الرئيسية / كتاب الوعي العربي / قَدَرُ مصر – بقلم سامى شرف

قَدَرُ مصر – بقلم سامى شرف

2017-636348918472245094-224_main

حين أتأمل المشهد السياسى الراهن الذي تعيشه مصر والمنطقة منذ بداية الألفية تستعيد ذاكرتي على الفور الكثير مما قرأت عن وعاصرت من أحداث وخطوب جلل، ومحطات رئيسية مرت بها الدولة المصرية عبر تاريخها.

والمتابع الجيد لتاريخ مصر العريق يدرك أنه عبارة عن سلسلة متواصلة من التحديات والصراعات التي فرض على المصريين خوضها، هو تاريخ من الخطط والمؤامرات التى تحاك ضد هذا الشعب، وكان عليه دائما أن يكون يقظا لمواجهتها.

وكأن قدر هذا الوطن وشعبه أن يعيش دائما في حالة استنفار ورباط ليوم الدين، وصدق نبي البشرية خاتم المرسلين وسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم حين قال”إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض .. أى إن أهل مصر في رباط إلى يوم القيامة”.

ولقد برهن التاريخ أن ما من قوة حاولت كسر إرادة الشعب المصري إلا وكان مصيرها الزوال، ودائما ما تصدت مصر لكل المخططات والمؤامرات الرامية للهيمنة على الأمتين الإسلامية والعربية.

وفي سبيل ذلك قدم المصريون الكثير من التضحيات عبر الحقب التاريخية المتوالية؛ من دماء ومقدرات مادية وحرية مسلوبة وحقوقا مغتصبة، وتخلف عن ركب التقدم الحضاري الذي كانت مصر رائدة له، إلا أن كل ذلك صهر وكون الشخصية المصرية، وصاغ أعظم ما فيها من روح الكفاح والتحدي، والولاء لهذا الوطن، واليقين الكامل بأهميته وقيمته، والافتخار بالانتماء له.

وها هو الشعب المصري منذ 30 يونيو 2013، يخوض حلقة أخرى من الصراع لمواجهة مؤامرة إعادة هندسة سياسية وجغرافية للمنطقة العربية، عبر تفكيك الدولة الوطنية في إطار ما أطلق عليه الفوضى الخلاقة، أو مشروع الشرق الأوسط الكبير / الجديد الذي بشرت به، الحيزبزون الأمريكية “كونداليزا رايس”، وعملت بلادها على تنفيذه عبر وكلاء وعملاء لها من أنظمة عميلة بالمنطقة على رأسها الإمارة الخليجية الصغيرة قطر، ودولة الخلافة البائدة، وقوى وتنظيمات الاسلام السياسى المتطرفة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان الفاشية الارهابية.

ففي الوقت الذي تصور فيه مهندسي المشروع التآمري وأعوانهم أنهم وصلوا لغايتهم في 2012 بوصول الجماعة الإرهابية لسدة الحكم في مصر، وأن مصر صارت رأس حربة لتمرير مشروعهم للمنطقة بأسرها، وتوهم الأمير الصغير “ابن موزة” ومجنون الخلافة “سليل العثمانيين” أنهم سيطروا على مصر، أطاح المصريون بكل هذه الأحلام، وهدموا المشروع على رؤوس أصحابه، ومارسوا عادتهم في إذلال أعدائهم، وتلقينهم درسا لن ينسوه، حين أطاحوا بجماعة الإخوان إلى مزبلة التاريخ في 30 يونيو 2013.

وبالطبع لن يغفر هؤلاء ذلك للمصريين، ولن يثنيهم عن مواصلة محاولاتهم لتنفيذ مخططهم التآمري.

وبعد أن تيقنوا من أنه لا سبيل لنجاح مشروعهم إلا بعد تطويع مصر، وكسر إرادتها، أعادوا الكرة مرة أخرى –كما يحدث عبر جميع فصول التاريخ- لمنع مصر من استعادة قوتها ومكانتها ونفوذها في المنطقة.

فما يحدث في قضية سد النهضة، وسوريا، وليبيا، والسودان، جيبوتي، وفي البحر المتوسط، وما يحدث في سيناء، وتلك المليارات التي تنفق من أجل إضعاف الاقتصاد المصري، وعلى قنوات إعلامية كل دورها هو الهجوم على الدولة المصرية؛ ما هو إلا محاولة لحصار مصر.

إزاء ذلك كله، كانت القيادة السياسية المصرية شديدة الوعي بما يحاك ضد مصر، وقررت المواجهة بحكمة، عبر استعادة الدولة المصرية لعافيتها من خلال استكمال أي نواقص في منظومة القوة الشاملة المصرية، والتي لحقها كثير من الضرر على مر العقود الماضية.

والحقيقة الثابتة في هذا الإطار، أن مصر تفتقر إلى الأسس الاقتصادية اللازمة للقيام بدور إقليمي رائد، فتأكيد تفوق مكانة مصر سيتطلّب تحويلها أولاً إلى قوة اقتصادية حقيقية.

لذلك كان من المنطقي والضروري في الوقت ذاته، أن ينصب اهتمامنا على النهوض بالاقتصاد المصري، من خلال إجراء تغييرات هيكلية عميقة ومؤلمة في الاقتصاد المصري.

وبقدر ما تحمل المصريون مرارة هذه التغييرات الاقتصادية، بقدر ما كانت يد القدر رحيمة بمصر، فالاكتشافات الكبيرة والهامة لحقول الغاز، سوف تدعم بقوة الاقتصاد المصري، بل ومكانة مصر ونفوذها في الإقليم والعالم.

كل ذلك أثار حفيظة المتآمرين والحاقدين، خاصة ذلك الأمير الخليجي الصغير، الذي كان يحلمٍ بوراثة نفوذ ومكانة مصر، وذلك الموتور العثمانلي الذي يحلم باستعادة دولة الخلافة البائدة، فما كان من الأخير إلا أن عقد اتفاقا مشبوها مع حكومة السراج –أسيرة الميليشيات المتأسلمة المتطرفة- في محاولة لمنع مصر من مواصلة اكتشاف حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، وأن تتحول لمركز عالمي للطاقة.

ولعل الأيام القادمة سوف تشهد تصعيدا للوضع في المتوسط على خلفية التصعيد التركي، ودخول أطراف أخرى لا يريدون لمصر الخير.

وإزاء هذا الوضع، على صانع القرار المصري، ألا يتورط في صراع أو صدام لا يحدد هو مكانه وزمانه.

وعلى مصر وهي تتحمل قدرها التاريخي والحضاري في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أن تأخذ بكافة أسباب القوة، وأن  تتعلم من دروس التاريخ، أن قوتها في صلابة جيشها، وقوة اقتصادها، ووعي شعبها.

حمى الله مصر .. وشعبها وجيشها

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *