الرئيسية / تقارير وملفات / “الكارثة” (الهولوكوست) في الفكر السياسي الصهيوني وانعكاساته على الداخل الإسرائيلي،

“الكارثة” (الهولوكوست) في الفكر السياسي الصهيوني وانعكاساته على الداخل الإسرائيلي،

holocost21-1091x520-c

المجلس المصرى للشئون الخارجية

“الكارثة” (الهولوكوست) في الفكر السياسي الصهيوني وانعكاساته على الداخل الإسرائيلي،

==========================================

قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) صدق الله العظيم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قتل معاهدا له ذمة الله ورسوله فقد اخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسافة 70 خريفا ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ان طبيعة منهج الدين الاسلامي الحنيف تقوم ابتداء على كفالة الله لحرمة النفس وانطلاق  كل فرد يعمل وينتج امنا على حياته لايؤذي فيها الا بالحق ،  وانطلاقا من هذا المبدأ الكريم فإننا في تناولنا لهذا البحث لا نقر ممارسة أي نوع من القتل أو الاعتداء  على النفس البشريه بسبب الدين أو الجنس على أن ذلك لا يتعارض مطلقا مع محاولة اجراء استقراء جديد لفترة من اهم فترات التاريخ اليهودي وأكثرها تأثيرا.

و تعد كارثة اليهود في الحرب العالمية الثانية واحدة من أكثر العوامل التي شكلت العقلية اليهودية في العصر الحديث وأصبح إحياء ذكراها وتذكير الأجيال القادمة بها من أهم أركان العقيدة الصهيونية وقد استقر في وجدان الصهيونية ان اختيار النازية ابادتهم يرجع في الأساس إلى كونهم لا يملكون وطن يعيشون فيه ، ولذلك فإن واجبهم الأول وهدفهم  الأعظم هو السعى لتحقيق هذا الحلم الصهيوني القديم في اقامة الوطن القومي اليهودى ، وقد كانت الكارثة هي الأساس الصلب الذي وحد الجميع لتحقيق هذا الحلم وذلك من خلال الصورة المبالغ فيها التي يرسمها الفكر الصهيوني لتلك الاحداث مركزا على ان اضهاد شعوب العالم لليهود حقيقة تاريخية ثابتة ،  وان الخلاص لن يكون سوى  بسعي اليهود لاقامة وطن قومي خاص بهم .

ولما كان الأدب هو مرآة  أي مجتمع وهو اقوى وأوثق مصادر المعرفة التي يمكن من خلالها استقراء المعلومات عن تكوينات ذلك المجتمع و حيث أن أحداث الكارثة قد ساهمت في ميلاد موضوعات ادبية جديدة قامت بالتعبير عن هذه الاحداث وابعادها الى جانب هدف التذكير الدائم بها.

تعريف الكارثة

يرتبط مفهوم الكارثة لدى اليهود بحادث تاريخي محدد هو عمليات الابادة والقمع  التي تعرضوا لها خلال الحرب العالمية الثانية على يد الالمان،  والكلمة في معناها العبري – شوآه – ليست جديدة على  اللغة العبرية ، الذي تغير فقط هو مدلولها الذي أصبح لا يرتبط في أذهان هذا الجيل سوى  بذلك الحدث الهام والمؤثر في حياة اليهود بل انه يبطل استخدامها في معان اخرى وان اي تفسير آخر للكلمه لن يصل بها الى ما يناسب حجمها الحقيقي في فكر الجيل الحالى .

كما تستخدم اللغة العبرية مصطلح آخر يعطي نفس المدلول وهو – ياد فاشيم – وهو اصطلاح مستمد أصلا مما جاء في العهد القديم و يعني ان الاله سيمنح الأتقياء الذين لا أولاد لهم إسما خالدا ابديا .

وقد إنسحب مدلول هذا المصطلح أيضا فى وقتنا الحالى على الهيئة المختصة بتخليد ذكرى ضحايا  النازي ،  كما يعني كذلك ذكري يوم الكارثة التي أحتفل بها لأول مرة عام 1953 في إسرائيل تكريما لذكري الضحايا الذين أبيدوا في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945على يد النازي وذلك بناءا على قرار اتخذه الكنيست الاسرائيلي عام 1951 بجعل السابع والعشرين من أبريل يوم للإحتفال بذكرى ضحايا الكارثة وتمرد الجيتو ، وتتميز احتفالات ذلك اليوم بطقوس حزينة من مظاهرها إطلاق صفارات الإنذار لمدة دقيقتين متواصلتين في الصباح الباكر ثم تسود البلاد حالة من التفرغ التام في هذا اليوم للاحتفال بذكرى الضحايا وفي عام 1959 اتخذ الكنيست قرارا بتغيير اسم الاحتفال الى يوم ذكرى الكارثة وأبطالها كما صدرتعديل علي ذلك القانون عام 1961 نص على اغلاق جميع ابواب اماكن الترفيه ليلة يوم الذكرى .

والاصطلاح الشائع الذي يطلق على ما حل باليهود في تلك الفتره في اللغات الاوروبية هو كلمة هولوكوست وهي كلمة يونانية الأصل ترمز الى القربان الذي كان يضحى به الى الخالق كاملا غير منقوص ، وقد أصبح مفهومها أيضا ككلمة شواه يرتبط بمدلول عمليات الابادة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازى الألماني والمصطلح يعني بالانجليزيه ( What is brought Up) ومن هنا كان ترجمته بالعربيه اقرب ما تكون الى القربان منها الى المحرقة والامريكيون هم أول من استخدم هذا المصطلح في اعقاب انتهاء محاكمات نورمبرج الشهيرة والتي شكلت لمحاكمة مجرمي الحرب لاول مرة في تاريخ البشرية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان الشائع قبل ذلك اصطلاح – genocide  –  الذي يعني اباده الجنس كما تستخدم بعض المصادر مصطلحا المانيا  اخر هو – Endlosung –  و ترجمته الى العربيه الحل النهائي ويعرف الانجليزيه – The final Solution –  وهو نفس المصطلح الذي كان يستخدم اثناء محاكمه مجرمي الحرب في محكمة نورمبرج الدولية على الرغم من عدم وجود دليل واحد يؤكد استخدام الالمان له أو العمل به حيث لم يعثر  عليه مكتوبا في أي وثيقه من الوثائق الألمانيه التي تم العثور عليها بعد هزيمة ألمانيا عام 1945

فتره الأحداث

يمكن القول ان تلك الأحداث التي تعرض لها اليهود و التي تندرج تحت مصطلح الشوآه  قد استغرقت ما يقرب من 12 عاما بصورة فعلية وطبقا لما تذكره المصادر التاريخية واليهودية  عنها بوجه خاص في 30 يناير 1933 وهو التاريخ الذي وصل فيه الحزب النازي بزعامة  هتلر الى الحكم في ألمانيا ، وإنتهت تلك الفترة في الثامن من مايو 1945 وهو تاريخ الإستسلام غير المشروط لالمانيا النازية ،

وتميل معظم المصادر الى تقسيم فترة الكارثة الى مرحلتين زمنيتين  فرعيتين هم مرحلة ما قبل بدء الحرب العالمية الثانية والمرحلة المواكبة لنشوب تلك الحرب . ولعل ذلك هو التقسيم الشائع لتلك  الفترة وان كانت هناك تقسيمات أخرى تذكرها بعض المصادر.

المرحلة الأولى

منذ وصول الحكم النازي إلى الحكم في 30 يناير عام 1933 و حتى الغزو الألماني لبولندا عام 1939. لم يكد الحزب النازي يتقلد مقاليد الحكم في الثلاثين من يناير عام 1933 حتى شرع في تطبيق سياساته تجاه اليهود والتي لم تكن خافية قبل ذلك التاريخ وقد سار هذا التطبيق في اتجاهين يتمثل أولهم في سن القوانين واصدار الأوامر التي من شأنها العمل على دفع اليهود الى التذمر والتبرم نتيجة ما يحدث لهم من مضايقات تحد من نشاطاتهم وتقيد من حرياتهم  ، وأخذ الاتجاه الثاني شكل الممارسات القمعية وأعمال العنف المباشرة ضد هؤلاء  اليهود كل ذلك في إطار خطة رئيسية هدفها إشعارهم باستحالة  قبولهم كمواطنين في ألمانيا وحملهم على الهجرة تحقيقا لمبدأ حزب النازي المعلن قبل هذا التاريخ بسنوات عديدة حول نقاء العرق كمنهاج رئيسي للرايخ الثالث.

ثم تتوالى الأحداث تباعا وكلها تنبئ بما لا يدع مجالا للشك بأن اليهود مقدمون على كارثة مؤكدة وان النجاة وحقن الدماء لن تكتب سوي لمن يتمكن منهم من الهجرة الى خارج ألمانيا حيث لم يعد هناك امل في امكانية تعايش مستقر في ظل تلك الظروف ، يؤكد ذلك ما حدث من منع الاطباء اليهود من ممارسة أعمالهم في المستشفيات العامة وتحجيم النازي لفرص عمل اليهود خاصة المؤهلين منهم عن طريق تقليل أعداد الطلاب اليهود في معاهد التعليم العليا بحجة تناسبهم مع عدد الطائفة اليهودية والتي لا تتجاوز الواحد في المائه من مجموع السكان .

 

فى الخامس عشر من سبتمبر 1935 صدرت القوانين المعروفة باسم قوانين نورمبيرج والتي اشتملت في مجملها على:

  • قانون مواطنى الرايخ والذي يقرر ان أصحاب الدم الألماني هم فقط اصحاب الحقوق السياسية الكاملة .
  • قانون حماية الدم والشرف الألمانيين والذي بمقتضاه تم فرض حظر على الزواج والعلاقات الجنسية بين اليهود وبين كل من يحمل دما ألمانيا.

المرحله الثانية

منذ غزو بولندا في الأول من سبتمبر 1939 حتى استسلام ألمانيا في الثاني من مايو 1945،  يعتبر الغزو الالماني لبولندا في الأول من سبتمبر عام 1939 بداية لمرحلة جديدة من سياسات النازي المعادية لليهود حيث بدأت تأخذ شكلا جديدا تميز بتصاعد خطير في حدة أساليب القمع والتصفية الجماعية النهائية للشعب اليهودي في جميع انحاء ألمانيا و الدول التابعة لسيطرتها . وقد بلغت تلك الاحداث ذروتها في خلال الفتره من 1941الى 1945 فيما يسمى بالابادة الجماعية لملايين اليهود تحت شعار الحل الأخير مستخدمين في ذلك وسائل عديده منها اطلاق الرصاص الجماعي وأفران الحريق و غرف الغاز في تلك الوسائل التي كان يسبقها مراحل اضطهادية منها التجويع وأعمال السخرة والمعيشة في ظل ظروف قاسية يتعرضون فيها للبرد والأمراض .

فمع  الإعداد لغزو الاتحاد السوفيتي قرر النازيون ضرورة التوصل لهذا الحل بإبادة اليهود إبادة تامة  ومباشرة ،  وقد استخدموا في سبيل تحقيق هذا الهدف ما اعتبره اليهود وسائل لا انسانية لمحاولة التخلص من نزلاء المعسكرات  بصور متعددة سواء كانت باطلاق الرصاص الجماعي او الغاز المميت .

كانت هناك خطه اخرى تهدف الى توطين اليهود في استراليا عام 1938 وقد نشرت في مذكرة بلغة الييديش تحت عنوان امكانيات التوطين اليهودي الجماعي في استراليا وقد عرفت الخطة باسم خطة كيمبرلي نسبة الى منطقة كيمبرلي . وقد راقت الفكرة لحكومة أستراليا التي كانت تخشي محاولة يابانية لاحتلال أستراليا وقد كان رد فعلها إيجابيا تمثل في نشر مقالات فى الصحف الاسترالية أشادت  فيها بالتكامل الناجح بين مشكلة اليهود فى  أوروبا والضروريات  السياسية والاقتصادية لأستراليا،  فى هذه الاثناء نشبت الحرب واغلقت الطرق وبات من المستحيل تحقيق الفكرة التي رؤي تأجيلها الى ما بعد انتهاء الحرب التي لم يكن بمقدور اأحد التكهن بموعد او كيفية انتهائها .

و قد قضى على الفكرة نهائيا في السابع عشر من نوفمبر 1944 حيث نشرت الحكومة الأستراليه بيانا رسميا أعلنت فيه أنها تسحب موافقتها السابقة بإقامة كيان  قومي لليهود في كمبرلي ، الأمر الذي أعقبه بيان رسمي من وزارة الاعلام الأسترالية  في اليوم التالي تعلن فيه ان الزعماء الصهيونيين أنفسهم يعارضون فكرة الاستيطان اليهودي في كمبرلى  او في أي مناطق خارج فلسطين .

يعد معسكر – أوشفيتز – من أشهر معسكرات  الإبادة  الالمانية وقد أقامه الألمان عام 1940 في بولندا ، وقد أجريت توسيعات للمعسكر فى مرحلة لاحقة بحيث أصبحت مساحتة تبلغ 15 ميلا مربعا  ، وتم تقسيمه الى أوشفيتز  1  و أوشفيتز2  ، تم بناء أكبر محرقتين تضما أفرانا صغرى فى المعسكر  فى شتاء 1942-1943  وبدأ فى استخدامخها فى ربيع 1943 حيث كان يمكن حرق 2000 جثه فى اقل من 24 ساعة ، يروى الشهود أن عمليات القتل كانت تستغرق وقتا اقل من عمليات التخلص  من الجثث ، أعلن كولونيل رودلف هويس  قائد المعسكر آنذاك أثناء شهادته أن حوالى 2.5 مليون شخص ( وان لم ينص  على انهم كانوا  جميعا من اليهود ) قد لقوا حتفهم فى المعسكر بالغاز  والحريق  ، وان حوالى 500 الف  اخرين قد ماتوا  مرضا وجوعا .

 

1 :هل كانت عمليات الابادة قاصرة على اليهود فقط؟
إن اطلاق مصطلحات “الكارثة” و”الابادة” و”المحرقة” على ما حل باليهود على يد النازى، لا يعنى فحسب عزلا لضحايا اليهود عن مجموع ضحايا الحرب العالمية الثانية والذين بلغوا حسب معظم التقديرات حوالى 60 مليونا ، بل أنه يعطى إحساسا بأن تلك المذبحة لم تكن تخص سوى اليهود فحسب . لقد عانت شعوب كثيرة ويلات حروب سابقة ومجازر هائلة ، وتعرض ملايين البشر على مدى التاريخ لعمليات ابادة مستمرة لم تنقطع منذ بدء الخليقة ، لكن عزل اليهود عن هذه الجموع حتى بالنسبة لضحايا تلك الحرب ذاتها والتى راح ضحيتها كذلك حوالى ثلاثة ملايين بولندى، واكثر من ستة ملايين من “السلاف” الآخرين من غير المقاتلين، اإضافة الى ملايين الضحايا من كافة الشعوب ، لا يؤكد سوى مفهوم العرقية والعنصرية .

لقد أحضر الإسرائيليون النازية معهم من أوربا الى فلسطين متمثلة فى التعصب والتفرقة العنصرية والتردد والرعب والخضوع للقوة . فهم يجتمعون بها لكيلا تدمرهم وتؤدى بهم الى الزوال.

وتجمع المصادر التاريخية اليهودية على ان فترة الكارثة تعد دون شك اكثر فترات تاريخ الشتات اليهودى مأساة ، تلك الكارثة التى تذرع بها اليهود لترسيخ مقولة الاضطهاد الأبدى مع الحرص على إبراز نغمة أنهم كانوا الضحية الوحيدة للنازى ، وهى النغمة التى لايزالون يعزفون عليها حتى اليوم بالرغم مما يحيط بالموضوع من ملابسات تؤكد عمليات التهويل والمبالغة. وفى هذا المجال نذكر أن الجدل حول طبيعة الاضطهاد النازى لليهود وحول مسئولية هذا الاضطهاد والصلات الخفية بين قيادات الصهيونية والنازية لا يزال يطرح فى الدوائر الاكاديمية والصحفية، فقد نشرت دريدة international herald tribune  – انترناشيونال هيرالد تريبيون فى عددها الصادر بتاريخ 13/10/81م نبأ مفاده أن احد القضاه الامريكيين فى لوس انجلوس رفض الاخذ بالادعاء القائل بأن ” الابادة ” لم تقع، ذلك الادعاء الذى اعلنه أحد المعاهد الامريكية والذى يضم أحد عشر استاذا فى التاريخ . كما نشرت جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 8/11/1981م مقالا عن محاكمة “روبير فوريسون”  الباحث الفرنسى بسبب نفيه لكل من وجود غرف الغاز ومذبحة اليهود على يد هتلر ، لعدم توافر أى دليل يثبتهما.
واذا كانت الدعاية الصهيونية ، فى تعاملها مع هذا الموضوع تركز على عنف ولا انسانية الممارسات النازية خلال فترة الاحداث، فى وقت لم يكن لليهود القدرة على مواجهتها . فان نظرة متأنية الى واقع الاحداث ولو من خلال واقعة معينة يرى فيها اليهود اللمسات النهائية للتشريعات الالمانية المعادية لليهود قبل نشوب الحرب العالمية الثانية.وهى “قوانين نورنبرج” التى صدرت فى 15/9/39، وقد تضمنت قرائن تدل على أن النازيين كانت لديهم على الأقل الموافقة الضمنية من الرؤساء الاكثر حكمة بين اليهود انفسهم . ولعل أبرز ما يؤكد ذلك أن المجلة اليهودية “روند شاو” التى كانت  تصدر فى ألمانيا، قد نشرت النص الكامل للقوانين ، مع تعليق من “الفريد برندت” رئيس التحرير المسئول فى مكتب أخبار ألمانيا يذكر فيه أنه قبل أسبوعين فقط من صدور تلك القوانين ، قرر كل المتحدثين فى المؤتمرالصهيونى العالمى فى “لوسيرن” أن يهود العالم لابد أن ينظر اليهم بشكل صحيح باعتبارهم شعبا منفصلا فى حد ذاته وبغض النظر عن مكان معيشتهم . واستطرد قائلا : ” حسبنا اذن أن  كل ما فعله هتلر هو تلبية لمطالب المؤتمر الصهيونى الدولى بأن جعل اليهود الذين يعيشون فى ألمانيا أقلية قومية.

وبالأضافة الى استمرار الصهيونية العالمية فى حملاتها الدعائية القائمة على التهويل فى وصف الممارسات النازية التى تعرض لها اليهود فى أوربا، يمكن القول أنها قد نجحت كذلك فى اقناع العالم بحقيقة الرقم 6 مليون. مشيرة الى عدد ضحايا اليهود خلال تلك الحرب. وان كنا نؤكد مرة ثانية وثالثة أن كبر الرقم او صغره لا يقلل بحال من الاحوال من بشاعة الجريمة النازية، الا ان ملاحظة صعوبة العثور على مصدرين يذكران رقما واحدا.، ملحوظة جديرة بالاهتمام . فعلى حين تجمع دوائر المعارف اليهودية على أن عمليات ابادة اليهود على يد النازى قد تسبب فى موت 5.820.960  يهوديا . نجد ان فى ظل التجمعات السكنية الفقيرة والمزدحمة التى كان يفرض عليهم السكن فيها والتى كانت تتميز فى هذه الظروف بنقص حاد فى الخدمات الطبية والمواد الغذائية ، الامر الذى نتج عنه بالطبع هلاك اعداد كبيرة من هؤلاء اليهود.

لقد جلد المجتمع الصهيونى نفسه من حين لآخربسياط الكارثة بكثرة حديثه المسهب عن أهوالها والفظائع التى تعرض لها يهود الشتات، والاعداد الكبيرة التى راحت ضحية الاعتداء النازى . وقد لاحظ القائمون على الدعاية الصهيونية مؤخرا أن توجيهاتهم بابراز أحداث الكارثة، قد أتت بنتيجة عكسية على غير ما كان يرجى منها،  حيث ظهر اتجاه – خاصة بين جيل الشباب اليهودى – برفض تلك النتائج بدلا من التعاطف معها. وازاء خشية أن تؤدى أوصاف الكارثة التى تزيد فى مشاعر الخزى والعار حول موقف الطوائف اليهودية الاستسلامى، صدرت مؤخرا تعليمات بابراز القوة الضخمة للرايخ الثالث وكيف انه قد نجح خلال بضعة أشهر فى احتلال معظم الدول الاوربية.

2: استفادة الصهيونية من الكارثة:

 

ينظرالكثير من الصهاينة الى هتلر على أنه عصا التاريخ لسوق اليهود العنيدين مرة اخرى الى فلسطين، وفى هذا المعنى يقول “اميل لودفيج” كاتب السير الشعبية اليهودى الشهير معبرا عن الموقف العام للحركة الصهيونية :”سيطوى النسيان هتلر فى سنوات قليلة ، لكن سيكون له تمثال جميل فى فلسطين”ويضيف متقمصا دور اليهودى البدائى القديم : “ان وصول النازى كان أمرا مرحبا به، لقد كان الكثيرون من يهودنا الالمان يتذبذبون بين شاطئين، آلاف  من الذين بدا أن الصهيونية قد فقدتهم تماما اعيدوا الى مكانهم بواسطة هتلر ، لذلك فاننى شخصيا ممتن له جدا”. لقد كانت أحداث الكارثة أحد العوامل القوية التى ساعدت فى غرس بذور الصهيونية الايدويولوجية فى نفوس اليهود المترددين فى الهجرة الفلسطين، ومن ناحية اخرى كانت عاملا حاسما فى اقناع الدول الغربية بضرورة توطين اليهود فى فلسطين.  واذا كان  البعض يرى أن الحدثين الرئيسيين فى تاريخ اسرائيل هما الكارثة ثم اقامة الكيان اليهودى فى فلسطين، فانه لا يمكن فى الواقع فصل هذين الحدثين احدهما عن الاخر. وقد كان اعلان قيام الدولة اهم مكاسب الصهيونية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث انتهرت الصهيونية تلك الفرصة لاقناع المجتمع الدولى بان حل قضية اليهود الذين عانوا الاضطهاد والابادة على يد النازى، يتمثل فقط فى ايجاد ملجأ لهم على أرض فلسطين. وقد كان المؤتمر الذى دعا اليه يهود أمريكا فى مايو 1942 فى فندق “بلتيمور” بنيويورك أحد البدايات من جانب الصهيونية حيث ناشدوا فيه الحلفاء مساعدة اليهود ، وقد وضع هذا المؤتمر برنامجين رئيسيين للعمل هما ك

  • فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية
  • تحويل فلسطين إلى كومنولث يهودى

 

واصل الصهيونيون بعد ذلك حملاتهم الدعائية فى سبيل الحصول على الدعم المادى اللازم لوقوف دولتهم الوليدة على قدميها، وفى هذا المجال استغلوا الكارثة لمطالبة العالم بتعويض اليهود عما اصاب ضحاياهم.  وكانت ألمانيا الغربية أكثر دول العالم تعرضا لتلك الضغوطات الصهيونية التى انتهت بتوقيع اتفاقية التعويضات بين حكومة ألمانيا الغربية والحكومة الاسرائيلية فى سبتمبر 1952،  حيث نصت تلك الاتفاقية التى لعبت الولايات المتحدة الامريكية دورا رئيسيافى توقيعهاـ على أن تدفع الحكومة الالمانية لحكومة اسرائيل مبلغ 822 مليون دولار (3500 مليون مارك المانى) خلال الفترة من 1953 الى 1962. ويميل البعض الى اطلاق مصطلح “مدفوعات الترضية Reparation Payments” على تلك الاموال تمييزا لها من “مدفوعات التعويضات  Restitution payments ” التى قدمتها الحكومة الالمانيه ومازالت تقدمها للافراد اليهود، تلك التى قدرت عام 1965 بمبلغ 1000مليون دولار (4000 مليون مارك المانى) ذهب الجزء الاكبر منها الى اسرائيل.

وقد اصبح من الامور المتعارف عليها فى الاوساط السينمائية العالمية ان من يتطلع الى الفوز باحدى الجوائز العالمية فى المهرجانات السينيمائية فما عليه الا اختيار موضوعا يتبنى فيه الدفاع عما يسمى بالقضية اليهودية، وتعد تراجيديا اضطهاد النازى لليهود هى النغمة السائدة منذ سنوات طويلة، ويتم تناولها بكل الاشكال والصيغ الدرامية، حيث تلقى قبولا واستحسانا من القائمين على تلك الصناعة، لما لها من تأثير دعائى قوى على جماهير الشعوب الاوربية. وقد اهتمت وسائل الاعلام الدولية مؤخرا بفوز فيلم “Au Revoire Les Enfants- وداعا با أطفال”.

بجائزة أحسن فيلم فى مهرجان فينسيا عام 1987 ، والفيلم بالطبع كما تذكر جريدة Le Monde الفرنسية يتناول قصة طفل يهودى أغتيال أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولنقرأ معا النعى الذى نشرته جريدة ” Le Monde – لوموند” الفرنسية الشهيرة فى باب الوفيات ونص النعى هو :

Esther Kaminiaski  أستير كامينسكى

Deportee a Auschwitz ناجية من معسكر أوشفيتز

ونعيا آخر فى نفس الجريدة نصه:

Mr Herman Rafowicz هرمان رافوفيتس

Ancinet Deportee a’Auschwitz أحد الناجين الدماء من معسكر أوشفيتز

أذا كانت الصهيونية تخشى خطر زوال تأثير الكارثة على الرأى العام العالمى عامة والغربى على وجه الخصوص ، فان مجهودها يبدو أقوى وأعنف فى الحاحها الدائم على ابقاء الوعى العام لليهود فى حالة من التذكر الدائم ، كعامل هام لاستقطاب مشاعرهم الوطنية وغرس مفهوم العنف خاصة فى نفوس أجيال الشباب التى لم تعاصر تلك الاحداث. وتبذل الدعاية الصهيونية قصارى جهدها لترسيخ مفهوم الضطهاد الأبدى فى وجدان الشعب اليهودى ممثلة له بأحداث الكارثة، مع مجهودات خاصة على ربط هذا المفهوم بالعقيدة الصهيونية وجعله ركنا أساسيا من اركانها . وتوضح المادة الموسوعية المسهبة عن الكارثة فى دوائر المعارف اليهودية حجم ذلك الموضوع فى حياة اليهود، وكذلك احتفالات اسرائيل السنوية بذكرى الكارثة وما يصاحب تلك الاحتفالات من انشطة حزينة ترسيخا للحادثة فى الاذهان. وهناك أيضا التوجيهات الرسمية التى تقدمها مؤسسة “يادفا شيم” بالاشتراك مع وزارة التعليم الاسرائلية بجعل فصل الكارثة أحد الموضوعات الهامة التى يتلقاها التلاميذ فى المدارس الاسرائيلية، الى جانب المجهودات التى تقوم بها تلك المؤسسة لجمع كافة الوثائق والقضايا المرتبطة بالموضوع، جزء لا يتجزأ من مجهودات الصهيونية فى هذا المجال.  وفى هذا الصدد أيضا كان للادب العبرى عامة والشعرى منه بوجه خاص دور هام ومؤثر فى غرس فكرة الكارثة فى اذهان اليهود ، تحذيرا لهم من خطورة حدوث كارثة آخرى وتحفيذا للاستعداد لمواجهتها فى حالة حدوثها.

 

  • تبذل الصهيونية مجهودا فائقا لتخليد ذكرى أحداث الكارثة وجعلها حقيقة ماثلة فى الأذهان على الدوام وفى هذا المجال تبث الصهيونية دعايتها بدرجة متساوية فى اتجاهين متوازيين، فهى تحاصر المواطن العالمى بذكرياتها عبر وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة وأفلام السنيما، الى جانب الحاحها الدائم على ابقاء الوعى العام لليهودى فى حالة من التذكر الدائم لتلك الاحداث، كعامل هام لاستقطاب مشاعرهم الوطنية وغرس مفهوم العنف خاصة فى نفوس الشباب.

ولما كان البناء الهيكلى العام للادب العبرى منذ زمن طويل يرجع الى ما قبل قيام الكيان الصهيونى فى فلسطين، يمثل جزءا لا يتجزأ من النسيج الايديولوجى الصهيونى العام ويعد أهم وسائل التوجيه والتبشير اللازمة لترسيخ النظرية الصهيونية . ومن هنا استعان الفكر الصهيونى بالأدب العبرى لتناول موضوع الكارثة لتقوية العقيدة الصهيونية المحاربة باشعارها بخطر دائم بتهددها وحث المواطن اليهودى على اليقظة الدائمة وأخذ العبرة من دروس الماضى.

 

وبعد.. بقيت كلمة أخيرة ، أنه اذا كانت الدعاية الصهيونية تبذل قصارى جهدها لترسيخ مفهوم الاضطهاد الأبدى فى وجدان اليهود ممثلة له بأحداث الكارثة ، وذلك فى محاولة لتقويةة العقيدة الصهيونية فى حربها مع الفلسطينيين ، فان على القيادات  الصهيونية أن تعى أن خوفهم من مذابح الأمس لا يعطيهم الحق فى أن يرتكبوا مذابح اليوم، وأن الفلسطينيين لا يجب أن يتحملوا نتائج تاريخ ليسوا هم من صانعيه، لأن ذلك يعنى أن تحرر الاسرائليين من الخوف لا يعنى سوى ابادة الشعب الفلسطينى بأجمعه، وأنه مباح للضحية الفلسطينية أن تقتل قاتلها وفقا لهذا التشريع الاسرائيلى. ان ما ينقص العرب حاليا هو تصوير حجم الكارثة الفعلية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى نساءا وشيوخا وأطفالا، وعرضها على الرأى العام العالمى ليعرف مدى الفظائع التى يرتكبها “اليهود النازيون” الذين لا يزالون يشكون ظلم الممارسات النازية التى تعرضوا لها من قبل . ولابد لنا هنا من الاشادة بالدور العظيم الذى تلعبه المقاومة الفلسطينية الرائعة فى نقل صورة واضحة للعالم أجمع يرى من خلالها هؤلاء اليهود الذين يطبقون على الفلسطنيين نفس الاساليب التى ذكروا أن النازيين طبقوها عليهم..

فكما عرفنا عن النازيين معسكرات الاعتقال مثل بوخنفالد وداخار وأوشفيتس، عرفنا عن الصهيونية مذابح دير ياسين وطبرية وبحر البقر،  وكانت صابرا وشاتيلا من أبشع مذابح التاريخ الحديث، ناهيك عن الممارسات الوحشية التى يرتكبها اليهود يوميا ضد الفلسطينيين من سكان الارض المحتلة. كذلك تتشابة قوانين نورنرج النازية مع تلك القوانين الاسرائيلية التى تسن ضد العرب بمصادرة أملاكهم وانتهاك مقدساتهم وتهجير وطرد آلاف الفلسطينيين ، وعدم السماح لأصحاب الأرض المقيمين فى الخارج بالعودة لديارهم..

 

د. زين الشيخ

عضو المجلس

عن admin

شاهد أيضاً

مطارق الحنين الي فلسطين

مطارق الحنين!! د.شكري الهزَّيل لم يكن يدور بخلدي يوما ان تضرب الاسوار اطنابها حول قلمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *