الرئيسية / حوارات ناصرية / جمال عبد الناصر / مئوية جمال عبد الناصر بقلم سامى شرف

مئوية جمال عبد الناصر بقلم سامى شرف

s3.reutersmedia.net

في تاريخ كل أمة شخصيات تترك بصماتها جلية على صفحاته، وتتجاوز في تأثيرها حدود الزمان والمكان، لتصبح إرثا وملكا للإنسانية كلها، ومن ثم تصير مصدرا للفخر والاعتزاز، بالإضافة للاهتمام والجدل عبر العصور المختلفة.

وبعيدا عن أي تحيز، أو أيديولوجية أو شيفونية وطنية، يعد الرئيس والزعيم جمال عبد الناصر نموذجا مصريا وعربيا وأفريقيا لهذه الشخصية ذات التأثير والأثر الطاغي المستمر عبر التاريخ.

وهنا .. تساءلت هل الاحتفال بمئوية زعيم بحجم جمال عبد الناصر -وبالقطع هو حدث لا يتكرر مرتين في عمر الانسان- ستكون مثل كل احتفالية أخرى ذات صلة به، فمنذ أشهر قليلة كنا نحيي الذكرى الـ (49) لوفاة الرجل، وفى كل مناسبة نرصد زخما كبيرا من التحليلات والذكريات حول تجربة الرجل (إيجابيات وسلبيات)، ما بين مؤيد ومعارض.

فما الذي يضيفه الاحتفال بالمئوية إذن؟

حين راجعت معظم ما كتب عن الرئيس عبد الناصر في المناسبات المختلفة، استوقفني ملمحا فريدا، هو الحنين الشديد من الأجيال التي عاصرت زمن الرجل، وشبه اتفاق عبر الأجيال التي لم تعاصره –من المؤيدين والمعارضين- على أن الرجل صاحب تجربة وطنية فريدة، ما زال أثرها ينبض في العقل والوجدان المصري والعربي، ومثار فخر واعتزاز من قبل الملايين من المحيط للخليج، وهو ما يبرز من الصفات التي يطلقها عليه كثير من المصريين والعرب؛ بأنه زمن الحرية .. زمن العزة والكرامة .. زمن القومية العربية .. زمن القوة والنفوذ المصري ..إلخ .

ورغم أن ذلك يسعدني بصفة شخصية باعتباري أحد من ساهموا في صياغة وتنفيذ ملامح  هذا الزمن بما له من إيجابيات وما عليه من سلبيات، وشرفت بالعمل بجوار هذه الشخصية التاريخية الخالدة، إلا أن ما يحزنني بشدة هو أن هذه الحنين الجارف والاعتزاز بهذا الزمن يحمل في ثناياه عدم الرضا عن الواقع المعاصر، والنفور منه.

لهذا أرى أن يكون الاحتفال بمئوية الزعيم جمال عبد الناصر مناسبة لعملية تفعيل منهجي للذاكرة القومية المصرية من خلال فعاليات قومية (مصرية – وعربية) حقيقية وجادة .. مبتكرة ومؤثرة تناقش وتحلل، وتستدعي للذاكرة الجمعية للمصريين والعرب وللإنسانية تجربة وطنية متميزة، وأن تتشكل لجنة علمية على أعلى مستوى، ومن كافة التخصصات من المراكز البحثية ذات الصلة في الجامعات والمجالس القومية المتخصصة، تقوم بإعداد دراسات علمية نقدية موضوعية موثقة عن تجربة الرئيس جمال عبد الناصر من كافة جوانبها؛ والتعامل معها باعتبارها تجربة إنسانية في المقام الأول، بما تحمله من رؤى وأفكار وأيديولوجية، وما جسدته من أحلام وطموحات شعبية، وبما كان ولازال لها من تأثير عابر للجغرافيا والأجيال.

أدعو لذلك، انطلاقا من أن تاريخ الأمم والشعوب، هو محصلة تراكم تجارب تاريخية طويلة، ولا سبيل للانتقال من الماضى عبر الحاضر إلى المستقبل بغير هذا التراكم؛ فبدونه – كما يقول الدكتور سمير مرقس – نفقد الذاكرة القومية أو تختفى أو تعطل أو تختلق أخرى بديلة مشوهة مزيفة، وترحل الأجيال القديمة إلى التاريخ، والأجيال الوسيطة وتسعى لاستنساخ مراحل تاريخية بعينها كل وفق رؤيته، بالرغم من اختلاف المعطيات والسياق… إلخ، و تكتب الأجيال الجديدة تاريخا آنيا منبت الصلة عن الماضى أو انتقائى لا يمكن من تحديد تصور للمستقبل المرجو، خاصة أن المستقبل بات مصدر خوف؛ حيث لا أحد يعرف بدقة ماذا سوف يحمل المستقبل له، فأمة بلا ذاكرة هي أمة تائهة في  فضاء التاريخ، تعجز عن تدبر خياراتها ومساراتها في الحاضر والمستقبل.

لذا؛ أتمنى أن ترعى وتتبنى الدولة المصرية ممثلة في وزارتي الثقافة، والتعليم العالي والبحث العلمي هذا الاقتراح، ليس من منطلق الاحتفال بمئوية الرئيس جمال عبد الناصر فقط، ولكن للاستفادة من التجربة، عمليا ونظريا؛ حيث أن كثير من ملامح التجربة التي تخوضها الدولة المصرية حاليا تحمل– بصورة أو أخرى – ملامح تلك التجربة التى خاضتها مصر في عهد الرئيس عبد الناصر؛ حيث سعى  مصر للاستقلال والحرية في اتخاذ القرار، والنهضة والتنمية، وحماية أمنها القومي (إقليميا ودوليا)، في مواجهة قوى تريد تطويع إرادتها لصالح أجنداتها الخاصة في الإقليم، عبر التشكيك في القيادة السياسية ومؤسسات الدولة الدستورية، وتزييف وعي الشعب، وتمرير شعور الإحباط وانعدام الثقة له، كل ذلك في ظل بيئة إقليمية ودولية متأزمة، وشديدة الاحتقان.

وهو ما يجعلنا في حاجة ملحة لدراسة تجربة الزعيم جمال عبد الناصر، وكيف أراد هذا الزعيم أن يقيم وطنا حرا قويا، محصنا ضد اختراق الأعداء، ويوفر لهذا الشعب العظيم حياة كريمة يستحقها، ويؤمن مستقبل أبنائه، وكيف أنه في سبيل ذلك، واجه ما واجه من مؤامرات وتحديات في الداخل والخارج .. كل ذلك لكي نستفيد من تجربتنا التاريخية، ولا نكرر أخطائنا، ونبني على ما سبق وحققنا من مكاسب ونجاحات.

حمى الله مصر وشعبها وجيشها

المقال نشر فى الاهرام يوم 18يناير2020

عن admin

شاهد أيضاً

ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول إذاعة ونشر رد «عبدالناصر» على خطاب الرئيس العراقى أحمد حسن البكر

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 أغسطس 1970.. القاهرة ترفض الرد على احتجاج بغداد حول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *