الرئيسية / ثورة 23 يوليو / سامي شرف يكتب: هل استنزفت ثورة اليمن الاقتصاد المصرى؟

سامي شرف يكتب: هل استنزفت ثورة اليمن الاقتصاد المصرى؟

(1- 3)

سامي شرف

سامي شرف

نشر في: الجمعة 10 يوليه 2020 – 9:00 م | آخر تحديث: الجمعة 10 يوليه 2020 – 9:00 م

– التكلفة المالية لحرب اليمن لم تتعد 500 مليون جنيه.. والمساعدات التى حصلت عليها مصر فى قمة الخرطوم كانت أكثر من ذلك
– خلال سنوات حرب اليمن استطاعت مصر أن تحقق بنجاح غير عادى أهم خطة للبناء والتنمية فى العالم الثالث كله
– الدولة فى عهد عبدالناصر كانت تعتمد على سياسة إحلال الصادرات محل الواردات.. وكان يتم استيراد السلاح والمعدات الصناعية مقابل الصادرات المصرية من القطن والمنسوجات والبترول

يتشدق من يدعون العلم ببواطن الأمور ـ وهم لا يعلمون منها شيئاً ـ بأن حرب اليمن استنزفت موارد مصر الاقتصادية، فهل يعقل أن يقدم نظام حاكم فى دولة تتطلع إلى النمو والبناء على إهدار موارده الاقتصادية هكذا هباءً؟!!

وهذا نص ما جاء فى محضر اجتماع الرئيس جمال عبدالناصر بمجلس الوزراء فى القصر الجمهورى بالقبة فى الساعة السابعة والربع من يوم الخميس الموافق 19 أكتوبر سنة 1961 ـ وهو أول اجتماع ينعقد بعد عملية الانفصال بين مصر وسوريا ـ حيث جاء فى الصفحات 36 و37 من المحضر الرسمى ما يوضح السياسة التى كان ينتهجها الرئيس جمال عبدالناصر فى دعمه المادى للدول العربية والأفريقية، وما يؤكد أن تلك السياسة كان الغرض الأول منها هو فى المقام الأول المصلحة المصرية، ونصه الآتى:

«د.عبدالمنعم القيسونى:

بخصوص النقطة التى أشار إليها الأخ فتحى الشرقاوى وهى الخاصة بمدى التعاون مع الدول العربية ـ خصوصاً فى هذه الظروف ـ أخشى أن الظروف التى نمر بها والمرارة التى فى نفوسنا قد تجعلنا نتراجع فى هذا الخط، وخاصة مع سوريا، وأعتقد من الناحية الاقتصادية أننا إذا حققنا التعاون فى النواحى الاقتصادية فإن ذلك يشمل نواح كثيرة. وهناك اتجاه فى سوريا بأن يعيدوا التعريفة الجمركية، ويعاملوا البضائع المصرية على أنها بضائع أجنبية حتى لا تتمتع بالتعريفة الممنوحة للدول الصديقة، ومن الجائز أن يكون لهم حجة قانونية فى هذا لعدم وجود اتفاقية جمارك بين البلدين، ولكنى أرجو أن نقابل الموقف بشئ من المرونة لنحافظ على النجاح الذى تحقق فى فترة الوحدة من تنشيط التجارة بين الإقليمين، فتحتفظ بالإجراءات الجمركية وبالتيسيرات الجمركية المختلفة، وعندما تهدأ الأمور لانواجه بأننا قمنا بهذا الإجراء. وأرجو أن يظل تخفيض الجمارك أو تعفى البضائع السورية من الرسوم الجمركية، وذلك لتحقيق الهدف الذى نسعى إليه دائماً فى الجامعة العربية، وهو إقامة سوق حرة بين الدول العربية لمواجهة التكتلات الاقتصادية الغربية.

الرئيس جمال عبدالناصر:

إن سوريا وحكومتها فى الوضع الحالى لن ترحب بأية خطوة من جانبنا، كما أنها لن تقوم بأى خطوة للتقارب بين البلدين. من الممكن أن بعض الصناعات قد تأثرت عندنا خصوصاً صناعة الحرير، ومن الممكن أن نسير بما هو موجود عندنا، ولكن لن نستورد.

كان المجال أمام التاجر السورى أكثر من مجال التاجر المصرى؛ لأن التاجر السورى كان يعمل لإقليم تعداده 5.4 مليون نسمة، أما التاجر المصرى فكان يعمل لإقليم تعداده 62 مليون نسمة.

هناك نقطة وهى ظن الناس الخاطئ فى أننا نصرف ملايين الجنيهات فى سبيل التعاون العربى والعمل العربى .. وهذا كلام غير حقيقى فإن ما كنا نعطيه لسوريا سنوياً هو مبلغ 2.5 مليون جنيه فقط.

د. عبدالمنعم القيسونى:

سوريا مدينة لنا بمبلغ 9 مليون جنيه، وإذا أضفنا على هذا مبلغ الإعانة فتكون مدينة بمبلغ 13 مليون جنيه.

الرئيس جمال عبدالناصر:

العملية لم تكن تفريغ خزائن مصر فى سوريا، كل ما أخذته سوريا هو مبلغ 13 مليون جنيه.

وبالنسبة للعلاقات الإفريقية لم نعط معونات أو «بقشيش» للدول الإفريقية، لقد أعطينا قروضاً لبعض هذه الدول مثل الصومال وغينيا ومالى، وهذه القروض تعطى لهذه الدول لكى نستطيع أن ننافس أمريكا وإنجلترا وفرنسا فى أسواقها التجارية، وتعتبر مجالاً لفتح أسواق تجارية فى هذه البلاد، وأننا ننتج سلعاً لابد من تصديرها.. وإذا أعطينا قروضاً لهذه الدول تسدد فى مدة خمس أو ست سنوات فائدة بسيطة.. إذن العملية هى فتح أسواق لنا فى هذه الدول.. فلو قمنا بإعطاء مصنوعات مجانية عربية لبعض هذه الدول كمنحة فشأننا فى ذلك شأن أية شركة تمنح مصنوعاتها كعينة فتح سوق جديدة، فماذا يضيرنا لو منحنا إحدى هذه الدول مثلاً 2000 بندقية وثمن البندقية الواحدة عشرة جنيهات فيكون ثمنها 20 ألف جنيه.. إن شركة مثل شركة كروب تمنح هدايا من إنتاجها بهذا المبلغ، فإذا منحنا بعض طائرات التدريب التى يبلغ ثمن الواحدة منها 2500 جنيه أو بعض الذخيرة كما حدث عندما طلب رئيس جمهورية الصومال أن نمده ببعض الطلقات النارية، لأن الموجود منها عندهم قد نفد، فأجبته إلى طلبه؛ فنحن اليوم فى حاجة إلى تصدير سلعنا الصناعية وإلى فتح أسواق تجارية لنا، وهذا يستدعى منح بعض إنتاجنا كهدايا أوعينات.

هناك إشاعة تقول بأن نصف أموالنا توزع على الدول العربية والنصف الآخر يوزع على البلاد الإفريقية .. هذا كلام لا أساس له من الصحة. إننا نعمل من أجل إقامة سوق عربية مشتركة؛ لأن صناعاتنا هى التى ستروج فى هذه السوق، حيث أننا الدولة الصناعية الوحيدة من بين الدول العربية.. وبالنسبة لإفريقيا فإننا نسعى أيضاً إلى إقامة سوق مشتركة؛ لأننا الدولة الوحيدة التى تنتج كل شئ فى إفريقيا.

أما بالنسبة لما نعطيه للجزائر فهو مبلغ مليونى جنيه سنوياً، ولم نستطع تحويلها لهم بالدولار أو بالإسترلينى، وقلنا لهم نعطيها لكم أسلحة وبضائع، وهذا المبلغ لم يأخذوه.

كل الكلام الذى يقال الغرض منه إشعار الناس أن أموالهم تضيع هباءً .. وهذا غير حقيقى».

(انتهى نص ما جاء فى المحضر)

إن التكلفة المالية لحرب اليمن من سنة 1962 حتى سنة 1967 لم تتعد 500 مليون جنيه، والمساعدات التى حصلت عليها مصر فى قمة الخرطوم كانت أكثر من ذلك، والمساعدات التى حصلت عليها مصر بعد حرب 1973 تجاوزت الألف مليون جنيه.

وخلال الفترة من 62/67 التى كانت فيها حرب اليمن مشتعلة استطاعت مصر أن تحقق بنجاح غير عادى أهم خطة للبناء والتنمية فى العالم الثالث كله، وأشار البنك الدولى فى تقريره رقم «870» «A» الصادر فى واشنطن بتاريخ 5 يناير 1967 الجزء الخاص بمصر أن نسبة النمو الاقتصادى كانت 6.2% سنوياً بالأسعار الثابتة الحقيقية، ارتفعت فى الفترة من 1960 حتى 1965 إلى معدل 6.6% فى حين كان أعلى معدل للنمو فى بلدان العالم الثالث قاطبة؛ ومن بينها الصين والهند لايتعدى 2.5%. وهذا يعنى أن مصر استطاعت خلال عشر سنوات أن تحقق تنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة لسابقة عن عام 1952.

وأخيراً وبمناسبة الحديث عما تحملته مصر الثورة ـ وهو من وجهة نظرى ليس تحملاً بل واجباً يفرضه التزامها بمساندة أى حركة تحرر ـ أن أتعرض لما قيل من أن مصر تلاعبت برصيد الذهب أو بعثرت أموال الشعب فى سبيل مغامرات!.

وهى قضية مثيرة للجدل وأخذت حيزاً من الإثارة دون ما سند من الحقيقة، وأجد نفسى مطالباً بإلقاء مزيد من الضوء والتوضيح إظهاراً للحق ولوضع القضية فى حجمها الصحيح دون ما زيادة أو نقصان.

وفى هذا الصدد فإننى لا أجد أيضاً أبلغ مما قرره السيد حسن عباس زكى وزير الخزانة والاقتصاد السابق الذى أكد فى محاضرة ألقاها بعنوان « الإسلام والعقل» ونشرت عنها جريدة الأهرام بتاريخ 16/11/1998 جاء فيها:

«أكد حسن عباس زكى أن احتياطى الذهب فى مصر قبل الثورة لم يمس، وأنه مازال موجوداً حتى الآن فى البنك المركزى، وأن الثورة لم تستخدم هذا الرصيد فى تمويل صفقات السلاح أو مساعدة الثورات فى اليمن أوالدول الإفريقية» وبرهن على صحة ذلك بقوله:

«إن الدولة فى عهد عبدالناصر كانت تعتمد على سياسة إحلال الصادرات محل الواردات، كما كان يتم استيراد السلاح والمعدات الصناعية مقابل الصادرات المصرية من القطن والمنسوجات والبترول عبر نظام «الصفقات المتكافئة» مع دول الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتى السابق. وهذا الأمر ساعد الدولة فى الاعتماد على مواردها الذاتية دون الاضطرار إلى اللجوء إلى الاقتراض الخارجى إلا فى أضيق الحدود، فلم يتجاوز حجم ديون مصر الخارجية فى تلك الحقبة مبلغ أربعمائة مليون دولار فقط. كذلك ساعدت هذه السياسة على عدم وجود عجز فى الموازنة.

وبفضل هذا الاحتياطى من الذهب كان سعر الجنيه المصرى وقتئذ يعادل أكثر من ثلاثة دولارات أمريكية، ووصل معدل النمو الاقتصادى خلال فترة الستينات إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى حيث بلغ أكثر من 6% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو معدل لم تشهده البلاد سواء قبل الثورة أو حتى خلال الفترات اللاحقة لها.

وقال إنه من السذاجة أن يعتقد البعض أو يدعى أن الثورة استخدمت هذا الرصيد فى تمويل الثورات فى اليمن أو الدول الإفريقية، وأن أى مزايد عليه أن يذهب بنفسه إلى البنك المركزى ليسأل ويتأكد».

سامي شرف يكتب: هل استنزفت ثورة اليمن الاقتصاد المصرى؟ (2- 3)

نشر في: السبت 11 يوليه 2020 – 9:10 م | آخر تحديث: السبت 11 يوليه 2020 – 9:10 م

– الذين أذلوا الشعب ونهبوا أمواله تحولوا فجأة إلى مدافعين عن حقوقه!
– لا يجرؤ أحد أن يشكك فى ذمم حكومات الثورة أو الرئيس جمال عبدالناصر وبخاصة فى موضوع الاحتياطات القومية للذهب
– احتياطى الذهب لم يمس إلا فى حدود عشرة ملايين دولاراً فقط لشراء القمح حتى لا يجوع الشعب المصرى

إن الذين أذلوا الشعب ونهبوا أمواله فى بطونهم، والذين كانوا يبرطعون فى عشرات الألوف من الأفدنة والعزب والقصور والضياع، وتركوا الشعب يعانى من الفقر والجهل والمرض، تحولوا فجأة إلى حماة للشعب مدافعين عن حقوقه! ولابأس فنحن فى عالم جديد، كل شئ فيه مباح، حتى أن يتحدث الإقطاعيون باسم الفلاحين، وعتاة المستغلين باسم العمال والفقراء.
والذين أثاروا شكوكاً حول قضية الذهب، إنما يهدفون من ورائها إلى اتهام ثورة 23 يوليو 1952 التى قضت على نفوذهم وسطوتهم وجردتهم من سلطانهم، بأن الثورة كانت تسير على شاكلتهم فى نهب أموال الشعب. ورغم أن وزراء الاقتصاد والمالية فى عهد الثورة قد كذبوهم، إلا أنهم ما زالوا يصرون على أن يصروا على نفس الادعاء بالمنهج ذاته الذى هاجموا فيه السد العالى، وجعلوه سببا فى الخراب والزلازل، وفى نقص الإنتاج، وأنه آيل للسقوط!.. وبنفس المنهج الذى هاجموا به تأميم شركة قناة السويس واستردادها من سيطرة الأجانب لتصبح مصرية خالصة تسهم فى الاقتصاد القومى المصرى والعربى، وتفتح بنكاً استثمارياً يتزايد دخله سنوياً وعلى مر الزمن، وذلك بعد أن حكموا سنوات فى ظل وحماية الاحتلال وبمباركته، وتحت ظل دباباته حتى تفجرت ثورة يوليو، وطردت المحتل وأجلته عن أرض الكنانة بعدما كانوا يتحكمون فى صناديق الانتخاب يسوقون إليها الفلاحين لينتخبوا جلاديهم ويزّورونها ليكون البرلمان ممثلاً للإقطاع ولرأس المال المدعوم والمتعاون مع رأس المال الأجنبى.
عندما قامت ثورة يوليو 52 كان العجز فى الميزان التجارى عام 1951 أكثر من 39 مليون جنيه ـ بقيمة الجنيه فى ذلك الوقت – وكان أكثر من جنيه إسترلينى ويتعدى الأربعة دولارات أمريكية ـ وكان العجز فى ميزانية آخر حكومة سنة 1951/1952 أكثر من 25 مليون جنيه. وشهود العيان لتلك القضية هم وزراء الاقتصاد والمالية وكبار المسئولين فى البنك المركزى فى تلك الفترة.
فالسيد على نجم محافظ البنك المركزى السابق يقول:
«إن أحداً لايجرؤ أن يشكك فى ذمم الحكومات المتعاقبة فى عهد الثورة أو الرئيس جمال عبدالناصر وبخاصة فى موضوع الاحتياطات القومية للذهب. جاء عام 1964 ولم يكن بخزانة الدولة أى نقد أجنبى .. وكانت البلاد تعتمد فى وارداتها الخارجية من القمح والسلع الغذائية الضرورية الأخرى على الاتحاد السوفيتى الذى كان يوردها بالكامل مقابل صادرات مصرية من القطن والمواد الخام الأولية، ولكن فى عام 1964 شهد محصول القمح الروسى اضطراباً شديداً نتيجة سوء الأحوال المناخية هناك، ومن ثم لم يستطع الاتحاد السوفيتى أن يورد الكميات المتفق عليها من القمح لمصر فى هذا العام بل إن إنتاجه كاد يكفيه. وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الموقف لتجويع الشعب المصرى من أجل إسقاط نظام جمال عبدالناصر عدوها اللدود فى منطقة الشرق الأوسط ، وزعيم حركة التحرير من الاستعمار داخل العالم الثالث، فمنعت توريد القمح عبر المنح التى كانت تصرفها لمصر فى صورة هذا المحصول الإستراتيجى.
وكان أن اجتمع مجلس الوزراء لمناقشة كيفية تدبير المبالغ اللازمة لشراء القمح فوراً قبل وقوع الكارثة، وفى سخونة المناقشة جاء اقتراح من جانب الدكتور عبدالمنعم القيسونى ببيع جزء من الذهب قيمته 10 ملايين دولار تدفع كعربون لشركات القمح العالمية لتحويل شحنات من القمح تحملها سفن كانت فى عرض البحر إلى ميناء الإسكندرية. واتخذ مجلس الوزراء برئاسة السيد على صبرى القرار وصدق عليه الرئيس جمال عبدالناصر قال:
«إن كنوز الدنيا لاتساوى أى شئ أمام تجويع مواطن واحد من هذا الشعب».
وفى خريف عام 1964 رافق على نجم سبائك الذهب، وقد حملتها أربعة طائرات نقل خاصة إلى «بنك التسويات الدولية» فى بازل بسويسرا، وكانت هذه السبائك تزن حوالى خمسة عشر طناً، وتمثل أقل من 10% من مخزون الذهب المصرى المخزون منذ عام 1952، وكان وزنه يقدر بنحو 154 طنا، وهو وزن يزيد كثيراً على تقديرات أحد وزراء المالية قبل الثورة.
كل الشهود قبل عام 1970 يقولون إن التصرف فى رصيد الذهب المحفوظ فى خزائن البنك المركزى على هيئة قوالب فى صناديق مغلقة عليها أرقام مسجلة تسجيلاً دقيقاً فى الداخل والخارج، لم يزد على الكميات التى بيعت فى عام 1964لإنقاذ مصر من حرب التجويع الأمريكية، وقد بيعت هذه الكميات بالأوقية ـ الأوقية حوالى 31.7 جراماً من الذهب عيار 24 وكان سعر الأوقية فى ذلك الوقت 35 دولاراً.
ويضيف السيد على نجم:
إن العالم لم يعد منذ أكثر من نصف قرن يتعامل بقاعدة الذهب، وأصبحت قوة العملة فى أى دولة تقاس بقوة الإنتاج وأصول الدولة، وعلى التكنولوجيا التى تمتلكها، والأذون التى بحوزتها، والدائنة للدول الأخرى نظراً لأنه بعد أزمة عام 1929 وفى أعقاب الحرب العالمية الأولى تراجعت غطاءات الذهب من نسبة 100% مقابل الإصدار النقدى من العملة إلى نسب متواضعة تتراوح فى الدول الكبرى ما بين 10% و15% فقط، والباقى أذون خزانة ثم تلاشت واختفت تماماً قاعدة الذهب، وبدأ صندوق النقد الدولى يجبر الدول النامية بربط عملاتها الوطنية بعملات الدول الكبرى مثل الإسترلينى فى النصف الأول من القرن الحالى وبالدولار بدءاً من النصف الثانى؛ حيث أجبرت مصر للتوقيع على اتفاقية الصندوق عام 1944 لربط عملاتها الوطنية بالدولار باعتباره عملة عالمية.

ويستطرد على نجم قائلاً:
إن البنوك التجارية فى مصر لاتفضل التعامل مع الذهب لتخوفها من الخسارة الفادحة فى حالة انخفاض سعره العالمى كما حدث خلال عام 1997، وقد ترتب على هذا الانخفاض الذى وصفه البعض بالانهيار أن خسر تجار الذهب فى مصر 40% من قيمة ما يملكون، وفضلاً عن أن البنك المركزى يرى أن البنوك التجارية المصرية ليست لديها الخبرة الكافية للتعامل مع الذهب عالمياً، حيث توجد فروق فى أسعار الذهب الخام عالمياً ما بين 600 و 700 دولار فى الكيلو الواحد الذى يقترب سعره من 30 ألف جنيه فى العادة.
لقد تراجع سعر أوقية الذهب عالمياً إلى 299 دولاراً فى خريف 1997 مقابل 830 دولاراً خلال الفترة نفسها فى عام 1996 وكان سبب هذا الهبوط الحاد أن سويسرا التى تعيش على الذهب وبنت سمعتها عليه طرحت 54% من احتياطيها من الذهب فى الأسواق وسارعت روسيا إلى بيع 250 طن من مخزونها للطفو فوق سطح الأزمة الاقتصادية الحادة التى تعرضت لها.
وتقدر أوزان السبائك الذهبية المتداولة فى الأسواق المصرية بحوالى 107 أطنان، وكان الرقم فى عام 1995 لا يزيد على 11 طناً وهو ما يعنى قفزة هائلة فى الاستيراد.
كما أكد السيد حسن عباس زكى وزير الخزانة والاقتصاد الأسبق مرة أخرى، فى محاضرة ألقاها فى جمعية الشبان المسلمين، تمسكه بما سبق وأعلنه من قبل مراراً وهو «أن احتياطى الذهب فى مصر لم يمس إلا فى حدود عشرة ملايين دولاراً فقط صرفت لشراء القمح حتى لايجوع الشعب المصرى، وذلك فى عهد الحكومات المتعاقبة فى حكم الرئيس جمال عبدالناصر».
والدكتور سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق أكد من جانبه «أن قوة أى عملة وطنية لأى دولة فى العالم حالياً يقاس بمدى قوة اقتصادها، فقد انتهى عصر ربط غطاء الذهب بالعملة الوطنية وأصبح مجرد نظريات عفى عليها الزمن».
ويقول الدكتور سلطان أبو على أيضاً: إن احتياطى الذهب حالياً الموجود لدى البنك المركزى 67 طناً، وقد انخفض عن بداية الثورة والذى كان يقدر بـ155 طناً، وهو ما قيمته مليار و053 مليون جنيه، و من ثم فإن الفارق 78 طناً يسأل عنها النائب العام باعتباره سلطة التحقيق فى البلاد، مؤكداً أن الاحتياطيات القومية من عملات النقد الأجنبى هى أكثر نفعاً للبلاد عن احتياطى الذهب؛ نظراً لأن احتياجاتنا الإستراتيجية من غذاء وسلاح تتطلب عملة أجنبية متوفرة بكثرة وفى أى وقت».
أما الدكتور فؤاد هاشم الرئيس السابق لبنك الاستثمار العربى فيؤكد: «إن نظام غطاء الذهب انهار منذ الحرب العالمية الأولى، ومع أزمة سنة 1929 وحل محله وقتئذ نظام الصرف بالذهب، بمعنى أن الدولة تحتفظ بغطاء عملتها لدى دولة أخرى تمتلك الذهب بكثرة من خلال أذون وسندت الخزانة وكانت بريطانيا العظمى فى ذلك الوقت أكبر الدول امتلاكاً للذهب، لذلك كانت مصر تحتفظ بسندات خزانة على الحكومة البريطانية فضلاً عن ارتباط العملة الوطنية المصرية بالجنيه الإسترلينى باعتباره عملة عالمية قوية فى ذلك الوقت.
ولكن مع تزايد الإصدار النقدى وتدهور قيمة الجنيه الإسترلينى مع أفول الإمبراطورية البريطانية فأصبح لايوجد فى العالم ذهب يكفى الإصدارات الضخمة والهائلة من العملات المختلفة، ومن ثم اختفى العمل بنظام قاعدة الغطاء الذهب، وأصبحت قوة النقد فى أى دولة تقاس بقدرتها على الإنتاج وحجم الناتج القومى ومن الأصول التى تمتلكها الدولة فى أذون خزانة على الحكومات الأخرى وسندات وأصول إنتاجية وتكنولوجيا».

سامي شرف يكتب: هل استنزفت ثورة اليمن الاقتصاد المصرى؟ (3- 3)

سامي شرف

سامي شرف

نشر في: الأحد 12 يوليه 2020 – 8:41 م | آخر تحديث: الأحد 12 يوليه 2020 – 8:41 م

– مكانة مصر على المستوى الدولى والعربى والأفريقى سطرها دم فى فلسطين والجزائر واليمن وسيناء
– دور مصر العربى لم يوجده جمال عبد الناصر من عدم.. ومن ينكر ذلك لايدرك مكانة بلاده
– لم يشهد التاريخ الحديث فترة تقارب بين الشعب العربى فى جميع أقطاره مثل سنوات عبدالناصر

كما يقولون بأن الحكم على الأفعال يكون من خلال النتائج، تعالوا ننظر ونعدد أهم النتائج التى ترتبت على اتخاذ قرار مناصرة ثورة اليمن:
أولاً: خرج الاستعمار من شبه الجزيرة العربية، واستقل الجنوب العربى والخليج العربى كله.
ثانياً: أرخت السيطرة الأجنبية قبضتها على الموارد العربية فى شبه الجزيرة العربية، واتخذت موقف أكثر مرونة مع الأنظمة الوطنية بل سمحت لها بدور متزايد فى توجيه أمور ثرواتها الذاتية.
ثالثاً: اضطرت الأنظمة العربية إلى الأخذ بنظم التحديث والتحول إلى دول بما تحمله هذه الكلمة من معنى علمى.
رابعاً: تمدينت الخلافات العربية نابذة أسلوب القبائل والعشائر والطوائف، فأصبح هناك الآن حركة جماهير وقضايا مستقبل ومصير واستقلال سياسى، وتحرر اجتماعى، ونضال وحدوى، وموارد تعود إلى أصحابها، وسيطرة الشعوب على وسائل الإنتاج والتأمينات الاجتماعية والتصنيع وزراعة الصحارى وبناء السدود.
ويحضرنى فى هذا المجال ما قاله الزعيم الخالد جمال عبدالناصر عام 1964 في ذكرى 23 يوليو 1952:
«إن كفاح الشعوب لايتوقف عند غاية ولايستقر عند نهاية، إنه طريق بعيد المدى، مداه الحياة نفسها لابد من جبهة عربية واحدة نجابه بها أعداءنا. إن الشعوب الحية لاتتهاون بعد النصر، ولاتتراخى».
لسنا من أنصار إنشاء محاور عربية ، ولانتدخل فى الشئون الداخلية لأى بلد عربى، ونحن مع أى تغيير يزيد من القوى العربية المحتشدة من أجل المعركة، وضد أى صراع شخصى أو طائفى أو فكرى لايكون من شأنه أن يضيف إلى المعركة دائماً ولايأخذ منها.
إن القوى المعادية للتقدم فى العالم العربى كلها تعادى الوحدة خصوصاً بعد أن منحها النضال الثورى والجماهير مضموناً اجتماعياً.
هذه الإنجازات الضخمة التاريخية، وهذا التغيير الجذرى لا يمكن ونحن نقوّم ما يُقال عنه «التدخل المصرى فى اليمن» أو «المغامرة المصرية فى اليمن» ـ وأنا اختلف مع من ينادى بمثل هذه المقولات وأسمىّ التدخل المصرى فى اليمن بعبارة «الواجب المصرى الوطنى والقومى نحو أمتنا العربية» ـ إلا أن نضع هذه المنجزات فى الحسبان بصرف النظر عن الثمن الذى دفعته مصر، وأن هؤلاء الذين يقولون ويتقولون على الزعيم جمال عبدالناصر بادعائهم أنه أضاع ثروة مصر فى مغامرات خارجية، أقول إنها لم تكن أبداً مغامرات .. لم تكن أبداً إلت واجب والتزام قومى، وأن معدل التنمية فى مصر فى السنوات من 1955 حتى 1965 كان 6.7% سنوياً، من واقع إحصائيات وتقارير البنك الدولى، وأن دور مصر يجب أن يكون موجوداً فى العالم العربى، ولقد استطاع الرئيس عبدالناصر أن يمارس هذا الدور بدون التدخل فى شئون الآخرين.
لقد كانت إسهامات عبدالناصر الجوهرية هى أنه أعاد بعث القومية العربية وواجه الاستعمار. ولابد أن ننظر إلى خريطة العالم العربى قبل جمال عبدالناصر حيث كانت الغالبية العظمى من أقطاره بما فيها مصر، مستعمرات، وعندما رحل الرئيس عبدالناصر عن عالمنا هذا كان الاستعمار قد حمل عصاه على كتفيه ورحل.
فبمساندة مصر الثورة المادية والمعنوية تحررت معظم الدول العربية وقامت ثورات تحرير فى العراق وليبيا والسودان واليمن. وعاش الرئيس عبدالناصر تحريرها أعياداً وساهم فى الاحتفال ببعضها. والحقيقة أنه لم يشهد التاريخ الحديث فترة تقارب بين الشعب العربى فى جميع أقطاره مثل سنوات عبدالناصر؛ حيث عاشت الوحدة فى وجدانه وكان عبدالناصر يرى أن الخلافات بين الحكومات العربية هى نتيجة الصراع الاجتماعى فى الواقع العربى، وأن وحدة الهدف قائمة عند الشعوب، كما أن الوحدة لايمكن أن تتم فرضاً، وأن أى حكومة وطنية فى العالم العربى تمثل إرادة شعبها ونضاله فى إطار الاستقلال الوطنى هو خطوة نحو الوحدة لأنها ترفع كل سبب للتناقض بينها وبين الآمال النهائية فى الوحدة، وأن أى وحدة جزئية تمثل إرادة شعبين عربيين أو أكثر هى خطوة وحدوية متقدمة تقرب من يوم الوحدة الشاملة.
ومن المفارقات الغريبة أن الذين لا يملون من مهاجمة العرب لعدم مساعدتهم مصر، ولا يمدون لها فى أزماتها يد العون هم أنفسهم الذين لايملون من مهاجمه الرئيس جمال عبدالناصر لأنه دعم العرب، ومد لهم يد المعاونة فى أزماتهم، وهذا منتهى التناقض فهم يدعون بأن جمال عبدالناصر ورط نفسه فى حرب اليمن، وهى فى رأيهم حرباً لا ناقة لمصر فيها ولا جمل ، وفى نفس الوقت يلومون على العرب فى عدم مد العون من قبلهم إلى مصر .. فكيف تستحلون لمصر العربية ما تنكروه أنتم على باقى الدول العربية، أفهم أن يقول هؤلاء إن على مصر والدول العربية أن يتكاملوا وظيفياً من أجل اكتمال منظومة العمل العربية، كل يعطى للآخر ليكمله من أجل تحقيق الهدف الأكبر؛ وهو تحرير الشعوب والإرادات، أما من يقول ما لنا نحن بهموم العرب ومشاكلهم، فهو فى ظنى كمن يسير وهو ينظر تحت قدميه، ولاينظر أمامه ولابه له أن يقع، فوجود العرب كجزر منفصلة هو ما سبب وسيسبب لهم مزيد من الضعف والخنوع، ولن يعود ذلك بالسلب على دولة أو عدة دول بالسلب ـ كما يتوهم البعض ـ لا .. بل سيعود على الجميع بالسلب، وتأكيداً لقولى هذا، وللنظرة الإستراتيجية الشاملة بعيدة المدى للمشروع القومى للرئيس جمال عبدالناصر نشهد منذ السنوات الأخيرة للقرن العشرين حركات متعددة فى مختلف مناطق العالم نحو التكتل والوحدة؛ فقيام الاتحاد الأوروبى مثل واضح؛ حيث تحملت الدول الكبرى مثل فرنسا وألمانيا عبء قيام الاتحاد، وتحملت معها الدول الأوروبية الغنية عبء النهوض باقتصاديات الدول الأوروبية الأقل نمواً، والسؤال هنا لماذا تحملت هذه الدول الغنية عبء النهوض باقتصاديات الدول الأقل نموا؟!!.
أوجه سؤالى لمن يرى أن الرئيس جمال عبدالناصر أخطأ خطأ جسيماً بمساعدته ثورة اليمن. أترك لهم الإجابة فهى واضحة لكل من يعرف أ ـ ب سياسة.
وباختصار فإن وقوف مصر بجانب الثورة فى اليمن كان من أجل انتصار لحق الشعوب فى تحديد مصيرها، وهى معركة من معارك الصراع المتصل والمستمر، والذى لن ينتهى بين الحركة الوطنية العربية وبين قوى السيطرة العالمية، ولولا مواقف مصرالثورة ومساعداتها لكافة حركات التحرر ما كانت مصر هى الشقيقة الكبرى ولا رمز العزة والتحرر، فمكانة مصر على المستوى الدولى والعربى والأفريقى سطرها دم فى فلسطين، والجزائر، واليمن، وسيناء، كما أن دور مصر العربى لم يوجده جمال عبدالناصرمن عدم؛ فدور مصر العربى معروف ومشهود به من قبل ذلك بكثير جداً، ومن ينكر ذلك الدور على مصر فهو لايدرك مكانتها والدور المقدر عليها لكونها مصر.

اقرأ أيضا:

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. والبحث عن فتحى الديب «جاسوس عبدالناصر الذى أشعل الحدث»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *