الرئيسية / كتاب الوعي العربي / المسألة المصرية المعاصرة بقلم سامى شرف

المسألة المصرية المعاصرة بقلم سامى شرف

المقال نشر فى الاهرام اليوم6/7/2020

20190702090210210.jpg2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين أراد محمد على الخروج عن الهيمنة العثمانية ، والوصاية الغربية، وهدد أطماع ونفوذ القوى الخارجية على المنطقة، وشرع في بناء دولة مدنية قوية حديثة، كانت المؤامرة العثمانية الغربية لضرب جيشه الوطني، وهدم اقتصاد الدولة.

ومنذ سقوط مشروع محمد علي، لم تكف المحاولات عن تركيع مصر، ومنع صعود قوتها من جديد، عبر إنهاك اقتصادها الوطني، وإضعاف جيشها، ثم احتلالها.

 وتكرر الأمر ذاته مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي قوض الإمبراطورية البريطانية –التي لا تغيب عنها الشمس- في الشرق الأوسط، ورفض سياسة الأحلاف، ومخطط الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وأراد إقامة دولة حرة مستقلة، خيرها لشعبها، وفائض قوتها لأمتها، ما كان من ذات الحلف – مضافا إليه الكيان الصهيوني- سوى التآمر على مشروعه، فحاولوا إضعاف الاقتصاد المصري حين رفضوا تمويل مشروع السد العالي، ورفض مد الجيش المصري بالأسلحة الحديثة، وتوريطه في صراعات خارجية تستنزف قوته، ثم احتلال الأرض في 5 يونيو 1967.

وهو ما عبر عنه الرئيس جمال عبد الناصر في 1968حين قال : “لن يغفر لى الأمريكيون وعملاؤهم ما فعلته معهم حياً وميتاً”.

وفي كل مرة يظن أعدائنا أنهم نجحوا في كسر مصر وإرادة شعبها، كانت مصر تنهض من جديد كالعنقاء تنهض من رمادها، ويبهر شعبها العظيم العالم، بعزيمته وإصراره على الانتصار والحياة.

فها هو الشعب المصري ومن خلفه جيشه الوطني، في 30 يونيو 2013 يغير موازين القوى، ويجهض أخطر وأكبر مخطط لتقسيم المنطقة، وإشعال الصراعات بها، للهيمنة على مقدراتها، ذلك المخطط الذي ظن أصحابه من القوى الكبرى، ووكلائهم من أحفاد العثمانيين، وعملائهم من عصابة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي أن مخططهم وصل لقمة نجاحه، وأصبح موضع التفيذ.

ويبدو أن هؤلاء، لم ولن يغفروا للمصريين فعلتهم تلك ..

وفي هذا السياق، ليس من قبيل المصادفة التاريخية أن يعقب سقوط عصابة الإخوان مباشرة ما تشهده دوائر الأمن القومي المصري المباشرة والقريبة، وعلى امتداد خريطة المصالح الجيواستراتيجية المصرية من حصار وتهديد شديد الخطورة؛ بدءاً من الأزمة السورية والعمليات الإرهابية في سيناء في الشمال الشرقي، إلى مضيق باب المندب في الجنوب الشرقي، مرورا بتهديد الحدود الاقتصادية الإقليمية لمصر في مياه البحر المتوسط شمالا، إلى الموقف الأثيوبي المتعنت والمثير للريبة من ملف سد النهضة جنوبا، انتهاء بالوضع المتأزم في ساحل الخليج العربي شرقا، إلى العمق الليبي غربا.

لذا، يخطئ كل من يتصور أن ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا وعلى صعيد قضية سد النهضة بعيدا عن المخطط الذي يحاك ضد الدولة المصرية؛ ذلك المخطط الذي يهدف لإسقاط الدولة الوطنية في المنطقة، للهيمنة على قرارها، ومن ثم مقدراتها الاقتصادية، والذي وقفت مصر بشعبها العظيم وجيشها الوطني ضد واحدة من أخطر وأشرس حلقاته في 30 يونيو 2013، حين قضت على نظام جماعة الإخوان العميلة الفاشية، الذي كان بمثابة رأس الحربة لهذا المخطط الشيطاني.

ورغم النجاحات الكبيرة التي حققتها الدولة المصرية في استعادة قوتها ومكانتها ومناعتها ضد تلك المؤامرات، فإن المسألة المصرية المعاصرة، صارت – بجانب إقامة دولة مدنية حديثة وقوية-  تتمثل في مواجهتها لمشروع ممنهج تحيكه وتنفذه قوى كبرى وإقليمية بالتعاون مع جماعات ومؤسسات وقوى محلية، تهدف لنصب شراك لاستدراج مصر –جيشا واقتصادا- عبر محاصرتها بسلسلة من الصراعات الضاغطة والمهددة للأمن القومي، لاستنزاف القوة المصرية، وتعطيل جهودها المتسارعة نحو استعادة قوتها وهيبتها ومكانتها التي تستحقها.

وهنا، تكمن علاقة تلك الملفات الملتهبة في المحيط المصري بالمسألة المصرية، ويأتي إدراك مصر وقيادتها السياسية لحجم الخطر والتهديد الكبير الذي تمثله تلك القضايا على أمنها القومي ومصلحتها الوطنية، وتسعى بكل طاقتها لتأمين ذلك المحيط، بالتوازي مع المضي قدما في مشروع الإصلاح والنهضة الداخلي، فكلا المساران لا ينفصلان، يتوازيان ولا يتقاطعان، كقضبان يسير عليهما قطار الدولة المصرية.

ومن هذا المنطلق، لابد أن ندرك ونتفهم منهج الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يصر على سباق الزمن في تحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وبناء جيش وطني قوي، رغم حجم الصعوبات الهائلة التي تواجهه في سبيل انجاز ذلك.

بالإضافة، إلى ما يبذله من جهد كبير على الساحة الخارجية في تأمين محيط مصر الإقليمي، وأمنها القومي عبر تكوين سلسلة من التحالفات الإستراتيجية مع عدد من القوى الرئيسية، وربط الأخيرة بمصر بشبكة قوية من المصالح الاقتصادية والسياسية الإستراتيجية التي تجعل أمن واستقرار الدولة المصرية مصلحة إستراتيجية لتلك القوى.

إن الرئيس السيسي بحكم تكوينه العسكري والمهني، يعي جيدا ما يجب عليه أن يفعله لمواجهة المؤامرات التي تواجه الدولة المصرية، وسبل مواجهتها، ومتي، وأين، دون أن يعطي أعدائها فرصة للنيل منها.

ولعل نبؤة الرئيس عبد الناصر تتحقق حين قال “إنني أؤمن إيمانا قاطعاً انه سيخرج من صفوف هذا الشعب أبطال مجهولون يشعرون بالحرية ويقدسون العزة ويؤمنون بالكرامة”.

وما بين المؤامرات الخارجية والداخلية لحصار مصر ، وتحجيم دورها، وكسر إرادتها، وما بين مقاومة مصرية قوية يقودها شعب عظيم خلفه جيش وطني تكمن المسألة المصرية المعاصرة.

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *