الرئيسية / حوارات ناصرية / مشكلة سد النهضة وليبيا في فكر جمال حمدان وتجربة ناصر

مشكلة سد النهضة وليبيا في فكر جمال حمدان وتجربة ناصر

17-1-2020 | 17:02

 2016-636057707382905198-290.jpg3

بمناسبة ذكرى ميلاد ناصر واحتفال مصر بمفكرها الإستراتيجي جمال حمدان في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتأزم مشكلتي سد النهضة والتدخل التركي السافر في ليبيا الشقيقة، قد يبدو للوهلة الأولى عدم جود علاقة بينهم؛ ولكن التعمق في جغرافية مصر وتاريخها يوضح أن هناك علاقة قوية بينها.

ونبدأ بحقائق الجغرافيا التي لا يختلف عليها أحد، فنجد أن موقع مصر الإستراتيجي يمثل حجر الزاوية في العالم كله، ولذلك يقول نابليون “قل لي من يسيطر على مصر أقل لك من يسيطر على العالم”.

ولذلك تسعى دائمًا القوى المحيطة للسيطرة على هذا الموقع، وهنا نتذكر ما قيل عن جند مصر وخير أجناد الأرض؛ لأنهم في رباط ليوم الدين، أي في حالة حرب بشكل مستمر ليوم الدين، وقد يكون ذلك بسبب موقع مصر الجغرافي المميز، ولذلك يقول جمال حمدان – مفكرنا الإستراتيجي – إن جغرافية وتاريخ وموقع مصر تتلخص في حقيقة واضحة؛ إما أن تكون مصر إمبراطورية دفاعية تخرج خارج حدودها لتأمين موقعها، وإما أن تكون مستعمرة من خلال الكمون الداخلي أو الانكفاء على الداخل، وليس هناك بديل ثالث؛ لأن موقع مصر أشبه بفيلا أنيقة وحيدة على النيل إذا كان أصحاب الفيلا أقوياء ينتشرون خارجها للدفاع عنها، أما لو كانوا في حالة كمون داخلي فلن يتركهم الآخرون، وتكون مرحلة المستعمرة أو التبعية، وهنا ليس المقصود احتلال عسكري مباشر، ولكنه نفوذ وتأثير في كل ما يحيط بنا بشكل أو بآخر، والتاريخ المصري كله يؤكد هذه الحقائق.

ويرى حمدان أن ناصر أفضل من فهم جغرافية وتاريخ مصر وأبعاد أمنها القومي وطبقها فعلًا في سياساته؛ ولذلك سعى ناصر لإقامة منظمة الوحدة الإفريقية، وساند جميع الدول الإفريقية للحصول على استقلالها، وساعد معظم الدول الإفريقية في مجالات التنمية المختلفة، خاصة دول حوض النيل وإثيوبيا، وكانت كل الدول الإفريقية تؤيد المواقف المصرية في الأمم المتحدة، وكانت كلها مقاطعة لدولة إسرائيل، وفي هذه الفترة تم بناء السد العالي.

وزادت مصر من حصتها في نهر النيل وتدعمت علاقتنا مع الدول المحيطة مثل دول الحدود ليبيا والسودان وفلسطين، كانت نظم هذه الدول صديقة لمصر، فمثلاً ليبيا كانت بها قواعد عسكرية أمريكية يستخدمها العدو، وبعد مجيء القذافي تم خروج هذه القواعد، ثم نظام النميري الصديق في السودان، وياسر عرفات رئيس منظمة فتح في غزة؛ كل هذه الأمور لم تكن مصادفة؛ بل هي نتيجة سياسات وجهود مباشرة وغير مباشرة لتأمين الأمن القومي المصري؛ وهي تطبيق مباشر لسياسة الإمبراطورية الدفاعية والخروج خارج حدودنا للدفاع عن الأمن القومي من خلال دور خارجي مهم ومؤثر في الشرق الأوسط والمحيط العربي بوجه عام، وتعدى الدور الخارجي لمصر الستينيات هذا للوقوف بحزم ضد مؤامرات القوى الإقليمية المحيطة عندما هددت تركيا بمهاجمة سوريا، فوقفت مصر وأعلنت أن أي اعتداء على سوريا يمثل اعتداء على مصر، وأجبرت تركيا على التراجع.

وتكرر هذا عندما هددت إيران العراق، ووقفت مصر مع العراق، كما امتد الدور المصري لمنع مشروعات الفوضى الخلاقة في عالمنا العربي لمنع التقاتل بين الأشقاء العرب عندما وقفت مع الكويت ضد أطماع حاكم العراق عبدالكريم قاسم، الذي هدد باحتلال الكويت.

كما أوقف ناصر نزيف الاقتتال الأردني-الفلسطيني في سبتمبر1970 قبل وفاته مباشرة.

كل ما سبق كان لمصلحة الأمن القومي المصري والعربي بوجه عام، وليس – كما يردد البعض – بحثًا عن زعامة أو تبديد للقوى المصرية؛ لأنه ببساطة حمى مصر من أخطار كبيرة تكلفتها لا تقدر بمال، وهذا ما أكده الواقع المعاصر؛ حيث تغيرت هذه السياسات تمامًا مع ما يسمى بالانفتاح، وهو في حقيقته انغلاق على الداخل، أو هي سياسة الكمون الإستراتيجي.

وتراجع دور مصر الخارجي بشدة في إفريقيا والوطن العربي في عهدي السادات ومبارك، وكان لهذه السياسات انعكاساتها الخطيرة على الأمن القومي المصري، فدول الحدود الصديقة تبدلت، وجاءت حماس وهي تتبع صراحة مبادئ حسن البنا والإخوان، وجاء البشير بنفس الانتماءات ثم انقسمت ليبيا بمشكلاتها، وتغيرت حدودنا من حدود آمنة يحكمها الأصدقاء إلى العكس.

وتزايدت أهمية الدور التركي والإيراني في الشرق، ووصلت تركيا إلى حدودنا؛ حيث لها قاعدة في السودان، ووجود الآن في ليبيا وسوريا، وإيران الآن موجودة في العراق وسوريا، وأتباع لها في اليمن ولبنان.

وهنا نتذكر مقولة حمدان إن هناك ثلاث قوى عظمى في الشرق بحكم التاريخ والحضارة وعدد السكان، وإن كل دولة تسعى لتوسيع دورها والتأثير فيمن حولها، وإن تراجع حجم ودور أي دولة من الثلاث يكون في مصلحة الدولتين الأخريين؛ ولذلك كان الدور الخارجي لمصر الستينيات هو الأكبر والمؤثر في الشرق.

وعندما تراجع الدور المصري – نتيجة سياسة الكمون الإستراتيجي – توسعت إيران وتركيا ووصل التهديد لحدود مصر وثرواتها وأمنها القومي، كما تراجع دورنا في إفريقيا لحساب دور إسرائيل المتزايد الخطورة، وأصبحنا في مشكلة المياه، فهذا هو ثمن الدور الخارجي لمن يجهلون أو يتجاهلون، فتحية لروح جمال حمدان و جمال عبدالناصر ، رحمة الله عليهما.

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *