الرئيسية / كتب و دراسات / تحميل الكتاب الممنوع “البحث عن السادات” ومقاله عن ثغرة الدفرسوار – تأليف د.يوسف إدريس

تحميل الكتاب الممنوع “البحث عن السادات” ومقاله عن ثغرة الدفرسوار – تأليف د.يوسف إدريس

510cjhC8SXL._SX338_BO1,204,203,200_

يشتمل هذا الكتاب على النص الحرفي للمقالات السبع التي نشرها إدريس في “جريدة القبس” الكويتية وصحف أخرى خارج مصر. وكتب إدريس افتتاحية لهذا الكتاب بعنوان “البحث عن الحقيقة” كمقدمة لا غنى عنها لفهم الظروف والجو النفسي المرعب الذي قـُصد به إرهاب قارئ هذه المقالات مثلما قـُصد به إرهاب كاتبها وكذلك إرهاب أي كاتب آخر. وموضوع هذه المقالات هو إبرام الرئيس السادات معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل

ملف خاص عن محاولة اغتيال كاتب لأنه كتَب «البحث عن السادات»

أعتقد أن القراء لهم يَذكرون الحملة الضارية التي قامت ضدِّي حين كتبت المقالات السبع تحت عنوان «البحث عن السادات»، تلك الحملة التي بدأت بكذبة دنيئة من أنني قلت عن حرب أكتوبر في ذلك الكتاب أنها كانت تمثيلية متَّفقٌ عليها، والتي انتهت حين وقف السيد رئيس الجمهورية يُهاجمني في خطبة أول مايو ٨٣ المشهورة، وقد آثرتُ أن أُضمِّن هذا الكتاب بعض الوثائق الخاصة بهذا الموضوع، ليس دفاعًا عن النفس، وإنما مجرَّد إثبات لأحداث وقعت، ومؤامرة تمَّت ضدي، وبنجاح شديد.

وقد آثرتُ إكمالًا للتوثيق أن أُورد هنا مقالتين كتبهما الأستاذ الكبير فتحي رضوان عن هذا الموضوع، وأيضًا مقالة للكاتب الوطني الفذ الأستاذ جلال أحمد أمين، لا لشيء لأنهما كادا أن يكونا الصَّوتَين الوحيدين اللذَين ارتفعا في ذلك الموقف الخطير المُلتهِب الذي اشتغل ضدي.

وإذا كان لي من تعليق صغير أُضيفه هنا، فإني أؤكِّد أن ما حدث من وزير الثقافة وعدوانه الصارخ على شخصي ووظيفتي، وردود الأفعال الثقافية والشعبية الهائلة، كانت في حقيقة أمرها ردًّا لاعتباري قبل الهجوم الغادر الذي شُنَّ عليَّ قبلها بعام، والذي نجح في الإيقاع بيني وبين الرئاسة في مصر، بل وكاد أن ينجح في الإيقاع بيني وبين قواتنا المسلحة البطلة.

إنها حقائق ووقائع للتاريخ ليس إلا، ولا أملك معها إلا أن أقول: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ صدق الله العظيم.

(١) ما الذي حدث؟

يوسف إدريس في مقال مفتوح للنائب العام والمدعي الاشتراكي: أطلب التحقيق معي في «البحث عن السادات».

صادَرَت مباحث أمن الدولة خلال الأسبوعين الماضيين كتاب «البحث عن السادات» لعميد كُتَّاب القصة القصيرة العرب، د. يوسف إدريس.

وتنفرد «الأهالي» في هذا العدد بنشر المقدمة التي كتبها د. يوسف إدريس خصِّيصًا للكتاب، الذي كان في الأصل مقالات نُشرت في جريدة القبس الكويتية، وفيما استعرض الكاتب، ظروف كتابته لتلك المقالات، وتناول بالتحليل اتجاهات الحملة التي شُنَّت في الصحف الحكومية على الكتاب ومؤلِّفه، والتي بلغت ذروتها بالهجوم المباشر الذي شنَّه الرئيس مبارك على الكاتب والكتاب، فيما اعتبره د. يوسف محاوَلة لاغتياله، دفعته لجمْع المقالات في كتاب يكون نشَره مقدمة للمطالبة بمحاكمة كل الذين حرَّضوا على اغتيال سُمعتِه دفاعًا عن السادات. والأهالي وهي تَنشُر هذه المقدمة تضمُّ صوتها لكل الأصوات التي أزعجها قرار مصادرة كتاب يوسف إدريس، باعتباره انتهاكًا بشعًا لحقِّ كاتب من أبرز الكُتَّاب في تاريخ الأدب العرب كله في أن يقرأه الناس، بعد أن قرءوا الهجوم عليه والتنديد به، باعتباره انتهاكًا لحرية الرأي والفكر، وإهانةً لكاتب لا يُشكِّك أحد في تاريخه.

جمعتُ المقالات في كتاب لأُطالب بمحاسبة كل الذين تآمَروا لاغتيالي.

صحفيُّو وكُتَّاب السادات لا يزالون يحتلون الساحة الصحفية والسياسية.

البحث عن الحقيقة.

ما هذا الذي حدث؟

وكيف حدث؟

ولماذا حدث؟

أسئلة كان من الصَّعب تمامًا أن يُجيب عليها الإنسان وسط زوبعة الرمال والتراب وعواء القطط والكلاب وفرقعات مسدَّسات الأطفال وقنابل الصوت التي كانت تحفل بها الساحة، والذي تفجر فجأةً في أوائل أبريل الماضي إثر نشر إعلان، مجرد إعلان، عن مقالات سبع ستَنشرها لي جريدة القبس الكويتية وتنقلها عنها بعض جرائد الخليج والأردن، فحتى ذلك الوقت كانت الساحة السياسية هادئة أو شبه هادئة، وكان الشد والجذب يدور حول حتمية «التغيير» وضرورته، ذلك الذي تُطالب به المعارضة، وعدم ضرورة التغيير الفوري وخطورته، ذلك الذي تراه السلطة وبالذات قيادة الحزب الوطني الحاكم.

موسكو تضغط على الزر

وكأنه كان غريبًا أن تظهر مقالاتي في نفس ذلك الوقت.

فأنا لستُ طرفًا في اللعبة السياسية الدائرة منذ حادث المنصة حول السادات، أو هكذا بدَوتُ، وأنا أطلع فجأة على القراء برأي خطير في أنور السادات، مسألة قيل في تأويلها كل ما يمكن أن يَخطر على بال إنسان موتور أو حتى حسن النية، غير أن أحدًا لم يتوقَّف للحظة ويتساءل عن الحقيقة، ولماذا بدا أني خرجتُ على الناس فجأة برأي في السادات وكأنني قد اتفقتُ مع الأستاذ هيكل ومع الصُّحف العربية التي نشرت كتابه ومقالاتي في «مؤامرة!» للنَّيل من الرئيس الراحل «معًا» وفي وقت واحد.

ولو كُنَّا في ظروف عادية، ولو لم يملأ الصغار والمُسترزِقون، الصحفيون من عهد السادات وإلى الآن، الجوَّ بالغبار والرمال وقذائف الطين، لأمكننا جميعًا أن نرى الحقيقة بنفس البساطة التي تمَّت بها، ولما احتاج أحد جهابذة كُتَّاب جريدة الأخبار لأن يقول: إنَّ موسكو ضغطت على زر ليكتب هيكل وإدريس وغيرهما ضد الساداتية في ذلك الوقت بالذات، الذي تستعد فيه مصر للاحتفال بعودة سيناء (٢٥ أبريل) وتدور مفاوضات «كامب ديفيدية» أخرى مع لبنان!

وفي الجانب الذي يخصُّني، سأُورد هنا، ولأول مرة، حقيقة أفكاري ومشاعري تلك التي انتهَت بنشر المقالات السبع.

نقطة التحول

والبداية الحقيقية كانت في أوائل يونيو عام ١٩٨٢، حين اجتاحَت جيوش إسرائيل لبنان تضرب وتذبح وتُنكِّل وتَحرِق وتَنسِف وتَقتُل المدنيين والعسكريين، الأطفال والنساء والشيوخ، ويتوَّج الأمر بمذابح صبرا وشاتيلا في النهاية.

كان غزو لبنان نقطة تحول كبرى في تفكيري.

ذلك أني كنت أعتقد أن الضرر الذي حدث من كامب ديفيد، كان مقصورًا إلى ذلك الحين على عزل مصر عن شقيقاتها العربيات، وربط مصر ربطًا مُحكَمًا بالاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية للسيطرة على المنطقة.

ولكن غزو لبنان أكَّد لي الشعور بأن كامب ديفيد لم تكن إلا البداية الحقيقية لفترة طويلة قادمة هي فترة السيادة الإسرائيلية المدعومة والمسنودة تمامًا من الولايات المتحدة الأمريكية.

وتصادَفَ أني كنت قد انتهيت من قراءة الجزء الأول من مذكرات كيسنجر، وأيضًا مذكرات الرئيس الأمريكي السابق كارتر، وبدأت تُنشر في خريف عام ٨٢ أيضًا مذكرات محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية إبان مفاوضات كامب ديفيد.

ويقول يوسف إدريس إنه تابع قراءة تلك المذكرات التي نشرَتْها جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، ثُمَّ يواصل:

وحين انتهى نشر المذكِّرات، وجدتُ أني قد بدأ يتكون لي رأي خطير فيما فعله السادات في كامب ديفيد، وفيما فعلته كامب ديفيد في السياسة المصرية والعربية. وكما ذكرت بدأت أكتب هذا الرأي لنفسي، ثُمَّ بدأت أجد أن رأيي هذا يَستلزم الرجوع إلى شخصية السادات ودوره في الثورة المصرية وشخصيته، والخطة التي بناها كيسنجر ومرتكزها الأساسي تلك الشخصية الساداتية الفريدة.

كتبتُ الآراء على هيئة خمس مقالات، كان موقفي فيها هو امتداد لما كتبتُه عشية الغزو الإسرائيلي للبنان، باعتبار أنه جزء من الخطة الكبرى المرسومة للمنطقة والتي أدخل السادات نفسه فيها عن إرادة ووعي، لا ليستغلَّها هو لمصلحة مصر، وإنما لكي تستغله هي — أي الخطة — لمصلحة أمريكا وإسرائيل.

وحين تسرَّب خبر كتابتي للمقالات في حوالي فبراير ١٩٨٣، إلى الجرائد الكويتية، تلقَّيتُ عرضًا من جريدة القبس عن طريق مدير مكتبها في القاهرة لنشر المقالات في الجريدة المذكورة والحصول على حقِّ نَشرها في كل المشرق العربي.

النشر في الخارج … لماذا؟

ووافقت …

فمسألة نشرها في مصر كانت غير واردة بالمرَّة؛ لأسباب كثيرة لا يخفى على القارئ معظمها، ولكن أهمها في رأيي أن الرأي العام في مصر يكاد يكون مُحاصَرًا؛ بحيث إن كثيرًا جِدًّا مما يُهمُّ الرأي العام المصري الوقوف عليه لا يُنشَر في مصر؛ بحيث أصبح الرأي العام المصري يكاد يكون محليًّا مُنكفئًا على نفسه، ومحظور أن يُنشَر في جرائده الكبرى الحكومية ما يمكن أن يُعتبَر رأيًا علميًّا عميقًا يُناقش الفترة الساداتية أو حتى الفترة الناصرية.

وللآن لا يزال الاقتراب الجاد الخطير، والتقييم العلمي، وبالضبط كنه ثورة ٢٣ يوليو ومسائل كبرى كالعُدوان الثلاثي أو التدخل في اليمن أو هزيمة ٧٦ أو ثغرة الدفرسوار، أو حقيقة الدوران للخلف الذي حدث عام ١٩٧١.

كل تلك المواضيع الكبرى في حياتنا لا تزال لم تُناقَش بعد، وأبدًا ليس من مُنطلَق ترك واقعنا الحالي أو تطلعنا إلى المستقبل، والعودة إلى الماضي نتفحص «ونغلي» فيه كاليهودي الذي أفلس، لا، وإنما لكي نحدِّد حركتنا إلى المستقبل تحديدًا واضحًا وصحيحًا، فلا بُدَّ أن نعرف أين نضع أقدامنا الآن، ولكي نَعرف موقع أقدامنا الحاضرة فلا بُدَّ أن نعرف تاريخ ذلك الموقع وكيف كان وجاء.

ثُمَّ يواصل قائلًا:

وما كتبتُ مقالاتي عقب الغزو الإسرائيلي للبنان إلا مُحذِّرًا من «الخطة العظمى» وراء هذا الغزو، ومن مُؤامرة تقسيم لبنان إلى دويلات عرقية ودينية، دويلات تُبرِّر وجود إسرائيل كدولة عرقية دينية، وفي نفس الوقت تكون من الضعف بحيث تُتيح لإسرائيل السيطرة الكاملة على تلك الدويلات.

وحين قرأتُ مذكِّرات محمد إبراهيم كامل، وجدت أن مصر قد أُضيرت ضررًا هائلًا بمبادرة السلام وباتفاقيات كامب ديفيد، وأن كُنْهَ هذا الضرر وأبعاده شيء لا يُمكن معرفته إلا بالرجوع إلى مذكِّرات الرجل الذي شهد تلك المفاوضات من داخل المعسكر الساداتي نفسه.

بين نارين

وقد وجدتُ نفسي، قبل أن أكتب تعليقي على مذكرات إبراهيم كامل وبعد أن كتبته بين أحد أمرَين:

  • إمَّا أن أُبقي هذا الرأي لنفسي حتى لا أجرَّ على نفسي مشاكل، خاصة وصحفيو وكتاب السادات لا يزالون، بربطة المعلم، يحتلون الساحة الصحفية والسياسية، لم يتغيَّر منهم أحد، بل هم أقوى مما كانوا في عصر السادات؛ الآن هم توحَّدوا، يُدافعون عن وجودهم هم وعن مصالحهم، وعن رقابهم؛ بحيث أصبحوا أكثر عدوانيةً وشراسةً، وبحيث أصبح نقد السادات، أيُّ نقد، ربما أصعب من نقده وهو حي.إمَّا هذا …
  • وإمَّا أن أنشر رأيي على الناس، وأُبشِّر به، فإذا ردَّ عليَّ أحد فإني على استعداد للرد عليه ومناقشته؛ فالكاتب حين يكتب، أقصد الكاتب الصادق الشريف مع ذاته ورأيه، لا يتصور أن كتابته كتابٌ أُنزل، وإنما هو يَتصوَّرها آخر اجتهاداته في هذا الشأن أو ذاك، فإذا صمدت للرأي أو للجدل كان بها، وإذا انتصر عليها رأي أو اجتهاد آخر فأهلًا به.

وأخذت بالرأي الثاني في الحال، وبلا أي تفكير؛ فأن يرى الكاتب رأيًا ويُخفيه عن الآخرين طلبًا للسلامة هو قمة خيانة النفس في رأيي، مهما جلب عليه الرأي من مَتاعب، فآخر ما يَحسبه الكاتب هو المتاعب التي سيجرُّها عليه رأيه. حين قُبض عليَّ عقب معارضتي لمعاهدة ١٩٥٤ التي أبرمها جمال عبد الناصر مع البريطانيين، وسُمِّيَت معاهدة الجلاء، كنتُ وأنا في زنزانتي «الانفرادية» في «القلعة» أسعد إنسان بهذا السجن؛ إذ كنت أُحسُّ أني بسجني إنما أدفع ثمن قول رأيٍ في بلد يُعاقِب بالسجن صاحب الرأي، ومعنى هذا أن وجودي في السجن نتيجة طبيعية تمامًا؛ فالحكومات في العالم الثالث لا تُنعِم بالنياشين على أصحاب الرأي، خاصةً إذا كان رأيًا معارضًا آخر، إنها تُعاقبه على رأيه، وتضربه، وأحيانًا تقتله.

ويقول المؤلف إنه قرَّر نشر المقالات وأعطاها لمدير «القبس» في القاهرة … ثُمَّ يضيف:

وطلبتُ من الزميل مدير القبس، ومن رئيس تحرير القبس، سرعة نشر المقالات، ووعدني بالنشر، ولكن النشر تأخَّر، حتى بدأت أفكر في فسخ التعاقُد على النشر؛ فالموضوع كان لا يحتمل التأجيل في رأيي، ولم أكن أعرف سببًا معقولًا للتأجيل، وفيما بعد عرفت السبب.

فجريدة الوطن الكويتية كانت تعاقَدت على نشر فصول كتاب «خريف الغضب» ابتداءً من أبريل.

والقبس ادَّخرت مقالاتي لتُنشَر — لأسباب منافَسة صحفية (لا تخفى على القارئ) — في نفس الوقت.

ولو كنتُ أعرف هذا لرفضت المبدأ.

ولكني لم أكن أعرف، بل لم أكن أعرف أن كتاب هيكل سيَصدُر بالعربية في ذلك التاريخ، وأيضًا لو كنتُ قد عرفتُ لرفضتُ أن تُنافِس مقالاتي خريف الغضب، فتلك مسائل صغيرة، والقضية أكبر وأخطر بكثير.

إنما، هذا هو ما حدث.

فأنا أبدًا غير آسف.

فالرأي الصحيح لا يُهمُّ موعد صدوره، أو ظروف صدوره، إني فقط أذكر هذه الحقائق لأوضِّح لبعضِ مَن التبس عليهم الأمر وظنُّوا أن «القبس» كلَّفتني، «بسرعة» لكتابة مقالاتي حتى تنافس بها فصول «خريف الغضب» فيما سمَّاه لي رئيس تحرير قومي أعتزُّ به «موسم الهجوم على السادات».

ولكني أعذره.

بل وأعذر الكثيرين الذين خفيَتْ عنهم كل هذه الحقائق، ورأوا «من الخارج» أنها لم تكن صدفة، وأنها عمل مدبَّر و«مؤامرة»!

ومؤامرة النشر، كما ذكرت، مؤامرة تَنافُس صحفي، مهما كان فهو مشروع.

قارئ متنكر …!

أمَّا المؤامرة الحقيقية فهي ما حدث بعد النشر.

إذ كنتُ قد سافرت إلى أثينا في الأسبوع الثاني من شهر أبريل الماضي لحضور مؤتمر لمناصرة القضية الفلسطينية.

وعُدتُ بعد أسبوع لأُفاجأ في اليوم التالي مباشرةً بمربع ضخم في جريدة الأهرام تحت عنوان «من بريد القراء»، مربع يحتلُّ نصف الصفحة، وبطريقة تحريضية مباشرةً يحتوي على إعلانين، أحدهما عن سلسلة مقالاتي «البحث عن السادات»، والآخر عن كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل «خريف الغضب»، والإعلانان كانا قد نُشِرا في جريدة «الخليج»، فوجئتُ بعدة أشياء:

  • فأَوَّلًا: كان إعلان جريدة «الخليج» عن المقالات إعلانًا من النوع الذي تحفل به صحف الإثارة عندنا وفي الخارج، وقد أخذ الإعلان كلمات من جملة مقالاتي السبع، كلمات مبعثرة على طول صفحات المقالات المنشورة، ووُضعت بجوار بعضها البعض على طريقة اجتزاء الجمل والفقرات؛ مثل لا تقربوا الصلاة، والحق أن الإعلان أغضبني تمامًا.
  • وثانيًا: ولكنَّ الذي أغضبني أكثر في الحقيقة هو الطريقة التآمُرية التي نُشر بها الإعلان؛ فأنا أعمل في الأهرام، والأهرام أكثر الجرائد احترامًا في مصر والعالم العربي، وقد كان جديرًا بالمسئولين عن التحرير فيه أن يَعرضوا عليَّ الإعلان ويُعطوني أنا فرصة التعليق عليه أنا نفسي واستنكاره، أو إن لم أفعل يكونون قد قاموا بما يمليه عليهم شرف مهنة الصحافة، وحينذاك يُصبحون أحرارًا في نشر الإعلان والتعليق عليه.
  • وثالثًا: كان التعليق واضح الادِّعاء والتزوير؛ فقد زعم المحرر (وقد ثبت أنه لم يكن المحرر الأصلي لباب بريد القراء في الأهرام، ولكنه مدير تحرير الأهرام الذي كان مسئولا بعد سفر رئيس التحرير في الخارج)، زعم المحرِّر أنه تلقَّى مئات الخطابات تَستنكِر المقالات (التي لم تكن قد نُشرت في القبس أو الخليج)، وأن مرسلي بعض الخطابات قد قطعوا الإعلان المذكور من جريدة الخليج وأرسلوه إلى الأهرام.وذكر «قارئ» كان واضحًا أنه ليس سوى مدير تحرير الأهرام متنكِّرًا خلف قارئ مجهول، ذكر أنني وصفتُ حرب أكتوبر بأنها تمثيلية متَّفق عليها بين السادات وإسرائيل وأمريكا، وهو ادِّعاء كاذب؛ فليس في المقالات كلها كلمة تمثيلية، وليس فيها أي طعن في أداء الجيش المصري البطولي في أكتوبر، وكل ما فيها خاصًّا بحرب أكتوبر لم يكن سوى فقرة واحدة من المقال الثاني على هيئة تساؤلات حول طعنة الثَّغرة التي وُجِّهَت إلى ظهر الجيش المصري وهو في قمَّة انتصاره تُتيح لإسرائيل وضعًا عسكريًّا تَعبُر فيه قواتها إلى غرب القناة وتُحاصر الجيش الثالث وتقطع الإمدادات عن مدينة السويس وتَنتشِر داخل الأرض المصرية. وهو أمر كان ممكنًا تمامًا ألا يحدث لو كانت القيادة السياسية للحرب المتمثِّلة في شخص رئيس الجمهورية آنذاك والقائد الأعلى للقوات المسلحة أنور السادات، لو كان قد وافَقَ على ضرب رأس الجسر الذي أقامه الإسرائيليون والذي كان الجيش المصري قد تدرَّب على ضربه وخصص له اللواء ٢٥ المدرع الذي لم يَسمح السادات بإعادته من شرق القناة إلى غربها حين اكتُشفَت الثغرة ليتولى القضاء عليها تمامًا. ولو كان هذا قد حدث لما اضطرت مصر إلى دخول مفاوَضات فضِّ الاشتباك، ولحصلت على الجلاء الإسرائيلي الكامل عن سيناء دون التورُّط في اتفاقية كامب ديفيد الأولى، مما يجد القارئ له تفصيلًا في المقالة التي كتبها السيد حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي المصري آنذاك، ونشَرَها بمجلة المصور في العدد ٣٠٧٥ (١٣ مايو ١٩٨٣).
  • ورابعًا: اتضح في الأيام التالية أن هذا الإعلان المزوَّر المحرِّض في الأهرام ليس سوى الخطوة الأولى والتمهيد المبدئي لعملية مخطَّطة تمامًا وموزَّعة الأدوار؛ فقد فوجئت في اليوم التالي بانعقاد المجلس الأعلى للصحافة، وما دار فيه من مناقَشات كلُّها اتهامات صارخة بأني قلت أن حرب أكتوبر «تمثيلية»، وأن هذا إجرام في حقِّ بطولة الجيش المصري واستهتار ما بعده استهتار بدماء الشهداء الأبطال، وكأنهم أتوا وهم «يُمثِّلون» الاستشهاد.إعلان تَنشره جريدة خليجية بطريقة مثيرة عن سلسلة مقالات لي، ويُضيف له مدير تحرير الأهرام من عنده على لسان قارئ أنني قلتُ إن حرب أكتوبر تمثيلية، يجتمع المجلس الأعلى للصحافة، يأخذ هذا القول المزوَّر على أنه حقيقة ويَبني عليها اتهامًا، ودون أن يسمع المجلس وجهة نظري، أو يحفل بأن يرى المقالات أو يقرأها ويَرى إذا كنتُ حقًّا قد قُلت هذا الكلام أم لم أقله، ويخرج بإدانة صارخة لما كتبتُه وإدانة لي ككاتب.وهذا الذي لم يحدث في بلاد الماو ماو، يَحدث لي في القاهرة عام ١٩٨٣، وفي ظل ظروف انفراجة ديمقراطية، وفي ظل حرية صحافة.

الحكم قبل المداولة

ومع هذا …

فقد حاولتُ أن أنشر تكذيبًا لما ذكره الأهرام، فرفَضَ مدير التحرير المذكور نشره.

وحاولت نشر التكذيب في كل الصحف «القومية» الأخرى، فرفضَت جميعها.

وحاولتُ الدفاع عن نفسي وإدانة قرار المجلس الأعلى للصحافة، باعتباره قرارًا باطلًا، بُنيَ على كلام باطل، ودون أن يُسمع لي رأي أو يَقرأ أحد ما كتبته.

وأيضًا، رفضت كلُّ الصحف المصرية الحكومية أن تَنشُر لي حرفًا.

وبناءً على تزوير مدير الأهرام وإدانة مجلس الصحافة، بدأَتْ حملة ضارية من المقالات والاتهامات، تتَّهمني بنبش قبور الموتى، وأني نافقت السادات حيًّا وهاجمته ميِّتًا. وأضاف رئيس تحرير مايو اتهامًا آخر من عنده، بأني كتبت هذه المقالات بأمر من القذافي، ونشرتها في جريدة القبس الكويتية. بل ووصلت الحملة الإرهابية إلى حدِّ أن كاتبًا من كُتَّاب الأعمدة في جريدة الأخبار زعم أن مقالاتي وكتاب هيكل لم يُنشَرا صدفة، وإنما هما جزءٌ من خطة دولية بتوجيه من موسكو لإفشال المفاوَضات اللبنانية الإسرائيلية وإشاعة جو الفوضى في المنطقة.

وكل هذا يحدث دون أن يقرأ أحد ما نُشر في المقالات، إنما كله مبنيٌّ فقط على حكاية «التمثيلية» التي زوَّرها مدير الأهرام على لسان قارئ.

وحين يَحدُث لك هذا أعتقد أنك ما دمتَ مطمئنًّا إلى الحقيقة، وأن شيئًا كهذا لم يحدث، ستقول إنها مسألة حقد مهني، وأن الحق لا يلبث أن يظهر، وأن كل شيء سيتَّضح، وأنك ستأخذ حقك كاملًا من هؤلاء الذين حاوَلوا تشويه سُمعتك وشخصك.

ولكن …

حين تُحاول أن تُكذِّب وتصحح فتجد أنك ممنوع من القول ومن الكتابة.

وإن نشر الكذبة لم يكن إلا مقدمة بسيطة لخطة خبيثة مدبَّرة لإقناع جماهير القراء أنك قلت وفعلت وارتكبت كل ما يُلصقونه بك.

حينذاك تبدأ تغضب.

وتبدأ تُحسُّ أنك مخنوق، وأنك وأنت الكاتب، تجرِّب أسوأ تجربة ممكن أن يمر بها إنسان؛ حرمانه من قول رأيه أو الدفاع عن نفسه، وهذا بالضبط ما كنت أُحسُّه حين بدأت أستمع إلى خطاب الرئيس محمد حسني مبارك في عيد العمال.

رسالة إلى مبارك …

فقد كنتُ مؤمنًا أن رئيس الدولة بكل ما لديه من وسائل لمعرفة الحقيقة، سوف يطَّلع على ما كتبتُه، وأنه سيعيد هؤلاء الناس إلى رُشدهم وسيَضَع النقط فوق الحروف ويوضِّح تمامًا أن مسألة لقائي بالقذافي التي تمَّت في أواخر العام الماضي ١٩٨٢ والتي كتبت بشأنها تقريرًا على هيئة خطاب أودعته مكتب الرئيس بعد عجزي عن لقائه.

ولكن هذا للأسف لم يحدث.

وبدلًا منه وجدتُ كلمات أخرى، ولندع هذا العامود الذي نُشر في جريدة حزب العمل (الشعب) تعليقًا على خطاب أول مايو يقول:

اتَّهم الرئيس حسني مبارك في خطابه يوم عيد العمال كاتبًا معروفًا، هو الأستاذ يوسف إدريس، اتِّهامًا خطيرًا يُعتبر — حسب تعبير الكاتب — طعنة في صميم وطنيته وذمته وكبريائه … ومجمل هذا الاتهام أنه تقاضى خمسة آلاف دولار من الرئيس الليبي معمر القذافي ليكتب مقالاته التي نشَرَها في جريدة القبس الكويتية، والتي أُثير حولها الصخب والضجيج دون أن يطَّلع أحدٌ عليها ودون أن يُسمح لكاتبها ببيان وجهة نظره.

وقد أنكر الكاتب الموجه له هذا الاتهام الخطير على لسان رئيس الدولة ما طُعن به، ونشر مقالًا بهذا المعنى في صحيفة الأحرار، وهي الصحيفة التي قال إنها قَبِلَت أن تنشر له دفاعه عن نفسه بعد أن أغلقَتِ الصحف المُسمَّاة بالقومية في وجهه، حتى جريدة الأهرام التي يعمل بها …

وصاغ الكاتب هذا المقال في صورة خطاب مفتوح إلى الرئيس مبارك بعنوان «إنني أتظلم منك وإليك» وأعلن فيه: إن طعني في شرفي وعلى الملأ هكذا، مسألة أهوَنُ منها عندي حكم الإعدام؛ إذ إن طعن الكاتب في شرفه من رئيس الدولة إعدام، إنه حكم بالإعدام وإعدام غير مُشرِّف. وذكر أنه يجب الفصل بين مقابلته للقذافي التي أخطر بها الرئيس مبارك بعد عودته بما تم فيها، في خطاب سلمه لسكرتاريته الخاصة بعد أن عجز عن تحديد موعد لمقابلته، وبين ما كتبته في إحدى الصحف العربية نتيجة عدم إتاحة الفرصة له بالكتابة بحرية في جريدة الأهرام التي يعمل بها. وقرَّر أنه ضحية مؤامرة كبرى من بعض الجرائد القومية وصحيفة مايو وعشرات الأقلام الخبيثة لتؤلِّب عليه الرأي العام والقوات المسلحة ورئيس الجمهورية، وأنه كان كفيلًا بهم جميعًا، لو أُتيح له أن يردَّ عليهم حيث يكتبون، أمَّا حين يستغيثون بالرئيس المصري ويَنصرهم ويخذله، فليس عليه إلا أن يتظلَّم منه … إليه.

وقال بصراحة: إذا كان بعض الناس، وبعض الأجهزة، قد وضعت أمام سيادتكم معلومات هي التي دفعتكم لهذا القول، فإني لا أطالب فقط برد اعتباري، وإنما أطلب وألح أن يحاسب هؤلاء الأشخاص وتُحاسَب تلك الأجهزة.

وهذا ما نُطالب به، ويتلخَّص في إجراء تحقيق قضائي حول هذا الاتهام الخطير؛ إذ إنها سابقة خطيرة أن تقدِّم اتهامات لشخصيات عامة أو خصوم سياسيين أو أصحاب الفكر وحملة الأقلام ضمن تقارير مشكوك فيها، ودون أن تستند إلى أدلة قاطعة لا بُدَّ أن تُعرض على القضاء للتحقُّق منها قبل أن تلطِّخ سمعة أحد من هؤلاء لما ينطوي عليه ذلك من إرهاب فكري شنيع.

وإذا كان وزير الداخلية نبوي إسماعيل قد لجأ إلى هذا الأسلوب لاتِّهام النائب السابق أحمد طه وآخرين معه بالتخابُر مع دولة أجنبية هي بلغاريا للتأثير على موقفه الانتخابي. وبالنسبة لاتهام المرحوم الدكتور المهندس محمود القاضي ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق عبد السلام الزيات وعدد من الشخصيات السياسية ممن كانوا تحت التحفُّظ في سبتمبر المشئوم بالتخابُر مع دولة أجنبية أخرى وهي الاتحاد السوفيتي، ثُمَّ ثبت من التحقيق في الاتهامين عدم صحَّتهما أن من الواجب وضع حدٍّ لهذه الأساليب البَشِعة والمُفارَقات التي كُنَّا نعتقد أنها انتهت بانتهاء عهد نبوي إسماعيل الذي يجب محاكمتُه عنها …

وإلى هنا تنتهي كلمة جريدة الشعب.

الثغرة من كتاب يوسف أدريس ” البحث عن السادات “

بداية نشير إلى هذا الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات ( حملت نفس العنوان ) تعاقد يوسف أدريس على نشرها في صحيفة القبس الكويتية التي اخذت في النشر بداية من شهر ابريل من عام 1983 ونقلت عنها العديد من الصحف العربية ، وقد صاحب ذلك نشر زميلتها صحيفة الوطن الكويتية أيضا نشر كتاب ( خريف الغضب ) للأستاذ هيكل ، الأمر الذي أستفز مجموعة الكتبة الساداتين المسيطرين على الصحف والمجلات القومية بالإضافة إلى جريدة مايو لسان حال الحزب الوطني في مصر آنذاك فبدأوا في شن حملة ضارية ضد الكاتبين ، وقد أستهدفت الحملة في الأساس يوسف أدريس الذي لم يتعرض لمثل هذا من قبل مثلما كان الحال مع الأستاذ هيكل .

وقد بدات تلك الحملة من جريدة الاهرام التي يعمل بها يوسف أدريس من قبل الصحفي الساداتي ( صلاح منتصر ) والذي كان يشغل آنذاك منصب مدير التحرير ، وقد بدأ في شن الحرب عليه كما يقول أدريس بكذبة دنيئة ( من أنني قلت عن حرب أكتوبر أنها تمثيلية متفق عليها ) ، وقد بدا الأمر وكانه مؤامرة تستهدف إغتيالي معنويا حتى أكون عبرة لغيري ، خاصة بعد أن اتَّهمني الرئيس حسني مبارك في خطابه يوم عيد العمال بأنني تقاضيت خمسة آلاف دولار من الرئيس الليبي معمر القذافي مقابل كتابة تلك المقالات ، مما يعد بمثابة طعنة في صميم وطنيتي وذمتي وكبريائي .

وقد أمتنعت كل الصحف والمجلات القومية عن نشر أى رد ليوسف أدريس عن تلك الأتهامات الكاذبة التي وجهت اليه بل صعدت من الحملة ضده وعملت على الإيقاع بينه وبين القوات المسلحة ، ولم يجد يوسف أدريس أمامه إلا جريدة ( الأحرار ) التي نشر بها مقال في صورة خطاب مفتوح إلى الرئيس مبارك بعنوان «إنني أتظلم منك وإليك» ، قرر فيه أنه ضحية مؤامرة من عشرات الأقلام الخبيثة التي تؤلِّب عليه الرأي العام والقوات المسلحة ورئيس الجمهورية، وأنه كان كفيلًا بهم جميعًا، لو أُتيح له أن يرد عليهم حيث يكتبون، أما حين يستغيثون بالرئيس المصري ويَنصرهم ويخذله، فليس عليه إلا أن يتظلَّم منه … إليه .

ويقف الأستاذ يوسف أدريس معلقا عما يحدث له كما جاء في مقدمة كتابه المشار إليه قائلا : ولو كنا في ظروف عادية، ولو لم يملأ الصغار والمُسترزِقون، الصحفيون من عهد السادات وإلى الآن، الجو بالغبار والرمال وقذائف الطين، لأمكننا جميعا أن نرى الحقيقة بنفس البساطة التي تمت بها، لقد بدا واضحا الآن أن الرئيس السادات وإن كان قد مات، ومات على هذه الصورة البشعة، وكأنها صورة تنفيذ حكم إعدام في خائن، إن كان قد مات، فإنَّ العصابة التي عينها في حياته، واختارها بعناية لتُنافِق كلَّ خطوة يخطوها، وكل تفريط في حقوق الشعب المصري يفرِّط به ، واضح تمامًا أن هذه العصابة لا تُريد أن تحمي السادات وسياساته، ومنها على سبيل المثال إدارته السياسية لحرب أكتوبر على تلك الطريقة المغرقة في تهافتها؛ بحيث ضيع علينا انتصار جيشنا العظيم في حرب أكتوبر، واضح تماما أنهم يريدون إغلاق الأفواه وعصب الأعين عن أن نرى ما فعله السادات بنا، مثلما كانت تغلق الأفواه وتعمى الأعين عما يفعله أخوه عصمت وعائلته من نهبٍ لم يَحدث له مثيل في كل تاريخ مصر.

فإني في هذه المقالات، لم أكن أبحث عن سرقة هنا أو اختلاس لثروات هناك، فما هدفتُ إليه كان محاولة لرسم الدور الخطير الذي لعبه أنور السادات بالاتفاق مع الأمريكان وإسرائيل، وحول به مصر من دولة مستقلة ذات سيادة إلى دولة تابعة خاضِعة للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي تمامًا، معزولة عن كلِّ العرب والأفارقة، يكرهها العالم كله إلا أمريكا الشريك الكامل، وإسرائيل المنبوذة هي الأخرى؛ بحيث تشكل هي وجنوب إفريقيا العنصرية ومصر السادات ثلاثيًّا مرفوضا على مستوى العالم كله.

أما مقال يوسف أدريس عن الثغرة فقد قال فيه :

لقد زرت من عامين المكان الذي عبر منه الجيش الشاروني الإسرائيلي القناة من شرقها إلى غربها ليصنع ما سماه السادات ((الثغرة التليفزيونية)) , وهالني الأمر تماماً, فالقناة عند ذلك المكان الذي أقيم فيه جسر بري مسفلت في 24 ساعة فقط, ذلك المكان أوسع كثيراً من عرض النيل الذي أقيم عنده السد العالي, , كيف يتسنى لمجاميع قليلة من جيش متسلل محصور بين جيشنا الثاني وجيشنا الثالث, كيف يتسنى لتلك المجاميع أن تسد القناة, الأعمق من نيل أسوان, والأعرض من مكان السد العالي, في ظرف أيام معدودة, إني أطلب وألح أن تتشكل لجنة عسكرية هندسية لتقدر كم العمل اللازم لإقامة طريق بري مسفلت طوله كيلومتر على الأقل وبقاعدة لا يمكن أن تقل عن خمسين متراً وارتفاع لا يقل ابتداء من قاع القناة إلى مستوى الطريق المسفلت على ضفتها, ارتفاع لا يقل بأي حال عن عمق القناة زائد عشرة أمتارعلى الاقل من سطح الماء إلى سطح الأرض, أي حوالي ثلاثين متراً ارتفاعاً.

إني متأكد أن أي طالب هندسة أو حتى أي مقاول صغير إذا رأى المكان, وعرف أبعاده – لا يمكن إلا أن يؤكد أنه عمل لابد يستغرق شهوراً طويلة في ظل وفرة من الأيدي العاملة وفي ظروف سلام تام مواتية, أما أن يقول الإسرائيليون أو يقول بعض المختارين من المصريين إنه عمل قد تم خلال 48 ساعة على الأكثر فهذا هو الكذب بعينه أو بالأصح التمويه المراد به خداع شعبنا عن حقيقة لابد لمن يرى المكان ان يدركها عن يقين : حقيقة أن قناة السويس , في ذلك الجزء عند ((الدفرسوار)), كانت مسدودة فعلاً بكتل خرسانية, وأنه عمل استغرق وقتاً طويلاً ليحدث, وأنه تم إما بتكتيك عسكري لا نعرف بالضبط كنهه بحيث أبعد أنظار جيشنا عن تلك البقعة بالذات, أو كثَّف المدفعية في تلك البقعة أثناء حرب الاستنزاف بحيث أصبح الاقتراب منها مستحيلاً, وأما وهذا هو الشيء المخيف فعلاً – أن يكون هذا السد قد أقيم بعلم السلطات المصرية, ولأن هذه مسألة مستحيلة بغير اتفاق مع الإسرائييليين ليسمحوا بإقامة سد قد يتخذ معبراً في أي وقت للجيش المصري, وهو أمر مستحيل التصديق فإن المسألة تشكل لغزاً لابد أن يحل, فقط لم ينتبه له الرأي العام إلى الآن,

ولكن لا حقيقة هناك مختفية إلى الأبد, ولابد لشعبنا يوماً أن يعرف كيف أن سداً كهذا قد أقيم ليكون الخنجر الذي يسدد إلى ظهر جيشه في اللحظة المناسبة, خنجر خفي كان باقياً, لكي يصبح سداً كاملاً وطريقاً ((مسفلتاً)), بعد وضع الطبقة الأخيرة فقط من كتل الخرسانة وهو عمل فعلاً من الممكن إنجازه بكم هائل من الآليات والأوناش في ظرف 48 ساعة. وهنا أيضاً لا يملك أي إنسان لديه أي ذرة من القدرة على التفكير , لا يملك إلا أن يتساءل كيف استطاع شارون بقواته الصغيرة أن يستجلب هذا الكم من الأوناش واللوريات والمعدات الآلية , يستجلبها من إسرائيل ويصنع بها السد في أقل من 24 ساعة من قراره أن ((يعبر)) القناة ؟ وفي ظل حرب ، أما إذا لم يكن قد استجلبها , وأنها كانت طوال الوقت هناك فإن هذه تكون قمة المأساة المضحكة, إذ معناها أن شارون , أو الجيش الإسرائيلي , كان يعرف أن حرب 73 كانت ستقوم , وأن الجيشين المصريين الثاني والثالث سيعبران القناة بنجاح , وأن الرد على هذا العبور يكون من خلال هذا السد !!

لقد أطلت في تأملي لحكاية الثغرة , أو بالأدق لحكاية عمل الجسر البري عبر القناة لأنني لست عسكرياً من ناحية , ومن ناحية أخرى لأن أي زائر للمكان , وأي عابر سبيل يرى منطقة الدفرسوار ويتصور إقامة سد عليها طوله كيلومتر في ظرف 48 ساعة لن يتمالك نفسه وسيقسم بأغلظ الأيمان إن هذا مستحيل تماماً , وإن ثمة مؤامرة كبرى – مؤامرة ضد الجيش وانتصاره تمهيداً لفرض الاستسلام عليه – وراء سد الدفرسوار إن كنا لا نعرف عنها الكثير اليوم , فسنعرف وحتماً , كل شيء غداً .

أقول أطلت , لأن الدفرسوار يشكل بالنسبة لعلامات الاستفهام التي طرحتها متسائلاً أو مراجعاً للأحداث اتي دارت في منطقتنا منذ سبتمبر 1970 إلى الآن , يشكل دليلاً من الممكن أن تراه ((أي العين)) دليل إثبات واضح لا يمكن دحضه , يشكل شيئاً كجسد الجريمة في لغة القانون , وهو هناك قائم وموجود وباستطاعتك انت نفسك , لو شئت أن تراه , وأن تبني حكمك دون أي حاجة لإعمال ذكاء كثير


رابط التحميل https://drive.google.com/file/d/1NVTgDJJI64E2HTiYU0RHfclgciYdCI-B/view?usp=sharing



عن admin

شاهد أيضاً

كتاب الدكتور عبدالخالق فاروق (حقيقة الدعم و أزمة الاقتصاد المصري)

  الدكتور عبدالخالق فاروق من أهم الباحثين الاقتصاديين في مصر وقدم العديد من الأبحاث والكتب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *