الرئيسية / حوارات ناصرية / خطة “تأميم القناة”.. من “الفكرة” حتى “ساعة الصفر”

خطة “تأميم القناة”.. من “الفكرة” حتى “ساعة الصفر”

75564571_10162932235830085_8132571298539765760_n

كتب:

محمد علي حسن

لم تكن في يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خطبة مكتوبة، فقط خطّ بعض المذكرات على ظهر مظروف قبل اجتماعه بوزرائه، ولم يكن لديه الوقت لكي يزيد عليها لأن المواطنين المصريين اصطفوا على جانبي الشوارع انتظارا له، وكان عليه أن يمر بينهم واقفا في سيارته ليرد لهم التحية. يقول المهندس عبد الحميد أبو بكر، في مذكراته، إن جمال عبد الناصر اتخذ القرار الخطير بتأميم القناة، حيث خشى أن تفلت كلمة السر من أسماع القائمين على تنفيذ خطة تأميم القناة، فأخذ يكرر كلمة “ديليسبس” أكثر من سبعة مرات ليتأكد أنهم تلقوا الإشارة المتفق عليها، حتى بدأ الناس يتساءلون عن سبب إضفائه كل هذه الأهمية على ديليسبس. وفور سماع فريق التأميم لاسم ديليسبس خرج الجميع من معسكر الجلاء متجهين إلى المقر الرئيسي لشركة قناة السويس، وكانت مدينة الإسماعيلية في هذا الوقت من الليل في غاية الهدوء والسكون. وكان في السيارة الأولى محمود يونس ومحمد رياض محافظ القناة وعزت عادي وعبد الحميد أبو بكر، وفي السيارة الثانية كان قاسم سلطان، وعندما وصل الرئيس جمال عبد الناصر إلى العبارة التي تحتوى على كلمة “ديليسبس” وصل الفريق إلى الباب الرئيسي للشركة وكانت جميع الفرق في وقت واحد داخل مباني الشركة في مدن القناة الثلاث وفي العاصمة. اندفع أبو بكر داخل مبنى الهيئة واعترضه أحد الحراس فأزاحه بالقوة ودخل مع محمود يونس والصاغ مهندس بحري قاسم سلطان وكان هو الشخص الوحيد من المجموعة الذي سبق له الدخول هذا المرفق وأشار قاسم إلى مكتب في نهاية الطرقة على اليمين قائلا :”هذا مكتب مسيو بير مينيسيية المدير المالي والإداري وأكبر موظف فرنسي في الشركة”، فاتجه محمود يونس واثنان من المجموعة إلى مكتب الملاحة الرئيسي الذي يتحكم في الملاحة في القناة ويسيطر على جميع التحركات في القناة، ووجدوا وردية الليل، وكان جميع أعضائها أجانب، باستثناء مصري واحد اسمه فوزي عبد الحليم، فأخبرهم أبوبكر بقرار التأميم، وطمأنهم على حقوقهم، وأكد لهم أن شيئا لن يتغير، وأن قاسم سلطان سوف يتولى القيادة وعليهم إطاعة أوامره، ومن يخالف التعليمات سيواجه إجراءات عنيفة. وطلب أبوبكر من قاسم إرسال إشارة إلى محطات اللاسلكي على طول القناة بتولي الإدارة المصرية مهمة تسيير العمل بالقناة، وقام أحد العاملين بالشركة بالترجمة، وقضى قاسم فيما بعد أياما كثيرة في المكتب ليعمل معه مشهور والطودي والرفاعي. أما بقية المجموعة فوزعوا أنفسهم طبقا للخطة المرسومة، فاتجه البعض إلى الخزانة، والبعض الآخر إلى مكاتب بقية المديرين، وإلى أجهزة اللاسلكي، لكن مكتب الملاحة كان أهم الأهداف وأبرزها، جلس محمود يونس على مكتب مينيسيية، ثم أحضر صورة للرئيس جمال عبد الناصر وحاول أن يثبتها على جدار المكتب ولكنه لم يجد ما يدق به المسمار سوى تمثال فرعوني حديدي، لم يتردد في استخدامه، وخلال ربع ساعة كانت عملية الاستيلاء قد تمت، وبدأت مرحلة الجرد، بقيت بعد ذلك مهمة إبلاغ المديرين الفرنسيين بقرار التأميم ومهمة الإدارة المصرية. كان محافظ القناة قد استدعى المديرين إلى مكتبه، حيث كان مينيسيية في بيته وريمون مدير الملاحة عاد من السينما الساعة التاسعة ليجد طلب استدعائه إلى مكتب المحافظ في انتظاره، وديركور مدير الأشغال ترك ضيوفه الذين دعاهم إلى العشاء وذهب إلى مكتب المحافظ بناء على طلبه، وكان المحافظ قد استدعى أيضا كمال بدر ضابط الاتصال بين الحكومة المصرية وشركة القناة. جلس الفرنسيون الثلاثة في مكتب المحافظ والدهشة بادية عليهم فلم يكن هذا الاستدعاء له ما يبرره من وجهة نظرهم، فكل شيء كان يسير في هدوء في مكاتب الشركة في الصباح، حتى ضابط الاتصال لم يكن أقل منهم دهشة واستغرابا، بعد لحظة صمت سأل مينيسيية محمد رياض: هل سنبقى هنا؟ فرد المحافظ: بالطبع لا.. لكن علينا أن ننتظر بعض الوقت. خلال هذه الفترة كان أبوبكر يتلقى المكالمات من مقار الشركة في بورسعيد والسويس والقاهرة، كلمة واحدة قالها توفيق الديب في بورسعيد، وشافعي عبد الهادي من السويس، ومجدي حجازي في القاهرة، وكلهم اتصلوا بالتليفونات الداخلية المباشرة للشركة وقالوا بالتتابع: “تمام”. وفي بورسعيد، عند إشارة الرئيس عبدالناصر، كانوا في داخل المبنى بالفعل، لقد كان توفيق الديب يعرف المبنى جيدا، ويعرف الرؤساء الأجانب في بورسعيد بحكم عمله مديرا لبلدية المدينة منذ سنوات سابقة، في الوقت ذاته كانت منازل رؤساء الأقسام الفرنسيين تحت المراقبة، وعندما صدر أمر استدعائهم، استدعى أيضا مصطفى وهبة، الذي كان يقوم بأعمال رئيس قسم المخازن ليقوم بالترجمة. نفس المشهد تكرر في السويس، من مكتب المحافظ تحرك الشافعي عبد الهادي والمجموعة التي تصحبه إلى مقر الشركة في بورتوفيق، وتم توزيع المهام تباعا لكن كوينج، رئيس قسم الأشغال، كان كثير الأسئلة ويتحدث على مضض. اختلف المشهد في القاهرة وحدث مالم يتوقعه أحد، فكان مقر الشركة في جاردن سيتي وهناك كانت المجموعة المكلفة بالتنفيذ تنتظر إشارة التحرك، سبقها حكمدار القاهرة ليتخذ احتياطاته ويلتقي مع المجموعة أمام باب مكتب الشركة في اللحظة المقررة، وعندما حان وقت التحرك نزل مجدي حجازي والتونسي والمجموعة من مبنى هيئة البترول إلى الهدف، وعند الإشارة المتفق عليها كان حكمدار العاصمة على الباب فعلا بعد أن طوق المبنى برجال المباحث العامة والجنود، وانتظر الحكمدار المجموعة عدة لحظات لكن أحدا منهم لم يظهر ولم يكن هناك مفر من التنفيذ، فالأوامر تقضى بذلك. وبعد الدخول وصل حجازي والتونسي بصحبة أفراد المجموعة، كان الكونت دي جرايية الوكيل الأعلى للشركة ورئيس مكتب القاهرة جالسا في حديقة المكتب مع اثنين من مساعديه وسيدة أجنبية، وبمجرد إبلاغه بقرار التأميم جلس جرايية على مقعده وهو يحاول أن يستجمع قواه وفكر قليلا، ثم طلب أن يسمح للسيدة التي معه بالعودة إلى منزلها. وبالفعل سمح للسيدة بالإنصراف، وكان الرد هو: في الإسماعيلية ستجد إجابة عن كل الأسئلة، صحب دي جراييه رجال التأميم إلى المكاتب العلوية، وحاول أن يأخذ حقيبة بها بعض الأوراق لكنه منع بطريقة مباشرة، وقيل له إنه بعد لقاء الإسماعيلية سيتحدد كل شيء، والأفضل أن يبقى كل شيء على ما هو عليه في الوقت الراهن، وعندما اختلى التونسي بحكمدار القاهرة عرف سر تأخير المجموعة عن الوصول إلى مقر الشركة، لقد تبين أن المجموعة ضلت الطريق إلى مقر الشركة بعد أن تاهت في شوارع جاردن سيتي الدائرية والمتقاطعة.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *