الرئيسية / حوارات ناصرية / شجاعة ناصر وحكمة نكروما

شجاعة ناصر وحكمة نكروما

 201907200835543554
يمكن له أن يراجع سجلات قصر الحكم لديه أو أرشيف مقر الاتحاد الأفريقي في عاصمة بلاده ليعرف كيف استقبل جمال عبد الناصر برفقة احمد بن بيلا في طائرة واحدة إلى أديس أبابا لحضور القمة الأفريقية عام 1963.كان ناصر يعبر عن توجه متفرد في حركة الوحدة الأفريقية وهو الذي أطلق عليه على مزروعي اسم ( أفرابيا) ليجد قوة الروابط التاريخية والحضارية بين العرب وأفريقيا .

كانت سفارتنا في أديس أبابا تسمى السفارة العربية وبها التقى ناصر زعماء حركة التحرر الأفريقية الذي قدمهم له الوزير محمد فائق بحكم معرفته الشخصية بهم. وكان من بين قرارات القمة تشكيل لجنة لمساعدة حركات التحرر الوطني وكان على رأس أعضائها بالطبع مصر والجزائر . ألم تمتزج دماء الشهداء المصريين بدماء أشقائهم من الجزائر في الدفاع عن الأرض والعرض وطرد المستعمر. ولعل عودة جمجمة شهيد مصري من فرنسا إلى الجزائر يذكرنا بالرباط الوثيق الذي دافع عنه الرعيل الأول من جيل الرواد.

أثناء حكم الرئيس ثابو مبيكي الذي روج لمبادرة التنمية الجديدة في أفريقيا والمعروفة اختصارا باسم النيباد دعيت إلى ورشة عمل لمناقشة الموضوع وبحضور الرئيس نفسه. عندما ألقيت كلمتي سألني أحد الحضور وهو للأسف من دول حوض النيل عن هوية مصر وهل هي عربية أم أفريقية. طبعا كانت هذه القضية قد تم حسمها في جنوب أفريقيا نفسها مع حديث النهضة الأفريقية وعدم اعتبار السواد فقط عنوانا للهوية فجنوب أفريقيا الجديدة دولة متعددة الأعراق. وأذكر أن أحد الصحفيين الأفارقة سأل الرئيس ناصر إذا كانت مصر عربية أم أفريقية . كانت إجابته بالغة الذكاء وهي الإثنين معا. مصر التي يوجد علم المصريات ليحكي تاريخها وحضارتها ليست موضع تشكيك .

كان توجه ناصر متفردا في حركة الوحدة الأفريقية التي تنازعتها اتجاهات عدة .فهناك من على شاكلة جيمس بالدوين ولد في المهجر وعاش بعض حياته في أفريقيا كان يؤمن بحتمية عودة الجنس الأسود إلى أفريقيا وحتى عندما أقام في باريس كان يحب أن يوصف بالكاتب الزنجي. في المقابل كان على مزروعي المولود في أفريقيا وعاش في المهجر يقدم مفهوم الحتمية الثقافية التي لا تعتمد على اللون حيث أنها رابطة جغرافية وديموغرافية وسياسية وأيديولوجية.

جاء كوامي نكروما ليجمع بين الاتجاهين أي أهمية اللون والروابط الأخرى الثقافية الأيديولوجية. وهنا تأتي العلاقة المتميزة بينه وبين ناصر بل وإصراره من الزواج بامرأة مصرية. وهنا دلالة مهمة حول حقيقة مفهوم الوحدة الأفريقية.

أرسل نكروما صديقه الرائد صالح سعيد سناري ، الذي كان من أوائل أبناء غانا المسلمين الذين درسوا في مصر ، للعثور علي زوجة مصرية. كان الرائد سناري ، يخدم في القوات المسلحة الغانية، وبالصدفة متزوجًا من امرأة مسلمة مصرية تدعى سعاد الروبي ، في عام 1953.

قام كوامي نكروما بزيارة سناري في منزله الكائن في أحد ضواحي أكرا. قرع الباب عدة مرات حتى فتحت سعاد زوجة الرائد سناري الباب. مد نكروما يده لمصافحتها ولكنها ارتبكت قليلا ووضعت طرف الشال الذي كان يغطى رأسها على يدها وسلمت على نكروما. ومع ذلك لم تسمح له بدخول غرفة المعيشة دون وجود زوجها.

يبدو أن سلوك سعاد تجاه نكروما أعجبه وزاد من عزيمته في الزواج بمصرية . قال نكروما لصديقه “أخي ، إذا تزوجت امرأة مثل زوجتك ، فسوف أحصل على الأمن المناسب”.

وقد تم اختيار فتحية حليم رزق بنت حي الزيتون في القاهرة ، من بين خمس سيدات على الرغم من رفض والدتها لأنها لا تريد أن تخسر ابنتها في بلاد بعيدة.

أشار الرائد سناري إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر أقنع والدة فتحية ودفع المهر نيابة عن نكروما .وبالفعل سافرت فتحية إلى غانا برفقة الرائد سيناري وزوجته سعاد.

تجلت حكمة نكروما في هذا الزواج الذي شجعه ناصر في تحقيق الوحدة الأفريقية عبر الزواج من خلال ربط منطقة الشمال الأفريقي ببقية القارة .كان هناك غضب وعدم ارتياح بين صفوف شعبة النساء في حزب نكروما وحتى أمه اليزابيث انزعجت من فكرة زواجه بامرأة بيضاء ولكن نكروما أوضح لهم أنها أفريقية هوية وانتماء وان كانت فاتحة اللون. ومع اندماج فتحية وتعرفها بلباقة على ثقافة مجتمع غانا فقد حازت على إعجاب نسوة السوق الذين كتبوا على مبيعاتهم: “فتحية تستحق نكروما”.

وربما كان نكروما يفكر كذلك في تجاوز القبلية حيث أنه إذا تزوج من امرأة من قبيلة معينة قد يثير ذلك غيرة وحساسية القبائل الأخرى.

وهكذا أسهمت شجاعة ناصر وحكمة نكروما في تحقيق مفهوم الأفرابيا ليصبح واقعا معاشا، بل وتصبح امرأة مصرية السيدة الأولى لدولة غانا بعد الاستقلال. تلك صفحة واحدة فقط لمن لا يتذكرون من تاريخ مصر الأفريقي الحديث.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *