الرئيسية / حوارات ناصرية / سامي شرف.. جيل الالتزام الوطني

سامي شرف.. جيل الالتزام الوطني

189934_206082272737208_5350876_n.jpgن

بقلم: أحمد الجمال
أكتب متمنيًا له الشفاء والعافية والطمأنينة؛ لأنه ومهما كانت الاختلافات حول دوره السياسي والتنفيذي والتاريخي، فإنه كان وسيبقى وطنيًا عروبيًا من طراز رفيع، وابنًا بارًا للمحروسة، انخرط في خدمتها بتفانٍ وجلد ودأب منقطع النظير، منذ شبابه المبكر وحتى الآن، وقد تجاوز التسعين؛ لأنه لم ينقطع عن إبداء رأيه في التحديات التي تجابه الوطن، واقتراح البرامج العملية للاستجابة لهذه التحديات.. وهو من جيل عاصر التمهيد لثورة يوليو، وانخرط في خدمة أهدافها منذ شبابه، ولم يتجاوزوا سن العشرين إلا بعدة سنوات، جيل يمكن أن نختلف مجددًا حول بعض أفكاره ومواقفه وممارساته في السلطة، ولكن لا يمكن أن نختلف- ولا أن يختلف أعدى أعداء ثورة يوليو- على وطنيتهم وشرفهم، ابتداءً من ذممهم المالية، وليس انتهاءً بالإخلاص في أداء دورهم ضمن المنظومة السياسية والفكرية التي عملوا ضمنها.. جيل خاض معارك الاستقلال وإجلاء المحتل، وتحرير التراب الوطني والإرادة الوطنية، ومعارك مقاومة الاستعمار القديم والجديد، وبناء حركة التحرر الوطني العربي والعالمي، والانحياز للقطاعات الشعبية العريضة، اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، جيل عرف الانتصارات والانكسارات والهزيمة، ومن قلب الهزيمة استطاع أن يبدأ المضي في طريق إزالة آثار العدوان، ويمهّد لانتصار أكتوبر المجيد.
هو عبدالرؤوف سامي شرف، ابن الأسرة، التي تنتمي للطبقة المتوسطة في شريحتها العليا، ورأسمالها الحقيقي هو تعليم أبنائها.. أتم تعليمه العام حتى التوجيهية في المنصورة مع زميل دراسته وجاره على “دكة” واحدة محمد فائق، وبعد التوجيهية “الثانوية العامة”، اتجه للتعليم الجامعي، ومكث فيه سنة، ثم التحق بالكلية الحربية التي كان زميله محمد فائق قد التحق بها.. وتخرج، وبعد أقل من ثلاث سنوات قامت ثورة يوليو، واتجهت لتأسيس جهاز المخابرات العامة، وكان المسؤول عن التأسيس هو السيد زكريا محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، الذي ظل يفخر أنه أسس الجهاز على قاعدة وحيدة هي الكفاءة.. ثم الكفاءة التي يندرج تحتها الإخلاص في العمل والتفاني في أداء المهام، والتحصن الكامل ضد الفساد والانحراف.. وكان من بين الذين اختارهم زكريا محيي الدين، سامي شرف، ومحمد فائق، وعبد الفتاح أبو الفضل، وفتحي الديب، وآخرون، يضيق المجال عن ذكر أسمائهم.
ومن المخابرات العامة إلى مكتب الرئيس جمال عبدالناصر، الذي كانت له أيضًا قدرة على فرز البشر، وتحديد معايير لشغل المواقع، طبقها على نفسه قبل أن يطبقها على معاونيه، وبقي سامي شرف يعمل مع الرئيس، بغير أن يعرف الراحة ولا العطلة ولا المطمع ولا التجاوز، ولا التردد في تنفيذ أصعب المهام في أقسى الظروف، وظل كذلك حتى بعد أن تولى الوزارة في آخر تشكيل أثناء حياة الرئيس، وساهم في الانتقال السلمي للسلطة إلى النائب أنور السادات، ثم حدث الاختلاف مع الرئيس الجديد، وهنا كانت تفاصيل هائلة لا يتسع المجال لذكرها، غير أنه يهمني أن أذكر أنه لا يوجد ما يسمى “مجموعة مايو”، ولا بما يسمى “المؤامرة على إزاحة الرئيس”؛ لأنه ليس هناك مجموعة من الأساس.
وبعد خروجه من السجن، إثر محاكمة تختلف حول نزاهتها الآراء، آثر سامي شرف الاكتفاء بدور في الحياة العامة، ضمن حركة التيار الوطني القومي الناصري، وبالتركيز على كتابة مذكراته التي جاءت في عدة أجزاء، حافلة بالمعلومات من الدرجة الأولى، معتمدًا بالأساس على عقل وذاكرة في قمة الحيوية والقوة، بل إنه ورغم مِحن المرض المتكررة في الفترة الأخيرة، مازال لعقله وذاكرته القوة نفسها، ومازال لإرادته الإصرار على العطاء الفكري والسياسي عبر مقالاته التي تُنشر في “الأهرام” وغيرها.
نحن أمام صفحة من تاريخ وحاضر المحروسة، تفصح عن أن مصر ولادة لن تعقم، وأن أجيالها تتكامل، وأن أبرز دروس التاريخ المرتبط بالعمل التنفيذي والسياسي، هو أن الصيرورة تؤدي دورها، فلا منصب دائم ولا سلطة مؤبدة، وأن الأيام هي يوم لك ويوم عليك.. ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.. تحية للشاب متأجج العقل والذاكرة رغم أنه تسعيني.
…عيب يا أستاذ يوسف
فوجئت، وربما فُجعت، بعبارة كتبها الأستاذ يوسف سيدهم، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة “وطني”، في مقاله المنشور بالصفحة الأولى، ضمن سلسلته التي وصلت إلى 770 مقالًا، وربما تصل للألف، بعنوان “قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها”، في العدد 3037 حسب الإصدار الأول بتاريخ 8 مارس 2020، إذ كتب في الفقرة الأولى عن أحداث العنف التي تتعرض لها بعض الكنائس القبطية، منتقدًا السلطات الإدارية والأمنية المقصرة، بل و”المباركة”- حسب وصفه- لأعمال العنف، وهذا حقه، بل إننا كلنا كأقباط مسيحيين ومسلمين ندين الأمر.
أما أن يختم فقرته بوصف كلام الرئيس السيسي في ليلة عيد الميلاد بكاتدرائية السيد المسيح في العاصمة الإدارية بأنه كلام معسول، وأن لسان حال المواطنين المسيحيين المضارين من العنف وإغلاق الكنيسة في إحدى قرى الصعيد، يقول للسيسي: “أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أموري أستعجب”، فهو كلام يخضع للمراجعة والمناقشة الجادة؛ لأنه فيه من المغالطة والاستفزاز ونكران الصنيع وغبن الآخرين وظلمهم الكثير.. وربما يتسع المجال في هذه المساحة لهذه المناقشة، التي سيكون دستورها قول السيد له المجد “لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها”، لوقا، الإصحاح السادس، آية 41.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *