الرئيسية / حوارات ناصرية / ثورة يوليو وارساء مبدأ العدالة الثقافية

ثورة يوليو وارساء مبدأ العدالة الثقافية

 
 

اعداد – أميمة سيد أحمد

ستظل ثورة 23 يوليو 1952 واحدة من أهم الثورات فى التاريخ الحديث بما خلفته من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية غيرت وجه الحياة فى مصر ، وفى الوطن العربي كله ، وعلى امتداد العالم الثالث.. خاضت مصر في تلك الفترة معارك ضد الاحتلال ، والإقطاع والرأسمالية والنظام الملكي ، وهنا كان للمثقفين دور في الوقوف بجانب الثورة .

حركت ثورة يوليو مياه الثقافة الراكدة ورسمت ملامح الحياة علي وجه الوطن العربي لتبشر بانتهاء حكم المستعمر ، وإعلان الحريات في مختلف أوجه الحياة والتي كان من أبرزها فنون الإبداع في الرواية والشعر والأدب والقصة القصيرة والعديد من المقالات التي امتلأت بها معظم الصحف .

تم إرساء دعائم البنية التحتية للمؤسسات الثقافية التي تعمل على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا ، ووصلت الثقافة بمفهومها الواسع الى قلب الشارع المصرى والعربي ، واسترجعت مصر بهاءها ورونقها الثقافى لتصبح بحق منارة لأمتها العربية .

بيان الثورة

فى صباح يوم ٢٣ يوليه تمت إذاعة بيان الثورة التالي من دار الإذاعة المصرية :

اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم ، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش ، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين ، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد ، وتآمر الخونة على الجيش ، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها ، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا ، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم ، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج  ، والترحيب (1) .

إنشاء أول وزارة للثقافة بعد الثورة :

بدأت القصة عام 1958 عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إنشاء وزارة تعنى بشئون الثقافة ، كان على رأسها الراحل ثروت عكاشة ، أول وزير للثقافة والإرشاد القومي ويعد أشهر من تولوا حقيبة الثقافة في تاريخ مصر.

تولى هذه المسئولية لفترتين تعتبران من أهم فترات النهضة الثقافية ، الأولى من عام 1958 إلى عام 1962 ، والثانية من عام 1966 حتى عام 1970 ، وفي هاتين الفترتين استطاع ثروت عكاشة أن يحدث تغييرا جذريا في المشهد الثقافي في مصر ، أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية سواء على المستوى الفكري أو على مستوى البناء ، حيث يراه الكثيرون ، الشخصية الثقافية الأولى في مصر ، كان اسمه يتردد صداه على امتداد الوطن العربي ، وفي عواصم الثقافة في أوروبا ، وفي أروقة اليونسكو (2) .

شهدت هذه الفترة إرساء البنية التحتية للثقافة وإنشاء كثير  من الهيئات التي عملت على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا مثل المجلس الأعلى للثقافة ، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك ، والهيئة العامة للكتاب ، ودار الكتب والوثائق القومية ، والتي كانت تحوي في ذاك الوقت نحو نصف مليون مجلد من الكتب والمخطوطات القيمة ، للمحافظة على التراث المصري بداخله ، وتأسيس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني وفرق الموسيقي العربية ، والسيرك القومي ومسرح العرائس ، والاهتمام بدور النشر ، حيث تم تأسيس المكتبة الثقافية ، والتي كانت النبتة الأساسية لمشروع مكتبة الأسرة ، حيث تقدم الكتب بأثمان زهيدة لتصبح في متناول الجميع .

الثورة تلهم كتابها ومفكريها من جيل الرواد

كتب المؤرخ عبدالرحمن الرافعي عن ثورة يوليو قائلاً : كما أثرت ثورة يوليو في شكل الحياة السياسية ، انعكس تأثيرها أيضا ، علي مجالات الحركة الأدبية والنقدية والفكرية بشكل مباشر ، فهناك علاقة وطيدة بين الفن والسياسة ، الأول لا يمكن أن يحقق وظيفته الاجتماعية ، إلا إذا كان سياسياً ، فالفنان والناقد والأديب لابد أن تكون لديه عقيدة سياسية مواكبة لتطورات الحركة الاجتماعية ، ومن هنا اعترف الجميع أن ثورة يوليو أحست بنبض الجماهير وبالتالي انطلقت معها ثورة الإبداع والمبدعين .

وقد شهدت حقبة الخمسينات والستينات رواجا على مستوى الوجوه الأدبية التي أثرت المكتبة العربية بإبداعات لا تزال خالدة حتى اليوم ، كما عدد كبير من نجوم الأدب الذين اصبحوا مؤسسين لأدب وطني بلغ العالمية ، من أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وخيري شلبي وإبراهيم أصلان وإحسان عبد القدوس.. كانت هذه المرحلة مرحلة فارقة في تاريخ الأدب المصري ، والعربي بشكل عام ، حيث شهدت نضجا عظيما لا سيما في مجال الرواية .

 133-022205-experiences-policy-culture-4.jpeg3

 

كان لثورة يوليو تأثير إيجابي في الثقافة خاصة على جيل الرواد أمثال : عبدالرحمن الشرقاوي ، ونجيب محفوظ ، فالشرقاوي كتب رائعته “الأرض” قبل 1952، لكنها نشرت بعد قيام الثورة ، وواصل بعدها التعبير عن آرائه بكل حرية ، فتحدث عن العدالة الاجتماعية في “الفتي مهران” وعن الاصلاح الزراعي في “الفلاح”، أما محفوظ فتناول فكرة العدالة الاجتماعية في “أولاد حارتنا” عام 1958 .

ومن أهم إنجازات الثورة الإحساس بالهوية العربية في المجال الثقافي ، وشعور المثقف المصري بانتمائه الي ثقافة عربية متميزة وأصيلة .. بالإضافة إلي المؤسسات الثقافية ، التي أنشئت في هذه الفترة مثل (الكونسرفتوار) والبرنامج الموسيقي ، والبرنامج الثقافي ، وسلاسل الهيئة العامة للكتاب ، والهيئة العامة لقصور الثقافة وكلها لا تزال قائمة ، وتقدم الكثير للثقافتين المصرية والعربية ، والمجلس الأعلى للثقافة ودوره في الاسهام بإثراء حركة الترجمة والانفتاح علي الثقافة الأجنبية وكلها إنجازات ثقافية من آثار ثورة يوليو ، ولا تزال قائمة وتقوم بدورها حتى اليوم .(3)

ناصر وعودة الروح :

في فترة الستينيات حصل المثقف علي حقه كاملاً في التعبير عن رأيه ، وشهدت الثورة في عهدها مولد أعظم الأعمال الأدبية مثل “أعمال نجيب محفوظ” ونعمان عاشور ، والفريد فرج ويوسف إدريس.

عندما سئل جمال عبدالناصر ، بعد قيام ثورة 1952 ، عن المفكرين المصريين الذين اسهموا فى تكوين أفكاره ومن ثم فى قرار القيام بالثورة ، ذكر كتابا واحدا ، هو «عودة الروح» لتوفيق الحكيم ، وقد كتب توفيق الحكيم رثاء حزينا للغاية يبكي فيه ناصر عام 1970.

كان من يكتب في الصحافة قبل الثورة أدباء عظام أمثال طه حسين ، العقاد ، أحمد بهاء الدين ، وصلاح عبد الصبور وكوكبة كبيرة من المفكرين والكتاب والفنانين هم من هيأوا الأجواء التي نشأت فيها الثورة .

الانجازات الثقافية لثورة 23 يوليو 1952 :

من إنجازات الثورة التي اعطتها للثقافة المصرية ..إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة ، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته مدينة القاهرة ، وهو ما يعد من أهم وأبرز إنجازاتها الثقافية .

كما تم إنشاء أكاديمية الفنون التي تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والبالية والموسيقى والفنون الشعبية ، بالإضافة إلى إنشاء دار الأوبرا ، كما تمت رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية ، والسماح بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.

الهيئة العامة لقصور الثقافة .. الوعى والاستنارة لجموع الشعب :

تعد الهيئة العامة لقصور الثقافة إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز في تقديم الخدمات الثقافية والفنية . وهي هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة في رفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية وفي نشاط الطفل والمرأة والشباب وخدمات المكتبات في المحافظات .

وقد أنشئت في بادئ الأمر تحت مسمي الجامعة الشعبية عام 1945 ، ثم تغير اسمها في سنة 1965 إلي الثقافة الجماهيرية . والثقافة الجماهيرية فى منتصف الستينات كانت تطرح مشروع الكتاب الأول لتشجيع الكتاب المبتدئين على النشر فى اطار الثقافة الجماهيرية ، وفى تلك الفترة عملت الهيئة على نشر الاستنارة الفكرية ، وتحقيق وعي ثقافي شامل لكل طبقات المجتمع ، وتحويل مسار الفنون للشارع المصري ، بدلا من اقتصارها على الطبقة الأرستقراطية المثقفة ، في جميع أقاليم القطر المصري ، لكي تؤدي دورها الفعال تجاه جموع الشعب في كل مكان حتى للبسطاء منه.

وفي عام 1989 صدر القرار الجمهوري لتتحول إلي هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة .. تقوم حاليا بالعمل على نشر الثقافة والتنوير فى ربوع الوطن بإعمال آليات العدالة الثقافية من خلال قصور الثقافة المنتشرة فى ربوع مصر (580 موقعا ثقافيا) ، والنزول بالثقافة الجماهيرية إلى الشارع المصرى ، حتى تصل لكل فئات الشعب لزيادة التوعية وتنمية المجتمع (4) .

الهيئة المصرية العامة للكتاب .. . دعم النشر وحركة الترجمة :

منذ قيام ثورة يوليو 1952 ، كان من مهامها التنمية الثقافية حتى تسير جنبا إلى جنب مع الخطة العامة للدولة  ، فكان التخطيط لإنشاء هيئة ثقافية حكومية تضطلع بمسئوليات وزارة الثقافة في مجال التأليف والترجمة والنشر.

ومنذ عام 1961 تفتقت الأذهان في كيفية إقامة هذه الهيئة ، فمرت بعدة أشكال تحت مسميات عديدة من خلال القرارات الجمهورية التي صدرت منذ 1961 حتى 1994 إلى أن أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب على شكلها الحالي .. فكان قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء “الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة ” ذات طابع اقتصادي وتلحق برئاسة الجمهورية ، وكان الهدف الرئيسى من إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم من خلال تكاتف الجهود التى تبذلها قطاعات وزارة الثقافة تحقيقاً لمزيد من الرقى والتقدم وبما يليق باسم مصر وحضارتها .

 تقوم هيئة الكتاب بما تضطلع به من مسئوليات لإتاحة كافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكرى العربى والعالمى ، وإعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث ، وكذلك تأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمى والعالمى ، وأيضا طبع ونشر وتسويق الكتاب المصرى على المستوى المحلى والعربى والدولى .

أصدرت هيئة الكتاب العديد من الكتب حول الثورة والزعيم جمال عبد الناصر منها ‏:‏ سنوات ما قبل الثورة ، والوثائق السرية لثورة ‏23‏ يوليو ، وتأملات في ثورات مصر‏ ،‏ عبد الناصر والحرب العربية الباردة‏ ،‏ ثورة يوليو والحقيقة الغائبة ‏ مصر قبل عبد الناصر‏ ،‏ ثورة ‏23‏ يوليو‏,‏ الحقيقة عن ثورة ‏23‏ يوليو‏ ‏ ليلة ثورة يوليو ‏، معركة الجلاء ووحدة وادي النيل‏ ، الولايات المتحدة وثورة‏23‏ يوليو ،  قصة عبد الناصر والشيوعيون‏..‏

اكاديمية الفنون..أول جامعة لتعليم الفنون فى الوطن العربى :

كان من أهم انجازات ثورة 23 يوليو 1952 إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 وهى أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة في الوطن العربي وهذه الأعوام تعنى الكثير بمقياس العطاء والإسهام الحقيقي في البناء الحضاري ولأهمية الفنون كأحد مقومات الحضارة أولت الدولة لها كل رعاية وعناية وتشجيع ، لذا أنشأت الدولة عدداً من المعاهد العليا للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحية عام 1935 ثم توالى إنشاء معاهد أخرى ، وبعد فترة من إنشاء هذه المعاهد تكشفت الحاجة إلى ضرورة وجود هيئة تنظمها جميعا وتنسق فيما بينها وتساعدها على أداء وظيفتها ومباشرة أعمالها (5) .

ولم تكن هناك مؤسسات حكومية تقوم بنشر الفنون ، ولذا أنشأ ثروت عكاشة أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة ، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومي بسنة واحدة ، ومن خلال تلك المؤسسة استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية ، فقد كانت هي إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية ، والانفتاح عليها ، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية في كثير من المجالات ، حيث بدأ التعاون مع بعض الدول الأجنبية لاستقدام أساتذة أجانب لتولي عملية الدراسة للطلاب المصريين في أكاديمية الفنون من خلال دراسة أكاديمية متخصصة ، والذين أصبحوا يقودون العملية التعليمية والثقافية ، فيما بعد ، ووصولا بتمثيل مصر في المهرجانات والمسابقات الدولية والعالمية ووضع فنون مصر على الخريطة العالمية ، ولم يكتف باستقدام الأساتذة من الخارج بل أرسل بعثات خارجية ، واستحضر آلات ومعدات للمعاهد. (6)

تتكون الأكاديمية من المعاهد التالية  :

المعهد العالي للفنون المسرحية – المعهد العالي للسينما- المعهد العالي للباليه –  المعهد العالي للفنون الشعبية – المعهد العالي للكونسرفتوار – المعهد العالي للموسيقى العربية – المعهد العالي للنقد الفني.

دار الكتب والوثائق القومية.. وثائق للتاريخ :

تمتلك دار الوثائق القومية العديد من الوثائق الهامة المتعلقة بالثورة ومنها : تنازل الملك فاروق عن العرش عقب اعلان الثورة ، وكذلك الوثائق المتعلقة بالإنذار الموجه للملك السابق 26/7/1952 ‏، وقرارات مجلس الثورة بإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية فى 18/6/1953 ‏، قرارات مجلس الثورة بمصادرة أموال الملك السابق فاروق ، وإلغاء الحراسة 27|9|1953‏ ، قرارات مجلس الثورة بتأليف الوزارة ( 17|4|1954 ) ، وأيضا قرارات مجلس الثوة بتخلي اللواء أركان حرب محمد نجيب عن رئاسة الوزراء ، وتكليف البكباشي جمال عبد الناصر بتأليف الوزارة ‏17|4|1954‏ ، قرارات مجلس الثورة باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي ، ووثيقة خاصة بالاسراع بعمل مشروع انشاء التليفزيون (7)  .

المجلس الاعلى للثقافة.. مركز إشعاع وإحدى قلاع التنوير :

يعد المجلس مركز إشعاع للثقافة والفكر على المستوى المصرى والعربى وقلعة من قلاع التنوير والاستنارة ، ففى عام 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء ، تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية فى ميادين الفنون والآداب ، وكان المجلس بهذه الصورة هو الأول من نوعه على المستوى العربى الأمر الذى دفع العديد من الأقطار العربية إلى أن تحذو حذو مصر وتشكل مجالس مشابهة.

وبعد عامين أصبح المجلس مختصاً كذلك برعاية العلوم الاجتماعية .. وطوال ما يقرب من ربع قرن ظل المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية يمارس دوره فى الحياة الثقافية والفكرية فى مصر ، وفى عام 1980 تحول إلى مسماه الجديد «المجلس الأعلى للثقافة بصدور القانون رقم 150 لسنة 1980.

ثورة يوليو والسينما المصرية


لم تكن السينما المصرية بعيدة يومًا عن الأحداث الاجتماعية والسياسية ، ونقل نبض الشارع من خلال ”الشاشة الفضية”، وتصوير مشاهد فرح وحزن ومعاناة وانتصار الشعب المصري عبر ذاكرة السينما والفن .

وأدركت ”ثورة يوليو” تأثير الفن على وعي وحس الشعب المصري ، وسعت لتدعيم صلتها ونشر إنجازاتها من خلال الأعمال الفنية المتنوعة ومن أبرزها ”السينما”؛ فالإنتاج السينمائي المصري تميز بالغزارة الشديدة ، وجودة الإنتاج في القرن الماضي ”عصر السينما الذهبي”، وقدمت عدة أفلام تمجد في الثورة ودورها وأهدافها ، وتنتقد ”العصر البائد” والظلم الواقع على الأمة المصرية خلاله .

ولعبت السينما المصرية دوراً مهماً في تأريخ ثورة 23 يوليو 1952 ومنذ اندلاعها وتولي الضباط الاحرار الحكم ، ونفي آخر ملوك مصر الملك فاروق شهدت مصر خاصة والعالم العربي عامة أوضاعاً سياسية أفرزت الكثير من الاحداث والمواقف التي تناولتها الافلام المصرية (8) .

هناك العديد من الروائع الفنيه التي ابرزت هذا الحدث بكل إيجابياته وسلبياته ؛ حيث أن ثورة يوليو فجرت الإبداع في جميع المجالات ، وأتاحت الفرصه للكتاب والمبدعين لرصد ما حدث في تلك الثورة ؛ فأبدعت السينما المصريه بعد مرور ثلاثة أعوام من الثورة فيلم “الله معنا”، الذي أشار إلى إرهاصات الثورة ، من إخراج أحمد بدرخان وقصه إحسان عبد القدوس ، وبطولة عماد حمدي ، فاتن حمامة.

بادرت الثورة بالسماح بعرض افلام كانت ممنوعة من العرض في الحقبة الملكية  ، كان في مقدمتها ”لاشين”، وفيلم ”مصطفى كامل” والذي يحكي قصة كفاح الزعيم المصري مصطفى كامل.

وشهد عام 1957 عرض فيلم الثورة الأبرز في ذاكرة المصريين ”رد قلبي” قصة ”يوسف السباعي”، وإخراج ”عزالدين ذوالفقار”، وإنتاج ”آسيا”،  بطولة شكري سرحان ، مريم فخر الدين ، صلاح ذو الفقار، حسين رياض ، زهره العلا ، هند رستم ، وأحمد مظهر ، الذي تحول بمرور الأيام إلى وثيقه عن ثوره 23 يوليو ، كاشفا عن الإرادة الحرة والاستقلالية .

ومن الأفلام التي انتجت عن الثورة أيضا فيلم “بداية ونهاية”، إخراج صلاح أبو سيف وقصه نجيب محفوظ ، عام 1960، بطولة عمر الشريف ، أمينة رزق ، وسناء جميل ، وفيلم “القاهره 30” إخراج صلاح أبو سيف قصه نجيب محفوظ ، بطولة سعاد حسني ، أحمد مظهر، وكذلك فيلم “غروب وشروق” للمخرج كمال الشيخ ، كما أنتج فيلم “في بيتنا رجل” لإحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات ، وبطولة عمر الشريف ، رشدي أباظة ، زبيدة ثروت ، وفيلم “أرض الأبطال” لنيازي مصطفي عام 1953 ، و”جميلة بوحريد” الذي يروي أحداث الثورة الجزائرية.

وفيما بعد بدأت السينما تنتج أفلاماً تتناول منجزات الثورة ، خاصة موضوع الاصلاح الزراعي ، وتحديد الملكية الزراعية وتوزيع الارض علي الفلاحين.. فيلم “الأرض الطيبة” اخراج محمود ذو الفقار عام 1954 ، وفيلم “أرضنا الخضراء” اخراج أحمد ضياء الدين عام 1956، “صراع في الوادي” ليوسف شاهين عام 1954 ، وهي موضوعات لم تكن السينما تناقشها قبل الثورة ، وكذلك أفلام مثل “المارد” لسيد عيسي 1964 ، و”أدهم الشرقاوي” لحسام الدين مصطفي في العام نفسه وأيضا سلسلة أفلام “اسماعيل يس في الجيش ، في الاسطول ، بوليس حربي ، في الطيران”، وكلها من اخراج فطين عبدالوهاب ، والتي أبرز خلالها بروح الكوميديا جوانب حياة الجيش والعسكرية المصرية في إطار فكاهي مجتمعي.  وأفلام اخري مثل “شياطين الجو” لنيازي مصطفي، و”وداع في الفجر” لحسن الامام عام 1956 .

كما أُنتِجَ فيلم “لا وقت للحب” فى عام 1963 ، وهو عن رواية ليوسف إدريس ، وحمل توقيع المخرج الكبير ورائد الواقعية صلاح أبو سيف ، بطولة فاتن حمامة ، رشدى أباظة ، فيلم “بورسعيد” عام 1956 ، واشترك فيه فريد شوقى ، هدى سلطان ، وفيلم “الباب المفتوح” عام 1963 ، عن قصة للأديبة لطيفة الزيات إخراج هنرى بركات ، وبطولة فاتن حمامة، صالح سليم، محمود مرسى ، وأيضًا فيلم ”شيء من الخوف”، بطولة شادية ومحمود مرسي ويحيى شاهين ، أنتج مباشرة بعد نكسة 67 ، ويحكي ثورة قرية بقيادة فؤادة رمز مصر على عتريس رمز الطغيان والجبروت (9)  .

ذكر الناقد علي أبوشادي إحصائية عن أفلام القطاع العام في مصر فى الفترة من 1963 إلي1971 حيث تم انتاج 153 فيلما بدأت بفيلم المخرج محمد سالم (القاهرة في الليل) وانتهت بفيلم (جنون الشباب) لجلال الشرقاوي كما قدم القطاع العام خلال تلك الفترة 21 مخرجا جديدا من الشباب يخرجون لأول مرة.

أغانى ثورة 23 يوليو..مفهوم الوطن و القومية


 

تعد الأغنية الوطنية مكونا أصيلا وموروثا ثقافيا حاضرا مع كل الأحداث التي مرت بها مصر وكانت ثورة 23 يوليو 1952 التى حولت مصر من الحكم الملكى إلى الحكم الجمهورى عن طريق تنظيم الضباط الأحرار الذى كان يتزعمه اللواء محمد نجيب و جمال عبد الناصر من أهم المحطات لانطلاق الأغانى الوطنية .

” عبد الحليم حافظ  مطرب الثورة”.. شهادة ميلاده سطرت في احتفالات عيد الثورة ، وغنائه الأول كان أمام ”ناصر وحكيم” ووفد من الضباط الأحرار بحديقة الأندلس بالقاهرة ، وخلال مسيرته قدم عشرات الأغنيات للاحتفال بالثورة وعبد الناصر والجيش ، تضمنت قيما ثورية مثل العروبة والسد العالي والمصانع وحرب اليمن و القومية العربية ، كما غنى للنكسة ”عدى النهار” و”أحلف بسماها وبترابها”.. كما كانت أم كلثوم هي القاسم المشترك في أغلب المناسبات والحفلات الرسمية ، التي كان يحضرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومنحها قلادة الجمهورية في عيد العلم ، ووجه إليها الشكر عدة مرات بسبب مساعدتها في تسليح الجيش ، حيث تبرعت بمبلغ 10 آلاف جنيه ، وهو رقم كبير وقتها.

وفي عام 1967 كانت أم كلثوم من أوائل المطربين الذين سارعوا بإقامة الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها ، للتبرع بأرباحها للمجهود الحربي ، وقدمت وقتها أغنيتها الشهيرة “أصبح عندي الآن بندقية”، قبل أن تقدم أغنية “يا حبيب الشعب” بعد قرار الزعيم بالتنحي وعودته مرة أخرى إلى الحكم ، وحمل عبد الوهاب على عاتقه تأليف ”الأوبريتات والاناشيد الوطنية”، ومن أهمها الوطن الأكبر ، وقدم عدد كبير من المطربين هذا الأوبريت الغنائى الكبير عام 1960 احتفاءً بالمدّ القومى ، والاتجاه إلى الوحدة الذى كان يقوده الزعيم جمال عبد الناصر ، من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل ، كما قام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بغناء أوبريت “ناصر كلنا بنحبك” لتهنئة الزعيم جمال عبد الناصر بالحكم ، وبطلب من الرئيس ”عبد الناصر” تعاون لأول مرة مع ”أم كلثوم” ليخرج لقاء السحاب بأغنية ”أنت عمري”، ويصفها البعض بأنها ”الثورة ذات نفسها”(10) .

العصر الذهبي للمسرح المصري :

شهد المسرح المصري نهضة حقيقية ، والسنوات التي أعقبت قيام الثورة من عام 1952 إلي عام 1967 تعد العصر الذهبي للمسرح المصري والعربي علي حد سواء وفي تلك الفترة تأسست العديد من الفرق المسرحية ولمعت عشرات الأسماء لكتاب ومخرجين وممثلين أفذاذ تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخ فن المسرح في مصر أمثال عبد الرحمن الشرقاوي ، ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور ، وألفريد فرج ، وكبار النقاد أمثال رجاء النقاش ، ومحمد مندور ، ولويس عوض وغيرهم.. نجحت الثورة في تفريخ كوكبة من كتاب المسرح المصري الذين تأثروا إلي حد كبير بالمناخ الثوري الذي أشعلته الثورة ، والذين كشفوا النقاب عن أوجاع الوطن من خلال مؤلفاتهم التي عبرت عن مدي تفاعلهم مع روح وأفكار ثورة يوليو ، إلى جانب تأثرهم بالحركات المسرحية العالمية .

من مسرحيات تلك الفترة : “علي جناح التبريزي وتابعة قفة”، و”سقوط فرعون” لألفريد فرج ، وأعمال الكاتب الراحل “سعد الدين وهبة” التي جسدت العديد من الواقع المصري ، ومدي تأثيرها علي الفقراء والبسطاء ومنها مسرحية “السبنسة- كبري الناموس- كفرالبطيخ” ، وأعمال الراحل “نعمان عاشور” التي اتجهت نحو النقد الاجتماعي للظواهر الاجتماعية السلبية في قالب كوميدي ساخر مثل مسرحية “الناس اللي تحت” وعيلة الدوغرى ، والأعمال المسرحية للأديب الراحل “يوسف إدريس” ومنها “المخططين” التي تناول فيها رؤيته للنظام السياسي ، إلى جانب تألق العديد من الوجوه المسرحية البارزة في تلك الحقبة مثل سعد أردش ، وكرم مطاوع ، كما تألق المسرح الشعري علي يد صلاح عبد الصبور ، وعبد الرحمن الشرقاوي ، ونجيب سرور وغيرهم (11)  .

أما من حيث الفرق المسرحية ، فقد كان هناك ثلاث فرق قبل الثورة ، اثنتان تحت إشراف الحكومة هما : “الفرقة المصرية للتمثيل” وتقدم الهزليات والميلودراما والمسرحيات الشعرية ، والفرقة الثانية “فرقة المسرح الحديث”؛ وكانت تسير على نفس النهج ، وبعد الثورة ضُمت الفرقتان تحت اسم “المسرح المصري الحديث” بإدارة يوسف وهبي حتى 1956.

انشاء التليفزيون ومسرح التليفزيون :

يعد انشاء التليفزيون المصرى أبرز إنجازات الثورة في مجال الإعلام ، و أنشئ في عام 1959 بقرار من الرئيس عبدالناصر ، ليكتمل البناء ويبدأ البث في 21 يوليو 1960 بساعات بث بلغت (5 ساعات) يوميًا ، ويصبح اسمه ”التليفزيون العربي”.

مشروع مسرح التلفزيون الذي بدأ تأسيسه مع بدايات النهضة الثقافية بعد ثورة 23 يوليو يعدالأب الروحي لمعظم الفرق المسرحية التي ساهمت في خلق مناخ مسرحي غير مسبوق في مصر بالإضافة الي أن مسرح التلفزيون هو صاحب الفضل في تقديم معظم النجوم الكبار من الرعيل الأول والثاني من ممثلين ومخرجين وكل العناصر الفنية التي قدمها مسرح التلفزيون للجمهور المصري والعربي ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر عبد المنعم مدبولي وعبد المنعم ابراهيم وأبو بكر عزت ومحمد رضا ومحمد عوض وزوزو ماضي وفؤاد المهندس ونور الدمرداش ، وكرم مطاوع وعبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش (12) .

الاهتمام بالمتاحف والآثار :

كان من منجزات ثورة يوليو الاهتمام بالآثار المصرية ، ووضع حجر الأساس لمجموعة متاحف تعد من أعظم المتاحف المصرية الى الآن ، وتقديم عروض الصوت والضوء وإقناع المؤسسات الدولية في العمل على إنقاذ معبدي فيلة وأبو سمبل والآثار المصرية في النوبة حفاظًا عليها من الضياع أثناء بناء السد العالي .

خاتمة :

لقد وضعت  ثورة 23 يوليو الاساس المتين لمفهوم الثقافة للجميع والذى كان له تطبيقات كثيرة لعل ابرزها إنشاء قصور الثقافة فى كل ربوع مصر ، ومشروع الألف كتاب ، وإنشاء التليفزيون وغير ذلك من الصروح الثقافية والإعلامية ، وتشهد مصر فى الوقت الراهن تطبيقات لفكرة العدالة الثقافية التى تهدف فى المقام الأول الى وصول المنتج الثقافى الى كل مواطن  ما يستدعى على سبيل المثال التوسع فى انشاء العديد من دور الاوبرا فى محافظات مصر  وبالفعل تم تحويل مسرح سيد درويش بالإسكندرية، إلى دار أوبرا الإسكندرية، وانشاء دار أوبرا دمنهور، و البدء فى تأسيس دار أوبرا الأقصر، لتكون داراً كبرى مستقلة توازى دار الأوبرا فى القاهرة ، كما أن دار أوبرا بورسعيد على وشك الافتتاح ، كما يجرى إعادة ترميم وتطوير مسرح مدينة المنصورة ليصبح فرعاً لدار الأوبرا بالمنصورة ، ومسرحا آخر فى مدينة طنطا . ومن التطبيقات الأخرى للفكرة إعداد مشروع لإحياء وعودة السينما إلى القرى والكفور فى المرحلة القادمة كما كانت سابقا،ً ودعم أدباء الأقاليم ودعم النشر الأقليمى وأندية الأدب  ، وإقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب بالأقاليم  حيث اقيم معرض للكتاب بطنطا والأقصر والإسكندرية وكفر الشيخ والبحيرة فى مشهد يترجم وبحق مفهوم العدالة الإجتماعية ليصبح حقيقة على أرض الواقع . 

المصادر :

1-موقع الرئيس جمال عبد الناصر – الرابط :

http://nasser.bibalex.org/home/main.aspx?lang=ar

2–محمد حافظ ، ثروت عكاشة.. مهندس الوجدان المصري ، الرابط :

http://www.albawabhnews.com/1140904

3-محمد فايز جاد ، 45 عامًا على رحيل “ناصر”.. “الثقافة” في عهد الزعيم بين فكرة الاستقلال الوطني و”يد التأميم” الرابط :

http://gate.ahram.org.eg/News/757321.aspx

4-الموقع الرسمى للهيئة العامة لقصور الثقافة ، الرابط :

http://www.gocp.gov.eg/gocp/ar/History.aspx

5-الموقع الرسمى لأكاديمية الفنون ، الرابط :

http://www.moc.gov.eg/ar/affiliates-lit

6-المصدر السابق .

7-كتب الثورة ، ثورة يوليو 50 عاما ، الرابط التالى  :

http://www.ahram.org.eg/Archive/2002/7/21/THAW2.HTM

8-داليا الطويل ، روائع السينما المصرية عن ثورة 23يوليو ، الرابط :

http://www.moheet.com/2013/07/23/1800215 /

9-سينما ثورة يوليو.. الأفلام حاضرة والثورة علي المعاش

http://www.masress.com/alkahera/4255

10-بسنت جميل ، 23 يوليو.. ثورة أنتجت وطنًا وفنًّا عظيمًا ، الرابط التالى :

http://cairodar.youm7.com/324188/23

11-حازم خالد ، المسرح والسلطة في مصر .. دراسة سوسيولوجية ، الرابط التالى :

http://www.middle-east-online.com/?id=160626

12- خبراء : تجربة «مسرح التليفزيون»نهضت بـ أبوالفنون ، الرابط التالى :

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/433946.aspx

 

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *