الرئيسية / ثورة 23 يوليو / «الزعيم الخالد» بين رغيف الخبز ومجانية التعليم ومخطط «أوميجا»

«الزعيم الخالد» بين رغيف الخبز ومجانية التعليم ومخطط «أوميجا»

 

67501226_2376812242409933_6119659962449788928_n

الأربعاء، 15 يناير 2014 –

بقلم : محمد الخولي

«الشقيقان».. كتاب أمريكى صدر منذ شهرين يكشف أسرار توجيهات أيزنهاور ضد عبدالناصر

اتخذ الوزراء مقاعدهم.. رتبوا ملفاتهم وطالعوا «الرول» كما كانوا يسمونه باعتباره جدول أعمال الجلسة التى تقرر أن يعقدها مجلس الوزراء.. مضت الدقائق الحاسمة التى تسبق عادة دخول «الزعيم» ليرأس الاجتماع.. انفتح باب القاعة الواسعة، ودخل.. كان يحمل فى يده حقيبة متوسطة الحجم.. حرص على أن يفتحها باعتبارها أول بنود الاجتماع المشهود.
بعدها.. ظل يخرج من الحقيبة عددًا من «أرغفة الخبز» التى حرص على أن يرصّها على الطاولة التى يجلس إليها مرددًا فى غضب مكتوم:
< هذه عينات الخبز البلدى، أحضرناها من مواقع شتى فى عاصمة البلاد، من روض الفرج.. سيدنا الحسين.. الدرب الأحمر.. مصر الجديدة.. الوايلى.. شبرا.. مصر القديمة.. إلخ.
وظل يمسك برغيف تلو الآخر ملّوحًا أمام وزير التموين، ومعربًا عن استيائه إزاء ما وصلت إليه حالة «الرغيف»، سواء من ناحية الحجم أو الوزن أو اللون، مرددًا تساؤله على مسمع من الوزراء:
< مين يقدر يأكل مثل هذا الخبز؟.. هل هذا معقول؟!
ثم طالب الرئيس بعلاج سريع للموقف على أن تقوم أجهزة التموين بدراسة الحال فى المخابز ذاتها، مع موافاته بالنتائج التى تشهد بما تم من إصلاح رغيف العيش.
هكذا يحكى الأستاذ أمين هويدى، إذ كان وزيرًا معاونًا للزعيم لشؤون مجلس الوزراء خلال الفترة 1967 – 1970 فى كتابه «مع عبدالناصر».

 

mn57511c565ae3c1461270480
< أيامها كانت «حرب الاستنزاف» قائمة على قدم وساق.. وفيما كان «الرجل» يبدأ يومه بأحوال الخبز، وأسعار الزى المدرسى، كان يتحول إلى قضايا السياسة فى مصر وفى أمة العرب.. وقد يشهد يومه زيارة إلى الخطوط الأمامية فى جبهة القناة.. فاليوم لا ينتهى إلا بعد الاطمئنان على «تمام» التسليح وأحوال الجنود وجاهزية القادة ومعنويات الضباط.
يومها كان عمره يحوم حول الخمسين.. ازداد الفودان اشتعالاً بالمشيب، واكتست الملامح الصعيدية بغلالة من شجن مازال مفعمًا بالكبرياء.. لكن ظلت العينان تومضان بأشعة من ذكاء وفهم وتصميم..

علنتنل99
ولا جدال أن هذا التصميم على تجاوز محنة انكسار حزيران – وهو ما ترجمه «الزعيم» فى شعار «ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة» مع ما ارتبط به من يقين بالنصر على قوى العدوان – لم يكن مجرد تهويم بالفكر، ولا ترديد للعبارات، إنما جاء على أساس ما تم إنجازه من إعادة بناء القوات المسلحة، وكانت مهمة من أشق ما يكون، وقد نهض بها كوكبة من أعظم وأخلص رجالات مصر، يتقدم صفوفهم النبيلة «محمد فوزى»، و«عبدالمنعم رياض».. فيما كان الأساس هو ذلك الكنز التاريخى من «الشباب» الذى تلقى بركات التعليم المجانى الذى ظل «الزعيم» حريصًا على تعميمه ليشمل الملايين من أبناء الفقراء من الفلاحين، والحرفيين، والعمال، والصنّاع، والكَسَبة، ومن فى حكمهم من بسطاء الوطن العظيم وكادحيه.
< مازالت المراجع الأجنبية- الأمريكية بالذات – تقف مليًا عند هذه النقطة التى جمعت فيها مصر الستينيات «وما أدراك طبعا!» بين مجانية التعليم وجودة التعليم، على نحو ما أكده الدكتور أحمد زويل فى مقال منشور فى جريدة «واشنطن بوست».
فى هذا السياق بالذات يقول واحد من أحدث الكتب الصادرة فى أمريكا بعنوان «صورة النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط الجديد»، من تأليف «دﻳﭭيد رود»:
< بعد الاستقلال، قرر الرئيس جمال عبدالناصر أن يجعل التعليم محورًا لمشروعه الشهير فى تحديث الكيان العربى «القومى».. ومن هنا عمد «ناصر»، وبالتدريج، إلى جعل التعليم مجانيًا لجميع المصريين، من المدرسة الابتدائية حتى الجامعة.. وكان أن انطلق المدرسون الذين تم تدريبهم وإعدادهم فى مصر إلى العمل عبر أرجاء المنطقة بأسرها، حاملين فى معيتهم مناهج التعليم المصرية التى كان لها تأثيرها فى كل أنحاء الشرق الأوسط.. «ص144-145».
وبمناسبة الكتب السياسية الأمريكية، فلا سبيل إلى تجاهل واحد من أهم هذه الدراسات، وهو الكتاب الصادر منذ حوالى شهرين فقط بعنوان «الشقيقان.. وحربهما العالمية السرية». والشقيقان كما يحددهما «ستيفن كنزد» مؤلف الكتاب المذكور هما وزير خارجية أمريكا الأسبق «جون فوستر دالاس»، وشقيقه «ألِن دالاس» مدير المخابرات المركزية الأسبق.. وقد خاض الاثنان سلسلة من أشرس المعارك السياسية، السرية والعلنية ضد جمال عبدالناصر الذى يتكرر ذكره، وبتفصيل لافت حقاً، 11 مرة على صفحات الكتاب.
وفى هذا السياق أيضًا يكشف الكتاب النقاب عن أن إدارة الرئيس «أيزنهاور»، وقد رأت فى مشروع «ناصر» العروبى الاجتماعى التقدمى خطرًا يهدد نفوذها ومصالحها وحلفاءها فى المنطقة «إسرائيل بالذات»، قررت أن تُصلح ما أفسده غرور أنتونى إيدن، رئيس وزراء بريطانيا، وسوء تقديره لمكانة «ناصر» المصرية والعربية، مما أدى طبعًا إلى فشل العدوان الثلاثى فى عام 1956 وإلى استرداد – تحرير «ناصر» قناة السويس التى أجاد المصريون إدارتها بكل كفاءة أبهرت عالم ذلك الزمان، وهنا يقول الكتاب الأمريكى أيضًا «ص224»:
<.. نظر الرئيس «أيزنهاور» ومعه الشقيقان «دالاس» إلى الغزو الثلاثى على أنه كان محاولة غير مجدية لإعادة فرض النفوذ الأوروبى فى الشرق الأوسط، هذا فضلًا على أنهم- الأمريكان- كانوا يعملون على تنفيذ مخطط من صنعهم فى هذا المضمار، وما أن خرج «عبدالناصر» من أزمة السويس بطلاً، تبخرت حينها كل محاولات تعبئة المصريين ضده.. ولكن برغم هذه «النكسة» فقد ظل الأمريكيون حريصين كل الحرص على أن يضربوا ضربتهم.. وهكذا أبلغ الرئيس «أيزنهاور» أعضاء مجلس الأمن القومى فى «البيت الأبيض» أنه يريد اتخاذ «تدابير أكثر جذرية وأشد تأثيرًا» ضد «عبدالناصر» بطبيعة الحال، وهو ما عرف فى الحوليات السياسية باسم «المخطط أوميجا».
ها أنت تطالع مثل هذه الأفكار، وتستعيد صورة الأحداث فى تلك الفترات التى شهدت حقبة الزعامة الناصرية بين تألق الإنجاز المبهر، وعبرة الانكسار الممرور.. فلا يسعك سوى أن تتمثل كبرياء هذا الشعب العظيم فى ربوع مصر، وفى أرجاء أمتها العربية، حين التقت صفوفه فى توافق مصرى وعروبى حول «الزعيم».. وحين خطط الشعب ونفذ مع «الزعيم» مشروعًا وطنيًا وقوميًا فى مجالات التنمية الاقتصادية، والتحول الاجتماعى، والعدالة الاجتماعية، والنهضة الثقافية، وملاحم التكامل العروبى.. ساعتها تؤمن بحق ويقين أن هذه الجماهير الأصيلة العظيمة- لاشك- قادرة فى مرحلة النضال الراهنة، وعلى هدى من خارطة طريق واعدة بالمستقبل، أن تواصل مسيرتها، وأن تدحر أعداءها من الداخل والخارج، عندما تتشابك أياديها مع أيدى زعامة تؤمن بمصر العربية، وتواصل الخطى على طريق واعد بالبشرى، تستوعب فيه دروس تجربة سبقت.. أصابت وأخطأت.. هى تجربة المشروع النهضوى الناصرى التى كانت بحق تجربة شعب آمن بزعامة جسورة بحكم التجربة.. وضعها الشعب على محك الاختبار، فكانت زعامة تاريخية بكل معنى وقد جسدتها عبقرية مواطن مصرى.. صعيدى.. عروبى.. جادت به مصر فى مثل هذه الأيام، 15 يناير، منذ 96 عامًا.. وبهذه المآثر من الاجتهاد الإنسانى استحق أن يودعه الشعر يوم الرحيل مخاطبًا جمال عبدالناصر على لسان محمود درويش:
ولست نبيـــــــــــًـا
ولكن ظلك أخضر
نعيش معـــــــــك
نسير معـــــــــــك
نجوع معــــــــــك
وحين تموت نحاول ألا نكون معك
ففوق ضريحك ينبت قمح جديد
وينزل ماء جديــــــــــــد
وأنت ترانا نسير.. نسير.. نسير

 

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. والبحث عن فتحى الديب «جاسوس عبدالناصر الذى أشعل الحدث»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 أغسطس 1959.. ثورة فى قناة بنما ضد السيطرة الأمريكية.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *