الرئيسية / حوارات ناصرية / سامي شرف يكتب: عبد الناصر و ثورة الفاتح الليبية (4)

سامي شرف يكتب: عبد الناصر و ثورة الفاتح الليبية (4)

35WEBS
عبد الناصر والرئيس الليبى معمر القذافى فى مجلس الامة
١١ يونيو ١٩٧٠
سامي شرف

سامي شرف

نشر في: الأربعاء 17 يونيو 2020 – 7:26 م | آخر تحديث: الأربعاء 17 يونيو 2020 – 7:35 م

استقبال شعبى لعبد الناصر فى المدينة الرياضية باستاد طرابلس
[٢٦ ديسمبر ١٩٦٩]

عبد الناصر يوضح موقف مصر من الثورة   الليبية بخطابه في 23/7/1970

وبالفعل كان يتم الاستجابة للاحتياجات الليبية من الخبرة المصرية فى شتى المجالات، وكانت وجهة نظر الرئيس عبد الناصر فى التعامل مع هذا الموقف تتلخص فى أن مجرد قيام الثورة الليبية يعد مكسبا لا يقدر بثمن فى تأمين العمق الأمنى والإستراتيجى لمصر فى حدودها الغربية بعد أن تم تأمين هذا العمق فى الجنوب بقيام ثورة السودان فى 25مايو 1969قيام الثورتين فى السودان وليبيا استعاد التيار القومى قدرا كبيرا من توازنه فى المواجهة مع إسرائيل مما يدعم من موقف مصر فى المعركة ، ومن ثمّ فلابد من استمرار تأمين هذه المكاسب حتى ولو تحملت مصر بعض الأعباء الإضافية ، وكان الرئيس عبد الناصر حريصا على التصدى للحملات المضادة التى استهدفت تأليب الشعب الليبى ضد الوجود المصرى بتاثير من محاولات الدس والوقيعة التى دبرتها جهات عربية فى الأساس وقد حرص على مكاشفة الشعب الليبى بهذه المواقف فى خطابه الذى ألقاه يوم 23وليو 1970اثناء الاحتفالات بعيد الثورة والذى جاء به ما يلى : 

” ومن مثل هذا اليوم فى العام الماضى إلى يومنا هذا الذى نحتفل فيه بيوم 23 يوليو شهدت أرض الأمة العربية تغييرات كيفية و كمية لها أهميتها الكبرى فى الصراع، شهدت الأمة العربية كيف قامت الطليعة للقوات المسلحة فى ليبيا .. وأعلنت الثورة وأعلنت مبادىء الحرية والاشتراكية والوحدة كيف قام الشعب الليبى يؤيد ثورته ويؤيد الطليعة التى قامت لتحريره، ويؤيد قواته المسلحة ، ثم كيف خرج مجلس قيادة الثورة بقيادة الأخ معمر القذافى ليعلنوا على الملأ أنهم صمموا على الكفاح والنضال من أجل شرف ليبيا وحرية ليبيا ومن أجل شرف الأمة العربية وحرية الأمة العربية ، وصمموا بعد هذا على جلاء القواعد الأجنبية ، واليوم قبل أن تمضى سنة واحدة على الثورة الليبية شهدنا احتفالات الشعب الليبى فى طرابلس وبنغازى بانهاء تواجد القواعد الأجنبية الإنجليزية والأمريكية وبجلاء آخر جندى أمريكى أجنبى من أرض الثورة أرض ليبيا .. وحينما ذهبت إلى ليبيا فى هذه الأيام كان نزول الطائرة فى القاعدة الأمريكية التى حررها ثوار ليبيا ، والتى كانت تسمى قاعدة  “هويلس» وسموها فى ليبيا بعد تحريرها قاعدة   “عقبة بن نافع» ، نزلت فى المطار فوجدت الشعب الليبى وهو ينتشر فى جميع أرجاء القاعدة ووجدت أيضا الشعب الليبى وهو يعانق أبناء قواته المسلحة، و رأيت أيضا الشعب الليبى الشقيق وهو يحتضن معمر القذافى وأعضاء مجلس قيادة الثورة ، وكنت أذكر فى هذه الأيام كيف استخدمت هذه القواعد ضدنا فى سنة 1965 وكيف خرج الشعب الليبى يناضل ويكافح ويهاجم القواعد ويقع منه القتلى والجرحى برصاص المحتلين، ثم بعد هذا ثار الشعب الليبى مرة أخرى وطالب بإنهاء القواعد الأجنبية وخروج الأجانب من أرض الوطن الليبى، وتعرضوا أيضا للرصاص  ثم رأيتهم فى هذا اليوم وقد حققوا الأمانى التى كافحوا من أجلها طويلا ، كافح من أجلها هذا الشعب ، وكافح من أجلها أجيال مضت، وقلت فى هذه اللحظة الحمد لله لقد انتصرت ليبيا وقد جلا الأجانب عن أرض ليبيا ، وأن الثورة الليبية نصر للأمة العربية كلها.

 

و رأيت أيها الإخوة اتجاه الثورة الليبية إلى الحرية السياسية وفى نفس الوقت إلى الثورة الاجتماعية ، وكان معمر القذافى يتكلم ويقول أن مجلس قيادة الثورة حقق الحرية السياسية وهو يتجه الآن نحو عمل كبير من أجل تحقيق الكفاية والعدل وهي الثورة الإجتماعية  .

إننا أيها الإخوة ننظر إلى شعب ليبيا البطل وقادته الأبطال ونقول لهم : إنكم بعملكم هذا دعمتم الأمل للأمة العربية ، إنكم بنضالكم من أجل الحرية وعملكم على تحقيق الحرية الإجتماعية قد ساهمتم فى رفع شأن الوطن العربى وعملكم من أجل الوحدة إنما يحقق التضامن والمنعة بين أبناء الأمة العربية كلها  .

أيها الإخـــوة 

لقد التقيت بقادة الثورة فى ليبيا ونحن نعلم أن الأعداء؛ الاستعمار وأعوان الاستعمار لا يرغبون أبدا فى قيام علاقات أخوية بيننا وبين ليبيا، وبدأوا فى نشر الإشاعات وبدأوا فى نشر الأقاويل وتكلمت فى هذا مع الإخوة من أعضاء مجلس قيادة الثورة وقلت لهم أن الأعداء من المستعمرين وأعوانهم سيعملون دائما على الوقيعة وبذر بذور الشك ، وقلت لهم نحن لا نريد من ليبيا أى شىء على الإطلاق  إننا لا نريد من ليبيا الثورة أكثر من العمل الكبير الذى حققته ليبيا الثورة ، لقد حصل النضال العربى على دور ليبيا كاملا لصالح الثورة العربية وصالح التحرر العربى بقيام الثورة فيها . وقيام الثورة فى ليبيا ـ أيها الإخوة ـ لا يمكن أن يقدر بمال ، نجاح الثورة فى ليبيا أيها الإخوة كسب بغير حدود، دخول ليبيا فى إطار الدول العربية المتحررة التقدمية المناضلة هو أمل بدا فى بعض الظروف كأنه الخيال . ولقد حققت الثورة فعلا ما كان يبدو خيالا وقلت لهم نحن لا نريد شيئا من ثروة الشعب الليبى .. ثروة الشعب الليبى للشعب الليبى . . وليه أنا قلت الكلام ده ؟ لأن الاستعمار ركز على هذه النقطة وقال أن مصر تتقرب إلى ليبيا طمعا فى أموال ليبيا ، وقلت لإخواننا أعضاء مجلس الثورة يجب ألا نكون على استحياء فى معالجة الأمور ويجب أن نتكلم فى الأمور بصراحة . . نحن كسبنا من الثورة الليبية ولكن لا ننظر أبدا من أجل أموال الشعب الليبى نحن كنا دائما نريد حرية الشعب الليبى لأن حرية الشعب الليبى ضمان للشعب الليبى ، وضمان لنا وزى ما قلت لكم فى سنة 65وجمنا من «هويلس» ومن قاعدة العظم ، النهاردة الثورة الليبية موجودة بتحمى ظهرنا ولن يستطيع العدو ولن تتمكن إسرائيل ولا أعوان إسرائيل ولا من هم وراء إسرائيل من أن يستخدموا هذه القواعد الليبية لأن الثورة الليبية ستكون معنا ضد عدونا وضد من هم وراء عدونا، وأنا فى الحقيقة بأقول هذا الكلام النهاردة مش بأقوله لكم، الحقيقة  أنا بأقوله للشعب الليبى . . إننا إخوة الشعب الليبى سنعمل دائما بكل طريقة وبكل وسيلة على أن نتضامن وعلى أن نتكاتف وعلى أن يساعد بعضنا البعض من أجل التنمية  ومن أجل التطور، ويجب على كل فرد من أبناء هذه الأمة أن يقاوم الحرب النفسية التى توجه إلى الأمة العربية حتى لا تفرق بين أبناء الأمة العربية وعندنا عدد من الخبراء فى ليبيا .. فيه عدد والحكومة الليبية بتدفع له مرتباته ، وفيه عدد إحنا بندفع مرتباتهم لأننا نعتبر أن هذا واجب علينا، ده موضوع يجب أن يعرفه الشعب المصرى والشعب الليبى، ويجب  أن يعلم الشعب الليبى أن من يقولون أن الشعب المصرى يطمع فى ثروة الشعب الليبى ليسوا أصدقاء لا للشعب الليبى ولا للشعب المصرى ولكنهم يريدون للشعب الليبى العزلة حتى يستفردوا بيه وحتى يمكن لهم أن يتآمروا عليه.. إننا نقدر الثورة الليبية، وإننا نقدر معمر القذافى زعيم الثورة الليبية وإننا نحيى الرائد عبدالسلام جلود نائب رئيس الوزراء فى ليبيا وإننا نقول لهم جميعا سيروا فى طريقكم .. الطريق الذى اخترتموه .. الطريق الصعب.. الطريق الذى ينتج عنه الخير لأبناء الشعب الليبى وأبناء الأمة العربية كلها ، ونقول لهم بكل تواضع أيضا أننا معكم . إن الشعب المصرى معكم فى معركتكم فى السراء وفى الضراء، وإذا قاتلتم فإن الشعب المصرى سوف يقاتل معكم  .

أيهــا الإخــوة   

وبعد سنة   67 وبعد العدوان . . بينما قال الأعداء أن الأمة العربية قد تفتت وأن الأمة العربية قد انتهت وأن روح القومية العربية قد ضاعت وأن الثورات التقدمية فى طريقها إلى الزوال وفى طريقها إلى الانهيار بعد هذا شهدت أرض الأمة العربية الثورة السودانية… الخ».

*      *       *

لقد حرص الرئيس عبد الناصر على تحقيق أقصى استفادة إستراتيجية ممكنة من التغيير الثورى الذى حدث فى ليبيا وكان يدرك ويعبر عن ذلك فى مناسبات كثيرة أن نجاح هذا التغيير يتوقف بالدرجة الأولى على حجم العائد الذى يحققه للشعب الليبى أولا ثم لأمتنا العربية وأمنها القومى  .

ومن هنا كان استعداده غير المشروط والبعيد عن أسلوب الانتهازية السياسية لتقديم كل ألوان الدعم للثورة ، حتى يمكن توظيف هذا الإنجاز فيما بعد لصالح الأمن القومى العربى  .

ولم يكن تحقيق هذه الأهداف بالأمر اليسير فقد واجهت الثورة الليبية منذ أيامها الأولى مصاعب كثيرة قد تصل إلى مرتبة الأزمات ، وكانت هناك قوى كثيرة فى الداخل والخارج صاحبة مصلحة فى النظام القديم إلى جانب قوى تسعى لاحتواء التغيير وتوظيفه لصالح أهدافها.

جاءت أولى الأزمات التى واجهت النظام الجديد من داخله ؛ فلقد اجتمع الضباط الوحدويون الأحرار حول مجموعة من الأهداف العامة، هى تغيير النظام الملكى وتخليص ليبيا من القيود التى كبلت حركتها الخارجية ، وتحريرها من كل أشكال النفوذ الأجنبى فى الداخل ، وعندما تحققت لها الخطوة الأولى وبدأت فى ممارسة السلطة الفعلية بدأ نقص الخبرة وفقدان الانسجام بين أعضاء التنظيم ، بل داخل مجموعة القيادة نفسها يحدث تأثيره، وبدأت القوى الأجنبية والعربية صاحبة المصلحة والكامنة تعمل على استغلال هذه العوامل بجدية.

لقد كان اختيار رئيس الوزراء فى أول تشكيل وزارى بعد الثورة أبرز النتائج التى أكدت تأثير نقص الخبرة وضعف الانسجام ، فلقد تم اختيار محمود المغربى كما قلت بناء على ترشيح وضغط من عضو مجلس قيادة الثورة فى ليبيا عمر المحيشى المعروف بتأثره فكريا بمحمود المغربى الذى كان تحت تأثير اتجاهات هى مزيج من أفكار البعث عن طريق سعدون حمادى (عضو مجلس الثورة العراقى فيما بعد و الذى كان يمثل حزب البعث فى ليبيا أيام العهد الملكى وسبق اعتقاله فى محاكمات البعث آنذاك )، و بشير بن كورة، وخليفة الأسطى ، والشيوعيين، والقوميين العرب وبالذات من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن طريق عبد المطلب السقا الذى كان يقيم فى قطر ، وحارب عمر المحيشى من أجله داخل مجلس قيادة الثورة وظل يدافع عنه لفترة طويلة بعد ذلك.

لم يكن محمود المغربى بالشخصية السياسية البارزة فى الساحة الليبية ، ولا يشغلنى هنا كثيرا  أصوله غير الليبية ( فلسطينى ) ، والتى كانت محل انتقاد بعد ذلك ـ وهناك حديث بينه وبين العقيد القذافى يكشف هذا الأمر ـ ، ولكن الملفت للنظر أنه لم يكن معروفا للكثيرين قبل قيام الثورة ولم يتردد إسمه إلا بعد عدوان 67، ومن خلال المظاهرات والتحركات السياسية التى أعقبت وقوع عدوان 1967 ليس بوصفه سياسيا ولكن كونه نقابيا . .. وحتى بالنسبة للصفة الأخيرة لم يكن للمغربى تاريخ نقابى يذكر، ولكن ظهوره فى هذا الوسط تم بطريقة غير طبيعية ، ففى أول انتخابات نقابية بعد عدوان1967 كانت هناك شخصيات معروفة بثقلها النقابى وتحظى بشعبية كبيرة فى الأوساط العمالية ولكن فوجىء الجميع فى الأوساط السياسية والعمالية بحصول المغربى على أعلى نسبة من الأصوات كرئيس للنقابة العامة للبترول وهو القطاع العمالى الأقوى فى ليبيا من جانب والذى يخضع فى كل أنشطته لنفوذ الشركات الأمريكية والبريطانية من جانب آخر ، وبدأ المغربى بعد ذلك يوسع من اهتماماته السياسية ويفتعل المصادمات مع السلطة الملكية حتى تحول إلى شخصية سياسية كل تاريخها لا يزيد على سنة وبضعة شهور قبل الثورة .

وفور توليه رئاسة الوزارة بدأت ممارساته تنم عن أهداف خاصة لا تتفق وأهداف القيادة الثورية الجديدة ، فهو شخص معاد لفكرة الوحدة التى تشكل الركائز الأساسية للتغيير، كما أثار الكثير من الانقسامات داخل هيئة الوزارة وقسمها إلى أكثر من جناح يتصارع مع الأجنحة الأخرى، وشكل مع عمر المحيشى محورا لتحويل توجهات الثورة بعيدا عن مصر ، وكاد أن ينجح فى اختراق مجلس قيادة الثورة وشق صفوفه عن طريق استمالة بعض العناصر المؤثرة فى المجلس ليشكل بهم فى النهاية محوراً يوصله لتحقيق أهدافه.

وحتى يتم إيقاف هذا السلوك التخريبى جرى الاستعانة ببعض الشخصيات القومية المعروفة بحبها لليبيا ونضجها الفكرى وموضوعيتها ونزاهتها وكان من أبرز هذه الشخصيات المفكر الفلسطينى د . أحمد صدقى الدجانى، والضابط الحر رئيس منظمة فلسطين العربية أحمد زعرور، وبعض الشخصيات الليبية ذات الاتجاه القومى ، لكن محاولاتهم لم تفلح فى تقويم سلوك محمود المغربى أو إعادة الإنسجام إلى وزارته حتى يمكن التفرغ لتحقيق التطلعات الطموحة للثورة فى إعادة البناء.

ولقد ساعد على تعميق السلبيات فى هذا الاتجاه حرص قيادة الثورة على عزل نفسها عن الجماهير لفترة طويلة نسبيا امتدت إلى ما يقرب من ثلاثة أشهر تحت دعوى الأمن والسرية والتجرد حتى أنه يمكن القول أن التشكيل الكامل لمجلس قيادة الثورة لم يظهر على الصعيد الإعلامى سوى فى النصف الأول من شهر ديسمبر1969

وكانت هذه القيادة التى تضم مجموعة من الرتب الصغيرة ـ قد استعانت باثنين من الرتب الكبيرة نسبيا هما المقدم آدم حواز والمقدم موسى أحمد ، وكان الأول رغم أنه لم يكن عضوا فى مجلس الثورة أو فى التنظيم ـ هو المتحدث باسم المجلس وهو حلقة الإتصال مع الإعلام والجماهير مما ولد لديه طموحا دفعه إلى التنافس على الصدارة وجعل منه فى الوقت نفسه هدفا للاستقطاب من جانب جهات أخرى كالمخابرات المركزية الأمريكية والبريطانية والعراق ، وانتهى به الأمر مع موسى أحمد إلى التآمر على الثورة نفسها وتجنيد عدد من ضباط التنظيم للانقلاب على الحكم الجديد وإعلان نفسه رئيسا للجمهورية ، لكن عناصر من الضباط الوحدويين الأحرار كشفوا التآمر وتم القبض على كل المتآمرين وتكشفت كل اتصالاتهم الداخلية والخارجية .

لقد أضافت هذه التطورات والأوضاع هموما جديدة إلى هموم الرئيس عبد الناصر، واعتبر نفسه مسئولا عن أمن الثورة الليبية ونجاحها، وتوالت رسائله واتصالاته مع القيادة الليبية تحتوى نصائح تكاد تكون يومية تقريبا  حول أساليب الحكم وإجراءات التأمين من داخل القوات المسلحة وخارجها وتنظيم الجهاز الإعلامى وفوق كل ذلك كانت نصيحته الثابتة هى ضرورة إشعار الشعب الليبى من خلال النتائج بأن هذا التغيير هو فى صالحه ويهدف إلى تحسين أحواله المعيشية وأوضاعه الاجتماعية والسياسية بصفة عامة . وفى سبيل ذلك كانت توجيهاته تنصب على الاستجابة لطلبات ليبيا من الخبرات المصرية فى شتى المجالات والتدقيق فى اختيار العناصر حتى لو تحملت مصر جانبا من الأعباء المالية  .

ومن جانبهم تعددت طلبات الإخوة فى ليبيا بدءا من الجيش الذين كانوا يطلبون تعيين مجموعة تخطيطية كاملة لإعادة بنائه علاوة على مستشارين على مستوى الوحدات وامتدادا إلى الوزارات والقطاعات المختلفة التابعة لها فى شكل مستشارين للوزراء أيضا وخبراء تنفيذيين  .

وتم الاتفاق على استمرار الخبراء المصريين حتى بعد وضع خطة التنمية وذلك لمعاونة الوزارة الجديدة برئاسة القذافى الذى أكد فى أكثر من مناسبة أن وجهتهم هى الجمهورية العربية المتحدة وجمال عبد الناصر بالذات ، وكانت مرتبات الخبراء على المستوى القيادى والوزراء تتحملها الجمهورية العربية المتحدة ، أما باقى الخبراء على المستوى الأدنى فالإتفاق كان أن تتعاقد معهم السلطات الليبية ، وقد وضعت بعد ذلك الضوابط المالية والإدارية التى تكفل حسن الأداء وصدرت لائحة مرتبات ليبية للخبرة المصرية  .

وأحب  أن أقول هنا أن الاقتصاد الليبى قد نشط جدا  إبتداء من شهر فبرايـر1970، وزادت الإيداعات فى البنوك ووصلت إلى80% بعد أن كانت1 %  فى الأشهر الثلاثة السابقة، كما نشطت قطاعات التشييد والتجارة ، وانتظمت عمليات الاستيراد وإزداد السحب من السوق مما أوجد حالة انتعاش وبدأ الاهتمام بالزراعة والرى وإمكانيات المساهمة فى المشروعات التى تضمنتها خطة التنمية التى وضعتها هيئة الخبرة المصرية. كما وضعت دراسات حول التنظيمات الشعبية فى ليبيا وأنسب ما يتمشى مع طبيعة المجتمع الليبى.

كانت تعليمات الرئيس عبد الناصر صريحة واضحة بأن يكون شعراوى جمعة وأمين هويدى وسامى شرف بالتعاون مع فتحى الديب فى حالة اجتماع مستمر لدراسة وتنفيذ ومتابعة كل ما يخص الثورة الليبية ، على أن يشاركهم الفريق محمد فوزى فيما يتعلق بالنواحى العسكرية  .

ولا يفوتنى فى هذا المجال أننى قد قمت من جانبى بالمساهمة فى تنظيم بعض المؤسسات منها الرئاسة الليبية، وسكرتارية العقيد القذافى والحرس الجمهورى الليبى والمخابرات كما تدرب فى مكتبى فى القاهرة سكرتير القذافى للمعلومات ( الملازم الريفى ) وبعض أفراد السكرتارية والحرس الجمهورى ، هذا علاوة على أنى توليت بناء على طلب العقيد أثناء وجودى فى طرابلس بإعادة تنظيم وترتيب هاتين المؤسستين على الطبيعة هناك  .

وقد توجهت بناء على تعليمات من الرئيس عبد الناصر إلى طرابلس على رأس مجموعة كبيرة من الخبراء لتقديم واجب المعاونة والمشورة للإخوة الليبيين وكان يرافقنى كل من الإخوة :

فتحى الديب ـ أمين حلمى كامل نائب رئيس هيئة التصنيع وزير الصناعة فيما بعد ـ محمد عبد الرقيب نصر بدوى رئيس الهيئة العامة لإستصلاح الأراضى ـ أنيس توفيق البردعى رئيس هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية ـ د . عبدالحميد حسنى رئيس هيئة الكهرباء ـ أحمد طلعت عزيز رئيس المؤسسة المصرية العامة للمضارب ـ محمود أمين عبدالحافظ رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة لاستغلال و تنمية الأراضى وزير الإسكان فيما بعد ـ عادل عزى رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة لاستغلال وتنمية الأراضى المستصلحة  ـ حسن الشربينى وكيل وزارة التخطيط ـ محمد الخواجة وكيل وزارة الإقتصاد والتجارة الخارجية  ـ عبد المنعم سيف مدير عام شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير ـ المستشار عادل عبدالباقى مساعد المستشار القانونى لرئيس الجمهورية ـ د. عبد الغفار خلاف وزارة الصحة ـ عبد العزيز السيد وكيل وزارة التربية والتعليم ـ لواء سعد الشربينى نائب مدير المباحث العامة ـ وفى مجال الإسكان سبعين مهندسا وفنياـ وفى مجال الكهرباء 93 مهندسا و81 فنيا ـ وفى مجال الصحة 272 طبيبا و152هيئات تمريض و13 مساعد معمل وأخصائى أشعة علاوة على 53 طبيبا عسكريا للقوات المسلحة الليبية و2 فنى علاج طبيعى ـ وفى مجال النقل 3 مهندسين للمتابعة و10 مهندسين للمرور و7 مساحين بالإضافة إلى خبراء فى المطارات وما يتعلق بشئون الطيران المدنى والمراقبة الجوية والمواصلات و71 مساعد مهندس وفنى ـ علاوة على دعم الجهاز المركزى للمحاسبات بالخبرة الفنية والقانونية ـ  .

وكانت الخبرة المصرية تحمل العديد من المزايا للمواطن وسوق العمل فى ليبيا إلى جانب ابتعادها عن الأغراض السياسية أو العمل الحزبى، فقد كانت مشكلات اللغة والعادات والتقاليد وانخفاض مرتباتها أكثر ما يميزها عن الخبرات الأجنبية ، كما توفرت ميزة أخرى وهى استعدادها للعمل فى أى بقعة فى ليبيا بما فى ذلك المناطق الصحراوية البعيدة والتى كانت الخبرات الليبية نفسها ترفض الانتقال إليها وتفضل العمل فى المدن الرئيسية مثل طرابلس وبنغازى.

لكن ذلك كله لم يكن كافيا للتصدى للحملات المعادية بل والشعور المناوىء من جانب بعض أفراد الشعب الليبى نفسه ، وانتشرت فى بعض الأوساط مقولة أن الشعب الليبى يرحب بالخبرة المصرية فقط إذا كان النظام الحاكم مختلفا أو معاديا للقاهرة والعكس صحيح ، واستثمرت بعض الحكومات العربية بوجه خاص هذا الوضع فى تأليب المشاعر ضد المصريين ، وكان لابد من تدخل الرئيس عبد الناصر بنفسه لشرح الموقف كما أسلفت.

على أنه يمكن القول أن العائد الإيجابى الذى ترتب على التغيير الثورى فى ليبيا  قد فاق كل الأعباء التى تحملتها مصر فى سبيل إنجاحه

وكان أول عناصر هذا العائد هو صفقة الطائرات الميراج الفرنسية التى أبرمتها ليبيا فى نهاية 1969. لقد فرضت فرنسا فى ظل رئاسة ديجول حظرا على توريد الأسلحة للأطراف المتصارعة فى منطقة الشرق الأوسط بعد عدوان 1967، لكنها خلال عامى 1968/1969 أوفدت وزير دفاعها إضافة إلى وفود عسكرية فى جولات منتظمة فى دول المنطقة غير المتورطة مباشرة فى الصراع العسكرى للترويج لمنتجاتها من الأسلحة لأغراض تجارية، وبالفعل نجحت فى عقد بعض الصفقات مع السعودية والعراق وبعض دول الخليج البترولية  .

وللحديث بقية …

اقرأ في الحلقات القادمة..

  • صفقة الطائرات الميراج الفرنسية.
    زيارات القذافي لمصر عبد الناصر.
    موقف الرئيس عبد الناصر من الملك إدريس السنوسي.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *