الرئيسية / تقارير وملفات / ذات يوم.. 15و 16 و 17 يوليو 1950..مصطفى الحفناوى في باريس يبدأ رحلة الوصول إلى الوثائق السرية لشركة قناة السويس

ذات يوم.. 15و 16 و 17 يوليو 1950..مصطفى الحفناوى في باريس يبدأ رحلة الوصول إلى الوثائق السرية لشركة قناة السويس

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم..15يوليو 1950.. النحاس باشا فى باريس ومصطفى الحفناوى يبدأ رحلة الوصول إلى الوثائق السرية لشركة قناة السويس

الأربعاء، 15 يوليه 2020 10:00 ص

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم..15يوليو 1950.. النحاس باشا فى باريس ومصطفى الحفناوى يبدأ رحلة الوصول إلى الوثائق السرية لشركة قناة السويس
 
 
 
وصل مصطفى النحاس باشا، رئيس الحكومة الوفدية، إلى باريس صباح 15 يوليو، مثل هذا اليوم 1950، وبعد استقباله من رجال السفارة المصرية بحوالى نصف الساعة، توجه الجميع إلى مسجد باريس «لتوديع جثمان» إسماعيل صدقى باشا فى المستشفى الأمريكى، وكان مصطفى الحفناوى ضمن رجال السفارة، حسبما يكشف فى مذكراته «مصطفى الحفناوى وخلفيات تأميم قناة السويس».
 
كان «الحفناوى» فى باريس للانتهاء من إعداد رسالة الدكتوراة حول «مشكلات قناة السويس المعاصرة» لتقديمها إلى «جامعة باريس»، وكان فى نفس الوقت يعمل مستشارا صحفيا بالسفارة المصرية، بعد أن طلب من وزير الخارجية بحكومة الوفد الدكتور محمد صلاح الدين، توفير صيغة شرعية تمكنه من الدخول إلى مبنى شركة قناة السويس فى باريس للاطلاع على الوثائق الخاصة بالقناة.
 
يكشف «الحفناوى» أن صلاح الدين احتفظ بسره، واستجاب لمطلبه وعينه مستشارا صحفيا فى السفارة، وترك مهنة المحاماة فى مصر رغم أرباحها الطائلة، واستطاع بالفعل دخول مقر شركة القناة، والوصول إلى الوثائق السرية، وكانت مناسبة زيارة «النحاس» إلى باريس إحدى المناسبات التى قادته إلى كشف أسرار خطيرة.
 
 
يتذكر «الحفناوى» أنه فى يوم زيارة النحاس، غصت فنادق باريس بكبار من مصر وأثريائها، وأنه علم من وزارة الخارجية الفرنسية، أن وزير التجارة المصرى محمود سليمان غنام، ومعه وكيل وزارته، سيصل إلى باريس، وقررت «الخارجية الفرنسية» استقباله رسميا، وأوفدت مندوبا عنها فى المطار، ويؤكد «الحفناوى» أنها لم تجر عادتها على مثل هذا التصرف فى معاملة الوزراء المصريين، لكن رحلة غنام كانت من أجل التباحث فى عطاء لإنشاء دار صك النقود المصرية، وكانت حكومة فرنسا تواقة للظفر بهذه العملية.
 
يكشف «الحفناوى» أنه كانت تربطه مع غنام علاقة صداقة وزمالة فى المحاماة، ويوضح: «كان بحكم منصبه المشرف على علاقة شركة قناة السويس بحكومة مصر، فقدرت أن الشركة لالابد أن تستضيفه، وهذه هى المناسبة التى ما ينبغى بحال أن تفوتنى، ولازمته ولازمنى طوال مقامه فى باريس ثلاثة أيام».. يتذكر:«فوجئت بدعوة من شركة قناة السويس بتوقيع رئيسها «شارل رو» لتناول الشاى مع الوزير المصرى بمبنى الشركة، وتصدر غنام المائدة بجوار شارل، ومعه كبار رجالها».. يصف الحفناوى أجواء الجلسة قائلا: «جرى الحديث فى جو فاتر، لأن غنام لا يتكلم حرفا من الفرنسية ولا يفهمها، واضطر شارل الحديث بالإنجليزية، وللفرنسيين فى نطق هذه اللغة لهجة خاصة بهم، وحدث أثناء الحديث لبس أضفى على الحفل صمتا عميقا وبرودا شديدا، ذلك أن الموضوع الذى اختاره «شارل رو» كان الحرب فى الهند الصينية، وكان أهم حديث للمجالس فى فرنسا، وظن غنام سهوا منه، أن كلمة «هند صينية» باللغة الإنجليزية ليست اسم بلاد، وإنما تعنى ميثاقا سياسيا بين الهند والصين، ووجه سؤالا بهذا المعنى إلى المتحدث رئيس شركة قناة السويس قائلا: «هل يوجد ميثاق بين الهند والصين؟.. تساءل المتحدث عن سبب هذا السؤال الغريب، فقال غنام: أنت تقول الهند الصينية، فهل هذا تحالف أم ميثاق بين الهند والصين».
 
يتذكر الحفناوى: «زلة اللسان أو التسرع فى السؤال أحدث وجوما وفتورا».. يؤكد: «انتهزت الفرصة وتدخلت لإنقاذ الموقف، فتحدثت بالفرنسية الفصحى فى موضوع آخر، موضوع قناة السويس، ليس من الزاوية السياسية بل من حيث المشروعات والعتاد والمهمات، فسألت عن القناة الفرعية التى نصت عليها اتفاقية الشراكة مع الحكومة سنة 1949، التى سميت «قناة فاروق» رياء ونفاقا من المستعمر، وتحدثت عن مشروعات التحسين والتعميق منذ سنة 1905، وعن قوة وعدد الكراكات المملوكة للشركة، والأعمال التى تسند إلى مقاولى الباطن، وعن الجرار المسمى «إدجار بونيه» مثلا، وقوة آلاته».
 
يعلق «الحفناوى» أنه أراد بهذا الحديث إلقاء الطعم للحصول على الصيد.. يؤكد: «كانت الخطة ناجحة مائة فى المائة.. فرغنا من مائدة الشاى، وهم وزير التجارة المصرى ووكيله بالانصراف فاستلمهما رئيس مجلس إدارة الشركة، واستأذن فى أن يجتمع بى على انفراد فى مكتبه دقائق، وما إن دخلت على حجرة مكتبه إلا وسلط على شخصى نظرات حادة وغاضبة.. لم يأذن لى بالجلوس وسألنى، لماذا أنا مهتم اهتماما خاصا بقناة السويس؟ وأردف الثعلب العجوز بقوله: حديثك أثناء تناول الشاى يبين أنك يا هذا تعرف عن قناة السويس معلومات لم يحاول كائن من كان من مواطنيك بمن فيهم الحكام والوزراء، أن يعرفوها أو يقرأ أيهم شيئا عنها، فماذا تخفى يا سيادة المستشار الصحفى؟

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 16 يوليو 1950.. مصطفى الحفناوى ينجح فى كسب ود رئيس شركة قناة السويس فى باريس ويواصل البحث عن الوثائق السرية فى أرشيفها

الخميس، 16 يوليه 2020 10:00 ص

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 16 يوليو 1950.. مصطفى الحفناوى ينجح فى كسب ود رئيس شركة قناة السويس فى باريس ويواصل البحث عن الوثائق السرية فى أرشيفها مصطفى الحفناوى
 
 
 
فوجئ رئيس شركة قناة السويس باهتمام المحامى مصطفى الحفناوى بقناة السويس وأخبارها والمعلومات الجديدة بشأنها، وذلك فى اللقاء الذى تم فى مقر الشركة بباريس، حيث كان الحفناوى بصحبة وزير التجارة المصرى محمود سليمان غنام تلبية لدعوة من رئيس الشركة الفرنسى «شارل رو»، ويكشف «الحفناوي» أسرار هذا اللقاء الفريد فى مذكراته عن «دار ميريت، القاهرة 2019».. «راجع، ذات يوم، 15 يوليو 2020».
 
يؤكد «الحفناوى» أنه بعد انتهاء زيارة الضيوف، طلب رئيس الشركة منه الانتظار واجتمع به منفردا، وسأله عما يخفيه، فأجابه الحفناوي: «أنا صحفى وكاتب وأحاول أن أستعين بعمل إضافى فوق راتبى بأن أضع كتابا باللغة العربية فى موضوع غير مطروق فى مصر، فاخترت موضوع قناة السويس»، أجابه شارل: «نحن هنا فى الشركة قررنا وضع كتاب باللغة العربية عن قناة السويس لنقول لمواطنيك إننا لسنا مستعمرين كما يتهموننا، ما رأيك لو اشتركت معنا فى وضع هذا الكتاب باللغة العربية».. وافق الحفناوى، فهز شارل يده محييا ومودعا.
كانت خطة «الحفناوى» السرية هى الوصول بأى طريقة إلى الأرشيف السرى لقناة السويس، الذى تحتفظ به إدارة الشركة فى مبناها ليستعين به فى إنجاز رسالته للدكتوراه حول القناة التى سيقدمها إلى جامعة باريس، كما أوضحنا فى حلقة أمس.
 
بعد عدة أيام اتصل رئيس الشركة بالحفناوى ودعاه إلى مكتبه.. يتذكر أن رئيس الشركة سأله عما يمكن أن يقدمه من مساعدات فى كتابه بالعربية عن القناة، رد الحفناوي: «أريد أن أعرف ما تريدوننى أن أدافع عنه من وجهات نظر فى الكتاب، ويجب أن يكون كلاما مؤيدا بمستندات لا تقبل الشك، ولم يسبق نشرها، رد شارل: «لدينا أغنى أرشيف فى العالم عن قناة السويس، سنضعه تحت تصرفك لتختار منه ما تريد، ونحن نريد أن تقول لمواطنيك إننا معمرون، أوجدنا مدنا وحياة فى الصحراء، ولسنا مستعمرين، وشركتنا هذه سفارة أخرى لمصر فى باريس».. تظاهر الحفناوى بالموافقة وقال: «سأطلب منكم طبع الكتاب على نفقاتكم لأنى رجل فقير»..رد شارل: «سنطبع الكتاب طبعة فاخرة بشرط أن يترجم قبل الطبع بمعرفتنا إلى اللغة الفرنسية لنطمئن إلى أنه يوافق وجهة نظرنا».
 
 
يكشف الحفناوى: «استدعى شارل رئيس المحفوظات بالشركة، وقدمنى له فخصصوا لى غرفة صغيرة للاطلاع فى الطابق الأول على مقربة من غرفة رئيس مجلس الإدارة، وتوثقت العلاقة بينى وبين موظفى المحفوظات».. يؤكد، أنه حصل فى سهولة ويسر على ملفات ووثائق بالغة أقصى درجات الخطورة.. يقول: «عرفت حقيقة تكوين الشركة وأنها ستار فى باريس يخفى السلطة الحقيقية التى تدير قناة السويس، هذه السلطة هى حكومة إنجلترا، فوزارة الحرب البريطانية تهيمن على قسم الأشغال بالشركة، وهى التى تشرف على المشروعات الجديدة وتراقبها، والبحرية البريطانية هى التى تهيمن هيمنة تامة على قسم الملاحة بقناة السويس، ولها فيه عيون بعضهم بدرجة أميرال، ووظائفهم الظاهرة وظائف إدارية بقسم الملاحة، أما الإدارة العامة للقناة فكانت تخضع للإشراف الأعلى للجنة متواضعة فى لندن سمتها حكومة إنجلترا اللجنة الاستشارية لقناة السويس».
 
توصل الحفناوى إلى أسرار كثيرة حول تحكم إنجلترا فى حركة الملاحة بالقناة لكى تكون لصالحها وحلفائها فقط، ففى الحربين العالميتين الأولى والثانية، حرمت ألمانيا وحلفائها من عبور القناة، مما رجح كفة الحلفاء، كما أن الوثائق أثبتت أن بريطانيا بنت اقتصادها فى أوقات السلم على أساس مزايا مستترة تحصل عليها بسيطرتها على القناة، وكانت هذه المزايا سرية، تتمثل فى غش قياس السفن التى تحمل بضائع لحساب إنجلترا من الجنوب إلى الشمال بالنسبة للمواد الخام، ومن الشمال إلى الجنوب للسلع المصنوعة فى إنجلترا، وفى ترتيب السفن فى القوافل، وتسيير السفن البريطانية التى تحمل بضائع لحساب بريطانيا وغيرها.
 
توصل الحفناوى إلى خطر أكبر، حيث وجد أن عقد امتياز الشركة المطبوع الذى تتعامل من خلاله حكومة مصر مزيف وملفق منذ احتلال إنجلترا لمصر عام 1882، وأن العقد الأصلى الذى صدق السلطان العثمانى عليه ونص على أن الشركة «مساهمة مصرية» تخضع للقوانين المصرية ولاختصاص القضاء المصرى.. يكشف: «هذا العقد تم سرقته من مصر، ووقعت نسخته المسروقة فى يدى، ووجدتها فى ملف بال من ملفات الشركة، فانتزعتها وسلمتها لوزارة الخارجية فى القاهرة».
 
وكانت خطة عدم تدويل القناة بعد انتهاء الامتياز عام 1968 هى أخطر ما كشفه الحفناوى، فماذا كان فيها؟

سعيد الشحات يكتب .. ذات يوم..17يوليو 1950..مصطفى الحفناوى يملأ صناديق بالوثائق السرية لقناة السويس.. ورئيس الشركة فى باريس يقدم له الإغراءات

الجمعة، 17 يوليه 2020 10:00 ص

 سعيد الشحات يكتب .. ذات يوم..17يوليو 1950..مصطفى الحفناوى يملأ صناديق بالوثائق السرية لقناة السويس.. ورئيس الشركة فى باريس يقدم له الإغراءات مصطفى الحفناوى
 
 
 
كان الدكتور مصطفى الحفناوى فى سباق مع الزمن وهو يطالع الأرشيف السرى لقناة السويس فى مقر إدارة الشركة فى باريس، بعد أن سمح له رئيسها «شارل رو» على أساس أنه سيضع كتابا باللغة العربية عن القناة.. عثر الحفناوى على أسرار مذهلة عن الشركة والتخطيط لما ستكون عليه بعد انتهاء مدة امتيازها فى نوفمبر 1968، حسبما يكشف فى مذكراته «مصطفى الحفناوى وخلفيات تأميم القناة».. «راجع، ذات يوم، 15 و16 يوليو 2020».
 
يتذكر: «كنت أثناء الاطلاع فى سباق مع الزمن، أصل الليل بالنهار، فنسخت ما رأيت نسخه، وأخذت ما استطعت من الأصول، وصورت كل ما أمكن تصويره، ولم يشعر أحد من أصدقائى مستخدمى الشركة بما أقوم به، كنت قد وضعت من قبل نص رسالتى عن «مشكلات قناة السويس المعاصرة» وكان عليِ أن أجرى تعديلا فى بعض فصول الكتاب على ضوء ما تكشف لى من أوراق ومستندات استطعت أن أملأ صناديق بها، وأصل منها إلى نتائج حاسمة، وحددت موقفى من كل مشكلة تحديدا واضحا ومدعما بالأسانيد والأدلة القاطعة».
 
يصل «الحفناوى» إلى قمة الإثارة فى أحداث هذه القصة التى تفوح بالوطنية منه.. يقول: «دعانى شارل لارتكاب جريمة الخيانة ضد بلادى، وضد قضية قناة السويس، وذات صباح فى خريف1950، كنت جالسا بالحجرة الصغيرة التى استعملها أتصفح ملفا، فإذا برئيس الشركة «شارل رو» يدخل بغتة باشًّا ومحييًا، فأمسك بذراعى وقال: صديقى العزيز صديقى، وكرر التحية بضع مرات، وطلب منى مصاحبته إلى غرفته لنتحدث فى أمر هام، غاص العجوز الماكر الوثير فى مقعده الوثير، وأنا جالس أمام مكتبه فى مقعد آخر وثير، وخلع منظاره لتنظيفه ثم وضعه على عينيه، ونظراته قد سلطها خلسة من تحت عدسات المنظار، فأحسست أنه يمعن النظر فى قسمات وجهى، ويراقب انفعالاتى ونبضات قلبى، ثم تكلم فقال: «أقترح عليك مسألة تدافع عنها فى كتابك، ولو فعلت ستصل فى شجاعتك الأدبية حد الذروة، وستكسب احترام العالم المتمدين، سوف ينتشر كتابك ويذيع صيتك على نحو غير مسبوق، وستفتح لنفسك باب مستقبل عريض ضخم، وتصبح من كبار الرجال فى العالم».
 
 
وصل رئيس الشركة إلى هدفه قائلا للحفناوى: «المسألة التى اقترحها عليك سهلة ومبسطة، ولا تنقصك اللباقة، وحسن العرض لإبرازها فى كتابك، إنها ذات شقين، الأول، هو القاعدة العسكرية البريطانية فى منطقة قناة السويس، هذه القاعدة يجب أن تصفى وتختفى فى أقصر فترة ممكنة، فهى من رواسب سياسة استعمارية بائدة هى سياسة القرن التاسع عشر، ونحن الآن فى منتصف القرن العشرين، ونتمتع بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وبميثاق الأمم المتحدة، فلا يجوز لدولة أن تحتل غيرها بقوات مسلحة، وأنا أعلم أن جلاء القوات البريطانية عن هذه القاعدة هو أقصى أمانيكم، لكنكم لوحدكم لن تستطيعوا، ولن توافق أوربا الغربية على الجلاء قبل أن تطمئن إلى سد الفراغ بقوات أخرى ليس لها لون الاحتلال، فهل فكرتم فى هذا وتدبرتم؟، لاأعتقد ذلك، أدعوك لأن تكون البادئ وصاحب أول نداء يدوي، وصاحب الحل الذى يصفق له العالم ويرضاه».
 
طرح شارل حله قائلا: «توافقنى بطبيعة الحال على أنه يستحيل ترك القناة بغير حراسة، وقوة مزودة بأحدث الأسلحة لدفع أى عدوان عليها، وثق أن روسيا السوفيتية لن تتردد فى احتلال بلادكم، ومنطقة القناة بالذات، إذا جلت القوات البريطانية عن القناة ، والحل الأمثل هو حراسة القناة بقوات دولية تعينها الأمم المتحدة، وتتواجد فى منطقة القناة تحت راية الأمم المتحدة، هذا ينفى عنها لون الاحتلال الأجنبى الذى ترفضونه، ذلك أن القناة ممر مائى يستعمل فى خدمة التجارة الدولية، وواجب الأمم المتحدة أن تحرس هذا الشريان وتدرأ عنه أى اعتداء، هذه مهمة الجماعة الدولية، ولا ينبغى مطلقا أن تنفرد دولة بعينها بهذه المهمة».
 
توقف «شارل» لحظات قبل أن ينتقل إلى الشق الثانى من عرضه، ويصف الحفناوى هذه اللحظات قائلا: كانت نظرته الفاحصة لا تفارقني، كأنه يحاول أن يقرأ ما فى قلبى وعقلى، وكنت قوى الأعصاب مسيطرا على انفعالاتى تماما حتى لا يرتاب فى أمرى، لاحظت أن الكلمات كانت تنكسر بين شفتيه، كان يتلعثم مع أنه محدث بارع وأستاذ أكاديمي، ذلك لأنه كان يؤمن فى قرارة نفسه أنه غشاش ومخادع، ويدعونى للخيانة بلا تورع ولا حياء، واسترسل وأمعن حينما عرض الشق الثانى من مشروعه، فماذا قال فيه؟

سعيد الشحات يكتب .. ذات يوم..17يوليو 1950 ..«الحفناوى» يبعث إلى حكومة الوفد الخطة السرية لتدويل قناة السويس بعد انتهاء فترة الامتياز فى 16 نوفمبر 1968 ويرفض نصيحة يحيى حقى وعلى شوقى

السبت، 18 يوليه 2020 10:00 ص

سعيد الشحات يكتب .. ذات يوم..17يوليو 1950 ..«الحفناوى» يبعث إلى حكومة الوفد الخطة السرية لتدويل قناة السويس بعد انتهاء فترة الامتياز فى 16 نوفمبر 1968 ويرفض نصيحة يحيى حقى وعلى شوقى مصطفى الحفناوى
 
 
 
واصل رئيس شركة قناة السويس «شارل رو» استكمال فكرته لمصطفى الحفناوى حول مستقبل القناة، ليعرضها فى كتابه باللغة العربية عنها، كان الحفناوى فى حجرة الأرشيف بمقر الشركة بباريس، يبحث عن الوثائق، لينجز الكتاب الذى اتفق عليه مع شارل ليكون دعائيا لشركة القناة بسياساتها الاستعمارية، وتظاهر «الحفناوى» بالموافقة عليه، لتتاح له فرصة البحث عن وثائق يستخدمها فى رسالته للدكتوراه لجامعة باريس حول الموضوع، الذى يتمسك فيه بموقف وطنى صارم ضد الأطماع الاستعمارية فى القناة.. «راجع، ذات يوم 15 و16، و17 يوليو 2020».
 
يكشف «الحفناوى» القصة فى مذكراته» مصطفى الحفناوى وخلفيات تأميم قناة السويس»، ويصل إلى فكرة «شارل» التى طرحها عليه حول مستقبل القناة، وذكرنا شقها الأول فى حلقة أمس، أما الشق الثانى فكان الأخطر، لأنه يكشف مخطط عدم تسليم القناة لمصر بعد انتهاء فترة الامتياز، مما يجعل هجوم المغرضين ضد عبد الناصر لتأميمه القناة يوم 26 يوليو 1956 لغوا فارغا، وجهلا مقيما فى أدمغة أصحابه.
 
 يؤكد الحفناوى أن «شارل» قال له حرفيا: «بعد انتهاء امتياز الشركة فى 16 نوفمبر 1968، بل قبل انتهاء الامتياز، وباتفاق خاص مع شركتنا، ويعوضها «مصر» عن الأضرار، تقوم الأمم المتحدة بتعيين لجنة دولية تمثل الدول العظمى تحل محل الشركة فى إدارة قناة السويس واستغلالها، ويكون لمصر مقعد وعضو يمثلها فيها، وباعتبارك صاحب الاقتراح لن ترشح الحكومة المصرية سواك، وستكون أول مصرى يجلس فى هذا الكرسى الدولى، وسيضفى عليك مكانة عالمية ضخمة».
 
ينبه شارل، الحفناوى: «ستصادف متاعب فى أول الأمر من أهل بلدك، ولن يفهموك بسرعة، أُذكرك بأن المرحوم الدكتور أحمد ماهر قُتل وراح ضحية شجاعته فى الرأى، لكنه خلد فى التاريخ كمثال فى الشجاعة الأدبية، أنت الآخر يجب أن تكون شجاعا، وتدافع عن رأيك، ولوخالفك أهل وطنك».
 
 
سأل «شارل»، الحفناوى: «الآن أحب أن أعرف منك رأيك، وهل تستطيع أن تتبناه؟..أجاب الحفناوى: «سأعرضه بالطريقة التى آراها ملائمة، وأرجوك أن تترك لى فرصة التأمل والتفكير فيه».. يتذكر الحفناوى، أن شارل ركز فى ملاحظة انفعالاته ثم بدأ فى تقديم إغراءاته، فسأله عن راتبه الشهرى كمستشار صحفى فى السفارة المصرية، وهى الوظيفة التى وفرها له الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية فى حكومة الوفد، ولما سأله الحفناوى عن سبب سؤاله، أجاب: «أنت يا صديقى فيك كل الصفات التى تؤهلك لمناصب الشركة التى لها مسؤولياتها، وتتطلب تأهيلا رفيع المستوى، أنت قانونى، ومؤرخ، وكاتب، وعالم، ودبلوماسى وتجيد الفرنسية والانجليزية، وهذا أقصى ما نطلبه فى المرشحين لوظائف الشركة.. أليس لديك مانع من أن تترك خدمة السلك السياسى، وتشتغل معنا؟.. إننى أقدرك، وأعوانى يقولون إنك عاقل ومتزن ويثنون عليك أطيب الثناء، فما رأيك؟.
 
رواغ الحفناوى فى إجابته، حيث طلب الانتظار حتى يظهر كتابه، ويذكر أن «شارل» فهم أن الانتظار من شأنه زيادة راتبه المعروض كمكافأة لما قدمه فى الكتاب، ويكشف أنه بعد الانتهاء من اللقاء خرج مسرعا إلى مسكنه فى شارع «دى تاليران» بالأنفيلد، وحرر على الآلة الكاتبة مذكرتان بعنوان «مؤامرة لتدويل قناة السويس»، إلى رئيس الوزراء مصطفى النحاس، وإلى ووزير الخارجية.
يؤكد، أنه توجه إلى السفارة لترسل مذكرته فى أقرب حقيبة دبلوماسية، وكان السفير أحمد ثروت غائبا، فاستدعى أكبر رجلين فى السفارة وهما، على شوقى الوزير المفوض ونجل أمير الشعراء أحمد شوقى، والأديب يحى حقى، وقرأ الاثنان المذكرة فتجهما واتهماه بأنه قام بعمل ليس من اختصاصه، وإنما من اختصاص السفير، فطلب أن يعتبراه مواطنا عاديا توصل إلى هذه المعلومات، وهل يقوم بإبلاغ سفارة بلاده أم لا؟
 
يتذكر «الحفناوى» أنهما تراجعا، لكن يحى حقى قال له: «هذا الموضوع سيقيم القيامة، ويشعل نارا بين مصر وفرنسا، ومهمتنا تحسين هذه العلاقات لا إفسادها، وأنت ستفتح بمذكرتك باب الصداع للسفارة، رجاء أن تمزقها وتنسى أنك قابلت شارل رو».
 
يكشف «الحفناوى» أنه تظاهر بالموافقة، لكنه فى اليوم التالى التقى بصديقه الدكتور حامد زكى وزير الدولة، وسلمه المظروف وطلب منه تسلميه إلى وزير الخارجية يد بيد، غير أن «زكى» أرسل المظروف إلى مكتب وزير الخارجية، ففضه الموظف المسئول ولم يقرأه ولم يعرضه ووضع تأشيرة عليه بالحفظ، وظل الأمر مجمدا حتى تم تأميم القناة، وكلف عبدالناصر الحفناوى بصياغة قرار التأميم، بناء على الوثائق التى عثر عليها.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات هاتفية باحتلال العراق للكويت

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 أغسطس 1990..إيقاظ مبارك وفهد وحسين من النوم على اتصالات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *