران والأسمنت من غاز الأفران وكذلك توليد الكهرباء لتشغيل بعض آلات في المصنع ذاته.

ظلت مساهمات مجمع الحديد والصلب في الاقتصاد القومى مرتفعة الأداء حتى نهاية فترة التسعينات والتى بدأ بعضها ضعفا تدريجيا في معدلات الأداء وتدنيا تدريجيا في اقتصاديات الإنتاج والأرباح وتزايد الخسائر حتى وصلت إلى 9 مليارات جنيه عام 2020 لتفوق قيمة رأس مال الشركة للقيمة السوقية مع ارتفاع الديون وانخفاض التنافسية الناتج عن ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة لسعر السوق وبالتالي انخفاض الحصة السوقية للإنتاج المحلى الذى وصل إلى أقل من 1% من السوق المحلى بما يعادل 112 ألف طن.

وقد كان السبب الرئيسى الأول لهذا هو عدم كفاءة ونزاهة الجهاز الإداري للشركة وتعدد الإدارات المتعاقبة لإدارة ذلك الكيان، حتى أنه في عام 2020 تعاقبت عليه 4 رؤساء مختلفين.

والسبب الثانى لانخفاض الحصة السوقية بالسوق المحلى هو انخفاض ضريبة الواردات على السلع التنافسية المستوردة والتوجه إلى الاستيراد لانخفاض أسعاره النسبية.

أما السبب الثالث هو الأزمة العالمية الاخيرة والركود الاقتصادي عقب جائحة كورونا والتى أثرت بشكل عام على جميع شركات الحديد والصلب بما فيها شركات القطاع الخاص، بما فيها شركة حديد عز التى حققت خسائر وصلت إلى مليار جنيه فى عام واحد، مقارنة بوضع مجمع الحديد والصلب الذى حقق خسائر بمقدار 9 مليار جنيه على مدار 20 عاماً ومنهم مليار جنيه عام 2020، آخذين في الاعتبار اختلاف اقتصاديات حجم المشروعين حيث حديد عز ينتج الحديد فقط، أما مجمع الحديد والصلب فينتج العديد من منتجات الحديد والصلب بداية من المادة الخام.

وتلك الجائحة وحدها أدت إلى تراجع حجم الطلب العالمى وتراجع الصادرات المصرية، وباتالى ارتفاع الطاقة الإنتاجية المحلية غير المستغلة بنسبة تجاوزت الـ50% وفقا لـ(الجمعية المصرية للحديد والصلب).

قرار تصفية كيان عملاق مثل مجمع الحديد والصلب يستحق الأخذ في الاعتبار تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والقطاعية وهى كالآتى:

1- خروج الدولة شبة النهائى من المشاركة الفعالة كمنتج لأحد أهم الصناعات الاستراتيجية الوسيطة كقطاع التصنيع والتعدين المحلى، حيث إن مجمع الحديد والصلب يمثل أحد كيانين يتبعان الحكومة من 33 شركة على مستوى الدولة منها 29 شركة قطاع خاص، وكذلك واحد من 4 شركات في مصر تمتلك مصانع متكاملة تعمل على جميع مراحل تصنيع الحديد بداية من استغلال المادة الخام المتوفرة، بعكس باقى الشركات القائمة على استيراد البليت (الحديد نصف المصنع) وإعادة تشكيله لإنتاج حديد التسليح فقط، وبالتالى تصفية ذلك الكيان تعنى فقدان الدولة في المشاركة في أكثر من نصف إنتاج السوق المحلى من شركات حكومية وانعكاسات ذلك على أسواق السلع الصناعية الوسيطة والنهائية.

2- القضاء على شركة الحديد والصلب تعنى القضاء على واحدة من المصانع القائمة على استخدام المادة الخام الناتجة من مناجم أسوان ثم الواحات والقيام بفصل المناجم في شركة منفصلة مستقلة قائمة فقط على استخراج الخام ثم بيعه وتصديره بأسعار متدنية ثم استيراد حديد تام الصنع بالأسعار العالمية.

3- التعويض المالى الذى سيمنح للعاملين بعد قرار التصفية سيحمل ميزانية الدولة إجمالي 2 مليار جنيه وبمتوسط 250 ألف جنيه للعامل، وهذا يتضمن البعد الاجتماعى من تعرض 7 آلاف عامل بأسرهم للدخول في حلقة الفقر والبطالة وبالتالى الإرهاب والجريمة، حيث مبالغ التعويض ذاتها لن تكفى لإقامة مشروع صغير خاصة مع عدم وجود خبرة في إدارة الأعمال أو في العمل بمجالات أخرى مما يعنى تعرض أكثر من 30 الف مواطن للدخول في حلقة الفقر.

4- غلق كيان اقتصادي راسخ في مجال الصناعات الثقيلة بهذا الحجم الاقتصادي والذى تكلف بناءه سنوات ومجهود وموارد وفى هذه المرحلة يعنى الخروج النهائى للدولة وبلا رجعة لقطاع الصناعات الثقيلة وذلك لاستحالة إعادة بناء بنيان بهذه التكلفة.

ومن هنا تبدر العديد من التساؤلات المحورية قبل اتخاذ قرار التصفية واستنباط إذا كان هو الحل الوحيد:

1ـ هل قطاع الحديد والصلب القائم على استخدام المواد الخام هو قطاع محوري في مجال التعدين والصناعة المحلية؟ إذا كانت الإجابة بنعم..!
2- ماهى استراتيجية الدولة فيما يخص تطوير قطاع الصناعات الثقيلة.

3- السؤال الاخير فيما يخص مجمع الحديد والصلب:
أ‌- هل ما حققته الشركة من خسائر وتراكم في الديون وارتفاع تكاليف الإنتاج هو سبب هيكلى ناتج من عدم أهمية المنتجات النهائية بالنسبة لاحتياجات الصناعية للاقتصاد المحلى، أم ناتج من سبب إدارى يعزى إلى سوء وعدم نزاهة الإدارات المتتالية.

ب‌- إذا كان السبب إداريا، هل التصفية هى الحل الوحيد لشركات قطاع الأعمال التى تحقق خسائر بسبب سوء وعدم نزاهة الإدارة؟، وبالتالي هذا يعنى فتح حنفية إغلاق ليس فقط لعديد من شركات القطاع العام بل لقطاعات كاملة مثل قطاع الزراعة.
الإدارات غير الكفء أو غير النزيهة التى تؤدى إلى إهدار المال العام يجب محاسبتها من جهة، ومن جهة أخرى إعادة الهيكلة الإدارية للشركات المتعثرة خاصة إذا كانت ذات بعد استراتيجي قومي وامتداد تاريخي، ولكننا نعلم أن محاربة الفساد الإداري يحتاج إلى جهد أكبر بكثير من المجهود اللازم للغلق والتصفية.

انخفاض الكفاءة الإدارية مشكلة كبرى تهدد الكثير من القطاعات والشركات الحكومية والخاصة، وفيما يخص مجمع عملاق مثل الحديد والصلب فإن حلها الأول والأخير يكون من خلال إعادة الهيكلة الإدارية بهدف رفع الكفاءة وكذلك الاستعادة بشريك أجنبي استراتيجي كما حدث بالفعل عند إنشاء المجمع.

وبالفعل حتى أكتوبر 2020 كانت أحد تلك الشراكات مطروحة من خلال شريك أوكرانى قائمة على ضخ 250 مليون دولار والذى قدر فترة استرداد اموال المشروع أربع أو خمس سنوات، مع الإمداد بالموارد الإنتاجية والبشرية اللازمة للتجديد والترميم والإشراف ويتحمل الجانب المصرى توريد جميع المواد الخام اللازمة (فحم الكوك، خام الحديد المخصب، سبائك المنجنيز، العمالة المدربة)، بينما يقدم الجانب الأوكرانى المهارات الإدارية العليا المتخصصة ويحتوى المقترح على العديد من التفاصيل لسنا في مجال طرحها الآن.

وقد كان هذا آخر مقترح تم تقديمه منذ شهرين تقريباً وبصرف النظر عن الأسباب التى أعاقت تنفيذه، إلا أن هذا يثبت أن هناك حلولا بديلة لحماية ودعم كيان اقتصادي ومحورى مجهود هدمه وتفتيته إلى خردة وبيعها لشركات التطوير العقارى وبدون تقديم استراتيجية بديلة لأحد اهم الصناعات الثقيلة بمصر يعتبر جريمة اقتصادية مكتملة الأركان.

الحل متكامل الأركان لتفادي تصفية أحد أهم دعائم الصناعات الثقيلة في مصر:
1ـ القضاء على الفساد الإداري من خلال إعادة الهيكلة الإدارية عن طريق الاستعانة بخبرات وكوادر دولية متخصصة للتعاون إما بطريق الشراكة أو التعاقد، وبشروط ومؤشرات متفق عليها لتقييم درجة الشفافية والنزاهة والتقدم الإداري.

2ـ التطور التكنولوجي بالتجديد والإحلال من خلال الاستعانة بشريك أجنبي استراتيجي، والذي يقدم إليه الجانب المصري كافة التسهيلات الإنتاجية اللازمة.
3ـ وضع خطة تنموية محددة لقطاع التعدين والحديد والصلب يكون دور مجمع الحديد والصلب فيها واضحا ومحددا، ليكون المعيار الشمولي لتقييم الأداء على المستوى القومي.
3ـ اللجوء إلي حق تطبيق سياسة حمائية لحماية السوق المحلي لأحد السلع الاستراتيجية من خلال فرض رسوم حمائية علي الواردات المنافسة من الحديد والصلب.

 

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *