الرئيسية / حوارات ناصرية / جمال عبد الناصر ما زال يؤرقهم!

جمال عبد الناصر ما زال يؤرقهم!

48971496_10213583895295918_1749552664577835008_n

حسن توفيق

الزمان امتحان لنبض القلوب، فمنا- نحن العرب- من يخلع كالثعبان جلده في كل فصل، ومنا من يتلون كالحرباء لكي يظل طافيا فوق سطح كل موجة جديدة قادمة، ومنا من يظل قابضا على جمر الإيمان بقيم الحق والمحبة والعدل حتى وإن تنكر لها كل من حوله، وها هي ذكرى رحيل الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر تطل علينا، فنتأكد جميعا أن الزمان امتحان لنبض القلوب، ففيه يطفو ما في الأعماق على السطح، دون رتوش وبغير مساحيق للتجميل، حيث يخلع جلودهم من يخلعون، ويتلون من يتلونون، ويبقى القابضون على الجمر قابضين عليه دون تنازل أو تفريط.

جمال عبد الناصر- الزعيم في قلوب الشعراء، هو الكتاب الذي كنت قد أصدرته في الدوحة سنة 1996 على نفقتي الخاصة، ثم أصدرته بعد ذلك في بيروت سنة 2002 وظللت أتمنى أن يتسنى لي إصداره في القاهرة، إلى أن فوجئت أخيرا بأن إحدى المؤسسات الثقافية المصرية تبادر بالاتصال بي لكي تتولى إصدار هذا الكتاب في طبعة جديدة،

وهكذا شرعت في قراءة الكتاب ومراجعته من جديد، لكي يصدر على أجمل وجه، وقد توقفت طويلا أمام المقدمة الصادقة التي كانت أستاذتي الدكتورة سهير القلماوي قد كتبتها للطبعة الأولى، وفيها تقول: كان الشعراء أسبق الفنانين في تسجيل مشاعرهم ومشاعر الجماهير العربية من حولهم يوم فقدت الأمة العربية زعيمها جمال عبد الناصر.

توقفت طويلا عند تلك المقدمة، ثم أخذت أراجع مواقف الشعراء العرب الذين كانوا قد كتبوا قصائد رثائهم للزعيم العربي الخالد بعد رحيله مباشرة مساء يوم 28 سبتمبر سنة 1970 والحق أني أحسست بالراحة النفسية بعد أن راجعت ما راجعت، لأني وجدت غالبية الشعراء ما زالوا على العهد بهم، بمعنى أنهم لم يتغيروا أو يتلونوا، أما الذين غيروا جلودهم وتلونوا فهم قليلون جدا، ومن هؤلاء الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي كان يمتدح منجزات عبد الناصر باستمرار وبحماس منقطع النظير، ثم كتب في رثائه أكثر من قصيدة، لكنه أخذ يتهجم عليه بغير منطق ولا أساس خلال حكم حسني مبارك لمصر ولم يزل هذا التهجم مستمرا حتى الآن، وحين قرر هذا الشاعر أن يعيد طبع دواوينه اكتشف أنه كان قد كتب قصائد عديدة يمتدح فيها من يتهجم عليه الآن، فماذا فعل؟ كل ما فعله أنه غير عناوين تلك القصائد، لكي يحذف منها اسم جمال عبد الناصر! والعجيب أن هذا الشاعر هو القائل بعد رحيل جمال عبد الناصر:

يا أيها الحزن مهلا… واهبط قليلا قليلا

استوطن القلب واصبر ع العين صبرا جميلا

أيامنا قادمات… وسوف نبكي.. طويلا

إذا كان هذا يبدو عجيبا من شاعر كان يتباهى بأنه ناصري وعروبي، فإن ما يدعو للعجب أكثر وأكثر أن بعض السياسيين المصريين الذين كانوا يتهجمون على عبد الناصر بمناسبة أو دون مناسبة، أصبحوا الآن يمتدحونه ويشيدون بما حققه من المنجزات التي كانوا هم أنفسهم ينكرونها إنكارا تاما، وهنا فإني أقترح على أساتذة علم النفس أن يقدموا لنا في القريب دراسات تتعلق بتحول بعض الناس من النقيض إلى النقيض، أي من المدح إلى الهجاء ومن الهجاء إلى المدح، وعلى أي حال يبدو أن الزعيم الذي غاب، لم يغب منه سوى الجسد، بدليل أنه ما زال – رغم غيابه الجسدي- يؤرق كثيرين حتى الآن!

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *