الرئيسية / كتاب الوعي العربي / أجزاء من كتاب ” كيف نهبت مصر 1974-2019“ بقلم: د.عبد الخالق فاروق

أجزاء من كتاب ” كيف نهبت مصر 1974-2019“ بقلم: د.عبد الخالق فاروق

 

كيف نهبت مصر 1974-2019 المقدمة
عبد الخالق فاروق·السبت، ٧ ديسمبر ٢٠١٩·
كيف نهبت مصر ( 1974 – 2018 ) (1)
بقلم / عبد الخالق فاروق
الخبير فى الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية

إهداء إلى من يستحقون جائزة الإنسانية كلها ..
إلى جوليان أسانج :
بطل موقع ويكليكس الذى كشف جرائم ودسائس الغرب والحكام المستبدين فى الشرق
وإلى جورج سنودن :
بطل كشف جرائم التنصت والتجسس الأمريكى ضد العالم فأسقط ورقة التوت الأخيرة عن دولة الحريات وحقوق الانسان
وإلى موردخاى فانونو :
الفنى النووى فى إسرائيل الذى كشف للعالم حقيقة الترسانة النووية الإسرائيلية وتعرض للتعذيب والنكران من العالم العربى والغرب معا .
المؤلف
مقدمة ..
طوال عشرين عاما أو يزيد ، ومنذ أن بدأت العمل البحثى فى تقصى عوامل الفساد وآلياته وأطرافه وتداعياته فى المجتمع المصرى ، تجمعت لدى كميات هائلة من البيانات والمعلومات والتقارير الصحفية ، والتحقيقات الجنائية والقضائية حول وقائع ومعطيات الفساد فى مصر ، وهو ما دفعنى إلى إعداد عدة كتب ومؤلفات تتناول هذه الظاهرة الخطيرة فى حياتنا منذ عام 1974 ، وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد والمجتمع المصرى ، وإن كان لم يكتب للكثير منها الظهور والنشر إلا بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 .
بيد أنه وبعد صدور كتبى الثلاثة الأولى حول الفساد فى مصر ، وهى ” جذور الفساد الإدارى فى القطاع الحكومى .. بيئة العمل وسياسات الأجور والمرتبات فى مصر 1962- 2002 ” ، الصادر عن دار الشروق عام 2009 ، ومن بعده كتاب ” اقتصاديات الفساد فى مصر .. كيف جرى إفساد مصر والمصريين 1974- 2010 ” ، الصادر عن مكتبة الشروق الدولية عام 2011 ، ثم كتاب ” اقتصاديات الأجور والمرتبات فى مصر .. كيف نبنى نظاما عادلا للأجور والمرتبات ” الصادر عن مكتبة الشروق الدولية عام 2012 . بدا بوضوح بعد وقائع التحقيقات الجزئية التى أجرتها بعض الهيئات القضائية بناء على بلاغات كثير من المواطنين ( مثل جهاز الكسب غير المشروع – هيئة النيابة الإدارية – نيابة الأموال العامة – جهاز النائب العام ، وهيئة قضايا الدولة ) ، وبعض الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وقطاع مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية ، كمحاولة لإمتصاص حالة الغضب الشعبى الواسعة النطاق فى البلاد التى فجرتها ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، أن معطيات وحقائق الفساد وأحجامه وتأثيراته الاقتصادية والمالية على الدولة والخزانة العامة ، التى سبق وقدرناها قبل هذه الثورة العظيمة ، لم تكن تشكل سوى حقائق جزئية ومتواضعة بالمقارنة بتلك التى كشفتها تلك التحقيقات مع بعض رموز نظام حسنى مبارك ، دون أن تصل إلى عمق فتح الملفات الكاملة لكل رموز هذا النظام ورجالاته .
ومن هنا بدأت عملية إعادة التقييم والتحليل والرصد لكل هذه الحقائق التى تسربت من بين أجهزة التحقيقات ، وإن كانت لم تسفر عن محاكمات حقيقية وعقوبات تتناسب مع فداحة الجرائم وأضرارها الهائلة …!!
ووسط هذا الجهد ” الفسيفسائى ” – إذا جاز الوصف – طوال السنوات الثمانى التى أعقبت ثورة يناير عام 2011 ، من أجل جمع تلك الخطوط المتناثرة هنا أو هناك ، وملامح الصورة المبتورة والمشوهه للوصول إلى جمل مفيدة ، وكشف آليات عمل جماعات ” المافيا ” المصرية التى أدارت الدولة المصرية على مدى أربعين عاما أو يزيد ، فأفلست خزاناتها ، وأفقرت شعبها ، وباعت أصول إنتاجها بأبخس الأثمان ، فى حين راكمت الثروة والثراء على الجانب الأخر لعدد لا يزيد على ألفين وخمسمائة من كبار رجال المال والأعمال الجدد وعائلاتهم فى البلاد ، لتبرز إلى ساحة الاحصاءات العالمية المتخصصة ( مجلة فوربس ) من بين أغنى العائلات فى العالم ،وتزيد حجم ثرواتها على أكثر من 750 مليار دولار ، معظمها يجرى إستثماره وتهريبه إلى الخارج فى أوربا والولايات المتحدة ، وإمارات ومشيخات الخليج الفارسى .
ومع كل مرحلة من مراحل البحث والتقصى ، كان الستار ينزاح عن تحالف إجتماعى شيطانى يمتد بخيوطه من الداخل إلى الخارج والعكس صحيح ، بدءا من كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية الحاكمة فى البلاد منذ سنوات بعيدة ، مرورا بزواج بدأ عرفيا مع طبقة رجال المال والأعمال الجدد بكل سماتها وخصائصها الشاذه من سماسرة أراضى وعقارات ، إلى كبار التجار والمستوردين ، إلى أصحاب التوكيلات التجارية للشركات العالمية * وكبار القيادات المصرفية والبنكية ، وتجار السلاح ، وأصحاب المشروعات والمنتجعات السياحية ، ويأتى فى مؤخرتهم رجال الصناعة والتعدين . ويأخذون فى طريقهم كمحلل أو غطاء بعض أساتذة الجامعات والأكاديمون والمهنيون من أطباء ومهندسون وبعضا من رجال الدين .
وفى كل خطوة من خطوات البحث ، كان هناك سؤال يلح .. ويطرح نفسه بقوة .. ويفرض سطوته على عقلى وتفكيرى باحثا عن إجابة : أين مكانة وتأثير العامل الخارجى والعنصر الأجنبى فى إنشاء وتخليق هذا التحالف الإجتماعى الشيطانى ،وفى أى معامل لأجهزة إستخبارات كبرى تمت هذه التركيبة الجهنمية ؟
وعبر عملية شديدة التعقيد والتركيب تشكلت جماعات المصالح فى الداخل، وتساندت عبر عمليات المصاهرة والتزاوج المتبادل ومنها نشأ ما يسمى فى الأدبيات الاقتصادية الحديثة رأسمالية المحاسيب Cronyism Economy بالاتفاق مع مصالح دولية ، ولا نجاوز الحقيقة حينما نؤكد أنها فى معامل أجهزة استخبارات إقليمية ودولية مؤثرة وفاعلة وفى طليعتها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA .
ولم يكن غريبا والحال كذلك ، أن تكشف الدراسة أن هذه الطبقة الرأسمالية الجديدة هى مولود هذا التحالف الخفى ، فنشأت وترعرعت فى حضن الدولة المصرية ورئيسها تحديدا ( أنور السادات ومن بعده حسنى مبارك ) ، وبرعاية وتخطيط أمريكى مباشر . وهل كانت مصادفة – مثلا – أن يكون اللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية المصرية
___________
· أحدهم وهو السيد صلاح دياب كان يمتلك فى لحظة واحدة 43 توكيلا تجاريا لكبريات الشركات العالمية عام 2008 . وكذلك منصور عامر 95 توكيلا ، وحسام أبو الفتوح 23 توكيلا وأخرين كثيرون .
عام 1971 ، هو الذى أدار صفقة طائرات الميراج التى مولتها ليبيا لصالح المجهود الحربى المصرى ، يتعاطى بالعمولات والرشوة مع الحكومة الفرنسية وشركة ” طومسون ” المنتجة للطائرة ، هو نفسه الذى يقع عليه إختيار الرئيس السادات عام 1975 ليكون نائبا لرئيس جمهورية مصر ، ثم أليس غريبا أن يكون هذا النائب الجديد يتولى إدارة شبكة وعصابة دولية لتجارة ونقل الأسلحة إلى مناطق النزاعات التى ترغبها الولايات المتحدة وجهاز المخابرات المركزية الأمريكية فى أمريكا اللاتينية ( نيكاراجوا – السلفادور – هندوراس ) وإلى أفغانستان ، وفى شراكة مع حسين سالم والملحق العسكرى المصرى فى واشنطن اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة واللواء كمال حسن على الذى كان يشغل منصب مدير المخابرات العامة المصرية ، واللواء منير ثابت مدير مكتب المشتريات العسكرية المصرية فى واشنطن ، الذى يرتبط بصلة نسب وقرابة مع النائب حسنى مبارك ، وتاجر السلاح السعودى الشهير عدنان خاشقجى ذو صلة القرابة بالأسرة المالكة فى السعودية ، ومديرها مخابراتها كمال أدهم وأخرين ، وفى تعاون وشراكة مع عميل المخابرات المركزية الأمريكية توماس كلينز T.Clines و شبكته ..!!
وهل من المصادفات أن يكون الرجل الذى قام بإرسال سلة مانجو ملغومة وأغتال زعيم المعارضة السودانية ( الأمام المهدى ) عام 1969 لصالح بقاء حكم اللواء جعفر النميرى ، هو نفسه الذى يصبح رئيسا لمصر عام 1981 ، فيشرف ويستكمل ما بدأه سلفه ( السادات ) فى هندسة ذلك التحالف الاجتماعى الشيطانى وزواج المحارم بين رجال المال والاعمال ورجال الحكم والإدارة طوال ثلاثين عاما من حكمه ؟
والحقيقة أنه قد ساعدنا فى إماطة اللثام عن هذا اللغز .. لغز الرجل .. ولغز بناء هذا التحالف الاجتماعى الشيطانى الجديد فى مصر عدد من أهم الكتب والمراجع العربية والأجنبية التى صدرت حديثا ومن أبرزها :
1- كتاب واحد من أهم مؤرخى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية وأكثرهم إطلاعا وتدقيقا هو السيد جوزيف ج. ترونتو المعنون ” مقدمة فى الإرهاب ” (1)
-Joseph Trento: “Prelude To Terror … The Rogue CIA And The Legacy Of America s Private Intelligence Network ” , carrol & graf ,London , New York 2005 .
والذى تضمن كما هائلا من الأسرار والحقائق والوثائق الرسمية عن جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية وشبكاته السرية وعلاقة حسنى مبارك والرئيس السادات بهذا الجهاز ، وذلك كله من واقع تحقيقات قانونية قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى FBI ووزارة العدل حول جرائم ومخالفات وإنتهاكات للقانون الأمريكى ، وهو ما لم يصدر بشأنه أى تكذيب من جانب الرئيس حسنى مبارك ، وهى التحقيقات التى بدأت منذ عام 1982 ، حتى طواها قرار أمنى وسياسى على أعلى مستوى فى إدارة الرئيس رونالد ريجان عام 1983، وصنف الموضوع بأعتباره من مقتضيات الأمن القومى الأمريكى ، لا يجوز تناولها فى الصحافة وتعاون المسئولين الرسميين فيها .
2- كتاب الصحفى الأمريكى الأشهر Bob Woodward الصادر عام 1989 وعنوانه ” الحجاب .. الحروب السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال الفترة 1981-1987 ” (2) ، الصادر فى لندن عن مؤسسة Schuster
–Bob Woodward , ” Veil : The Secret Wars Of The CIA 1981-1987″ , Simon & Schuster , London , 1989
والذى تضمن بدروه فى كثير من صفحاته معطيات تمس بشكل مباشر الشرف الشخصى والوطنى للرئيس الأسبق أنور السادات ، وكونه كان على صلة بهذا الجهاز ومصدر لمعلوماته ، ويحصل بالمقابل على مدفوعات مالية منتظمة Payroll من الجهاز بواسطة ” كمال أدهم ” مدير المخابرات السعودية ورجل المخابرات الأمريكية المهم فى المنطقة .
3- كتاب ضابط الإستخبارات الأمريكية الاقتصادى ” جون بركينز ” John Perkins الصادر بعدة لغات منذ عام 2004 ، وصدرت ترجمته العربية فى مصر عن دار طنانى عام 2008 ، بعنوان ” اعترافات قرصان اقتصادى .. الاغتيال الاقتصادى للأمم ” (3) ، وقد تعرض مؤلفه إلى تهديدات بالقتل من مجهولين يرجح أنهم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ، بسبب ما تحويه ضفتى الكتاب من أسرار ومعلومات مذهلة بشأن أساليب الولايات المتحدة وأجهزة إستخباراتها فى توريط الشعوب وحكوماتها فى الدول النامية بمصيدة الديون من أجل السيطرة على قراراتها وسياساتها ،وهو ما كنا نحذر منه فى كتاباتنا وكل الخبراء الاقتصاديين الوطنيين سواء فى مصر أو فى غيرها من الدول ، فها هو رجل من داخل مطابخ صنع هذه السياسات التوريطية يقدم إلينا بالوثائق والمستندات والتجربة الشخصية ما يؤكد هذه الحقيقة ، ومنها نستطيع فهم كثير من الإلغاز الخاصة بمصر ، وتفاخر الرئيس السادات بأن كل الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية التمويلية تعرض على مصر إقراضها بكثير من الكرم فى معرض رده الساذج على المقاطعة العربية لنظامه بعد زيارته للقدس المحتلة فى نوفمبر عام 1977 ( موقع جون بيركنز www.johnperkins.org) .
4- كتاب الاستاذ محمد حسنين هيكل المعنون ” مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان ” ، الصادر عام 2012 عن دار الشروق ، والذى يتضمن لأول مرة بعض التفاصيل حول صفقة الميراج الليبية ودور اللواء حسنى مبارك فيها عام 1972 ، والعمولات التى تردد أنها تزيد على 250 مليون دولار ( الصفقة كانت شراء ما بين 75 إلى 104 طائرة ميراج بتكلفة 5 مليار دولار بأسعار ذلك الزمان ) (4) .
أن هذه الأعمال الأربعة معا – بخلاف مئات الكتب والتقارير والوثائق التى سوف نشير إليها فى موضعها – قد أضاءت أمامنا الكثير من الظلمات ، وفتحت أفاقا واسعة لفهم ما غمض علينا وعلى مصر فى فهم الرجل وفهم دوافع عصره .
لذا فأن هذه العملية الاجتماعية التاريخية Historical Social Process التى أستهدفت إعادة بناء وهندسة البنية الاجتماعية والطبقية فى مصر ، وتخليق هذه الطبقة الرأسمالية وإستحضارها من القبور الناصرية ، بإعتبارها الركيزة الأساسية ” للسلام ” و” الإستقرار ” ، والتعاون مع الغرب وإسرائيل ، تزامن معه وصاحبه توظيف وإعادة تموضع لكبار قيادات الدولة والجيش والشرطة والبيروقراطية المصرية ، وسواقط الكادر الجامعى والمؤسسة القضائية ، ليشكلوا هذه السبيكة التى تقوم عليها الدولة الجديدة فى مصر بعد عام 1974 حتى يومنا هذا .
ومن هنا لم يكن غريبا أن تأتى نتائج سياسة ” الانفتاح ” سداح مداح ” ، على حد تعبير كاتبنا الراحل أحمد بهاء الدين منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى ، هو الانفلات الاقتصادى والمالى ، وإنتشار الجرائم الاجتماعية والأخلاقية بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث ، وهو ما عرضنا إليه تفصيلا فى كتابنا ” أزمة الانتماء فى مصر .. الآثار الاجتماعية لسياسةالانفتاح ” ، الصادر عن مركز الحضارة العربية عام 1998 ، وما تبعه من دراسات أكاديمية جادة تناولت نفس الموضوع مثلما هو كتاب الدكتور صلاح منسى ” الانفتاح الاقتصادى والجريمة فى مصر.. دراسة سسيولوجية لعلاقة التغيرات الاقتصادية بالسلوك الإجرامى ” الصادر عن دار النهضة العربية عام 1989 ، ، وكذلك كتابه ” القرية المصرية والإنفتاح الاقتصادى .. دراسة سيسيولوجية للتحولات الاجتماعية التى طرأت على القرية المصرية ” ، الصادر عن دار النهضة العربية عام 1988 ، وعشرات الدراسات الأكاديمية الأخرى (5) .
كما تعززت هذه السبيكة الاجتماعية الجديدة من خلال علاقات التصاهر والتزواج بين أبناء قيادات وقمم هذه الفئات التى سبق وأشرنا إليها ، والتى سوف نعرض لبعض نماذج حالات التصاهر والتزواج تلك فى دراستنا هذه . وهنا ينبغى أن نتفهم طبيعة الفروقات النوعية ، بين تعبير يجرى إستخدامه من جانب المسئولين المصريين بدءا من الرئيس حسنى مبارك ، نزولا إلى أدنى مرؤسيه وهو( أن الفساد منتشر فى كل الدول ) ، أو أن كل المجتمعات تشهد حالات فساد . والحقيقة أن هذه مقولة حق أريد بها باطلا .
ذلك أن المجتمعات كافة ، وفى الدول المتقدمة كما الدول المتخلفة تشهد حالات من الإنحرافات الفردية قد تتسع أو تضيق ، لكنها لا تعيش حالات فساد منظم ومقنن وممنهج ، كما هى الحال فى مصر ، ذلك أن هذه المجتمعات تضع حائطا للصد أمام تفشى حالات الفساد أو الإنحرافات الفردية من خلال توافر أربعة عناصر أساسية هى :
الأول : جهاز إعلامى قوى ومتعدد الاتجاهات قادر على الولوج إلى كافة مصادر المعلومات والتفاصيل والمخالفات التى قد يرتكبها المسئول أو من يشغل وظيفة عامة (6) بعكس الحالةالمصرية التى يظل فيها الجهاز الإعلامى سواء كان حكوميا أو تابعا لرجال الأعمال مسيطرا عليه بشكل أو بأخر وفى حدود لا يتجاوزها .
الثانى : إحترام لا شك فيه للقواعد القانونية ، بحيث لا يستطيع المخالف أن يجادل بمن يكون ؟ أو صلة قرابته إلى أحد من الكبار ؟ فالقانون يطبق على الجميع ، بينما فى مصر هناك ألف حائل أمام تطبيق القانون وتوقيع العقاب المناسب على المجرم أو المخالف ، طالما كان مسنودا من هنا أو من هناك .
الثالث : طبيعة صياغة القواعد القانونية خصوصا الاقتصادية ، صحيح أنها هناك تلبى مطالب ومصالح جماعات المصالح الاقتصادية والصناعية الكبرى ، لكنها لا تتعارض ولا تتناقض مع أسس مستقرة لبناء المجتمع الرأسمالى مثل قوانين محاربة الأحتكار ، أو شفافية المناقصات والمزايدات والمشتريات الحكومية ، أو فى غيرها من القوانين الضابطة Controlling Laws للممارسات الرأسمالية ، حتى لا تفلت من عقالها وتؤدى إلى الإضرار بمصالح المجتمع ومستهلكيه .
الرابع : قوانين تسمح بالشفافية والإفصاح فى الغالب الأعم ، وعلى العكس فى مصر ، فأن القوانين قد شرعت طوال العقود الأربعة الأخيرة لخدمة فئات معينة ، ضاربة عرض الحائط بمصالح الدولة والخزانة العامة ، وبالفئات الاجتماعية الأدنى فى السلم الاجتماعى كما سوف نرى ، ووصل الأمر إلى حد فتح ثغرات فى القوانين المشرعة أو غير المشرعة ( اللوائح التنفيذية ) لتوفير مظلة قانونية لممارسى الفساد ، تحميهم من المساءلة القضائية مستقبلا ، وهو ما عرضنا إلى بعض جوانبه فى كتابنا ” اقتصاديات الفساد فى مصر ” السابق الإشارة إليه ، وإن كنا سنتوسع فى هذا العمل لشرح بعض جوانب القوانين الاقتصادية المفسدة .
*****
وبقدر ما وفرت السياسات الاقتصادية المتبعة طوال هذه الفترة ، وتدنى الأجور والمرتبات ، وإنتهاج سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الرقابية والقضائية – أو بعض أفرادها – وهوما تعرضنا إلى بعضه فى مؤلفاتنا السابقة ، بقدر ما وفر المناخ الثقافى والخطاب الاعلامى بدوره لهذه الممارسات لغة القبول ، ومصطلحات التبرير ، بدءا من سخرية الرئيس السادات من ” إشتراكية الفقر ” ، مرورا بالخطاب المسموم والمستخدم فى وسائل الإعلام الحكومية والرسمية – قبل أن تظهر وسائل الاعلام الخاصة فى منتصف التسعينيات – الواصف لكل من يخالفه ” بأصحاب اللغة الخشبية ” ، و ” الحربجية ” وغيرها من التعبيرات السلبية ، إنتهاءا بالدراما التليفزيونية والسينمائية – التى غرقت بدافع خفى من المنتجين السعوديين والخليجيين – فى وحل سيناريوهات المخدرات والإدمان والدعارة والجريمة بصورة عامة .
ووسط هذا العالم ، تسربت مصطلحات ومفاهيم ، وأتخذت من اللغة الرمادية والمزدوجة منصات إطلاق ، فأصبح إعادة تفكيك وبناء الاقتصاد المصرى على أسس رأسمالية من جديد ” تحريرا ” ، وسياسات الإفقار وإلغاء الدعم وتخفيف العبء عن كاهل الدولة والموازنة العامة ” ترشيدا ” ، وترادف كلمة ” التخطيط ” فى العصر الجديد مع الجمود والتحجر ، ووأد المبادرة الفردية وحرية الأسواق ، وفاعلية آليات العرض والطلب فى تخصيص الموارد والاستثمارات وصياغة أولويات الدولة والمجتمع .
كما أهيل التراب – ظلما ودسا مسموما – على شركات القطاع العام خصوصا ، وعلى الملكية العامة عموما ، فأصبحت فى الخطاب الرسمى والخطاب العام السائد وسط أفراد المجتمع وأجياله الجديدة ، بمثابة الوصفة السحرية للفشل والفساد وإهدار المال العام ، وتفشى البيروقراطية ، وعدم جودة الانتاج ، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن هذا القطاع هو من تحمل سنوات الجمر طوال السنوات الستة التى أعقبت هزيمة الخامس من يونيه عام 1967 حتى حرب أكتوبر عام 1973 .
*****
أما المؤسسة التعليمية ، فقد كانت أول ضحايا هذه التغيرات العميقة والعاصفة التى جرفت الحياة فى مصر ، حيث وجد أبناء هذا النظام التعليمى وأولياء أمورهم أنفسهم أمام أوضاع خطيرة أبرزها :
– أن التكدس بفصول المدارس الحكومية قد أصبح لا يطاق .
– وأن أخلاقيات العملية التعليمية فى تدهور مستمر.
– وأن تكاليف التعليم آخذه فى التزايد بصورة مرهقة وفوق القدرة على الإحتمال .
– وأن غياب الأباء بالخارج قد أسقط عاصم من عواصم الجنوح .
– وأن المجتمع لم تعد تشغله قضية وطنية أو قومية تستقطب الاهتمام فأنخرط الجميع فى أحلام الخلاص الفردى وحلم علاء الدين النفطى .
– كما أنعكس سوء الأداء أكثر فأكثر على الأنشطة الإبداعية كالموسيقى والرسم والرياضة وغيرها من أنشطة الروح والوجدان .
– وبرغم كل التغيرات العاصفة فقد ظلت المناهج التعليمية كما هى ، حيث روح التلقين والحفظ ، فخلقت أجيالا غير قادرة على المناقشة الحرة والإبداع والاستقلال .
– وتحت ضغط الحاجة وتدنى أجور ومرتبات المدرسين ، سقطت قيم الاستاذية فى أنظار ملايين الأطفال والطلاب ، فكان بمثابة سقوط لأخر خطوط الدفاع الذاتية فى النظام التعليمى ككل .
– وزاد الأمر سوءا أن حملة إعلامية وسياسية غبية جرت لسنوات طويلة تحت دعوى إلغاء مجانية التعليم أو ترشيده ، فألقت بظلالها الكئيبة على نفوس وعقول ملايين النشء والشباب ، الذين أحسوا أنهم قد صاروا عبئا على وطن ، فتحول الوطن بدوره داخلهم إلى عبء (7) .
وساهمت هذه المحرمات العشرة فى خلق حالة من الخلخلة النفسية والقيمية لدى ملايين الأطفال والشباب ، فأستثمرها تيارين رئيسيين لأغراضهما الخاصة وهما :
الأول : تيار التغريب ، فأنتشرت حالات من التحلل الأخلاقى وإدمان المخدرات بين طلاب المدارس والجامعات وغيرهم .
الثانى : تيار الإسلام السياسى وجماعات التطرف والرفض الدينى ، التى مثلت للكثيرين نموذجا للخلاص الأخلاقى ، فأصبح التمسك بأهداب الأخلاق والدين مرادفا للإنضواء داخل هذه الجماعات الدينية فتمثلوها أمراء خلاص .
*********
وهنا ينبغى التوقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى هذا الكتاب ، والتى تحتاج إلى ضبط منهجى ، ونقصد بها تحديدا مفهوم وتعبير ” نهب ” مصر .
فإذا كان مفهوم أو تعبير ” النهب plunderingفى العرف العام يرمى إلى عملية الحصول دون وجه حق على أموال أو أصول مادية أو عينية للدولة ، أو حكومة أو أشخاص ، أو جماعات تحت غطاء من معاملات أو صفقات بصورة غير عادلة أو منصفة لصالح طرف وعلى حساب الطرف الثانى ، المعرفة قانونا بالغبن ، أو الغش أو التدليس فى القانون الجنائى المصرى ، فقد تتخذ عملية النهب تلك أشكالا متنوعة بصرف النظر عن وجود إطار قانونى من عدمه ، مثلما هو الحال فى المعدلات المبالغ فيها جدا للفائدة البنكية ، الذى يقارب ما يعرف فى الفقه الاسلامى ( بالربا ) ، أو بالحصول على الأراضى المملوكة للدولة مجانا ، أو بأسعار بخسة لا تتناسب مطلقا مع سعرها العادل أو الاقتصادى الحقيقى ، أو من خلال شراء شركات ومعدات مملوكة للدولة وشركاتها ( الخصخصة ) بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية (8)، وحينما كتب الاقتصادى الفرنسى البارز ” بيير جالييه ” كتابه الهام ” نهب العالم الثالث ” فى منتصف عقد الستينيات من القرن العشرين ، لم يكن يتصور أن تكون عمليات النهب بمثل هذه الصورة البشعة التى شهدتها مصر وروسيا فى أثناء تطبيق ما يسمى برنامج الخصخصة Privatization فى مطلع عقد التسعينيات من القرن العشرين . لقد كان عمليات التحليل الاقتصادى للنهب الاستعمارى تعتمد بصورة أساسية على تحليل أثر التجارة الدولية وعمليات الاقتراض على إستنزاف الفائض الاقتصادى من دول وشعوب العالم النامى ، ولم تكن عمليات الخصخصة وبيع الأصول والشركات العامة قد ظهرت بعد فى العلاقات الاقتصادية الدولية أو حتى المحلية (9) .
أما الاقتصادى الفرنسى الكبير ” شارل بتلهايم ” ، فقد قدم إلينا أداة تحليلية مختلفة ومتميزة تقوم على مفهوم ” الفائض الاقتصادى ” Economic Surplus بمستوياته الثلاثة :
– الفائض الاقتصادى الجارى أو الفعلى current Economic Surplus .
– الفائض الاقتصادى الإحتمالى economic surplus Potential.
– الفائض الاقتصادى الكامن Hidden Economic Surplus (10) .
وكذلك ما قدمه المفكران الاقتصاديان الأمريكيان بول أ. باران ، وبول م. سويزى فى كتابيهما الرائع ” رأس المال الإحتكارى ” عن الاقتصاد الأمريكى ، وكذلك كتاب بول أ . باران الشهير ” الاقتصاد السياسى والتنمية ” .
فالفائض الاقتصادى كما يقول (بول أ . باران ) ليس مطابقا لمفهوم الربح ، وأنما هو أوسع من ذلك وأعمق (11)، والفائض الاقتصادى الفعلى هو ( الفارق بين الانتاج الفعلى الجارى في المجتمع ، وبين إستهلاكه الفعلى الجارى ) ،
وهو بهذا المعنى يكاد يتطابق مع مفهوم الإدخار وبالتالى الاستثمار .
أما الفائض الاقتصادى الإحتمالى Potentialفهو ( الفارق بين الناتج الذى يمكن إنتاجه في ظل ظروف طبيعية وتكنولوجية معينة ، بالإعتماد على الموارد الانتاجية التى يمكن إستخدامها ، وبين ما يعد إستهلاكا ضروريا ) (12) .
أما الفائض الإقتصادى الكامن Hidden ، فيذهب هذا المفهوم إلى تلك الموارد أو الفائض الذى ضاع فرصة الاستفادة بها لعدم استغلالها الاستغلال الأمثل ، أو عدم العمل على استخدامه على الإطلاق، وهى طاقات وقدرات متوافرة فى المجتمع المصرى ( البشرية والمادية والتعدينية والزراعية وغيرها ) ، وحصر مصادر هذه الثروة والموارد المصرية غير المستغلة أو المستخدمة بأقل من طاقتها المناسبة.
أى توسيع نطاق الرؤية لتشمل تلك الخسائر التى تحققت بسبب عدم توجيه الموارد الإقتصادية التى توافرت للاقتصاد والمجتمع خلال هذه الفترة فى اتجاهات تنموية حقيقية ، اعتمادا على مفهوم نفقة الفرصة البديلة Opportunity-Cost مثل قطاع النفط والغاز الطبيعى ، أو القدرة على تعبئة المدخرات والفوائض المتاحة للأفراد والجماعات بفعل السفر والعمل بالخارج أو غيرها من الوسائل ، فلم يحظ هذا المفهوم ، بفرص حقيقية لإستخدامه كأداة منهجية وتخطيطية للتنمية والنمو الاقتصادى .
وهذا المفهوم لدى ” شارل بتلهايم ” يختلف إلى حد ما عن مفهوم الفائض الاقتصادى الذى قدمه الاقتصاديان الأمريكيان البارزان ” بول م. سويزى ” و ” بول أ. بارن ” ، فى كتابهما الهام ” رأس المال الأحتكارى ” كمحاولة منهما لتحليل كيف تؤدى النظم الرأسمالية الصناعية المتقدمة تكنولوجيا ، إلى زيادة الفائض الاقتصادى المهدر بسبب هذا التطور فى خطوط الانتاج وتكنولوجيا الانتاج بصورة متسارعة(13) .
أما الفائض الإقتصادى المستنزف فى الاقتصاد المصرى خلال هذه الفترة الطويلة ( 1974- 2018 ) من واقع التقارير الإقتصادية والمحاسبية الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية ، فهى ترمى إلى تقدير الخسائر المباشرة من جراء عدم كفاءة الإدارة الإقتصادية والسياسية للقائمين على الحكم والإدارة فى البلاد ، أو من جراء عمليات النهب والفساد .
وفى مصر لم تحظ هذه الأدوات التحليلية بالاهتمام الكافى من جانب الدارسين والباحثين الإقتصاديين ، وذلك بتطبيقها على الحالة المصرية ، سواء قبل التغيرات الجذرية الكبرى التى جرت على الإقتصاد والمجتمع المصرى بعد عام 1974 ، أو قبل ذلك التاريخ.
صحيح أن هناك بعض الدراسات المحدودة التى تناولت بعض مظاهر تبديد الفائض فى مجال الإنتاج الزراعى ، أو الطاقة العاطلة فى القطاع الصناعى (14) أو فى مجال الخسائر الإقتصادية الناتجة عن العدوان الإسرائيلى على مصر عام 1967 (15) ، بيد أن هذه الدراسات والأبحاث المتناثرة لم تكن تنطلق من منظور نظرى كلى وشامل يتعامل مع هذه الوقائع والمعطيات الإقتصادية أو الفنية فى الإطار الإجتماعى والإقتصادى Scio-Economic الشامل .
ربما كانت الحالة الأقرب إلى عمليات النهب Plundering بالمعنى الحرفى للكلمة ذلك التأريخ الهام الذى قدمه الكاتب والمؤرخ البريطانى الشهير ” دافيد سى . لاندوز ” فى كتابه الهام ” بنوك وباشوات ” الذى ترجمه فى مطلع الستينيات من القرن العشرين المفكر الدكتور عبد العظيم أنيس ، ونشرته دار المعارف ، واحتوى على تفاصيل مفزعة حول عمليات النهب والإقراض المجحف الذى مارسته البنوك الأوربية والمرابين مع الخديوى إسماعيل وأوصلت مصر إلى حد الإفلاس ، ومن ثم فرض الوصاية المالية والسياسية عليها ، وأنتهت فى النهاية بإحتلال الأنجليز لمصر عام 1882 الذى إستمر لأكثر من سبعين عاما ( 1882- 1956 ) (16) .
كما عرض طلعت حرب باشا فى كتابه الهام ” علاج مصر الاقتصادى ومشروع بنك المصريين ” الصادر عام 1911 ، وكشف فيه جوانب النهب والإستغلال البشع الذى كان يمارسه المرابون والبنوك الأجنبية فى حق الفلاحيين المصريين ، من خلال نظم للرهن والفوائد التى كانت تزيد فى معظم الحالات على 90% من أصل الدين ، مما كان يؤدى فى النهاية إلى إستيلاء هؤلاء المرابين والبنوك على أراضى الفلاحيين المصريين ، وكذلك الديون التى أغرقت الخديوى إسماعيل (1864-1878) ، ومن بعده مصر كلها وأودت بها فى النهاية إلى التدخل الأجنبى ثم الإحتلال البريطانى العسكرى للبلاد عام 1882 (17) .
ويشتمل مفهوم النهب Plundering فى حالتنا على ما هو أكبر وأوسع من مجرد ما ضاع على الخزانة العامة أو الدولة المصرية بصورة مباشرة من مزايا وحقوق مالية ، مثلما هو الحال فى فروقات تسعير الأراضى التى منحت لرجال المال والأعمال المصريين والعرب بغرض الاستصلاح الزراعى – خصوصا فى طرق (القاهرة – الأسكندرية ) الصحراوى ، وطريق (القاهرة – الإسماعيلية ) الصحرواى ، وطريق (القاهرة – الفيوم ) الصحراوى ، ثم طريق (القاهرة – السويس ) الصحراوى ، ومشروع العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع الشيخ محمد بن زايد عام 2015 ، وكلهم تقريبا من ذوى الصلات الوثيقة برجال الحكم والإدارة كما سوف نرى ، تحولت على أيديهم إلى منتجعات سكنية وسياحية فاخرة تحققت من جرائها أرباحا تقدر بمئات المليارات من الجنيهات ، بل أن بعض المصادر الحكومية والرسمية مثل هيئة التعمير والتنمية الزراعية ، قدرت الفارق الذى ضاع على الخزانة العامة بسبب فارق التسعير بحوالى 147 مليار جنيه ، بل أننا نذهب فى مفهومنا إلى النهب الذى ضاع على المجتمع والدولة من جراء إهدار فرص إستزراع هذه الأراضى وتحويلها إلى سلة غذائية وزراعية حقيقية ، كافية لزيادة نسبة إكتفاءنا الذاتى من الغذاء بحوالى 5% إلى 10% أضافية على الأقل ** ، وهنا يأتى أهمية مفهوم ” شارل بتلهايم ” حول الفائض الاحتمالى والفائض الكامن .
وتؤدى أنماط إستحلاب الفائض الاقتصادى ونهب الثروة الوطنية فى مصر ، إلى تنامى عمليتين اقتصاديتين وماليتين وإجتماعيتين متناقضتين فى وقت واحد :
الأولى : تتمثل فى تركز وإستقطاب حاد وسريع للثروات والدخول لدى فئات محدودة فى المجتمع ، مقابل توسيع مساحات الفقر والفقراء فيه .
والثانية : بديلا عن التوسع الرأسمالى وزيادة الأصول الانتاجية الذى شهدته ومارسته الطبقات الرأسمالية فى إنجلترا وأوربا فى بداية الثورة الصناعية فى القرنين الثامن والتاسع عشر، وكذلك فى التجارب الحديثة لدول النمور الآسيوية واليابان فى منتصف الخمسينات من القرن العشرين ، والذى يطلق عليه فى الأدبيات الاقتصادية والتاريخ الاقتصادى ” بالتراكم الرأسمالى ” Accumulation of capital ، حدث على العكس فى مصر ، ما نسميه التراكم المالى Financial Accumulation الذى أثمر مشروعات ذات طبيعة خدمية وسريعة العائد من ناحية مع عمليات تهريب ونزح واستثمار جزء كبير من هذه الأرباح فى الخارج من ناحية أخرى ، خصوصا فى المراكز الرأسمالية المتقدمة وفى دول وإمارات والخليج العربى . كما شهدت مصر كما هائلا من البذخ وصل إلى حد السفه والانفلات الأخلاقى .
وقد توصل بحثنا إلى وجود ما يقارب 300 عائلة فقط تكاد تستحوذ على أهم مصادر الثروة والنفوذ فى البلاد ، بالتحالف مع كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية كما سوف نعرض فى الصفحات القادمة .
**************
وعندما نتحدث عن نهب مصر Plundering ، فأننا نميز بين أربعة مستويات لعمليات النهب تلك هى :
الأول : عمليات النهب بمعنى إهدار الأصول والممتلكات العامة المصرية ، سواء من خلال عمليتى خصخصة وبيع الشركات العامة ، أو تخصيصات الأراضى المترامية الأطراف التى منحت لكبار رجال المال والأعمال القريبين من دوائر الحكم والإدارة ، فحققوا من ورائها مئات المليارات من الجنيهات فى صورة أرباح صافية لم يبذلوا فيها أدنى مجهود .
_______________
** شاهد الكاتب بنفسه عام 2013 ، الطريق الممتد من مطار الدار البيضاء بالمغرب حتى مدينة مراكش والذى يزيد على ثلاثة ساعات بالسيارة وهو مفروش بالخضرة على الجانبين لتصبح المغرب شبه مكتفية ذاتيا من المحاصيل الأساسية .
الثانى : عمليات النهب بمعنى سوء إدارة الموارد الاقتصادية المتاحة بسبب ضعف الكفاءة فى الإدارة والتشغيل ، أو بسبب الأهمال ، أو التواطؤ فى كثير من الحالات مع شركاء ظاهريين أو مخفيين من القطاع الخاص المحلى ، أو العربى أو الأجنبى ، بهدف إزاحة المال العام من الدومين العام إلى الجيوب الخاصة ( الشركة المصرية للاتصالات نموذجا والأراضى والشركات ) .
الثالث : نهب الثروة الوطنية من خلال علاقة غير متكافئة مع المستثمرين العرب والأجانب ( حالة البترول والغاز نموذجا ) .
الرابع : نهب الثروة الوطنية بمعنى تهريب الأموال إلى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية ( تهريب البنكنوت –
حسابات المراسلين – نظم الإستيراد والتصدير ) ، أو من خلال البورصة وسوق الأوراق المالية ، أو المؤسسات المالية الخاصة ( هيرمس نموذجا ) .
لقد أتسعت ممارسات ” النهب ” فى مصر لتشمل كافة مجالات النشاط الاقتصادى والمالى تقريبا دون إستثناء ، وعبر تطور مراحل بناء الطبقة الرأسمالية الجديدة ، تطورت أيضا مصادر وروافد النهب وتكوين الثروات ، فخلال الفترة الأولى من هذه العملية التاريخية التى أمتدت لثمانى سنوات تقريبا ( 1974- 1981 ) ، تركزت مصادر النهب وبناء الثروات الجديدة فى القطاعات التالية :
1- قطاع المصارف والبنوك والإقتراض المصرفى .
2- قطاع التجارة الداخلية بالجملة ونصف الجملة .
3- قطاع الاستيراد من الخارج والتوكيلات التجارية .
4- مشروعات تشارك فيها وتمولها المعونة الأمريكية US aid ومؤسسات التمويل الدولية خاصة البنك الدولى .
5- مشروعات تمول من خلال أموال المساعدات العربية والخليجية .
6- مشروعات تمول من خلال القروض والمساعدات الأوربية ومؤسسات تمويلها .
7- قطاع السياحة وتسريب جزء كبير من حصيلة النقد الأجنبى من جانب أصحاب كثير من هذه الشركات .
8- قطاع البترول والغاز الطبيعى .
9- المشتريات الحكومية ونظم المناقصات والمزايدات الحكومية .
10-القطاع الزراعى وتآكل الأراضى الزراعية لصالح النشاط العقارى .
11-التهرب الجمركى ( القوانين واللوائح والتواطؤ بين كثير من الموظفيين ) .
12-تغيير النظام القانونى الضريبى والتهرب من سداد الضريبة على الدخل والضريبة على الأرباح .
13-التجارة فى العملات الأجنبية خارج الإطار القانونى ( السوق السوداء ) .
ثم فى المرحلة اللاحقة (1982-2011) ، أضيفت إلى المصادر السابقة مصادر وروافد اضافية لنهب الثروة الوطنية وكانت هى الأبشع والأكثر وحشية وهى :
14-تخصيصات الأراضى والمضاربة عليها .
15-بيع الشركات العامة وماعرف ببرنامج الخصخصة .
16-البورصة وسوق الأوراق المالية .
17-برنامج دعم المصدرين .
18-تغيير التشريعات الاقتصادية بما يفيد رجال المال والأعمال ويضر بالخزينة العامة مثل ( قوانين الضرائب على الدخل – قوانين المناقصات والمزايدات – قوانين الإحتكار وتعزيز المنافسة وغيرها من القوانين ) ، التى زادت على 1441 قانونا اقتصاديا منذ عام 1974 حتى عشية ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
19-قطاع البناء والتشييد وبناء المنتجعات السكنية والسياحية الفاخرة والعاصمة الإدارية الجديدة .
20-تجارة السلاح والعمولات .
21-شبكات الدعارة الكبرى وشبكات تجارة المخدرات التى تديرها شخصيات كبرى .
سوف نكتشف فى ختام دراستنا تلك أن حجم الأموال التى جرى نهبها وإهدارها وضياعها على الخزانة العامة المصرية والدولة المصرية خلال هذه الفترة ( 1974- 2018 ) تكاد تزيد على تريليونين من الجنيهات ( ألفى مليار جنيه ) ، بمتوسط سنوى لا يقل على 50 مليار جنيه سنويا .
**********
وبقدر ما كانت الثروات فى مصر تتراكم بقوة وأندفاع فى جانب ، بقدر ما كانت مصر تجتاحها الأوباء والأمراض التى تصيب الغالبية الساحقة من الفقراء ومحدودى الدخل ، فى وقت كانت منظومة خدمات الرعاية الصحيةوالعلاجية العامة قد تعرضت للتآكل والضمور ، بحجة العجز فى الموازنة وقصور الموارد المالية ، فأنتشرت الأمراض المزمنة ، حيثبلغ عدد مرضى السكرى عام 2013 حوالى 7.5 مليون مواطن وفقا لتصريحات الدكتور إبراهيم الأبراشى رئيس اللجنة القومية لمرضى السكر التابعة لوزارة الصحة المصرية(18) . أما الدكتور يحيى الشاذلى عضو لجنة الفيروسات الكبدية فأشار إلى أن مرضى الكبد فى مصر بكافة أنواعه الثلاثة قد تجاوز عشرة ملايين مريض ، وأن لدينا 155 ألف مريض جديد ينضمون سنويا إلى هؤلاء المرضى ، بل أن عدد المتقدمين للحصول على علاج ( سوفالدى ) عبر الإنترنت فى شهرين فقط قد بلغ 800 ألف مريض(19) .
هذا ناهيك عن مرضى القلب والسرطان وغيرها من الأمراض الذين يتجاوز عددهم الملايين .
*************
يبقى مسألة أساسية فى هذا العرض ، وهى الخاصة بالإطار المرجعى الزمنى الذى أتخذنا منه نقطة البداية فى حساب مسار الفساد والنهب فى مصر الحديثة ، ونقصد به عام 1974 .
فمن المؤكد أن ما قبل هذا التاريخ قد شهد أيضا ممارسات فساد ، وعملية أختلاس ونهب لبعض الثروات المصرية ، سواء قام بها بعض المنتسبين للنظام الجديد فى 23 يوليو عام 1952 من الضباط الأحرار ، أو من أفراد وقيادات البيروقراطية المصرية العتيدة ، بيد أن هذه الممارسات ظلت حبيسة سلوك وإنحرافات الأفراد – بإستثناء الدائرة الضيقة بالمشير عبد الحكيم عامر داخل الجيش – ولم تكن أبدا وليدة سياسات عامة معمولا بها ، أو بناء على توافر مظلة قانونية وتشريعية تحميها وتحمى أصحابها ، أو بنت تحالفات طبقية واسعة ومكشوفة كما جرى بعد عام 1974 .
فمع إعلان الرئيس السادات تطبيق ما أسماه سياسة الانفتاح الاقتصادى فى ذلك العام ، جرت تحولات كبرى وجذرية فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية لمصر ، ونشأت طبقة إجتماعية جديدة وتحالف طبقى رباعى الأضلاع ( كبار جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية ، ورجال المال والأعمال الجدد ، وسواقط المؤسسة الجامعية ، وسواقط المؤسسة القضائية ) فى تحالف ترعاه القوى الغربية والخليجية والمؤسسات التمويلية الدولية ، وتحميه علاقات التصاهر والتزاوج بين مكوناتها ، وتعززه شبكة المصالح العاتية التى نشأت بينهم جميعا .
أن هذا العام كان نقطة البداية فى مسارات مختلفة جذريا ونوعيا ، وفى كافة المستويات فى الحياة المصرية ، وترك ومازال يترك بصماته وتأثيراته على كل مناحى الحياة فى هذا البلد ، ولا نبالغ إذا قلنا ، على كل نواحى الحياة فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وفى العالم .
وسوف يجد القارىء الكريم فى كتابى هذا ، خروجا جزئيا عن بعض ما أعتاده فى دراساتى السابقة من إلتزام صارم بقواعد البحث الأكاديمى المجرد ، حيث ألزمتنى طبيعة الموضوع ، وإنتشار جوانب وممارسات الفساد والنهب المنظم والعشوائى معا لأموال وأصول الدولة والمجتمع ، والذى لا يخضع بدوره لمعايير منضبطة فى القياس والتقدير ، إلى تطعيم بعض جوانب تناولى بالمصادر الصحفية ، التى لعبت دورا مقدرا فى الكشف عن جوانب هذه الممارسات الفاسدة والأموال الحرام الناتجة عنها ، خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011
وفى ختام هذه المقدمة المطولة ، لا يسعنى سوى شكر من قدموا لى يد المساعدة والعون ، وبذل الجهود من أجل إنارة طريق هو بطبيعته وعر ومظلم ، فى عالم من الأسرار والعلاقات الخفية ، وأساليب هى أقرب إلى عصابات المافيا الإيطالية ، أو الياكوزا اليابانية ، أو المافيا الروسية بدون مبالغة أو تهويل . وأخص بالشكر الباحث الاقتصادى رضا عيسى بما وفره عبر الشبكة العنكبوتية ودأبه فى البحث والتقصى لبعض المعلومات المفيدة ، كما أشكر الباحث فى شئون البورصة والأسواق المالية الدكتور رمضان معروف والدكتور مدحت نافع على ما قدماه من مادة علمية ، وكذلك الصحفى مصطفى عبيد على ما أتاحه من مادة صحفية مفيدة ، كما لا يفوتنى أن أقدم شكرى وإمتنانى للباحث الاقتصادى أيمن غازى من مرسى مطروح ، على ما قدمه من مساعدة قيمة فى مجال تحليل تكلفة انتاج المنتجات البترولية فى مصر ، وكذلك الصحفى الشجاع مصطفى زكريا من جريدة الصباح ، كما أن هناك الكثير من الجنود المجهولين الذين فضلوا أن يبقوا فى طى الكتمان نظرا لحساسية مواقعهم ، وحساسية الموضوع ، ومنهم بالضرورة زوجتى نجلاء سلامة التى تحملت الكثير من المتاعب والمخاطر التى تصاحب عادة من يختار طريق محاربة الفساد فلهم منى جميعا الشكر والتقدير ، وإن كنت وحدى أتحمل مسئولية كل ما ورد فى هذا الكتاب ، والله والوطن من وراء القصد .

 
المكافآت الحرام فى القطاع المصرفى المصرى
هذه فقرة صغيرة جدا من كتاب ” كيف نهبت مصر 1974-2019“ الذى لم ينشر بعد .. ومن يريد الأقتباس عليه الإشارة إلى المصدر ( عبد الخالق فاروق ” كيف نهبت مصر 1974-2019“ ، القاهرة ، كتاب معد للنشر وبلاش سرقة والنبى ونسبة مجهود خمس سنوات من عمرى من جانب بعض الفضائيات واللصوص
ويكشف البيان السابق عن مجموعة من الحقائق المذهلة أهمها :
1- أن هذه المكافآت الشهرية تتغير من شهر إلى أخر فقد تزيد فى بعض الشهور وقد تقل فى شهور أخرى ، لكنها تظل محافظة على المتوسط العام المقدر بحوالى 10.0 مليون جنيه شهريا ، أى ما يعادل 120 مليون جنيه سنويا ، هذا بخلاف مرتباتهم الشهرية وحوافزهم وبدلات حضور اللجان وبدلات السفر وبدلات المخاطر المصرفية ، وكذلك حصتهم من أرباح البنوك فى نهاية كل عام .
2- أن هذا الكشف أو البيان لم يتضمن أسم محافظ البنك المركزى ( فاروق العقدة ) نظرا لأنه يصرف بكشف مالى أو استمارة صرف منفردة ، وتقديرنا أن حصته لن تقل عن 250 ألف جنيه كل شهر .
3- سوف نكتشف كذلك أن معظم الأسماء الواردة فى البيان السابق هم أقرباء لشخصيات سياسية واقتصادية وأكاديمية معروفة وعلى صلة وثيقة بنظام الحكم وكبار قيادات الجيش والمؤسسة الأمنية .
4- كما نكتشف وجود أسماء مثل ( د. بهاء زياد الدين ود. هانى سرى الدين و د. هالة السعيد وغيرهم ) ممن يحصلون على مكافآت دورية مستمرة من صندوق تطوير وتحديث الجهاز المصرفى ، سواء بسبب إلقائهم محاضرات فى معاهد التدريب التابعة للبنوك ، أو بسبب عضويتهم فى بعض لجان ، أو مجلس إدارة هذا الصندوق الفاسد ، وهؤلاء كانوا أيضا أعضاء فى مجالس إدارات أكثر من جهة حكومية ومصرفية ،وهى وسيلة من الوسائل التى كان يتبعها نظام حسنى مبارك ومن قبله أنور السادات لمكافآة أتباعه وأنصاره ، أما شراءا لصمتهم أو أغوائهم وإفسادهم .
5- الملاحظة الجديرة بالتسجيل هنا أيضا أن معظم هؤلاء – إن لم يكن جميعهم – يقوم بإيداع مكافآته وربما مرتباته وحوافزه وغيرها من الأموال التى يحصل عليها من عمله فى البنك الحكومى فى بنوك أجنبية أو عربية فى ظاهرة لافته للنظر وتستدعى مزيد من التأمل والتحليل .
6- وهذه القيادات التى تربعت على قمة هرم الجهاز المصرفى لسنوات طويلة ، خصوصا بعد ظهور جمال مبارك على مسرح السياسة فى مصر منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى ، كان ولائها قد تحدد فيمن وضعهم فى هذه المناصب ، فأصبحوا أداة طيعة فى تنفيذ أوامرهم وتوجيهاتهم ، حتى لو كانت مخالفة للقوانين ، وهو ما كشفت عنه عمليات تهريب وإخراج الأموال الواسعة التى تمت أثناء ثورة 25 يناير عام 2011 أو بعدها **، تماما كما حدث فى عمليات النهب الواسعة النطاق وتهريب الأموال التى جرت فى الاتحاد السوفيتى عام 1991 ، حينما ساهمت البنوك فى هذه العملية الإجرامية والتى أدت إلى تهريب ما بين 200 إلى 500 مليار دولار خلال خمس سنوات فقط من عام 1993 حتى عام 1998 (39) .
7- ومن المثير للدهشة كذلك أن كثير من هذه الأسماء التى أنغمست ومارست الفساد المقنن فى القطاع المصرفى قد شغلوا مناصب وزارية ومواقع عليا فى الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير عام 2011 .
وإذا قارنا بين ما يجرى فى الحالة المصرية منذ عام 1974 حتى عام 2015 ، وما جرى من أنهيار الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الشرقية عام 1991 ، والدور المتماثل للبنوك فى كلا الحالتين فى تسهيل عملية الانتقال والتحول إلى الاقتصاد الرأسمالى ( المافيوى ) ، نجد أنفسنا إزاء حقائق شديدة الوضوح ، وهذا ما عرضه تقرير مفصل لواحدة من أهم المجلات الاقتصادية المتخصصة فى العالم ، إلا وهى مجلة The Economist البريطانية ، حول دور البنوك الغربية فى تدمير الاقتصاد السوفيتى خلال سبع سنوات فحسب (1991- 1998) وعمليات النهب المنظم والخصخصة التى لعبت فيها البنوك دورا مدمرا ، وكانت هذه البنوك الروسية والغربية العاملة فى روسيا على معرفة بأن نصف البنوك العاملة كانت خاضعة لسيطرة جماعات الجريمة المنظمة فى هذا البلد(40) .
وربما يتبادر إلى الذهن سؤال : إذا كانت هذه الدجاجة التى تبيض ذهبا إلى الطرفين ( رجال المال والأعمال من ناحية والقيادات المصرفية فى البنوك الحكومية من ناحية أخرى ) ، فلماذا يقبلون بذبحها وبيعها للأجانب فى إطار عملية خصخصة للبنوك الحكومية كما كانت تقضى خطة عصابة التوريث والفساد قبل ثورة 25 يناير وحتى اليوم ؟ هنا تواجهنا حقيقتان هما :
الأولى : أن الأوان قد آن لتنفيذ أصل وجوهر الخطة الأمريكية والغربية فى إعادة تفكيك وتركيب القطاع المصرفى ، تماما كما جرى فى شركات القطاع العام ، ووفقا لأتفاقية التجارة العالمية الموقعة عام 1995 ، وضرورة تحرير قطاع الخدمات المالية وفى طليعتها البنوك والمصارف ، فقد أصبح المطلب هو بيع وخصخصة قطاع البنوك وفك هيمنة البنوك الحكومية المصرية على حوالى 80% من السوق المصرفية ، ودخول رأس المال الأجنبى للسيطرة على أحد أهم رئتى العمل الاقتصادى إلا وهو قطاع التمويل وخصوصا البنوك .
الثانية : أن هذه القيادات المصرفية – التى تربت فى أحضان مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وكذلك البنوك الأمريكية والإنجليزية – قد رتبت أمورها على مرحلة ما بعد البيع ، تماما كما فعلت قيادات شركات القطاع العام ، الذين قفزوا من مركب القطاع العام إلى الشركات المخصخصة والشركات العالمية ، وعلينا أن نراجع أسماء هذه القيادات المصرفية الحكومية ، وأين عملت بعد التقاعد وترك العمل فى البنوك الحكومية ، فقد ذهبوا جميعا إما إلى البنوك الأجنبية كموظفيين من الدرجة الثانية أو الثالثة ، أو فى البنوك الخاصة التى أنشأوها بأموال البنوك الحكومية ( مثل حالة البنك التجارى الدولى CIB ) ، الذى نشأ بأموال البنك الأهلى المصرى بنسبة 99% ، ثم فجأة تحول إلى القطاع الخاص من خلال بيع تدريجى شبه سرى لحصص من أسهمه لهذه القيادات المصرفية المتقاعدة ورجال المال الجدد .
وهكذا نشأت رأسمالية المحاسيب فى مصر فى عملية هندسة طبقية ماهرة ، قام بها مخططون أمريكيون من جهة ، ورجال حكم وإدارة من جنرالات الجيش والمؤسسة الأمنية الذين إداروا البلاد منذ عام 1952 ، وحققوا من الفوائض المالية طوال هذه الفترة ، ما جعلهم يبدأون المرحلة الجديدة من الانفتاح والصلح مع إسرائيل والولايات المتحدة ، وإستثمار العصر الجديد ومغانمه .
المصدر : عبد الخالق فاروق ” كيف نهبت مصر 1974-2019 ” ، كتاب لم يجد ناشر وطنى جاد فى مصر والعالم العربى

هذا هو مبحث صغير جدا من كتابى الضخم ” كيف نهبت مصر 1974-2018
أنشروه على نطاق واسع إذا أقتنعتم بما يحتويه من معلومات وتحليل
الفصل الثالث
السمكة تفسد من رأسها.. السى أى أيه تحت الوسادة
بقلم / عبد الخالق فاروق
الخبير فى الشؤون الاقتصاديةوالاستراتيجية

” لا يستطيع أحد ركوب ظهرك
إلا إذا كنت منحنيا “
– مارتن لوثر كينج –

يتأسس علم الاجتماع الماركسى ( أو الاشتراكى بمعنى أخر ) على مجموعة من المقولات والأدوات التحليلية ، مثل مفهوم الصراع بين الطبقات ، والتناقضات الكمية تؤدى إلى التغيرات الكيفية ، والصراع والوحدة ، وغيرها من المفاهيم والمقولات ، التى تنبثق كلها من الإطار الفلسفى للمادية الجدلية والمادية التاريخية .
وقد أنعكست مثل تلك المفاهيم والأدوات التحليلية على السياسات التى أنتهجتها كثير من الدول والحكومات السوفيتية ، وصراعها مع المعسكر الرأسمالى ، مستندة على مفهوم التناقضات الطبقية والاجتماعية ، ودرجة أنعكاساتها على البنى الفوقية سواء كانت سياسية أو ثقافية .
ومن هنا تركز سياسات هذه الدول لسنوات طويلة على قيمة الحركة الجماعية والكتل الاجتماعية فى إحداث التغييرات السياسية ، وعلى حساب مفهوم دور الفرد فى التاريخ ودرجة تأثيره على حركة الأحداث والتغيرات ، وإن كانت لم تهمله تماما .
وعلى النقيض من ذلك ، جاءت نظريات علم الاجتماع ( البورجوازى ) ، أو الغربى مستندة على أدوات تحليلية تركز أكثر على دور وأبعاد الخصائص الشخصية والفردية فى التاريخ ، و تأثرها فى إحداث تغيرات ملموسة فى كثير من الحالات على النسق السياسى خصوصا فى الدول والمجتمعات النامية .
ومن هنا أسست الدول الغربية عموما ، والولايات المتحدة خصوصا الكثير من سياساتها وصراعاتها الدولية على الدور الفردى المتعاظم فى التاريخ ، أو بمعنى أدق دور وتأثير الرئيس أو الملك أو القائد لدولة ما بالسلب أو بالإيجاب .
ومن هنا لاحظنا إنعكاس ذلك على حرص الأجهزة الإستخبارية الأمريكية ،وبصفة خاصة وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، وهيئة الأمن القومى الأمريكية NSA ، على إزاحة هذا الرئيس أو ذاك ، إذا ما تعارضت توجهاته وسياساته مع المصالح الإمريكية ، حتى لو لجأت هذه الأجهزة إلى الأغتيال والتصفية الجسدية لهؤلاء الزعماء ، وقد تكرر ذلك كثيرا مثل محاولات أغتيال الرئيس جمال عبد الناصر فى مصر ، وفيدل كاسترو فى كوبا ، وشواين لاى فى الصين ، التى لم يكتب لها النجاح ، بينما نجحت فى تنفيذ مؤامرات الإنقلابات العسكرية فى تشيللى عام 1973 ضد الرئيس الإشتراكى المنتخب (سلفادور الليندى ) ، أو بالقتل مثلما حدث مع رئيس بنما ( عمر توريخوس ) عام 1981 ، ورئيس الأكوادور اليسارى المنتخب البروفيسير ( خايمى رولدوس ) عام 1981 أيضا ، أو قبلها فى عام 1954 فى قتل الرئيس المنتخب فى جواتيمالا ( أربينز ) ، وأغتيال الزعيم الكونجولى ” باتريس لومامبا ” عام 1965 .
ربما كان هذا المدخل الصحيح فى فهم التطورات اللاحقة التى شهدتها مصر بعد الوفاة المفاجئة للرئيس جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر عام 1970 ، ولم يكن قد تجاوز من عمره الثانية والخمسين بعد .

المبحث الأول
أحداث التغيير .. ولو بالاغتيال أو الرشوة
ومن هنا لم تنتظر السياسة الأمريكية وأجهزة إستخباراتها ، وخصوصا الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA طويلا التفاعلات الاجتماعية لإجراء تحولات سياسية فى الدول الهامة لمصالحها ، وإنما عجلت فى الكثير من الحالات لتحقيق هذه التحولات والتغييرات المطلوبة ، إما بإغتيال قيادات ورؤوساء دول يعوقون هذه المصالح ، أو بتنفيذ إنقلابات عسكرية دموية ضد الزعماء الذين يمثلون عقبات أمام تلك المصالح ، حتى لو كان هؤلاء الزعماء والرؤساء منتخبون إنتخابيا ديموقراطيا من شعوبهم .
حدث هذا فى الإنقلاب العسكرى الذى دبرته الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA بقيادة الجنرال ” زهدى ” فى إيران ضد الحكومة الوطنية التى يقودها الدكتور ” محمد مصدق ” عام 1951 ، بعد أن تجرأ الرجل بتأميم شركة النفط الإنجليزية وغيرها من المصالح النفطية ، وبعدها أعادوا شاه إيران الهارب ” محمد رضا بهلوى ” إلى الحكم .
وقد تكرر بعدها بثلاثة سنوات فى جواتيمالا عام 1954 ، وذلك بتدبير إنقلاب عسكرى ضد الرئيس المنتخب ديموقراطيا ” أربينز ” Arbeins الذى كان قد أمم شركة الفواكه الأمريكية ، التى كانت بمثابة الواجهة العلنية لنشاط وكالة الاستخبارات الأمريكية فى أمريكا الوسطى كلها (1) .
ونفس الأمر فى محاولة إغتيال الزعيم الصينى ” شواين لاى ” عام 1955 أثناء إنعقاد مؤتمر باندونج فى أندونيسيا بواسطة القنصل الأمريكى فى هونج كونج ” وليم كورسن ” W.Corson ومن خلال دس السم فى طعام الرجل (2) .
كما نجحت المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع شركة التليفون والهاتف الأمريكية فى تشيلى AT& T فى تدبير إنقلاب عسكرى دموى ووحشى ضد الرئيس الإشتراكى المنتخب ديموقراطيا ” سلفادور الليندى ” عام 1973 ، وقتل الرجل وراح ضحية هذا الانقلاب عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين على مدى عشرين عاما من هذا الحكم العسكرى الفاشى الذى قادة الجنرال ” بانوشيه ” .
ويشير ضابط الاستخبارات الاقتصادى الأمريكى – وهذه هى المرة الأولى التى نسمع بها بهذه الوظيفة – ” جون بيركنز ” Perkins بشجاعة إلى ما قامت به الاستخبارات المركزية الأمريكية من إغتيال رئيس الأكوادرور المنتخب ديموقراطيا البروفيسير ” خايمى رولدوس ” فى حادث طائرة غامض يوم 24 مايو 1981 ، وهو ما تكرر بنفس الأسلوب فى أغتيال الزعيم الوطنى المستقل فى بنما ” عمر توريخوس ” بعدها بشهرين فى 31 يوليو 1981 ، وهو ما عاد وتكرر كثيرا ، كان أخرها المحاولة الفاشلة لإسقاط الطائرة المروحية التى كان يستقلها الرئيس اليسارى المنتخب فى بوليفيا ” إيفو مورالس ” فى شهر نوفمبر عام 2019 ، والتى أعقبها مباشرة تنظيم إنقلاب عسكرى أجبره على الاستقالة
، وكذلك تلك المحاولات المتكررة والتى تجاوزت عشرات المرات لإغتيال الزعيم جمال عبد الناصر والزعيم الكوبى التاريخى ” فيدل كاسترو ” والتى باءت جميعها بالفشل .
وقد ترتب على عمليات الاغتيال والانقلابات العسكرية تحقيق المطالب الأمريكية فعلا ، ففى الأكوادور وبعد نجاح إغتيال الرئيس ” خايمى رولدوس ” عام 1981 ، تولى بعده الرئيس ” أوزفالد أورتاور ” الذى أعاد المزايا الأمريكية بما فيها إعادة إفتتاح المعهد الصيفى للغات SIL الذى كان بمثابة الواجهة العلنية لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية فى البلاد ، وكذلك تحقق للولايات المتحدة مطالبها بعد إزاحة حكومة الدكتور مصدق فى إيران وعودة الشاه والعسكر لحكم البلاد .
ويشير الكاتب الصحفى الأمريكى البارز ” بوب ودووارد ” Bob Woodward فى كتابه الهام ( الحجاب .. الحروب السرية للاستخبارات المركزية الأمريكية ) ، إلى أن أسلوب الاغتيالات Assignation قد أستمر فى عقدى الثمانينات والتسعينات ، سواء فى محاولات أغتيال العقيد القذافى فى ليبيا ، أو غيره من المسئولين المناوئين للمصالح الأمريكية فى كثير من دول العالم (3) كما أكدته عميلة الإستخبارات البريطانية السابقة ” أنى ماشون ” Annie Machon فى كتابها الذى صدر عام 2015 وأحدث ضجة هائلة فى الأوساط الإستخبارية والإعلامية العالمية .
فى هذا السياق التاريخى الطويل ، يمكن فهم وتفسير السلوك الأمريكى فى منطقة الشرق العربى ، الذى يمثل لها مصالح إستراتيجية وحيوية ، تصل إلى حد أعتباره جزءا من مكونات الأمن القومى الأمريكى ، ومن هنا لم يكن غريبا والأمر كذلك أن يكون جمال عبد الناصر الذى ناهض السياسات الأمريكية فى المنطقة لمدة ثمانى عشرة عاما ، واحدا من أهم أهداف نشاط الاستخبارات المركزية الأمريكية ، وتكرار محاولات إغتياله ماديا أو معنويا بعد أن فشلت محاولات كل من الرئيسين ” دوايت إيزنهاور ” و ” جون كينيدى ” فى إحتواءه أو ترويضه ، ووقف ما إعتبرته الإدارات الأمريكية إندفاعا مصريا نحو التعاون مع الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية ، وعندما لم تفلح هذه الجهود أطلقت إسرائيل فى عدوانها على مصر فى الخامس من يونيه عام 1967 ، لتنزل هزيمة عسكرية قاسية بالنظام الناصرى وبقية دول المواجهة العربية ، والتمهيد بالتالى لإجراء تغييرات سياسية داخلية فى مصر بعناية وعلى نار هادئة وعبر إختراق من الداخل هذه المرة .
وكما كان يحدث فى عمليات الإختراق المتبادل بين أجهزة الإستخبارات الكبرى ( مثل KGB السوفيتى و CIA الأمريكى و MI6 البريطانى ) سواء بزرع جواسيس أو إقتناص وتجنيد قيادات ومسئولين فى الوظائف العليا فى هذه البلدان ، كما يشير ” بوب ودوارد ” ، فيبدو أن الوقائع تؤكد أنهم قد نجحوا فى مصر .
وبرغم بعض الإشارات غير المؤكدة ، لصحفى كبير ومطلع مثل الاستاذ محمد حسنين هيكل ، حول وجود شبهات على إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بطريقة غامضة ، وشكوك تحيط بنائبه ( أنور السادات ) ، الذى قام بنفسه بإعداد فنجان من القهوة للرئيس جمال عبد الناصر أثناء راحته فى فندق ” هليتون ” ، بين جلسات المؤتمر الذى إنعقد بالقاهرة فى شهر سبتمبر من عام 1970 ، وقبل ساعات قليلة من وفاة الرجل ، لوقف حمام الدم الفلسطينى فى الأردن ، ومحاولته وقف إندفاع الملك الأردنى ( الحسين بن طلال ) لتصفية المقاومة الفلسطينية فى بلاده ، فتبقى هذه الإشارات غير موثقة وغير مدعومة (4) ، أللهم سوى شواهد سياسات السادات بعد توليه الحكم فعلا ، والتى تمثل إنقلابا جذريا على سياسات الرئيس جمال عبد الناصر ، وفتح وتسليم المنطقة العربية كلها للولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب أكتوبر عام 1973 .
كما أن الربط بين بعض الوقائع الغريبة وغير المفهومة أو المبررة ، التى أتى بها الرئيس أنور السادات بعد توليه الحكم فى شهر اكتوبر عام 1970 ، والكتابات التى تحمل إشارات واضحة من أهم الكتاب والصحفيين المطلعين فى دوائر الاستخبارات الأمريكية والسياسة الأمريكية عموما ، قد تعطى مسارا لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة والواقع .
فوفقا للكاتب الأمريكى البارز والمطلع Bob Woodward فأن الرئيس أنور السادات كان أحد أهم المصادر الاستخبارية لدى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى من قبل توليه الحكم ، وقد نشأت هذه العلاقة فى منتصف عقد الستينات وقبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ، وكان الوسيط هو السيد ” كمال أدهم ” مدير المخابرات السعودية ، والذى أدى إلى وضع السادات على قوائم المدفوعات المالية للاستخبارات الأمريكية Payroll (5) .
وهو ما يعود ليؤكد عليه المؤرخ الأمريكى المتخصص فى شئون الاستخبارات المركزية الأمريكية ” جوزيف ترونتو ” Joseph J. Trento فى صفحة (105) من كتابه قائلا أن فضيحة بنك الإعتماد والتجارة عام 1991 ، والذى كان بمثابة واجهة للاستخبارات المركزية الأمريكية من جهة ، والمخابرات العامة السعودية من جهة أخرى ، قد بينت أن هذا البنك كان يستخدم لعمليات غسل أموال وفى تمويل عصابات المخدرات والإرهابيين **، كما كشفت قوائم وأسماء الحاصلين على مرتبات ومدفوعات منتظمة من جهاز CIA وكان من بينهم نائب الرئيس المصرى السيد أنور السادات (6) .
ويعود ” بوب ودوارد ” صفحة (87) ليشير إلى نفس الأمر حينما نجح المرشح الجمهورى ” رونالد ريجان ” فى الانتخابات الرئاسية عام 1980 ، وقبل توليه منصبه فى العشرين من يناير عام 1981 ، حيث يقضى العرف السياسى أن يقوم رئيس المخابرات المركزية الأمريكية فى الحكومة المغادرة ” ستنسفيلد تيرنر ” Stansfield Turner بتقديم ملخص Briefing للرئيس الجديد ، وفى حضور المدير المرشح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ” وليم كيسى ” Casey ، وقد تضمن العرض المختصر أهم وأكثر أنشطة الوكالة فى العالم ، وفى إدارة عمليات التجسس والتنصت ، وخصوصا على الاتحاد السوفيتى أو غيرها ، وهنا جاء العرض الخاص بمصر وقال ” تيرنر” أن الاستخبارات الأمريكية لديها عملاء فى مصر من قمة السلطة وحتى القاع ، وأن الرئيس المصرى أنور السادات معروف جيدا لدى الاستخبارات المركزية الأمريكية (7) .
وهذا التعبير ( معروف جيدا لدى الاستخبارات ) مصطلح معتمد ومتداول لدى رجالات الدولة والأجهزة الاستخبارية بما يعنى أنه عميل Agent أو متعاون معها ، وهو نفس الوصف الذى استخدمه الرئيس الفرنسى ” فرانسوا ميتران “
________________
** من ضمن البنوك التى لعبت دور الواجهة لعمليات جهاز الإستخبارات المركزية الأمريكية فى إستراليا بنك هوجان هاند .

بعدها بعدة سنوات فى وصف علاقة الرئيس المصرى ( حسنى مبارك ) مع الأجهزة الاستخبارية الفرنسية أثناء عقد صفقة طائرات الميراج عام 1972 .
ويعود ” بوب ودووارد ” للتأكيد على أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية وإستخبارية للسادات حتى يتمكن من الإحتفاظ بالسلطة والحكم فى مصر (8) .
ثم يكرر ” بوب ودووارد ” بإصرار الواثق من مصادر معلوماته فى صفحة (312) بأن السادات كان يتلقى دخلا منتظما Regular Income من الوكالة وعبر السيد كمال أدهم.
فإذا ربطنا بين هذه المعطيات والمعلومات التى يقدمها ثلاثة من أكبر المطلعين على الأحداث ، ولديهم نوافذ مطلة وكاشفة على مراكز صناعة القرارات والمعلومات ( جوزيف ترنتو – بوب ودووارد – محمد حسنين هيكل ) ، وبين كثير من تصرفات وسياسات السادات غير المفهومة فى السياق الوطنى والمنطقى نستطيع ان نصل إلى نتائج على درجة معقولة جدا من الحقيقة .
خذ مثلا تصرف السادات غير المفهوم وغير المبرر ، حينما كشف لضيفه السعودى ” كمال أدهم ” والمعروف بصلاته القوية جدا والولاء المطلق للولايات المتحدة وأجهزة أستخباراتها، وبحكم موقعه الحساس كمدير للمخابرات السعودية ، عن سر عملية ” عصفور أفندى ” التى نجحت فيها أجهزة الأمن القومى المصرى منذ عام 1968 فى زرع أربعة ميكروفونات تنصت داخل السفارة الأمريكية فى القاهرة ، وظلت طى الكتمان تنتج منجما من المعلومات لمصر ، ثم بمجرد أن عرف بأمرها الرئيس السادات بعد توليه الحكم من الكاتب الكبير ” محمد حسنين هيكل ” ، أن أفشى بسرها إلى ضيفه السعودى وكأنها مزحة ثم أطلق العنان لضحكته المصطنعة ، وبعدها بأيام قليلة كانت أجهزة أمن السفارة الأمريكية تقوم بعملية مسح شامل لكل ركن من أركان السفارة ، وتنزع الميكروفونات من أماكنها الأربعة (9) …!!
كما تفسر هذه الوقائع والمعلومات ، تصرف السادات الغريب والشاذ من طلب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية – غير الرسمى – الذى نقله إليه وزير الخارجية الأمريكية ” سيروس فانس ” أثناء زيارته للقاهرة عام 1977 بطلب محرك من محركات طائرة الميج (21) المعدلة التى كانت تتسلح بها القوات الجوية المصرية ، وتمثل العمود الفقرى للتسلح الجوى لسوريا والجزائر وليبيا وعدد أخر من الدول العربية ، والاتحاد السوفيتى نفسه ، فإذا بالسادات يقهقه ضاحكا ضحكته السمجة ، وينادى على وزير دفاعه ” الفريق أول عبد الغنى الجمسى ” ، ليأمره بتوفير طائرة كاملة لتقديمها إلى الولايات المتحدة وسط دهشة وذهول وزير الدفاع المصرى وأستغرابه (10) .
وخذ أيضا العلاقة الغامضة والملتبسة بين الرئيس السادات وسكرتيره الشاب للمعلومات ” أشرف مروان ” ، الذى أستولى على بعض الوثائق والمستندات ومشروعات القرارات من خزينة الرئيس ” جمال عبد الناصر ” عشية وفاته ، والتى كانت تتضمن مشروع قرار جمهورى بتعيين السيد عبد اللطيف بغدادى نائبا أول للرئيس عبد الناصر ، مما كان يعنى إزاحة السادات من مشهد وتسلسل القيادة فى حال وفاة أو تخلى عبد الناصر عن الحكم ، وما تكشف بعد ذلك بثلاثة عقود عن صلات مشبوهة بين أشرف مروان وجهاز الموساد الإسرائيلى وعمله معهم منذ عام 1968 (11) .
كما كشف اللواء مجدى عمارة – أحد قادة ألوية الحرس الجمهورى – ما ترتب على واقعة تدهور العلاقة الشخصية بين الرئيس أنور السادات وقائد الحرس الجمهورى اللواء الليثى ناصف ، الذى لعب دورا حاسما فى تمكين الرئيس السادات فى أزمة مايو عام 1971 من الحكم ، وأعتقال كل معارضيه من كبار رجالات الدولة ، فقد ترتب على تدهور هذه العلاقة بين الرئيس السادات واللواء الليثى ناصف ، تدهور مقابل بين الأخير واللواء ” أحمد إسماعيل على ” الذى كان يشغل وظيفة مدير المخابرات العامة المصرية ، قبل ان يتولى منصب وزير الحربية فى عام 1972 ، حيث جرى أبعاد اللواء الليثى ناصف إلى لندن بحجة العلاج ، ثم قتل الرجل بطريقة غامضة من خلال إلقاءه من نافذة شقته بالطابق السادس فى لندن (12) .
وتشير خطوات الرئيس السادات اللاحقة عن بدايات التحول فى السياسة المصرية ، بدءا من رفع شعار ” مصر أولا ” بعد تمكنه من السلطة ، وإزاحة المجموعة الناصرية من الحكم فى 15 مايو عام 1971 ، ثم ما رفعه بعد حرب أكتوبر عام 1973 مباشرة ، بأن 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، ومعاداته الشديدة للإتحاد السوفيتى ، إنتهاءا بالتحول الاستراتيجى الخطير الذى أجراه فى المنطقة العربية كلها بمبادرته بزيارة القدس المحتلة فى 19 نوفمبر عام 1977 ، وتوقيع أتفاقيتى ” كامب ديفيد ” فى سبتمبر عام 1978 ، ثم أتفاقية السلام والصلح المنفرد مع إسرائيل فى مارس من عام 1979 .
كل هذه التحولات الكبرى فى السياسة المصرية ، وتداعياتها السلبية والخطيرة ، بما أطلق عليه ” الفراغ الاستراتيجيى ” فى المنطقة ، وما ترتب عليه من فتح الطريق واسعا لهيمنة أمريكية وإسرائيلية على المنطقة منذ ذلك الحين حتى وقتنا الراهن (13) .
ويكشف ” بوب ودووارد ” – الذى لعب دورا أساسيا فى كشف فضيحة تنصت رجال الرئيس الجمهورى نيكسون على الحملة الانتخابية لمنافسه فى الحزب الديموقراطى عام 1972 ما أدى فى النهاية لإستقالته تجنبا لمحاكمته – جوانب أخرى من قدرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA فى تجنيد والسيطرة على شخصيات عربية هامة ، منها على سبيل المثال الملك الأردنى ” الحسين بن طلال ” ، الذى ظل يتقاضى مرتبات ومدفوعات منتظمة من الاستخبارات المركزية لمدة عشرين عاما كاملة (14) .
وكذلك الزعيم اللبنانى الكتائبى ” بشير الجميل ” أثناء عمله فى أحد مكاتب المحاماة الكبرى فى الولايات المتحدة بعد تخرجه من كلية الحقوق فى بيروت فى مطلع السبعينات ، وقدم معلومات للوكالة مقابل الحصول على مدفوعات مالية (15) . وكذلك الملك المغربى ” الحسن الثانى ” ، ومنذ أن كان طفلا ووليا للعهد ، والذى ساعدته الوكالة فى البقاء فى الحكم وحماية عرشه مقابل أن فتح بلاده واسعا لنشاط الوكالة وأجهزة الأمن القومى الأمريكى (16) .
**************
فكيف جرى التعرف والتعامل مع ” حسنى مبارك ” ، منذ ظهوره على مسرح الحياة فى مصر ؟
الحقيقة التى تكشفها الوقائع والمعطيات التاريخية ، أن اللواء طيار ” محمد حسنى مبارك ” لم يكن بعيدا عن أعين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA منذ عام 1969 تحديدا ، حينما رافق الرجل السيد أنور السادات نائب الرئيس جمال عبد الناصر فى رحلته إلى الخرطوم ، وقيامه بتفخيخ وتلغيم سلة المانجو الشهيرة ، وإرسالها إلى زعيم المعارضة السودانية لنظام الرئيس جعفر نميرى ” الأمام المهدى ” ، والتى أودت بحياة الرجل (17) .
كان لمصاحبة اللواء حسنى مبارك لنائب رئيس الجمهورية ( أنور السادات ) فى هذه الرحلة – وكليهما يربطه صلة جهوية من محافظة المنوفية – دورا كبيرا فى التعرف على خصائص الرجل عن قرب ، خصوصا وأن جسور التعاون بين أنور السادات والوكالة قد تمت قبلها بسنوات وعبر الوسيط السعودى ” كمال أدهم ” . ثم عاد وظهر اللواء طيار “حسنى مبارك” على شاشات المراقبة الأمريكية فى واقعة أخرى لا تقل غرابة عام 1972 ، وهى الخاصة بصفقة طائرات ” الميراج ” الفرنسية .
وفى تفاصيل ما جرى ، فأن النظام الجديد فى ليبيا برئاسة العقيد معمر القذافى ، كان قد قرر بالاتفاق مع الرئيس جمال عبد الناصر دعم المجهود الحربى المصرى لتحرير سيناء المحتلة ، بشراء 106 طائرة ميراج فرنسية حديثة بقيمة 5 مليارات دولار أمريكى ، وهو رقم ضخم فى ذلك الزمان .
ثم توفى الرئيس جمال عبد الناصر فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 ، قبل أن تبدأ إجراءات التفاوض بين الجانبين الليبى والفرنسى حول شروط وإجراءات إتمام تلك الصفقة ، ومن ثم أنيط للرئيس المصرى الجديد ( أنور السادات ) تكليف اللواء طيار حسنى مبارك إدارة هذه العملية التفاوضية ، وتشكيل فريق من الطيارين المصريين ذوى الخبرة ، وحصولهم على وثائق سفر ليبية ، والإدعاء بأنهم ليبيون لإدارة هذا التفاوض مع الحكومة الفرنسية وشركة ” طومسون ” المنتجة لهذه الطائرات .
وهنا حدث ما لم يتصوره أحدا ، فمن ناحية دب الخلاف على ما يبدو بين أعضاء الفريق المصرى ** حول نسب العمولات التى سوف يحصلون عليها ونصيب كل واحدا منهم ( وهى لا تقل عن 5% من قيمة الصفقة أى لا تقل عن 250 مليون دولار ) ، ولم تتأخر المخابرات الفرنسية بالطبع ( CEDCE ) عن تسجيل ما حدث بالصوت والصورة ، وقد أطلع الرئيس الفرنسى ” فرانسوا ميتران ” صديقه محمد حسنين هيكل فى لقاء خاص بينهما عام 1982 على بعض جوانب ما جرى ، كما طلب من الكاتب المصرى أن يجلس مع مدير المخابرات الفرنسية ” اليكسندر دى ميرانش ” Aleixandre De Merinch ليتعرف منه على بعض ما لايعرفه المصريون عن رئيسهم الجديد (18) .
_______________
** لا نعرف حتى اليوم أسماء الضباط المرافقين للواء حسنى مبارك فى هذه المأمورية ، والذين شاركوا فى إقتسام هذه العمولة الضخمة ، وإن كان بعضهم قد ظهر بعد عام 1974 وسياسة الإنفتاح فى صورة رجال أعمال كبار .
والأهم والأخطر ، ما تبين بعد ذلك من أن بعض هذه الطائرات التى أستعملها الطيارون المصريون فى حرب أكتوبر عام 1973 ، كانت مستعملة Second Hand ، وهو ما كاد يفجر فضيحة كبرى فى مصر ووسط القوات الجوية المصرية ، لولا أن سارع الفريق حسنى مبارك قائد القوات الجوية والمسئول عن هذه الصفقة بلملمة القصة وإحتوائها (19) .
وبالنظر لكون الحرب الباردة كانت قائمة على قدم وساق بين المعسكرين ، فأن الاختصاص الأصيل لمتابعة وإدارة شئون الصراع فى منطقة الشرق الأوسط ، منعقد بالضرورة للولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة إستخباراتها ، مقابل إنفراد فرنسا بمناطق أخرى ومنها غرب أفريقيا ، فى إطار تعاون وتنسيق وتقسيم لمناطق النفوذ والسيطرة ، فأن هذه المعلومات الخاصة المتعلقة بقائد القوات الجوية المصرية وحصوله على عمولات ورشى سلاح ، لم تكن لتغيب عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، فأصبح ملف الرجل جاهزا للتعامل وتجهيز المصيدة المناسبة للرجل وهذا ماجرى بالفعل .
كما تعرفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على حسنى مبارك – ومن قبله أشرف مروان – حينما كان يمثل مصر فى إجتماعات المجموعة الاستخبارية التى شكلتها فرنسا وقادتها ، بمشاركة كل من مصر والسعودية والمغرب للقيام بعمليات إستخبارية ضد الدول والحكومات المتعاونة مع السوفيت فى أفريقيا ، وفى غيرها من الدول تحت ما سمى ( نادى السفارى ) SAVARY CLUB . (20)
كانت الخطة الأمريكية فى التعامل مع ملف ” حسنى مبارك ” أو ما أصبح يطلق عليه فيما بعد ” الكنز الاستراتيجى ” ، ذات أبعاد ومستويات ومراحل ثلاثة :

الأول : الضغط على الرئيس المصرى ” أنور السادات ” بوسائل شتى بهدف إجباره على ترفيع وترقية الفريق طيار من مجرد قائد للقوات الجوية ، أو سفير فى الخارج إلى منصب وموقع سياسى متقدم فى النظام السياسى المصرى ، أى إلى مستوى نائب رئيس الجمهورية تمهيدا لما بعدها ، ولم تكن هذه الخطوة صعبة ، نظرا لسابق سيطرة الأجهزة الأمريكية على الرئيس السادات نفسه منذ منتصف الستينات ، وتعامله مع الإستخبارات المركزية الأمريكية بواسطة الشيخ ” كمال أدهم ” مدير المخابرات العامة السعودية كما سبق وأشرنا .
الثانى : توريط حسنى مبارك فى مزيد من الأعمال القذرة تسهل السيطرة عليه تماما ، ودراسة تاريخه السابق تكشف مدى حبه للمال وجشعه ، وطبيعة تركيبته النفسية والشخصية ، اللتين ستسهلان الوقوع فى المصيدة بسهولة ويسر(21) .
الثالث : إستبعاد وإقصاء – حتى لو إقتضى الأمر اللجوء إلى الإغتيال – أية شخصيات قد تكون منافسة ، أو تمثل تهديدا لهذا الصعود المطلوب للرجل ( بدءا من الفريق سعد الشاذلى مرورا بالمشير أحمد بدوى ، إنتهاء بمنصور حسن ) ** .
وعلى الفور شرع فى تنفيذ الخطة بعد عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية الحميمة بين الرئيس السادات والولايات المتحدة الأمريكية عام 1974 ، فجرى الدفع بعشرات من الزوار الكبار للرئيس السادات من كبار رجال المال ( ديفيد روكفللر مثلا ) والإعلاميين والصحفيين ، ليحيطوا بالسادات مصحوبين بكاميرات بقدر ما تشع الأضواء فهى قادرة على الأغراء والإغواء .
وطرح على الرجل – المفتون بطبعه وتاريخه بالسينما والإعلام وبريقها – عشرات الأسئلة ، وفى حروف الكثير منها مضامين إجابات مطلوبة ، أو رسائل منقولة ، ومن يراجع الأرشيف الصحفى للقاءات الرئيس السادات طوال عامى 1974 و1975 ، سوف يكتشف تكرارا وإلحاحا على سؤال : من يكون نائب الرئيس القادم؟
وبلغ الأمر بالبعض أن رشح أسماء من قيادات جيل أكتوبر كما كان يفضل أن يسميهم الرئيس السادات .
وكانت بعض الأخبار قد تسربت بشأن طلب هنرى ” كيسنجر ” من السادات أن يأخذ بقائد القوات الجوية نائبا له ، كما أبرزت الصحافة الأمريكية القادة العسكريون الجدد فى مصر ، وعرضت صورهم وتساءلت : من يكون حاكم مصر القادم من بين هؤلاء ؟
وفى المقدمة كانت صورة حسنى مبارك تتصدر المشهد .
كما دفعت الاستخبارات المركزية الأمريكية برجلها الهام الشيخ ” كمال أدهم ” ، وصديق السادات إلى حلبة الخطة المحكمة ، بتكرار زياراته للقاهرة ولقاء الرئيس السادات ، وكان أحد الموضوعات الملحة فى لقاءات الرجلين ، موضوع أختيار النائب الجديد للسادات ، ولم يخف ” كمال أدهم ” إرتياحه لنوايا السادات بأختيار قائد القوات الجوية ” حسنى مبارك لهذا المنصب .
كان السادات من الفطنة والغريزة لفلاح قديم ، ففهم الإشارات المرسلة من الجانب الأخر من المحيط الأطلسى ، فأنصاع للإختيار ( الإجبارى ) وأعلن فى إبريل من عام 1975 عن إختياره للفريق حسنى مبارك نائبا للرئيس ، وهكذا جرى إستبعاد قيادات عسكرية مرموقة كان دورها فى الحرب أهم وأخطر من حسنى مبارك ، وكان ترتيبهم فى الأقدمية أولى وأعلى ، ومنهم الفريق محمد على فهمى قائد ومؤسس قوات الدفاع الجوى ، والفريق أحمد بدوى قائد الجيش
_____________
** أستشهد الفريق أول ووزير الدفاع أحمد بدوى ، وبصحبته ثلاثة عشرة من أبرز قيادات حرب أكتوبر فى يوم الأثنين الموافق الثانى من مارس عام 1981 ، على أثر سقوط غامض لطائرته الهليوكبتر أثناء أقلاعها ، وأثناء جولة تفتيشية على القوات المسلحة فى سيوة ، وكان قبلها بأسبوعين قد جرت مشادة كلامية حادة بينه والرئيس السادات بسبب صفقات السلاح الأمريكية لمصر التى تبين أن بعضها كان يهرب ليباع فى سوق الحرب فى أفغانستان وغيرها من الساحات .
الثالث أثناء الحصار ، والفريق سعد مأمون قائد الجيش الثانى فى الحرب ، ومن باب أولى جرى إستبعاد الفريق محمد
عبد الغنى الجمسى الذى لعب دورا حيويا فى الحرب والإعداد لها كرئيس لغرفة العمليات بالقيادة العامة .
وبهذا التعيين الجديد لحسنى مبارك كنائب للرئيس المصرى ( أنور السادات ) بدأت المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية المحكمة لإصطياد الفريسة ، المعروف عنه طمعه وجشعه ، وغرامه بعمليات الإحتيال على القوانين والأعراف الأخلاقية ، إنتقلت الخطة إلى المرحلة الثانية والتى بدأت بإقرار برنامج للمساعدات العسكرية لمصر المقدرة بأكثر من 1.5 مليار دولار أمريكى سنويا ( وهو رقم ضخم جدا بأسعار ذلك الزمان ) ، بعد أن فرضت كثير من الدول العربية مقاطعة اقتصادية وسياسية لنظام أنور السادات بعد توقيعه أتفاقيتى كامب ديفيد فى سبتمبر 1978 ، فوقع فى شباكها أكثر من صيد ثمين جمعهم جميعا الطمع والجشع وحب المال .
كان الجبن فى المصيدة يسيل لها لعاب مبارك وبعض معاونيه من القادة العسكريين المصريين ، وبعض المحتالين المدنيين من أمثال حسين سالم ، الذى لا يضاهيه فى خبرة إنشاء الشركات والبنوك كغطاء لأنشطة غير مشروعة سوى عميل الإستخبارات المركزية الشهير” بول هالويل ” Paul Helliwell .
كان تاريخ ” حسين سالم ” كمحتال وخبير فى إنشاء شركات التغطية Covering سابقة له فى كل مكان يذهب إليه سواء فى مصر أو الإمارات أو غيرهما *. وحينما بدأ فى الأفق أن برنامجا ضخما للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر عام 1978 قد بدأ ، أتى به من الإمارات النائب حسنى مبارك ، ليبدأ فى مشوار جديد وفريد فى حياته وحياة حسنى مبارك ، والتشكيل العصابى الذى كونه الرجل من وراء ظهر الشعب المصرى والدولة المصرية .
ومن هنا جرى تعيينه بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر بعد عام 1978 ،فى وظيفة وزير مفوض فى السفارة المصرية فى العاصمة واشنطن ، وزامل فيها اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة الملحق عسكرى هناك .
وتكون التشكيل العصابى فى البداية من مجموعة رئيسية Core ، بعضهم كان دوره بارزا ومكشوفا ( حسين سالم ) ، وبعضهم الأخر ظل متواريا خلف الستار ، وكان من بينهم نائب الرئيس ( حسنى مبارك ) والملحق العسكرى فى
__________________
*حسين سالم رجل غامض ، بدأ موظفا صغيرا فى صندوق دعم الغزل فى منتصف الخمسينات ، ثم أنتقل للعمل كمحاسب فى الشركة العربية للتجارة الخارجية عام 1960 ، التى كانت بمثابة واجهة اقتصادية للمخابرات العامة المصرية ، ثم إلتحق بالعمل فى السفارة المصرية فى بغداد وهناك إلتصق بالسفير أمين هويدى ، الذى أخذه معه عام 1968 كعضو فى مكتبه فى المخابرات العامة المصرية ، وبعد إنقلاب القصر الذى قام به السادات فى مايو عام 1971 ، وعزل أمين هويدى من منصبه ، سافر إلى الإمارات بحثا عن فرصة وبعد عامين خرج من الإمارات هاربا بعد أن أحاطت به الشكوك والإتهامات بالسرقة والأحتيال وقد عفى عنه الشيخ زايد ، ثم فجاءة وجدناه وزيرا مفوضا فى سفارة مصر فى واشنطن بعد عام 1975 . ومن هنا بدأ مسارا جديدا وخطيرا فى تجارة السلاح .
واشنطن ( اللواء عبد الحليم أبو غزالة ) ، واللواء منير ثابت مدير مكتب المشتريات العسكرية فى واشنطن وصهر النائب حسنى مبارك ، واللواء كمال حسن على الذى تنقل فى المناصب العليا فوفر غطاءا سياسيا وأمنيا لهذه المجموعة * وإمتدت الخطوط بعد ذلك لتستدعى أدوارا إقليمية وتجارة سلاح واسعة الانتشار ، سواء فى أمريكا الجنوبية ( نيكاراجوا – السلفادور ) أو أفريقيا ( أنجولا والكونغو ) وفى أفغانستان ، وهنا برزت أدوار كل من ” عدنان خاشقجى ” تاجر السلاح السعودى الشهير ، والشيخ ” كمال أدهم ” مدير المخابرات السعودية السابق ( الذى ترك منصبه عام 1977 ) ، وأنضم إليهم مغامرون وأفاقون من عملاء المخابرات المركزية الأمريكية السابقون CIA .
ويفرد المؤرخ الأمريكى البارز والمحلل المدقق لتاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ” جوزيف ترنتو ” Joseph J. Trento فصول كتابة الخطير والحافل بالأسرار والتفاصيل حول هذا التشكيل العصابى ، ووفقا لجوزيف ترنتو ” فقد قام حسين سالم – بعد إستقالته من وظيفته كوزير مفوض فى السفارة المصرية بواشنطن –بتسجيل شركته TERSAM عام 1978 فى جمهورية ( بنما ) ** ، وتقدم بها إلى مكتب المساعدات العسكرية والأمنية ( DSAA ) التابع لوزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) لتسجيلها كوكيل وحيد مسئول عن شحن ونقل المعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر( 22) .
على الجانب الأمريكى كان هناك تشكيل عصابى أخر من عملاء سابقين للإستخبارات المركزية الأمريكية يقوده رجل المخابرات الأمريكى البارز ” تيودور شيكيلى ” Theodore J. Shachley ، الذى تعرض للإستبعاد والاقصاء من منصبه الرفيع فى الوكالة فى عهد إدارة الرئيس ” جيمى كارتر” الذى أتى برجل من خارج الوكالة ليطهرها ، هو الإدميرال ” ستنسفيلد ترنر ” Stanfield Turner، ومن ثم فقد رفض نائب رئيس مكتب المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية الكولونيل الجوى ” أريك فون ماربود ” Erich Von Marbod ، تسجيل شركة حسين سالم ، إلا بعد وجود شريك أمريكى ، وأقترح عليه العميل ” توماس كلينز ” Tomas Clines ، وعلى الفور تأسست الشركة الجديدة وسميت

______________
* كان اللواء كمال حسن على مديرا لسلاح المدرعات قبل وأثناء حرب أكتوبر عام 1973 ، ثم عين بعدها مديرا للمخابرات العامة المصرية (1975- 1978) ، ثم تولى منصب وزير الخارجية (1978-1982) ، ومن بعدها تولى منصب رئيس الوزراء فى عهد الرئيس الجديد حسنى مبارك (1984-1985) ، ثم عين رئيسا لأحد البنوك الكبرى فى البلاد .
** تفجرت فضيحة ما يسمى أوراق بنما Panama Papers عام 2015 ، حول دور بعض مكاتب المحاماة فى بنما فى إنشاء شركات وهمية ، وإدارة عمليات نقل وغسل أموال لمئات من كبار الشخصيات وكبار جال الدولة فى كثير من الدول والفنانيين والرياضيين ، للتهرب الضريبى وورد من بين الأسماء علاء مبارك ، وللأسف لم يتحرك أحدا من أجهزة الدولة فى مصر فى عهد الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى لمعرفة أبعاد هذا الموضوع .كما تكشفت فى عام 2015 ما سمى وثائق ” باراديز ” وجزيرة برمودا وجزر الكايمان ووجود مكتب للمحاماة يدعى APPLE D تسرب منه 7 مليون وثيقة عن التهرب الضريبى والشركات الوهمية ، وسوف نفرد مبحثا مستقلا حول فضيحة أوراق بنما فى هذا الكتاب .
( الشركة المصرية الأمريكية للخدمات والنقل ) The Egyptian – American Transport Services Company ( EATSCO ) وكانت حصة حسين سالم 51% ، بينما حصة شريكه الأمريكى 49% .
وبالتوازى تشكلت شركة أخرى بنظام offshore فى جزيرة ” برمودا ” تحت أسم ( أركاديا ) Arcadia LTD ، بين حسين سالم وعميل الاستخبارات المركزية الأمريكية الأخر ” إدوين ويلسون ” Edwin Wilson لتكون بمثابة معبرا لعمليات غسل الأموال ، كما جرى إنشاء ما يسمى ( مركز الأبحاث الدولية والتجارة IRT ) كغطاء أضافى لعمليات نقل وغسل الأموال (23) .
فالشركة التى إنشئت بهدف نقل وشحن المعدات والأسلحة الأمريكية إلى مصر والمقدرة سنويا بحوالى 1.5 مليار دولار ، تحولت إلى نطاق أوسع تمتد بخيوطها العنكبوتية من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا إلى أفغانستان ، مما أدى لتفشى رائحتها ، خاصة بما صاحبها من تزوير الفواتير ما أوقعها فى المحظور ، ومن هنا أعد الليفتانت جنرال ” أرنست جرافيس ” Ernest Graves مذكرة بتاريخ 6/4/1980 تضمنت بعض الوقائع والإنحرافات فى عمل تلك الشركة ، وخصوصا ماتبين من نقل بعض تلك المعدات الأمريكية من مصر إلى أفغانستان ومناطق منازعات أخرى ، وبيعها لحساب بعض القادة والمسئولين العسكريين والسياسيين المصريين وبتمويل من المملكة السعودية وبعض دول الخليج (24) .
كما لاحظ ” توماس روميو ” المفتش بالهيئة البحرية الفيدرالية FMC المبالغة الشديدة فى الفواتير الخاصة بأعمال شركة ” إيتسكو ” ، وأن هناك تلاعبا فى هذه الفواتير يقدر بحوالى 8 مليون دولار ، وبالبحث تبين أن وراء هذه الشركة شخصيات مصرية كبرى تمتد من نائب رئيس الجمهورية ( الفريق حسنى مبارك ) وتشمل قادة عسكريين مصريين أخرين

وعلى أثر هذا ، بدأت خيوط التسرب Leakage حول هذا الفساد إلى بعض الصحف المحلية الأمريكية فنشرت جريدة Wilmington News Journal فى 13/9/1981 حول التصرفات المريبة لشركة ( إيتسكو ) ، كما نشرفى نفس التاريخ جريدة صنداى نيوز جورنال Sunday News Journal معلومات أضافية كان مصدرها السيد ” باتريك جادج ” Joseph Patrick Judge الذى كان يعمل كمندوب مبيعات فى مؤسسة يملكها عميل المخابرات الأمريكية وعضو شبكة الفساد السرية تلك ” أدوين ولسن ” Edwin Wilson ، وبرغم نفى وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون ) لهذه المعلومات ، فأن المدعى العام الأمريكى ” لارى باريسلا ” Larry Barcella إستمر فى تحقيقاته كما يشير جوزيف ترنتو .
لعل هذا ما أثار غضب الفريق أول أحمد بدوى وزير الدفاع المصرى فى ذلك الحين وبعض القادة العسكريين الذين كان تاريخهم فى حرب أكتوبر ناصع وشريف ، وجرى ذلك اللقاء العاصف بين الفريق أحمد بدوى – قبل مصرعه بأسابيع قليلة – والرئيس أنور السادات ، حتى وصل الحوار بينهما- كما يقول اللواء محمد ماهر بدوى شقيق الفريق أحمد بدوى– بإن أنهى السادات الاجتماع بحدة قائلا 🙁 إذا كنت فاكر نفسك أحمد عرابى فأنا مش الخديوى توفيق ) …!
لقد ترتب على هذه التحقيقات الأولية فى الولايات المتحدة إحالة الجنرال ” ريتشارد سيكورد ” إلى تحقيق جنائى ، وإحيل معه عدد من المسئولين فى مكتب المساعدات العسكرية والأمنية التابع لوزارة الدفاع ( البنتاجون ) ومنهم ” أريك فون ماربود ” و ” أدوين ولسن ” و ” توماس كلينز ” هذا بالاضافة إلى حسين سالم وأخرين .
وبدأت الحلقة تطول أسماء قيادات عسكرية وسياسية مصرية من الصف الأول (25) ، مما دفع بأحد الصحفيين البارزين فى الصحافة الأمريكية إلى تناولها فكتب ” أدوارد ت. بوند Edward T. Pound حول القصة كلها فى واحدة من كبريات الصحف الأمريكية هى ( ووال ستريت جورنال ) Wall Street Journal فى الأول من أكتوبر عام 1982 ، ثم واصل النشر حول نفس القضية بتاريخ فبراير عام 1983 ، كما أعترف عميل المخابرات المركزية وشريك حسين سالم السيد( توماس كلينز ) أثناء التحقيقات بأن هذه الشركة كانت تستخدم كغطاء للاستخبارات الجوية الأمريكية (26) .
كما أشار الليفتانت كولونيل ” كارلوس سالينس ” Carlos Salins ، فى مذكرته المؤرخة فى 22/9/1982 ، أن شركة ” إيتسكو ” قد حصلت على نسبة تصل إلى 25.15% من قيمة المعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لمصر وقيمتها 750 مليون دولار ، بدلا من حصولها على النسبة المنصوص عليها فى العقد الرسمى إلا وهو 9.8% ، وبأن مخابرات الجيش الأمريكى لديها ما يفيد بأن هذه الشركة ومنذ عهد الرئيس أنور السادات ، تمكنت من إفساد عددا من كبار قادة القوات المسلحة المصرية ، ووصل فسادها إلى بعض جنرالات وقادة وزارة الدفاع الأمريكية (27) .

لقد تبين من التحقيقات التى أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI ووزارة العدل ، أن هناك تشكيلا إجراميا من مسئولين كبار سواء فى مصر ، أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب المساعدات العسكرية التابع للبنتاجون ، يقوم بتجارة سلاح غير مشروعة ، كما يقوم بالتلاعب فى فواتير الشحن والنقل ، مما أدى لخسارة للخزانة الأمريكية ، وقد برز من بين هذه الأسماء كل من :
من الجانب الأمريكى
1- تيودور شيكيلى Theodore J. Shackley
2- أدوين ولسن Edwin P.Wilson
3- توماس كلينز Tomas Clines
4- بول هالويل Paul Helliwell
5- ريتشارد سيكورد Richard Secord
6- أريك فون ماربود Erick V. Marbod
ومن الجانب المصرى
1- حسين سالم الشريك الظاهر والأساسى .
2- محمد حسنى مبارك نائب رئيس جمهورية مصر .
3- اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة الملحق العسكرى فى السفارة المصرية فى واشنطن ثم تولى على أثر أغتيال وزير الدفاع الفريق أحمد بدوى فى 20 مارس 1981 ، منصب وزير الدفاع المصرى متجاوزا الأقدم منه فى الجيش المصرى.
4- اللواء منير ثابت صهر نائب الرئيس المصرى ومدير مكتب مشتريات الاسلحة فى واشنطن .
5- الفريق كمال حسن على مدير المخابرات العامة المصرية ، ثم وزيرا للخارجية ثم رئيسا لوزراء مصر .
6- كامل عبد الفتاح أحد أبرز تجار السلاح فى مصر والعالم العربى فى ذلك الوقت .
وبينما كانت الصحافة الأمريكية تنتقل بتقاريرها وتحقيقاتها من صفحة إلى صفحة فى أوراق هذه الفضيحة ، ومن صحيفة محلية إلى صحف أكثر إنتشارا مثل الواشنطن بوست (9/10/1982 و 17/1/1984 ) والنيويورك تايمز (22/7/1983 و 14/1/1988 ) ، كان ستارا حديديا من السرية والصمت يلف هذا الموضوع فى مصر .
وإذا صدقت إدعاءات شريك حسين سالم فى شركة ( ايتسكو ) عميل الاستخبارات المركزية الأمريكية ” توماس كلينز ” Tomas Clines ، بعد خروجه من السجن ، بأنه كان يذهب إلى القاهرة بحقائب ممتلاءه بملايين الدولارات ليسلمها إلى حسين سالم ، الذى يتولى أخذ حصته منها ، ثم يذهب بعدها ليقدم حصة الرئيس أنور السادات شخصيا (28) ، فأن واقعة الشجار الحاد التى تمت بين وزير الدفاع المصرى ( الفريق أول أحمد بدوى ) وبين السادات فى أول مارس عام 1981 ، وقبل أغتيال الأول بأيام قليلة التى قال له فيها السادات بحدة ( إذا كنت فاكر نفسك أحمد عرابى ، فأنا مش الخديوى توفيق ) ، تضع مسار القضية كلها على خطى جديدة وخطيرة تماما .
وإذا ربطنا بين أربعة وقائع فأننا نستخلص نتيجة مؤكدة بشأن هذا الاغتيال المنظم لوزير الدفاع المصرى وهى :
الأولى : طبيعة الرئيس السادات وتاريخه المغامر ، الذى بدأ حياته متعاونا مع المخابرات الألمانية وقوات هتلر، ثم الانضمام بعدها إلى خلية سرية مارست قتل بعض من قدرتهم متعاونين مع الاحتلال البريطانى مثل أمين عثمان باشا ، وأنتقل بعدها إلى ميليشيا الحرس الحديدى التى مارست القتل والأغتيال ضد معارضى الملك فاروق ، ثم إنضمامه إلى تنظيم الضباط الأحرار السرى ، بكل ملابسات مشاركته وقصه إفتعال مشاجرة فى السينما ليلة تحرك قوات الانقلاب فى 22 يوليو عام 1952 ، ثم ما قام به من أغتيال للمعارض السودانى زعيم الطائفة المهدية ( الأمام المهدى ) فى ديسمبر عام 1969 ، ومن ثم فنحن إزاء رجل لا يتورع عن القيام بأى شىء للوصول إلى أهدافه بما فى ذلك القتل ، ساعده فى ذلك رجل ( حسنى مبارك ) بقدر ما يجيد تنفيذ أوامر رؤسائه ، فهو أيضا يتسم بالفساد والجشع للمال ، وهو ما يجعلنا نطالب بجدية بإعادة فتح التحقيق بشأن حقيقة مصرع القائد النزيه المشير أحمد بدوى (29) .
الثانية : أن المجموعة الأمريكية ** التى كانت تتعامل مع المجموعة المصرية فى تجارة ونقل السلاح ومنهم ” تيدور
شيكيلى ” و ” أدوين ولسن ” و ” توماس كلينز ” وأخرين ، كان لهم تاريخ حافل بتنظيم جرائم الاغتيالات والانقلابات العسكرية فى كثير من دول العالم ، ففى فيتنام وحدها وتحت إشراف هؤلاء أنفسهم جرى أغتيال 20857 فيتناميا جنوبيا ، بزعم شكوك حول إنتماءهم أو تشجيعهم لجبهة ( الفيتكونج ) الموالية لفيتنام الشمالية (30) ، وهم المسئولين عن تدبير
الانقلاب العسكرى الدموى فى تشيلى الذى راح ضحيته الرئيس المنتخب ” سلفادور الليندى ” عام 1973 ، ورئيس الأكوادور المنتخب ” رولدوس” فى مايو عام 1981 ، ورئيس بنما ” عمر توريخوس ” فى يوليو عام 1981 ، ومحاولات متكررة لأغتيال الزعيم الليبى ” معمر القذافى ” ، وغيرها من الاغتيالات فى كثير من دول العالم ، كما لم تتورع تلك الشبكة الإستخبارية الأمريكية على تنظيم شبكة واسعة لتجارة المخدرات لتوفير التمويل اللازم لحربها فى لاوس وكمبوديا وفيتنام فى ستينات القرن العشرين .
الثالثة : أن الاسراع فى تعيين اللواء عبد الحليم أبو غزالة وزيرا للدفاع خلفا للمشير احمد بدوى الذى سقطت به الطائرة المروحية ومعه أربعة عشرة جنرالا من أكفأ الضباط المصريين وأكثرهم خبرة فى الحرب ، والذى كان المشير بدوى يطالب السادات بضرورة محاكمة النائب حسنى مبارك واللواء عبد الحليم أبو غزالة أو إحالتهما للتحقيق ، تؤكد حرص السادات على أخفاء معالم جريمة كانت رائحتها قد بدأت تزكم الأنوف ، خاصة أنه قد تجاوز بهذا التعيين كثير من القادة العسكريين الأقدم منه رتبة والأكثر منه خبرة .
الرابعة : أن أغتيال طيار المروحية الذى نجا بأعجوبة من هذا الحادث ، وعلى يد لص مساكن لم يعثر عليه حتى اليوم ، يشير إلى أن للموضوع أبعاد خطيرة كما يؤكد شقيق المرحوم ” أحمد بدوى ” اللواء المتقاعد “ماهر محمد بدوى ” ، وهو ما دفع عضو مجلس الشعب المصرى ” علوى حافظ ” إلى تقديم إستجوابه للحكومة فى 5/3/1990 ذاكرا فيه عبارة ” عصابة الأربعة ” ، وملمحا من طرف خفى إلى أن هناك شكوكا تثار حول أغتيال وزير الدفاع المصرى السابق المشير أحمد بدوى .
_____________
** بعد أزمة وفضيحة ( ووترجيت ) عام 1972 جرى تشكيل لجنة تحقيق فى الكونجرس الأمريكى تولاها السيناتور ” تشرش ” وسميت اللجنة بأسمه للتحقيق حول ملابسات ونشاط الإستخبارات المركزية الأمريكية فى العالم بعد ان شاعت أنها ايضا تقوم بالاشراف على تجارة واسعة للمخدرات لتمويل أنشطة خاصة بالوكالة ، وجرى بالتالى التضييق على الوكالة خصوصا فى إدارة الرئيس ” جيمى كارتر ” الذى أتى برجل من خارج الوكالة لإدارتها هو الإدميرال البحرى ” ستنسفيلد تيرنر ” الذى وضع خطة لإصلاح الوكالة تقضى بالتخلص من 823 وظيفة خلال عامين ، وتعرض ” تيد شيكيلى ” والجماعة المحيطة به إلى التضييق داخل الوكالة ، فأقدم على تشكيل شبكة إستخبارات خاصة تضم عددا ليس بقليل من عناصر وعملاء الوكالة ، المعروف عنهم الوحشية والقسوة وحب المال ، وأدارت هذه العصابة نشاطا واسعا للتجارة فى المعلومات والسلاح والاغتيالات وغيرها ، وكان هؤلاء هم شركاء حسين سالم وحسنى مبارك وعبد الحليم أبو غزالة ومنير ثابت وكمال حسن على ، ومن ورائهم الرئيس أنور السادات .
ومع إتساع دائرة التحقيقات فى الولايات المتحدة ، وأغتيال الرئيس السادات فى السادس من أكتوبر عام 1981 ، وشمول التحقيقات أسماء شخصيات مصرية من الصف الأول فى الحكم ، ومن ثم خطورة الوضع دعا وليم كلارك William Clark مستشار الرئيس رونالد ريجان لشئون الأمن القومى ، إلى إجتماع موسع بتاريخ 21/مارس 1983 بالبيت الأبيض حضره كل من (31) :
1- تيودور جرينبرج Theodore Greenberg ممثل المدعى العام .
2- مارك ريتشارد Mark Richard معاون المدعى العام .
3- وليم هاندريكس William Hendricks معاون المدعى العام .
4- ستانلى سبوركن Stanley Sporkin المستشار القانونى لمدير وكالةالاستخبارات المركزية الأمريكية CIA
5- وليم تافت William Taft المستشار العام لوزارة الدفاع ( البنتاجون ) .
6- روبرت كيميت Robert Kimmit مستشار مجلس الأمن القومى الأمريكى .
7- وينت لويد Wingate Lloyd مندوب وزارة الخارجية الأمريكية .
8- جيف سميث Jeff Smith مندوب وزارة الخارجية الأمريكية .
9- وترأس الاجتماع وليم كلارك William Clark مستشار الرئيس الأمريكى رونالد ريجان لشئون الأمن القومى .
ووفقا للمذكرة التى أعدها ” ستانلى سبوركن ” Stanley Sporkin ، المستشار القانونى لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA فأن الشركة المصرية الأمريكية للخدمات والنقل ( ATSCO ) ، التى يقف ورائها حسين سالم ( مصرى الجنسية ) وتوماس كلينز ( أمريكى الجنسية ) ، ومن ورائهما من الجانبين ( حسنى مبارك – عبد الحليم أبو غزالة – منير ثابت – كمال حسن على وكامل عبد الفتاح وأخرين ) ، و( أدوين ويلسون – فون ماربود – ريتشارد سكورد – تيودور شيكيلى ) كانت مؤامرة إجرامية وفساد مالى تحملته الخزانة الأمريكية .
وبرغم ذلك فقد أبلغ وليم كلارك مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى الحاضرون بأن تعليمات الرئيس رونالد ريجان تقضى بضرورة إستبعاد أى إتهام إلى مسئولين مصريين ، وإعتبار ذلك من متطلبات المصلحة العليا والأمن القومى الأمريكى (32) .
وعلى الفور صنف هذا الجزء من التحقيقات بأعتباره من مقتضيات الأمن القومى CLASSIFIED ، ومن ثم حظر على المسئولين التحدث عنه ، أومنح وسائل الاعلام أية بيانات أو معلومات بشأنه .
وفى عام 1986 حكم على (توماس كلينز) و( أدوين ولسن) بالسجن لمدة عشرين عاما ، بينما تجنب حسين سالم الحكم عليه بالسجن بتهمة الأحتيال عام 1983 ، وقام بدفع مبالغ مالية تتجاوز سبعة ملايين دولار ، كما حرر شيك برقم ( 639323) فى 21 يوليو 1983 بقيمة 3.2 مليون دولار مسحوب على بنك ريجز الوطنى Riggs National Bank (33) .
ومنذ تلك اللحظة جرى تعليق الفريسة ( حسنى مبارك ) ومن معه وأهمهم ( عبد الحليم أبو غزالة ) فى الهلب كما يقولون فى لغة الاستخبارات ………..
وخلال نفس الفترة رأت الإدارة الأمريكية أنه من الضرورى إيفاد رجل الإسخبارات المركزية الأمريكية وأبن أحد أبرز رجال الإستخبارات المركزية الأمريكية فى الخمسينات والستينات وأحد مؤسسى الحرب الباردة السفير ” فرانك ويزنر الأبن ” ، ليكون سفيرا للولايات المتحدة فى مصر خلال الفترة من عام 1986 حتى عام 1991 ، نظرا لعلاقات الصداقة والمعرفة القوية التى تربطه بالرئيس المصرى الجديد (حسنى مبارك ) ، ليشرف بشكل أو بأخر على توجيه سياسات الرئيس الجديد لخدمة المصالح والتوجهات الأمريكية ، وهو نفس الشخص الذى أوفدته الإدارة الأمريكية فى أثناء ثورة 25 يناير عام 2011 ليقنع حسنى مبارك بالتخلى عن الحكم فى البلاد ، وإحتواء الثورة الشعبية المصرية حتى لا تتطور بما يضر بالمصالح الأمريكية فى المنطقة .
**************
لم يكن الرئيس الجديد لمصر السيد حسنى مبارك حريص كسلفه على التوئمه والتوافق مع السياسة الأمريكية فى المنطقة العربية وفى العالم كله فحسب ، بل أنه ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق ، حيث حرص على ضمان هيمنة وسيطرة رجال الولايات المتحدة والمناصرين لها فى مصر ، بل وجواسيسها ، على كافة مفاصل الحكم والإدارة والاقتصاد ، وكذا فى الصحافة ووسائل الاعلام والمؤسسات الثقافية كافة .
ولا يمكن فهم بعض تصرفات وأختيارات الرئيس حسنى مبارك لكبار مساعديه ووزراءه فى الدولة طوال ثلاثين عاما ، إلا فى ضوء السياق الذى أتى به شخصيا إلى الحكم فى مصر .
فكيف نفسر – مثلا – تصرفه إزاء تصعييد وتعيين د. يوسف بطرس غالى وزيرا للاقتصاد والتجارة الخارجية ، ثم وزيرا للمالية ، لمدة عشر سنوات أو يزيد ، فى الوقت الذى يؤكد فيه اللواء شفيق محمود عبد الرحمن البنا القائد فى الحرس الجمهورى ، والذى أستمر يعمل فى موقعه قريبا من الرئيس لأكثر من ثمانى سنوات بأن هناك من الأدلة ما يثبت أن يوسف بطرس غالى كان جاسوسا للولايات المتحدة الأمريكية ، ويتعاون مع وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية CIA (34) .
ووفقا للواء عبد الرحمن شفيق البنا فقد لاحظ أحد قيادات جهاز الأمن القومى ( اللواء علاء البوشى ) فى مطلع عقد التسعينات ، تكرار ظهور صور الدكتور يوسف بطرس غالى بجوار الرئيس مبارك وأفراد أسرته فى الصحف المصرية ووسائل الاعلام المختلفة ، وحرصا من الرجل على تجنيب الرئيس مبارك سوء الأختيار ، فقد سارع بإعداد مذكرة تفصيلية تتضمن وقائع تحريات ونص تسجيلات لمكالمات بين الدكتور يوسف بطرس غالى وعميل للاستخبارات المركزية الأمريكية CIA فى السفارة الأمريكية بالقاهرة ، يقدم فيها الأول للأخير معلومات وبيانات ، ويتلقى منه تعليمات بعمل ذات طبيعة إستخبارية واضحة ، ونظرا إلى أن القضية كانت مازالت فى دور الأعداد والتجهيز ، وحرصا على مزيد من السرية ، فقد فضل هذا القائد فى الجهاز الأمنى ، رفع تلك المذكرة عن غير القنوات الرسمية ، فأعطاها باليد للواء شفيق البنا لتقديمها شخصيا إلى الرئيس حسنى مبارك .
وبعد أن قرأ الرئيس حسنى مبارك التقرير ، أستدعى اللواء عبد الرحمن شفيق البنا وسأله عن أسم من أعد هذا التقرير ، فذكر له اللواء شفيق أسم اللواء فى هيئة الأمن القومى المسئول عن هذا التقرير ، فهز مبارك رأسه وصمت .
بعد عدة أيام صدر قرار جمهورى من حسنى مبارك بنقل اللواء علاء البوشى المسئول عن إعداد التقرير من وظيفته إلى وظيفة ثانوية بمطار القاهرة ، لم يتحمل الرجل الصدمة ، مرض لفترة قصيرة ثم مات (35) .
وبعد عدة أسابيع كان د. يوسف بطرس غالى قد جرى تعيينه فى أول منصب وزارى له فى حكومة عاطف صدقى وزيرا للاقتصاد والتجارة الخارجية ، ثم أنتقل فى التشكيل التالى لوزارة عاطف عبيد وزيرا للاقتصاد ، ومن بعدها فى التشكيل الوزارى لحكومة أحمد نظيف ( عام 2004) وزيرا للمالية حتى أندلعت ثورة 25 يناير عام 2011 ، فكان يوسف بطرس غالى أول الهاربين خارج مصر ..!!؟
كما لم يكن غريبا أو مثيرا للدهشة ، حينما ضبطت السلطات المصرية فى مطلع عام 2019، السيد بطرس رؤوف غالى شقيق الوزير الهارب ، بتهمة تهريب آثار مصرية فى حقائب دبلوماسية ، وقضت المحكمة بتاريخ 14/2/2019 ، بأستمرار حبس الرجل لحين الفصل النهائى فى قضيته ، علما بأن الرجل يشارك كل من أمين فخرى عبد النور ورشدى صبحى وأخرين فى شركة ( حابى ) السياحية .
************
الواقعة الثانية هى تلك التى كشف عنها الاستاذ محمد حسنين هيكل ، فى كتابه الأخير ” مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان ” الصادر عام 2012 عن دار الشروق ، وكان قد رواها لى قبل صدور كتابه بعدة شهور ، وهى الخاصة بأشرف مروان ، الذى حرقته الاستخبارت الإسرائيلية ( الموساد وجهاز أمان ) بتسريب أخبار أنه كان عميلا لها أثناء تولى الرئيس السادات الحكم فى مصر ، وأنه كان قد أخطرها بموعد حرب أكتوبر على الجبهتين المصرية والسورية ، قبلها بيومين أثنين .
ويروى الأستاذ هيكل ، أنه حينما ألتقى أشرف مروان مصادفة فى لندن فى شهر سبتمبر من عام 2006 ، وقبل إغتياله بعدة شهور قليلة ، سأله الاستاذ هيكل :
– هل طلب منك الرئيس مبارك مغادرة القاهرة لفترة من الزمن ؟
فرد أشرف مروان بإنفعال شديد كما يصف الاستاذ هيكل وقال بحده :
– هل يستطيع .. أقولها لك .. لأنه يعرف أننى أستطيع تدميره وقالها باللغة الإنجليزية him I can destroyed
وحينها إلتفت الأستاذ هيكل مندهشا ومأخوذا .. أستطرد أشرف مروان دون تردد :
– وأستطيع تدمير غيره .. ثم ذكر أسم اللواء عمر سليمان (36) .
ومن لا يعرف فأن اللواء عمر سليمان قد شغل منصب مدير المخابرات العامة المصرية لمدة عشرين عاما ( مارس 1991- فبراير 2011 ) ، وكان مسئولا عن كل ما جرى داخل هذا الجهاز من تدنى الكفاءة ، وتورط الكثيرون من أعضائه وكوادره فى التجارة وأعمال البيزنس ، وغيرها من الأمور التى قد يأتى آوان الحديث عنها فيما بعد .
وهناك الكثير من الوقائع المحزنة والكاشفة ، لو جرى فتح ملفات عهد مبارك بجدية ومسئولية وطنية سوف يتبين الكثير من المصائب والجرائم ، ليس فى مجال السرقة ونهب المال العام والاختلاسات فحسب ، وانما الأخطر والأهم الاختراقات التى تمت فى قمة جهاز إدارة الدولة وأعصابها الحساسة من إفساد للأجهزة الأمنية والرقابية وغيرها .
وإذا تأملنا بعض الوقائع التى جرت بعد أغتيال الرئيس السادات ، وتولى نائبه الفريق حسنى مبارك مقاليد الحكم والإدارة ، نجدها كاشفة عن وجود شبكات مصالح تعمل فى مجال تجارة السلاح المشروعة وغير المشروعة ، والخيوط كلها تتجه مباشرة إلى رجلين فى قمة هرم السلطة فى مصر ، أولهما هو رئيس الجمهورية نفسه ، والثانى هو وزير دفاعه ، فعلى سبيل المثال أقيم فى الشهور الأولى التى أعقبت اغتيال الرئيس السادات من عام 1982 ، أول معرض لتوكيلات شركات السلاح فى دار المدفعية بالقاهرة ، وفيها ظهر لأول – وأخر مرة – وجود 11 شركة مصرية لتجارة السلاح منشور دليل مطبوع باللغتين العربية والإنجليزية ، تصدره كلمة من أحد اهم شركاء حسنى مبارك وحسين سالم والمشير عبد الحليم أبو غزالة فى شركة ( إيتسكو ) الشهيرة ، هو السيد ” كامل عبد الفتاح ” صاحب شركة ( الدفاع والشئون الخارجية ) Defense And Foreign Affairs Daily Co. والذى كان يعمل وكيلا لشركة R.C.A الأمريكية التى تقطن فى ولاية نيو جرسى فى الولايات المتحدة الأمريكية (37) .
وقد ضمت شبكات تجارة السلاح أسماء شخصيات كبرى فى عالم المال والأعمال والسياسة فى مصر ، بالإضافة بالطبع إلى الرئيس حسنى مبارك ووزير دفاعه محمد عبد الحليم أبو غزالة مثل :
– السيد أشرف مروان .
– السيد حسين سالم .
– السيد سيف فهمى .
– السيد رشدى صبحى ( مؤسس شركة هابى تورز للسياحة وأستاذ أخرين فى هذا المجال منهم سامى سعد وبطرس غالى وأمين فخرى عبد النور ومحمد نصير ، وقد توفى الأخير فى يناير عام 2010 ) .
– السيد كامل عبد الفتاح .
– السيد عبد الخالق مطاوع ( رئيس أتحاد البريدج وزوج والدة زهير جرانة بعد أن طلقها والده السيد وحيد جرانة ) .
– السيد محمد شفيق جبر .
– السيد مكرم كمال عثمان ( من تلامذة رشدى صبحى ) .
– اللواء حسام سويلم ( وقد تخصص فى تجارة نماذج تدريب الطيارين ) .
– السيد عبد الحليم عاصم .
– السيد أيمن عثمان .
– السيد سامى سعد ( من تلامذة رشدى صبحى ) .
– السيد رؤوف غالى ( من تلامذة رشدى صبحى ) .
– اللواء منير ثابت ( طيار سابق وصهر الرئيس حسنى مبارك ) .
– أمين فخرى عبد النور ( من تلامذة رشدى صبحى ) .
– السيد سمير رؤوف حلاوة .
– اللواء أنور مهاب سوسه ( وكان طيارا فى القوات الجوية وأصبح مستشارا ووسيطا لثلاثة شركات طيران أمريكية ( هى بوينج والأباتشى وسيسنا )(38) .
وحتى ندرك حجم هذه التجارة الواسعة وأرباحها الهائلة ، يكفى أن نشير إلى ان مبيعات السلاح المصرية فى حربى أفغانستان والعراق طوال سنوات حربهما ضد السوفيت وإيران قد تجاوزت 20 مليار دولار ، وأن عمولة الوسطاء تتراوح عادة بين 5% إلى 10% ، أى أن هذه الشبكة المصرية التى شاركت فى تجارة السلاح ونقله قد حققت عمولات تصل إلى 2.0 مليار دولار على الأقل (39) .
وتدليلا للصلات العميقة بين رجال الحكم والإدارة فى مصر – وجلهم تقريبا من العسكريين – ورجال تجارة السلاح ، نشير إلى ان أحد اهم هؤلاء التجار وأقدمهم السيد رشدى صبحى ، منحه الرئيس أنور السادات أمتياز هضبة الأهرام ، من أجل إقامة منتجعات سياحية (40) ، ولكن بعد المعارضة الشرسة التى واجهها المشروع من القوى الوطنية المصرية ، قام الرئيس السادات بتعويضه عن ذلك بمنحه إمتياز هضبة المقطم ، فأسس فيها شركتين لتقسيم الأراضى ، أما شريكه وتلميذه الثانى ( مكرم كمال عثمان ) ، فقد حصل بدوره على عقد مقاولات كبرى فى مشروع مترو أنفاق القاهرة الكبرى فى عهد الرئيس حسنى مبارك ، كما حصل الشريك الثالث لرشدى صبحى السيد سامى سعد على توكيل شركة مرسيدس الألمانية فى مصر

الواقعة الثالثة : وهى التى تخص واحدا من أقوى وأقرب الشخصيات الحاكمة فى عهد الرئيس مبارك ، وهو اللواء زكريا عزمى ، الذى شغل لسنوات طويلة منصب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية ، بكل ما يمثله هذا المنصب من حساسية فائقة ، فقد تبين بعد ثورة يناير عام 2011 ، أن اللواء طه عبد العظيم أمبابى ، رئيس مكتب مكافحة الإخلال بالآداب العامة والسياحة ، قد تقدم بدعوى قضائية ضد وزير الداخلية المصرية التى أحاله على التقاعد مبكرا قبل ثورة 25 يناير 2011 بعدة سنوات ، بسبب إكتشافه علاقات مشبوهة بين السيد زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية ، وبين بعض العاهرات المصريات والعرب وزعيمة أحدى شبكات الدعارة المغربية الجنسية ، وقد ترتب على هذا الإكتشاف نقله من موقعه إلى إدارة الأمن العام لفترة قصيرة ، قبل أن يتم إحالته على التقاعد بفترة (40) .
***********
إذا كان هذا هو حال بعض قمة جهاز السلطة فى مصر طوال أربعين عاما على الأقل ، وتحديدا منذ تولى الرئيس أنور السادات الحكم فى مصر فى أكتوبر من عام 1970 ، فكيف جرى السيطرة على مفاصل الدولة وأجهزتها المختلفة ، سواء بأشخاص يتم أختيارهم وفقا للإستمزاج الشخصى من جانب الرئيس ، أو وفقا لمعايير مجهولة مثلما هو الحال فى تعيين يوسف بطرس غالى ، أو المهندس رشيد محمد رشيد ، أو غيرهما من المسئولين *.
وهنا ينبغى أن نتوقف بالتحليل والضبط لمصطلح ومفهوم ” العميل ” و ” العمالة ” لقوى أجنبية ، قد تتعارض مصالحه أو تتناقض مع المصالح الحيوية والاستراتيجية للدولة المصرية بمعناها الواسع والشامل .
وعند هذا يجد المحلل نفسه إزاء أربعة أشكال أو مستويات من العمالة أو ” التعاون ” مع القوى الأجنبية وفقا لما تعارفت عليه العلوم الاستخبارية هى :
الأول : مستوى العميل الاستراتيجى Strategic Agent
هو ذلك الذى يستخدم فى العمليات الاستخبارية والمعلوماتية الكبرى ، أو يكون مؤهلا لزرعه فى كيان الدولة ومؤسساتها الاعلامية أو السياسية أو الاستخبارية أو الاقتصادية ، ومساندته بكافة الوسائل الخفية ، من أجل تصعيده إلى ارقى المناصب والمواقع القيادية داخل دولته ، وتكون مهامه أكبر من مجرد جمع المعلومات ، وإن كانت وسوف
تظل أحد مهام العميل ، ولكن قد يكون دور العميل خاصة إذا كان يعمل فى الوسائل الاعلامية والصحفية المؤثرة ،
توجيه الرأى العام بما يخدم سياسات الدولة المشغلة ، وهو ما أطلقنا عليهم فى مصر ” المارينز الفكرى ” ، ولدور
____________
** فى حوار تليفزيونى للممثل طلعت زكريا الذى لعب دور طباخ الرئيس فى أحد أفلامه ، وكان مقربا بعدها للرئيس حسنى مبارك وظل كارها ومعاديا لثورة 25يناير عام 2011 ، وكل ما تمثله ، كما شن حملة كراهية وتلويث لشرف كل من شاركوا فيها من الشباب ، قال بالحرف ” أن الرئيس حسنى مبارك قال له فى أحدى جلساته ، أنه غنى ولا يحتاج لأن يسرق من الدولة ، فكل برميل بترول يستخرج فى مصر يحصل على نسبة منه ، وكل صفقة سلاح يحصل على نسبة منها ” وقد نشرت الصحفية عبير سلطان فى برنامجها توك شوز على قناة التحرير بتاريخ 2/9/2011 نص هذه المقابلة التى أجراها الممثل طلعت زكريا ؟ وقد قدمها الكاتب فى بلاغه ضد حسنى مبارك إلى النائب العام برقم ( 1524 ) والمقيدة بتاريخ 16/5/2012 ، وصادرة برقم (735) لسنة 2012 بتاريخ 17/5/2012 إلى نيابة شرق القاهرة ، وتولى التحقيق فيها المستشار أحمد البقلى ، وجرى أولى جلسات التحقيق والاستماع إلى أقوالى فى 4/6/2012 ، وتكررت جلسات الاستماع ثلاث مرات ، تستغرق كل واحدة عدة ساعات ، كما قدم فيها أكثر من 25 حافظة مستندات ، وللأسف لم يتحرك أحدا .
هؤلاء أهمية أخطر وأهم من العميل المشغول بعملية جمع المعلومات ، كما تسعى الأجهزة الكبرى إلى إيصال عميلها إلى المناصب الكبرى ونظن أن هذه العملية قد نجحت فى مصر نجاحا مذهلا .
الثانى : العميل التكتيكى أو الميدانى Field Agent
أى ذلك الذى يحصل على مقابل مادى او عينى ومدفوعات منتظمة Payroll من جهاز إستخبارات أجنبية ، نظير الحصول على المعلومات ، أو تنفيذ بعض العمليات الميدانية التى قد تصل إلى الاغتيالات أو زرع عبوات ، أو تخريب منشأت .
الثالث : مستوى التعاون وتقاطع المصالح
فقد تتقاطع المصالح بين رؤية دولة وأجهزة إستخباراتها وبين فئات إجتماعية أو أفراد بشأن بعض القضايا المحلية أو الاقليمية أو الدولية ، فعلى سبيل المثال تقاطعت مصالح قطاعات كبيرة من الشباب المسلم مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والسعودية والمصرية وغيرها من الأجهزة أثناء الحرب ضد السوفيت فى إفغانستان (1979- 1991) ، أو ما أطلق عليه زورا وبهتانا ( الجهاد الأفغانى ) ، وإن كان كثير من قيادات هذا الجهاد المزعوم ، كانوا عملاء مباشرين لأجهزة إستخبارات عربية وأجنبية ، وحتى مصرية .
الرابع : مستوى التعاون والتلاقى بالأفكار والثقافة
حيث تبدأ بالإعجاب بالمنجز الحضارى والعلمى ، وقد تنتقل إلى تبنى المواقف السياسية للولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا ، وقد إزداد تأثير هذا العنصر بعد أن فتحت الولايات المتحدة أبوابها على مصرعيها للمبعوثين المصريين فى صورة منح تدريبية أو علمية لعشرات الآلاف من الشباب والطلاب منذ عام 1975 ، حتى بلغ عدد هؤلاء فى نهاية عام 1981 حوالى 70 ألفا ، وأسسوا فى السفارة الأمريكية ما يسمى ” رابطة المبعوثين والدارسين فى الولايات المتحدة ” كوسيلة للتواصل (42).
ولم يتوقف الأمر على الدور الأمريكى فى الأختراق ، بل أن مؤسسات غربية أخرى لعبت أدوارا لا تقل خطورة فى هذا الإختراق الواسع النطاق ، فتولت مؤسسة ( هانس زايدل ) الألمانية الغربية تدريب القيادات الإدارية وقيادات القطاع العام وترويض أفكارهم نحو المشروع الخاص وأقتصاد السوق (43) ، وأنفردت مؤسسة (فردريش إيبرت ) بالعمل فى حقل النقابات العمالية وحققت إختراقا هائلا ، كما أنفردت مؤسسة ( فردريش نيومان ) بالمهنيين مثل الصحفيين والمهندسين وغيرهما .
وإذا أضفنا إلى هذا وذاك ما جرى من إختراق مؤسسى عبر منظمات المجتمع المدنى ، التى جرى تمويل الكثير منها سواء من جانب المؤسسات الغربية – المرتبطة بلا أدنى شك بأجهزة الإستخبارات والأمن فى بلدانها وفى الولايات المتحدة الأمريكية – أو تلك الجمعيات الأهلية الاسلامية والسلفية بتمويل خليجى وسعودى يرتبط بأدوار مشبوهه باستخبارات تلك الدول غير البعيدة – طبعا – عن الاستخبارات المركزية الأمريكية الراعية للكل والحافظة لأمنهم ، فلنا أن نتصور طبيعة الإختراق الواسع النطاق لدرجة حدت بمدير جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان ) السابق ” عاموس يادين ” إلى التصريح فى إجتماع مغلق فى لجنة الأمن والدفاع فى الكنيست الإسرائيلى فى اكتوبر عام 2010 ، فى معرض تقديره بإحتمالات الخطر فى حال إزاحة حسنى مبارك من الحكم فى مصر قائلا : ( أننا قد أخترقنا المجتمع المصرى فى الكثير من مفاصله ، وأن أى رئيس جديد قد يسعى لمحاربة إسرائيل أو التعرض لمصالحها قد يحتاج إلى ثلاثين عاما أخرى لكى يكون قادرا على هذا ) .

صحيح لقد كان مبارك كنزا إستراتيجيا لإسرائيل والولايات المتحدة كما وصفوه هم بأنفسهم – وهذا يكفينا ويزيد ** –
ويكاد يتطابق ما جرى من إختراق قمة السلطة فى مصر منذ منتصف الستينات – فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر- مع تلك الخطة الاستراتيجية الموازية التى كانت تفذها أجهزة الاستخبارات الأمريكية ، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية الشهير MI6 ضد الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة السوفيتية ( بولندا – رومانيا – المجر .. الخ ) ، فيما سمى بالحرب الهجينة ، والتى كانت تقضى بإنشاء ما سمى ” شبكة عملاء النفوذ ” Influences Agents Network ، التى قضت بإختراق الجهاز القيادى داخل الحزب الشيوعى السوفيتى ، وكذلك فى بقية دول الكتلة الشيوعية
فى أوربا الشرقية ، وخلق شبكة من عملاء متعاونيين ومتأثرين بالنموذج الغربى عموما والنموذج الأمريكى خصوصا ، والعمل على تصعيدهم وترفيعهم فى السلم القيادى لهذه الدول ، والتى ظهر بعد ذلك أمثال ” بوريس يلتسين ” و ميخائيل جورباتشوف ” و ” جريتشوك ” و ” تشرنامردين ” و ” جريجور جيدار ” و ” أناتولى تشوبايس ” وعشرات غيرهم ، وقد أثمرت التجربة الاستخبارية تلك تفكيك وتدمير الاتحاد السوفيتى من الداخل ، ولتنهى الحرب الباردة التى كلفت الدول الغربية حوالى 13.0 تريليون دولار ، تحملتها الخزانة الأمريكية ومولتها حكومات عربية وغربية أخرى (44) .

________________
• أتهم حسنى مبارك ونجليه بعد ثورة 25 يناير عام 2011 فى عدة قضايا ، جرى إخراجه منها لأسباب إجرائية أو عدم كفاية الأدلة ، وهى كلها لا تتناسب مع حجم الجرائم والخراب الذى أحدثه لمصر طوال أربعين عاما هو وأنجاله والمقربين منه ، ولم يصدر حكم نهائى ضده بالسجن لمدة ثلاثة سنوات هو وأبناءه جمال وعلاء سوى فى القضية رقم (3642) جنايات قصر النيل المقيدة برقم (1) تحقيق المكتب الفنى للنائب العام لسنة 2011 ، والمعروفة أعلاميا بأسم ” القصور الرئاسية ” ، وهى الخاصة بإستغلال وسرقة الأموال العامة التابعة لرئاسة الجمهورية من أجل تحقيق أغراض خاصة ، والتلاعب فى الفواتير ..!!

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

2 تعليقان

  1. Great work Dr. Abd Alkhalek ,need many many who can spread such work
    الأسماء التى أنغمست ومارست الفساد المقنن فى القطاع المصرفى قد شغلوا مناصب وزارية ومواقع عليا فى الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير عام 2011 .
    So After Nasser the true honest patriotic leader for sure and after Sadat took over ,under his command ,our heroes were killed or kicked out of the countries and the corruptor , the greedy,those with low morals,those not only with ethical problem but also who had tendency to betray their country, our Egypt ,to betray the great Egyptians people who gave every bit they have including their children to gain our land back, those were advanced and gave all kind of facilitation to to rob the country .
    In one of Heikle book Alsadad asked one of the Russian officials about the whisky and why they did send enough for him so the answer that came from the Russian officials meant that there was a pipe of whiskey between the Russian consulate and the mansion Sadat was staying in
    that meant what , it meant Sadat was Boris Nikolayevich Yelts of Egypt ,and when you have such president with so many question marks around his past for president, and was held highly by the USA congress,it says one thing and one thing only he can be killer,spy,traitor and agent and for sure files should be open and laws should be created to make sure that does not happen ever again,to have 2 president chosen by the CIA and al MOSAD behind it(both should fall away into the dustbin of history)
    and you Dr.
    that how the Values of the Egyptian society suffered and will continue until some one true patriotic and strong can lead and sweep all those dirt bags from the society .
    حسنى مبارك ونجليه
    المعروف عنه طمعه وجشعه ، وغرامه بعمليات الإحتيال على القوانين والأعراف الأخلاقية
    وفقا للكاتب الأمريكى البارز والمطلع Bob Woodward فأن
    الرئيس أنور السادات كان أحد أهم المصادر الاستخبارية لدى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى من قبل توليه الحكم ، وقد نشأت هذه العلاقة فى منتصف عقد الستينات وقبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر
    أنور السادات رجل لا يتورع عن القيام بأى شىء للوصول إلى أهدافه بما فى ذلك القتل وفي عهده:إنتشار الجرائم الاجتماعية والأخلاقية بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث
    فتح وتسليم المنطقة العربية كلها للولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب أكتوبر عام 1973 .
    أن مخابرات الجيش الأمريكى لديها ما يفيد بأن هذه الشركة ومنذ عهد الرئيس أنور السادات ، تمكنت من إفساد عددا من كبار قادة القوات المسلحة المصرية ،

    هل طلب منك الرئيس مبارك مغادرة القاهرة لفترة من الزمن ؟
    فرد أشرف مروان بإنفعال شديد كما يصف الاستاذ هيكل وقال بحده :
    – هل يستطيع .. أقولها لك .. لأنه يعرف أننى أستطيع تدميره وقالها باللغة الإنجليزية him I can destroyed

    نرجع لأهم سؤال إزاي نصلح كل الزبالة دي ومنين نبدأ؟.

  2. Great work Dr. Abd Alkhalek ,need many many who can spread such work
    الأسماء التى أنغمست ومارست الفساد المقنن فى القطاع المصرفى قد شغلوا مناصب وزارية ومواقع عليا فى الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير عام 2011 .
    So After Nasser the true honest patriotic leader for sure and after Sadat took over ,under his command ,our heroes were killed or kicked out of the countries and the corruptor , the greedy,those with low morals,those not only with ethical problem but also who had tendency to betray their country, our Egypt ,to betray the great Egyptians people who gave every bit they have including their children to gain our land back, those were advanced and gave all kind of facilitation to to rob the country .
    In one of Heikle book Alsadad asked one of the Russian officials about the whisky and why they did send enough for him so the answer that came from the Russian officials meant that there was a pipe of whiskey between the Russian consulate and the mansion Sadat was staying in
    that meant what , it meant Sadat was Boris Nikolayevich Yelts of Egypt ,and when you have such president with so many question marks around his past for president, and was held highly by the USA congress,it says one thing and one thing only he can be killer,spy,traitor and agent and for sure files should be open and laws should be created to make sure that does not happen ever again,to have 2 president chosen by the CIA and al MOSAD behind it(both should fall away into the dustbin of history)
    and you Dr.
    that how the Values of the Egyptian society suffered and will continue until some one true patriotic and strong can lead and sweep all those dirt bags from the society .
    حسنى مبارك ونجليه
    المعروف عنه طمعه وجشعه ، وغرامه بعمليات الإحتيال على القوانين والأعراف الأخلاقية
    وفقا للكاتب الأمريكى البارز والمطلع Bob Woodward فأن
    الرئيس أنور السادات كان أحد أهم المصادر الاستخبارية لدى جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية حتى من قبل توليه الحكم ، وقد نشأت هذه العلاقة فى منتصف عقد الستينات وقبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر
    أنور السادات رجل لا يتورع عن القيام بأى شىء للوصول إلى أهدافه بما فى ذلك القتل وفي عهده:إنتشار الجرائم الاجتماعية والأخلاقية بصورة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث
    فتح وتسليم المنطقة العربية كلها للولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب أكتوبر عام 1973 .
    أن مخابرات الجيش الأمريكى لديها ما يفيد بأن هذه الشركة ومنذ عهد الرئيس أنور السادات ، تمكنت من إفساد عددا من كبار قادة القوات المسلحة المصرية ،
    منك الرئيس مبارك مغادرة القاهرة لفترة من الزمن ؟
    فرد أشرف مروان بإنفعال شديد كما يصف الاستاذ هيكل وقال بحده :
    – هل يستطيع .. أقولها لك .. لأنه يعرف أننى أستطيع تدميره وقالها باللغة الإنجليزية him I can destroyed

    نرجع لأهم سؤال إزاي نصلح كل الزبالة دي ومنين نبدأ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *