الرئيسية / كتب و دراسات / تحميل كتاب برنار هنري ليفي : يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي

تحميل كتاب برنار هنري ليفي : يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي

155898_615035748523372_847474820_n

برنار – هنري ليفي: “لقد شاركت في الثورة الليبية بدافع يهوديتي، لقد قمت بذلك رافعا راية وفائي لاسمي وللصهيونية ولإسرائيل…مددت يد العون لحركات التحرّر في بنغلاديش وجنوب السودان وأفغانستان والبوسنة وليبيا، وها أنا أمد يد العون مجددا للمعارضة السورية….” برنارد هنري ليفي.
، يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي”، يروي فيه بزهو شديد وفخار أشد، تفاصيل تجربته مع “مسعوديي ليبيا” و”فرسان الحرية”، كما يحلو له توصيفهم، و يقصّ علينا “ملحمته الأوديسية” دعما للـ”ثورة” الليبية ومساهمة منه في بناء “ليبيا الحرّة”، حتى طالعنا “لورنس بنغازي”، بتصريحات تفضح بما لا يدع مجالا للشك نفاقه
مخطوط ليفي ذو الـ 640 صفحة، تمتزج فيها يوميات الحرب بالتقرير الصحفي، فالسرد، فالنص الفلسفي، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلاّ وعرّج عليها، تهاوت دعائمه، وتعرّت أضاليله في أول مناسبة جمعت ليفي بأمثاله من عتاة الصهاينة وداعمي الكيان ومتملّقيه من ساسة فرنسا، ونخبتها. كان ذلك يوم 20 نوفمبر الجاري، تاريخ انعقاد المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا ، CRIF، مؤتمر حمل شعار: “يهود فرنسا، غدا”، (لاحظوا يهود فرنسا وليس اليهود الفرنسيين)، مؤتمر بحضور نخبة من المفكرين وصناع الرأي والقرار وعلماء الإجتماع، والبحاثة ممّن يناصرون الكيان أو سيجنّدون لاحقا لنصرته.
قبل أن نتطرّق إلى تصريح ليفي الفاضح، وجب الحديث، وإن باختصار، عن كتابه الضخم الذي صدر أخيرا عن دار نشر غراسييه، Grassiet، الفرنسية، تحت عنوان: “حرب الإكراه” أو “الحرب دون أن نحبها”. كتاب أشبه بالتقرير الميداني المتضمّن لكل الملاحظات والكاشف لجملة من الأسرار. العنوان يبدو، مستوحى من المقولة الواردة في شكل دعاء، لأندري مالرو، André Malraux، الكاتب والسياسي والناشط الفرنسي الغني عن التعريف، توشّي مدخل المخطوط، وتقول: “آه، فليكن النصر من نصيب من خاض الحرب مُكرها!”. من أول صفحات التقديم يُظهر هنري ليفي مدى إعجابه بنفسه وبالدور الرسالي الذي من أجله “تكبّد المصاعب من أجل نصرة المستضعفين”. كيف لا وهو “صاحب الفضل الأول في إقناع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال طائرات عسكرية لمنع طائرات ودبابات النظام السابق من ارتكاب مجزرة ضد المدنيين الأبرياء في المدينة “؟، ليكشف عن تفاصيل كثيرة في غاية الأهمية والخطورة، يتماهى فيها رجل الفكر برجل السياسة، رجل الأجهزة الاستخبارية برجل المؤسسة العسكرية، المراسل الحربي بعضو القوات الخاصة…
لا يزال ليفي، مرافق الانتفاضة الليبية ومُوثّق أرشيفها،يحدّثنا عن علاقته المتقلّبة مع الرئيس ساركوزي، حتى يفضح مدى التناغم بينهما، فقط في “المسألة الليبية”، كما يحلو له التوضيح كذا مرة، وكيف تواطآ معا وفي تكتّم وسرية، لتحييد وزارة الخارجية ممثلة في آلان جوبيه، Alain Juppé، لكي يتسنّى لهما تمرير قرار حرب الأطلسي على ليبيا. ثم ينتقل بعدها إلى الحديث عن “المعجزة” التي حققها له رئيسه، بعد مكالمة متقطّعة من هاتف ثريا، أجراها منتحيا زاوية نزل في بنغازي، يسأله استقبال “مسعودي ليبيا”، في إشارة للوفد الليبي من المجلس المشكّل لتوّه. بما يعنيه ذلك من اعتراف رسمي ضمني، يورّط ليس الإتحاد الأوروبي، فحسب، بل “المجتمع الدولي” بأسره.
وفي ذلك يقول، : “ما كنت أؤمن بالمعجزات وما يحدث هنا هو معجزة”.
لا يفوته أيضا الكشف عن الدور الفرنسي في التسليح وبكميات مهولة، دور يعزّزه رد الرئيس، الموثّق بالكتاب، على الجنرال المغتال عبد الفتاح يونس، يسأله عن السلاح: “لقد ساعدناكم مُسبّقا، لقد سلّمناكم الكثير من الأسلحة عبر قطر، وسنمدّكم بأسلحة أخرى، هل يعتقد أحد فيكم أن الأسلحة التي سلّمتها قطر هي قطرية؟”
كذلك فضح ليفي على لسان رئيسه، ما كان يُنفى وبصفاقة رسمية أيام إعداد المسرح وصناعة الرأي بتزييف الحقائق، وجود قوات خاصة، بدليل التصريح التالي: “لا يهم عدد الجنود والمستشارين العسكريين، هناك جنود فرنسيون يتحدثون اللغة العربية متواجدون الآن في ليبيا، وخلال الأيام المقبلة أو الأسابيع سنقوم بإرسال المزيد من الجنود”. عن تواطؤ حلف شمال الأطلسي وتعمّده إطالة أمد الحرب، يميط الكتاب اللثام عن قرار الحلف عدم تدمير مدرج خاص في باب العزيزية فضلا عن الطائرة الخاصة بالقذافي، معلّلا ذلك برواية سفير بريطانيا الذي أوضح أن الهدف من ذلك كان “فسح المجال أمام القذافي لمغادرة البلاد وفي الوقت نفسه تحذيره أنه إذا ما تم ضرب المدرج فوقتها سيكون قد فات الأوان على هروبه”
أدويسة لورنس بنغازي، سرعان ما انقشع سحرها، ليتكشّف الوجه الحقيقي لصانع “ربيع ليبيا”، كما تصفه الصحف وترسانة الإعلام المصهينة، في أول حضور له بدعوى من المؤتمر السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، حيث جاء على لسانه، ما سرّبته صحيفة لوفيغارو،Le Figaro ، الفرنسية، قوله: “لقد شاركت في الثورة الليبية بدافع يهوديتي، لقد قمت بذلك رافعا راية وفائي لإسمي وللصهيونية ولإسرائيل. شاركت في هذه المغامرة السياسية وساهمت في تحديد جبهات قتال، كما ساعدت في وضع إستراتيجيات وتكتيكات لوطني ولبلد آخر … لم أكن لأفعل ذلك لو لم أكن يهوديا. ما أقوله لكم الآن، كنت قلته بطرابلس وبنغازي أمام حشود عربية. قلته خلال مداخلة بتاريخ 13 أفريل الماضي بساحة بنغازي الكبرى، وبحضور 30000 شاب مقاتل، يمثّلون كافة قبائل ليبيا”.
ما الذي تعنيه مثل هذه التصريحات؟ ولماذا بعد وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية وتركها غابة من السلاح وفريسة للتشظي والصوملة وضمان ارتهان “كرزايات” حكومتها القادمة لإرادة “المُحررين”، ولماذا تحديدا أمام هكذا محفل وليس عبر عموده الصحفي أو خلال مداخلة تلفزيونية، وهو الذي لا تلفظه قناة تلفزية حتى تتلقّفه أخرى؟
برنارد هنري ليفي يعي جيدا ما يفعل، وما صدر عنه لا يدخل في باب زلات اللسان تمليها لحظات انتشاء. هذه التصريحات هي أعمدة “حكمة” لورنس بنغازي، يذيعها على مسمع من ليس به صمم، ويبعث من خلالها الرسائل المشفّرة لمن يعنيه الأمر.
هل سمع الآن حكام “ليبيا الجديدة”، مزامير ليفي الفصيحة، إذا سلّمنا أن مداخلة 13 أفريل ذات المدلول نفسه، كما يدّعي لورنس بنغازي، التبس عليهم جوهرها؟؟
لن نعود لتلك اللازمة المكرورة عن النظم العربية المجرمة والفاشية، ولكننا نجد أنفسنا مضطرّين للعودة للحديث عن التدخل الخارجي، خصوصا أن سوريا الآن في عين العاصفة وأن سابقة ليبيا يعاد استنساخها وإن تغيرت الأدوات. التدخل الخارجي وإن التحف برداء “عربي” أو لحاف “إسلامي” أو شرّعته أكذوبة الديمقراطية المنشطرة من رحم التوماهوك يدك العواصم ويستبيح السيادة، لا يخدم إلا مصالح من يتحمّل أعباء نفقاته. حلف شمال الأطلسي لم يكن يوما “جمعية خيرية” و لن يكون، إلاّ بأذهان المازوشيين العرب، للأسف. نعوم شومسكي، Noam Chosky، علّق أخيرا وخلال محاضرته بخصوص “الربيع العربي” قائلا: “ستبذل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها قصارى جهدهم لمنع ظهور ديمقراطية حقيقية بالعالم العربي وذلك لسبب بسيط أن الغالبية العظمى في المنطقة تعتبر أمريكا التهديد المباشر والرئيسي لمصالحها، بل إن درجة الاحتقان والمعارضة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، بلغت مستوى يجعل العديد يعتقدون أن المنطقة ستكون أكثر أمنا بحصول إيران على أسلحة نووية. وعليه فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يريدون حكومات تستجيب إلى إرادة شعوبها، فلو حدث ذلك لن تخسر أمريكا نفوذها وتحكّمها بالمنطقة، فحسب، بل ستُطرد منها. كذلك تصريحات توني بلير،Tony Balir ، “رئيس وزراء بريطانيا الأسبق والمنظر الأكبر للمحافظين الجدد، ليس في أمريكا فقط، بل والعالم الغربي بأسره، القاضية بأن يكون التغيير في الوطن العربي مُتحَكّماً به بما يخدم المصالح الغربية.”
كما نجح نظيره الأمريكي بول وولفويتز،Paul Wolfowitz، في الدفع بإدارة بوش نحو تحييد العراق من خارطة التوازنات ليحدث فجوة إستراتيجية تتدافع نحوها قوى إقليمية تتكالب على مصالحها، أمكن للورنس بنغازي هو الآخر الزج بليبيا في عتمة المجهول، رافعا رايته الصهيونية، وما نأمله هو ألا يكون مصير سوريا التي تتزحزح نحو شفير الهاوية، هي الأخرى، بإشراف جيفري فيلتمان، أمام تواصل آلة القتل النظامية وعسكرة الانتفاضة وتآمر كل من تركيا والأردن وباقي محميات الخليج، استعجالا لنار لو سرت لن تتوقف، مطلقا، عند هشيم سوريا.
إذا كان أُريد لنا أن نقنع ألاّ أحد في ليبيا، بمثقّفيها وساستها ونخبتها، يعرف من هو برنارد هنري ليفي، ولا من يمثّل و لا ما هي الغايات التي حضر من أجلها بنغازي، فها هو يقطع للجاهلين به وللمتجاهلين لحقيقته، الشك باليقين، بتصريحاته التي ذكرناها شحذا لذاكرة مثقوبة، أو تحذيرا لهؤلاء الذين يُفتوننا، قياسا بأن “المؤمن يحتمي بكلب”، وعليه فلا بأس بالاحتماء بالصهاينة، إن اقتضت الضرورة. لورنس بنغازي حاول ولا يزال تمديد حدود خرائط الدم، بضمه سوريا ليومياته، داعيا “لنجدتها” هي الأخرى ما دام هناك “سابقة القذافي”، فلا حرج من استنساخها، وبشار، كما أعلن ليفي في آخر مقاله بصحيفة لو بوان، Le Point: “نهاية اللعبة، Fin de Partie “، صاحب الدور الموالي على رأس القائمة. لورنس بنغازي، ينفطر قلبه “الإنساني” جدا لما يجري بدمشق، وهو “يستقبل كل يوم استغاثة الديمقراطيين والضباط والمنشقين واللاجئين السوريين، يستصرخونه نجدتهم”. لا يتورّع عن هذا القول، رغم الرسالة الصارمة التي وجّهها بعض رموز المعارضة السورية يسألونه “رفع يده الصهيونية” عن الحراك الجماهيري في سوريا.
برهان “الغليون”، كان واحدا منهم قبل أن تعدّل جيناته “الثورية” ليتقمّص الدور الذي يُراد له أن يلعبه. لورنس بنغازي هو الذي أجاب عن سؤال صحافي يستفسر عن مساهماته المستقبلية في “بناء” ليبيا “المحرّرة”، ليردّ: “نعم ذلك من المؤكّد…منذ أيام عرض علي صديقي هيغ دوافرين، Hugues Dewavrin، فكرة إنشاء مركز شبيه بمركز أندري مالرو، André-Malraux، بطرابلس أو بنغازي. مركز سيتبنّى قيم الفرنكفونية ويدافع أيضا عن الديمقراطية. إذا التقيت الرئيس مجددا في الأسابيع المقبلة سأناقش المسألة معه بكل تأكيد.. ليفي ذاته من يردّ على سؤال مضيفه، مذيع قناة البي بي سي الناطقة بالعربية، يستوضحه كيف له أن يكون “صاحب الحلم الصهيوني العظيم”، كما يحلو له تلقيب نفسه، وفي الآن نفسه نصيرا لحركات التحرر وللإنتفاضات العربية، بقوله: “لا، لا، القضية في غزة مختلفة، هناك مسألة حرب ومواجهة، ليبيا ليست سوريا، وسوريا ليست مصر، لذا آمل أن يخرج مجلس الأمن بقرار يوقف بشار عما يقوم به. شعب غزة ليس ضحية حصار إسرائيل بل هو ضحية حماس التي لا تشكل حكما ديمقراطيا وتسلب مواطني غزة حقوقهم.”
تتجلّى أعمدة “حكمة” لورنس بنغازي وتتكشّف أكثر حين يعلن بكل وضوح ودون مواربة: “آمل أن أرى أطفال سوريا ومصر وإسرائيل يتعايشون داخل العائلة البشرية الكبرى”، أما كيف؟ فتأبى إنسانية وقيم ليفي التي لا تختلف عن “الأكورديون تتسع وتضيق حسب النغم والصوت والقضية، ولا مشكلة في أن يتوقف تماما عن العزف كلما تعلّق الأمر بفلسطين”.
سنظلّ نستصرخ ونكرّر، حتى يشط المذاق، مردّدين مع الدكتور والناشط الحقوقي هيثم مناع: ” الغاية لا تبرّر الواسطة، والثورة التي قدمت أكثر من ألف وخمسمائة شهيد وعشرة آلاف جريح وأكثر من تسعة آلاف معتقل ليست بحاجة لسوق النخاسة الصهيونية في الغرب، لأنها موضوعيا في صراع وجودي مع الصهيونية، التي ترفض سورية ديمقراطية قوية. وتبحث عن تمزيق أوصال البلد لتبقى الدولة العبرية مركز القوة العسكري والعلمي والاقتصادي في المنطقة”.
لسنا بحاجة لا لسوق النخاسة الصهيونية و لا لأي تدخل أجنبي وان التحف برداء الإسلام أو بلحاف الديمقراطية. أعمدة “حكمة” لورنس بنغازي، ليست مطلقا “ضالة المؤمن، التي أين وجدها أخذها”، ولن تكون!!!
الكاتب: نبيل نايلي*
*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.

عن admin

شاهد أيضاً

كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق (حقيقة الدعم و أزمة الاقتصاد المصري)

  الدكتور عبدالخالق فاروق من أهم الباحثين الاقتصاديين في مصر وقدم العديد من الأبحاث والكتب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *