الرئيسية / كتاب الوعي العربي / أمن مصر المائي .. خط أحمر بقلم سامى شرف

أمن مصر المائي .. خط أحمر بقلم سامى شرف

30670-جمال 16618-استقبال-شعبى-فى-السودان-للزعيم-عبد-الناصر

فرضت قضية الأمن المائي المصري نفسها بقوة على أجندة القضايا والتحديات التي يتعين على أي حاكم يتولى مسئولية القيادة في مصر مواجهتها والتصدي لها، باعتبارها أهم وأبرز ملفات الأمن القومي المصري على الإطلاق؛ لأنه يتعلق ببقاء الدولة ذاتها.

ولقد انحصر دور الحكومات المركزية في مصر –منذ الأزل- في مسألة التحكم في مياه نهر النيل وترويضه؛ سواء في فترات الفيضان أو الجفاف، وكان جانب كبير من استقرار الحكومات والأنظمة متعلقا بقدرتها على ترويض النهر، والاستفادة من مياهه على أفضل نحو ممكن.

ولقد ارتبطت مشروعات النهضة الشاملة والحقيقية على أرض بمصر بنهر النيل، وبإدراك القيادة السياسية لأهمية النهر في تحقيق هذه النهضة، وقدرتها على الاستغلال الأمثل لمياهه.

وبعيدا عن أي تحيز، أو مجافاة للحقيقة؛ فقد شهد تاريخ مصر الحديث مشروعين شاملين للنهضة، لا ينكرهما منصف أو محايد؛ الأول في عهد والي مصر محمد علي باشا؛ الذي أدرك بوعيه الإستراتيجي الفطري، أن الزراعة في مصر هي عصب الاقتصاد، بل هي عصب الحياة في مصر على مدار تاريخها، وأن مياه النيل هي عصب الزراعة، ومن ثم دشن كثير من المشروعات المائية؛ من قناطر وترع، وغيرها .

والأهم من ذلك؛ إدراكه العميق لأبعاد الأمن القومي المصري، وبأنه يتعدى بكثير حدود مصر السياسية، من جميع الاتجاهات، وأنه لا سبيل لبناء دولة مصرية قوية قادرة ومؤثرة بدون حماية وتأمين هذه الأبعاد؛ وفي العمق من ذلك كان الحفاظ على نهر النيل وضمان استمرار وصول مياهه إلى مصر، وما كانت حملته لضم السودان لمصر عام 1820 سوى انعكاسا لهذا الإدراك الإستراتيجي.

19_2018-636676928150173598-17.jpg23

مشروع النهضة الثاني، جاء مع الرئيس جمال عبد الناصر؛ الذي جعل من القارة الأفريقية الدائرة الثانية لدوائر الأمن القومي المصري، وأحد أبرز مناطق مد النفوذ والتأثير، وقدمت الدولة المصرية في سبيل تحقيق ذلك الكثير؛ من مساندة دول القارة في الحصول على استقلالها من المستعمر، وتقديم المساعدات الاقتصادية واللوجستية، والفنية لشعوبها من أجل تعميق ترابطها بمصر وشعبها، ولعل مؤيدي ومعارضي الزعيم عبد الناصر بل والتاريخ يشهدون بما حققه عبد الناصر من نجاح كبير على هذا الصعيد، وكل ذلك كان من أجل حماية الأمن المائي المصري.

ولم يكن يخطر بخلد أحد أن أفريقيا يمكن أن تضر بأمن مصر في يوم من الأيام، حتى ابتعدت مصر عن القارة وعن شعوبها، حين غابت الرؤية وضاع الإدراك والوعي بأهمية القارة في حماية شريان الحياة لمصر، وبفعل سياسات السادات ومبارك لعقود طويلة من إهمال للعلاقات المصيرية مع أفريقيا، بل والتعامل بعجرفة واستهتار، ومهانة مع شعوبها وأنظمتها، جاء الرد الأفريقي مزلزلا قويا، بتهديد الأمن المائي المصري، فأصبحنا أمام هذا المأزق الوجودي الحالي، وبعد أن كانت أفريقيا تنتظر موقف مصر لتتبع خطاها، أصبحنا نستجدي تعاون الأشقاء الأفارقة معنا، والوقوف ضد ما أسميه إلى الآن –التشدد الأثيوبي- في قضية سد النهضة، لحماية أمننا المائي.

 ولابد أن أشير هنا أن استمرار ما سميته التشدد، سوف يؤكد كثير من الشواهد والاستنتاجات بأن الأمر يتعدى مجرد التشدد بل التآمر للإضرار بمصالح مصر، بل بوجود مصر ذاته.

وبغض النظر، عن خطئنا التاريخي والاستراتيجي الكارثي، حين تركنا مكاننا ومكانتنا في القارة الأفريقية خالية لألد أعدائنا ومعاونيهم، وأكثرهم طمعا في مياه النيل، فإن المرحلة الراهنة تتطلب منا أن ننتقل من مربع البكاء على اللبن المسكوب، والبحث عن الأسباب، إلى مربع الفعل والمواجهة الحاسمة، والانطلاق من رؤية إستراتيجية جديدة، وغير تقليدية للتعاطي مع هذا المأزق الوجودي، الذي تواجهه الدولة المصرية للمرة الأولى في تاريخها، ويجب أن تكون الأخيرة.

 هذه الرؤية الإستراتيجية الغير تقليدية، وبجانب استعادة دورنا وعلاقاتنا في القارة، يجب أن تتضمن جميع البدائل وسبل مواجهة الأزمة، من أقصاها لأقصاها، لا نستثني بديل.

 وبكل تأكيد يد التعاون والسلام ممدودة لأبعد الحدود وعلى الدوام لأشقائنا الأفارقة؛ فنحن منهم وهم منا، وهم الأبقى لنا، ونحن الأبقى لهم.

ولكن ما أن يعجز أي منهم عن فهم أن ملف الأمن المائي المصري مسألة وجود للشعب المصري، قبل أن يكون للنظام المصري، فلابد أن يكون لدينا من الوسائل والأدوات التي يمكننا بها أن نصحح المسار، ونبعث رسالة إلى الجميع –وفي مقدمتهم القوى الدخيلة على القارة التي  تتصور أن بإمكانها استغلال فقر أو ضعف شقيق أفريقي للإضرار بأمن مصر المائي- بأن لدينا الإرادة والقدرة على حماية هذا الأمن، وحقنا في الحياة، وأن بقاء الدولة المصرية، والحفاظ على حياة الشعب المصري خط أحمر دونه تهون الحياة.

اول ديسمبر2019

عن admin

شاهد أيضاً

رغيف العيش

محمد سيف الدولة Seif_eldawla@hotmail.com   لم تكن هذه هى المرة الاولى الذي يعبر فيها رئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *