الرئيسية / أخــبار / جريدة الأهرام من عصر التنوير إلى عصر تغيب الوعي

جريدة الأهرام من عصر التنوير إلى عصر تغيب الوعي

بقلم مصطفي سلطان

 872.jpg2
تنشر دون تعقيب منها حديثا للجاسوس مصطفى أمين لم ينشر من قبل يدعي فيه
جمال عبدالناصر حينما كان يغضب من كاتب كان يشنقه مثلما شنق سيد قطب
.
دأب الاهرام في ظل إدارته الحالية على نشر موضوعات تصطدم مع الذاكرة الوطنية حيث عاد من جديد يشارك في معركة تغييب الوعي الوطني ، تلك المعركة التي أشعلها السادات التي شوه فيها سيرة الأمناء والمخلصين لوطنهم ، ولمع الخونة والعملاء واللصوص بتسليط الأضواء عليهم ومنحهم مناصب قيادية في نظامه ، فمع الذكرى ال 48 للأفتتاح الرسمي للسد العالي ( 15 يناير 1971 ) نشر الأهرام (15 /1 /2019 ) مقالا بعنوان ” السد العالى وعبدة الأوثان ” لصاحبه ” اشرف عبدالمنعم ” يسخر فيه من السد وإنه سبب ما تعاني منه مصر من أزمات وأن سلبياته تفوق إيجابياته ، ثم عاد الاهرام في عدد الجمعة بتاريخ (1 مارس 2019 ) و نشر حديثا لم ينشر من قبل تحت عنوان ( حديث لم ينشر لمصطفى أمين ) أحتل الصفحة الأخير لملحق هذا العدد .
.
الغريب أنهم لم يفعلوا مع ذكرى رحيل الأستاذ هيكل الذي صنع مجد الأهرام مثل ذلك ويخصصوا له في هذا الملحق مساحة ولو اقل تتحدث غن دوره .. الأغرب أن هذا الحديث الذي أجراه معه الصحفي ( ابراهيم عبدالعزير ) منذ نحو 25 سنة ولم يكن وقتها يعمل في جريدة الاهرام ولم يكن مكلف منها بأجراء هذا الحديث حيث يقول صاحبه : ( كنت بصدد عمل تحقيق صحفى لإحدى الصحف العربية عن أشهر الأعمدة فى الصحافة المصرية فقد اتجهت أولا إلى مصطفى أمين وإن لم أستكمل التحقيق إلى نهايته وظل حديثى مع مصطفى أمين قابعا بين أوراقى إلى أن تم نشره مؤخرا ).
.
فهذا الصحفى يعتبر مصطفى أمين أستاذه وصاحب فضل عليه لأنه كما يقول : ( سانده في بداية مشواره الصحفي ) ، فهذا شأنه ولا غبار عليه ولكنه لم يكن أمينا عندما لم يتوقف معلقا أمام أكاذيب مصطفى أمين المدان بجريمة التجسس ، فعندما سأله : كيف كان رد فعل الحكام منذ عبد الناصر وحتى حسنى مبارك عما تكتبه ؟ فرد أمين قائلا : ( أنا أقول لك.. جمال عبدالناصر حينما كان يغضب من كاتب كان يشنقه، مثلما شنق سيد قطب مثلا، أما السادات فيمنع النشر عندما يغضب، وأما حسنى مبارك فيهاجم الكاتب ) ..
.
للأسف مازالت معركة تغيب الوعى قائمة .. تلميع الخونة والجواسيس وتقديمهم للشباب كنماذج وطنية جريمة في حق هذا الوطن لا تجد لها مثيلا في مكان آخر
، ولقد قمت في بداية عام 2016 عندما أعيد طرح تلك القضية من جديد بكتابة تفصيل قضية الجاسوس مصطفى أمين وقدمت لها قائلا : ( وهذا المقال هو البداية لسلسلة من المقالات تدور حول تلك القضية .. نكتبها من أجل التاريخ بمشاركة متواضعة منا للحافظ على الذاكرة الوطنية من العبث بها ) .
.
من جديد .. الجاسوس مصطفى أمين
.
بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على تلك الأحداث ، عادت قضية مصطفى أمين التي أدين فيها بالتجسس لصالح المخابرات الأمريكية عام 1965 للطرح من جديد .. فعائلة مصطفى أمين نشرت في آواخر عام 2014 كتابا عنه حمل أسمه لم يشعر به أحد ، وضعه الصحفي ( أحمد عطيه صالح ) في طبعة أنيقة ووزع مجانا على المناصرين له داخل مصر وخارجها ، وعلى كل من له خصومة مع الناصرية وقائدها ، و قد سبق لهذا الصحفي أن نشر كتابا اخر عنه ، بعنوان ( بأمر عبد الناصر: مذبحة فى بلاط صاحبة الجلالة ) .
.
ويبدو أن عائلة أمين الوارثة للصفات الجينية لعميدها في نسج القصص الوهمية لوقائع مزيفة ، تصورت أن الذاكرة الوطنية التي أصابها بعض الوهن يمكن تغييبها وخداع الأجيال التي لم تعاصر تلك الأحداث ولا تمتلك ثقافة تاريخية كافية عنها ، خاصة بعد كل تلك الحملات الشرسة التي قادها عميد تلك الأسرة المدان لخلق حالة من الشك والريبة حول القضية بتزييف وقائعها ، ولكن هؤلاء خاب ظنهم فالذاكرة الوطنية للكثير من أبناء الوطن مازالت حية ..
.
فالحقيقة يمكن أن تختفي بعض الوقت ولكنها لن تموت .. فأسرة مصطفي أمين و تلاميذه خاصة في أخبار اليوم أرادوا أن يزيفوا الوقائع ويجعلوا من الجاسوس فارسا نبيلا ، ومن البطل وحشا كاسرا .
.
فهم لم يقدموا فيما كتبوه وثيقة واحدة تبرأ ساحته ، ولم يتجرأوا على رفع قضية لرد إعتباره وتبرئته من تلك القضية المخلة بالشرف والأمانة.. أن قضية مصطفى أمين هى من قضايا التجسس الكاملة ، و هى القضية رقم واحد فى سجلات المخابرات العامة المصرية ، و هي موجودة إلى الآن بوثائقها و تفاصيلها فى متحف المخابرات العامة المصرية .
.
وردا على إدعاءات هؤلاء ظهر مؤخرا في الإعلام طرف مهم في القضية ممثلا في أسرة صلاح نصر ( مدير المخابرات العامة السابق ) ، الأمر الذي أوجد زخما إعلاميا جديدا حول القضية ، حيث تحدث ابنه ( الدكتور هاني طبيب العيون ) مفندا من جديد أكاذيب هؤلاء عن تعذيب أبيه لمصطفى أمين ، وإلصاق تهمة التجسس به تنفيذا لتعليمات عبد الناصر ، وأفرج عن وثيقة هامة عبارة عن خطاب كتبه والده بتاريخ 28 /9 / 1974 إلى مصطفى أمين ردا عما أورده في كتابه ( ستة أولى سجن ) من أكاذيب ، وقد نشر في جريدة الفجر من العدد الأول لشهر ( مارس 2016 ) .
.
وبالإضافة إلى ذلك كان والده صلاح نصر قد قام في عام 1975 بنشر كتاب تحت عنوان «عملاء الخيانة وحديث الإفك» تعرض فيه بالتفصيل لعلاقة مصطفى أمين بالمخابرات الأمريكية إلى أن تم القبض عليه .. والأكثر من ذلك ذكر صلاح نصر أن جهاز مكافحة التجسس في العصر الملكي كان يحتفظ بملف لـمصطفى أمين حول علاقته بالمخابرات الأمريكية ، أى من قبل إندلاع ثورة 23 يوليو 1952 .
.
و إلى جانب هذا كانت جريدة المصري اليوم قد نشرت في سبتمبر من عام 2014 حوارا مع الفريق محمد رفعت جبريل ، الملقب «الثعلب » ، ضابط المخابرات المصري الذي كان مسئولا عن متابعة مصطفى أمين إلى أن تم الإيقاع به ، وكان الحوار يدور حول سؤالين رئيسيين هما .. هل كان مصطفى أمين جاسوساً أم لا.. وهل تعرض فعلياً للتعذيب أم لا ؟ .. حيث أكد في إجابته على جاسوسية مصطفى أمين نافيا تعرضه لأى تعذيب وقال :

«أنا شخصياً من سجّل لقاءات مصطفى أمين مع مندوب ( الـCIA ) فقد قمنا بتسجيل اجتماعاته هذه بالصوت والصورة، وهى تتضمن إعطاءه بعض المعلومات الخطيرة، وهو ما يشتهر في عرف العمل الجاد في المخابرات بـ«التجسس» حتى لو تم هذا بغطاء أنه صحفى، أو ادعائه أنه مكلف من الرئيس عبدالناصر بإتمام هذه الاتصالات .. وأضاف: ربما كان مصطفى أمين كاتباً كبيرا ، إلا إنه كانت له سقطة وحيدة وهى تعامله مع المخابرات الأمريكية وقبوله التجسس ضد بلده مصر .
.
من قبل كان الراحل العظيم الأستاذ هيكل قد أعاد فتح ملف هذه القضية ، عندما أصدر كتابه الوثائقى الرائع ( بين الصحافة والسياسة ) عام 1984 ، والذي تحدى فيه الجميع أن يكذوبه فيما جاء فيه ، حيث كتب فى مقدمة كتابه :
إنه ينشر هذا الكتاب وكل أطراف القضية على قيد الحياة ، و إنه ينشره من أجل التاريخ ، وإنه يتحدى الجميع وأولهم مصطفى أمين أن يستطيعوا تكذيب معلوماته و وثائقه ، وأنه ينشره بعد حملة الأكاذيب التي عمدت إلى تزييف الوقائع المثبتة خاصة في عصر ظهر فيه أن الكبار الكبار ( يقصد السادات ) يكذبون ، بعد أن أصبح الكذب هو الصناعة الثقيلة الوحيدة في عصر الأنفتاح الإستهلاكي .
.
وفي هذا الكتاب نشر الأستاذ هيكل تفاصيل تلك القضية حيث قال : أن أول خيط فى كشف عمالة مصطفى أمين لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، جاء من العراق لأن ( بروس تايلور أوديل )مندوب الوكالة فى القاهرة ، كان مندوبها من قبل فى العراق ، وقد لفت نشاطه أنظار الأجنحة الوطنية فى الأجهزة الأمنية العراقية ، لذا تم طرده من هناك ، فنقلت الوكالة نشاطه إلى القاهرة ، وعندما علم وزير الداخلية العراقي ” حازم جواد ” بهذا ، قام بإبلاغ الأجهزة الأمنية المصرية بحقيقة ” بروس تايلور أوديل ” وطبيعة نشاطاته ، لذا تم وضعه تحت رقابة صارمة من أجهزة الأمن المصرية منذ وصوله للقاهرة ، و من خلال مراقبته تمت ملاحظة لقاءاته الأسبوعية مع مصطفى أمين ، وتم إعلام الرئيس عبد الناصر بالأمر ، فأصدر قراره بوضع مصطفى أمين تحت المراقبة مما أدى إلى كشف عملية التجسس كلها.
.
وقد تم إلقاء القبض على مصطفى أمين فى 21 يوليو 1965 متلبسا مع ضابط المخابرات المركزية الأمريكية “بروس تايلور أوديل” فى حديقة قيلته بالأسكندرية ، وقد أثبتت الوقائع والأدلة الدامغة أن مصطفى أمين يتجسس على مصر لحساب المخابرات الأمريكية ، وقد حوكم مصطفى أمين وأدين وحكمت عليه المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة .
.
كما نشر الأستاذ هيكل في كتابه هذا وثيقة هامة من 60 صفحة بخط يد مصطفى أمين وبأسلوبه المعروف فى الكتابة ، تتضمن رسالة منه للرئيس عبد الناصر ، يعترف فيها بعمالته للأمريكان ويطلب فيها العفو منه ،كما فند الأستاذ هيكل إدعاءات مصطفى أمين بتعذيبه فى السجن مستعينا بشهادة محامى مصطفى أمين فى قضية التجسس ، والذى أنكر وقوع أى تعذيب عليه ، كما استعان الأستاذ هيكل أيضا بشهادات أصدقاء مقربين من مصطفى أمين ، مثل الصحفى اللبنانى سعيد فريحة ورئيس وزراء السودان محمد أحمد محجوب ، اللذان أكدا كلام هيكل عن عدم تعرض مصطفى أمين للتعذيب فى سجنه .
.
وأضاف هيكل إن إفراج السادات عن مصطفى أمين كان إفراجا صحيا لايسقط الجريمة ، وإنه جاء ضمن صفقة لإرضاء الأمريكيين ،والسعوديين وانه أفرج عنه مع مجموعة من عملاء أمريكا وإسرائيل وبطلب من وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والأمير السعودي سلطان بن عبد العزيز و مدير مخابرات بلاده كمال أدهم .
.
ولأن الحقيقة لا تموت مهما حاول من أراد لها ذلك ، فشمس الحقيقة سوف تعاود السطوع من جديد ، فعلى الرغم من حملة الأكاذيب التي قادها مصطفى أمين وقطيعه في أخبار اليوم يتقدمهم موسى صبري وأنيس منصور وإبراهيم سعدة لزرع الشكوك حول القضية وتقديم الخائن في صورة الحمل الوديع الذي أفترسه عبدالناصر وجهاز مخابراته ، فقد جاء عام 2009 ليقدم دليلا جديدا .. حاسما و قاطعا بخيانة مصطفى أمين وعمالته للمخابرات الأمريكية ، وقد جاء الحسم هذه المرة من قبل الأمريكان أنفسهم ، من قبل المخابرات الأمريكية التي كان يتجسس مصطفى أمين لصالحها .
.
فقد نشر الصحفي الأمريكى الشهير (تيم وينر ) كتابا موثقا يتناول تاريخ المخابرات الأمريكية ، منذ إنشائها وحتى نهاية عهد الرئيس جورج دبليو بوش ، ونشر الكتاب تحت عنوان (ميراث من الرماد .. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) ، وقد تضمن الكتاب الموسوعة الذي تقترب صفحاته من الألف ضمن موضوعاته الوثائق المتعلقة بقضية تجسس مصطفى أمين بالتفصيل، وموضحا ما سببته تلك القضية من مشاكل بين وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة بسبب ما ترتب على كشفها من زيادة فى سوء وتوتر العلاقات المصرية الأمريكية ، وإحراج للسفير الأمريكى فى القاهرة الذى لم يكن يعلم بتجسس مصطفى أمين لحساب المخابرات الأمريكية .
.
ولقد جاء هذا الكتاب الوثائقي الهام ليؤكد بشكل قاطع صحة إتهام المخابرات العامة المصرية لمصطفى أمين بالتجسس للأمريكان وخيانة وطنه ، كما إنه قطع الشك باليقين للكثير من المصريين من الذين تأثروا بأجواء الشك والريبة التي أثارها مصطفى أمين و أتباعه حول القضية و وتيقنوا بأن مصطفى أمين جاسوس .. ويحضرني الآن أحد هؤلاء وهو الصحفي اللامع إبراهيم عيسى الذي كتب مقالا في الدستور عام 2010 بعنوان ( العملاق الذي تجسس ) .. فقد كتبه بعد أن تحول من الشك إلى اليقين .

عن admin

شاهد أيضاً

تحميل كتاب : دراسة مقارنة الوحدة الألمانية و الوحدة المصرية السورية 1958_ بقلم : دكتور صفوت حاتم

بقلم : دكتور صفوت حاتم 1– في فبراير عام 2008 ..  أقيمت في القاهرة ” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *